الفصل الثالث عشر

176 41 39
                                    

استيقظتُ باكراً بسبب وجعٍ رهيبٍ في رأسي، تناولتُ أدويتي ثمَّ استلقيتُ على سريري انتظرُ أن يخفَّ الألم، وقد عبرت أشعة الشمس الذّهبية من بين الستائر مرتميةً على سريري فبدت كخيطٍ عريض من الذهب الأصفر الساطع.

'لابُدَّ أنّ الطقس جميلٌ اليوم'

وحينما كنتُ على وشك أن أقومَ وأفتح ستائر نافذتي، طُرِق باب غرفتي، ثمَّ فتح الباب وإذ بمايا تحمل كوباً من الماء الدّافئ.

-صباح الخير، سيدة إيامي، هل تناولتِ الأدوية؟

وضعت مايا كوب الماء على المنضدة بجانب سريري ثمَّ أردفت:
-إنَّ الفطور جاهز، سيدتي.
-أجل، شكراً لكِ مايا.

غسلتُ وجهي ثمَّ حاولت السير لوحدي إلى غرفة الجلوس مستندةً على جدران الممر، فمررت بغرف نوم الخدم جميعاً إذ كانت فارغة بالفعل وقد قاموا بحزم أمتعتهم في حقائب كبيرة وضعت بجانب باب المنزل.

توجّهتُ إلى مائدة الطعام فأصابتني الدهشةُ بما رأيت؛ فأيُّ مائدة طعام تلك الّتي كانت تنتظرني! أشهى أنواع الأطباق قد حضّرت ورغم أنّها كانت وجبة الإفطار إلّا أنّه كان هناك أطباقٌ مختلفة من اللّحم والدجاج وكانت جميعها أطباقي المفضلة.

التفتُ إلى السيدة ليزا التي كانت مسؤولة عن المطبخ:
-سيدة ليزا، ما كلُّ هذا؟!

كان هناك أكثر من خمسة عشر طبقاً إذ لابدَّ أنّها استيقظت من الصباح الباكر جداً لإعدادهم جميعاً.

ابتسمت السيدة ليزا ثمَّ قالت:
-فلتكن هذه هدية الوداع، سيدة إيامي، هدية الوداع والشكر لكِ، لقد عملتُ في الكثير من المنازل وخدمتُ العديد من العائلات ولكن لم يعاملني أحد بالطيبة والكرم التي عاملتني بها.

اقتربت مني مايا فسحبت أحد الكراسي الخشبية ثمّ ساعدتني بالجلوس قائلة:
-هذا صحيح، سيدة إيامي؛ فنحن لم نشعر قط بأننا خدمٌ في هذا المنزل بل عاملتنا وكأنّنا أفرادٌ من العائلة.

صبّت السيدة ليزا كوباً من الشاي الدّافئ واضعةً إيّاه بالقرب من صحني قائلةً:
-اليوم، نحن لم نخسر مجرد وظيفة فحسب، بل خسرنا منزلاً كان يحتوينا بدفءٍ أيضاً.

بقيتُ صامتةً للحظات، ألقيتُ بنظرةٍ على تلك المائدة الممتلئة بالأطباق الشهيّة ثم خاطبت ليزا والدّهشة لم تفارق وجهي بعد:
-إذاً..فلنأكل معاً..للمرة الأخيرة، سيدة ليزا!

هزّت السيدة ليزا برأسها ثمِّ قالت:
-نتمنّى ذلك حقاً، ولكنّ الحافلة بانتظارنا في الخارج منذ مدّة.

اقترب الجميع مني يودّعونني واحداً تلو الآخر ثمَّ يخرجون من باب المنزل بوجوهٍ حزينة يجرّون ورائهم واحدةً من تلك الحقائب الكبيرة فلم يبقى سوى حقيبة واحدة تعود إلى السيدة ليزا، وقفتْ عند الباب تنظر إليّ مبتسمةً قائلةً بحزن:
-وداعاً، سيدة إيامي.

الوريثة الوحيدةWhere stories live. Discover now