البارت الحادي عشر ♥️

3K 57 4
                                    



الماضي ..

مرت أيام العزاء كئيبة , ثقيلة على كل من كان يعز عبدالعزيز والد يُمنى .
ومن ذلك الذي لا يعز أو يحب ذلك الرجل الطيب ؟
كانت يُمنى تقضي طوال يومها بداخل حجرتها , لا تتوقف عن النواح والبكاء .
وكان عايض يمرّ بها كل يوم .
ليجدها نسيت كل ما حولها , ونسيت غضبها منه .. فتشكوا إليه حزنها وضيق صدرها .
وتبكي أمامه حتى تقطع قلبه .
ليحاول هو أن يخفف عنها بقدر ما يمكن .
حتى مرت فترة طويلة نوعا ما , عدة أشهر .. حين تمكنت يُمنى من الخروج من ذلك الجو الحزين
بمساعدة من هم حولها , عايض له الفضل الكبير بعد الله .
كل يوم .. تزداد جمالا وفتنة .
وكل يوم .. يتعلق بها أكثر عن اليوم الذي قبله .
حتى وهي تبكي , يجلس ويتأملها فيسبح الله ويذكره آلاف المرات .
الحزن والبكاء والضيق , كل تلك الأشياء لم تتمكن من جمال يُمنى على الإطلاق .
حتى تلك الندبة الطويلة , لم تشوهها أبدا .
بل انسجمت مع ملامح وجهها الرقيقة لتزداد فتنة , وكأنه لمّا يراها حين تبكي .. يصفها بما قاله نزار قباني في إحدى قصائده :
إني أحبك عندما تبكينا
وأحب وجهك غائما وحزينا
الحزن يصهرنا معا ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلة
وتصير أجمل .. عندما يبكينا

ويُمنى أيضا بالتأكيد , كان قربه منها في تلك الفترة الحرجة , مؤثرا .
اعتادت عليه , على وجوده بجانبها طوال الوقت .
ونسيت خطتها في أن تعود وتختبيء عنه مجددا لتجعله يندم على ما قال قبل استقراره في المدينة .
حتى مرت سنة كاملة على وفاة والدها , وعلى اعتيادها على وجود عايض بجانبها .
تلك الفترة من حياتها , جعلتها تحب عايض أكثر .
ومن كل قلبها .
كانت تقول لنفسها أنها محظوظة بشدة .
لم يعد حب طفولتها حبا عاديا , أو من طرف واحد .
نعم تشعر به حين يتأملها , تفهم نظراته الهائمة عليها .
حتى أحاديثه التي صارت رقيقة للغاية .
يحضر لها الكثير من الهدايا بين الحين والآخر .
شعرت بأنها قد كبرت فعلا , وصارت ترى الحياة بطريقة أخرى .. بطريقة أجمل بالتأكيد .
بنفس الوقت , تشعر بأنها لا زالت صغيرة .
حين يدللها عايض وكأنها طفلة , ويحضر لها كل ما تتمناه .
بمعنى أدقّ , صار عايض كل شيء بالنسبة لها .
لم تتوقع أن كل تلك الأشياء كانت مؤقتة , حين أخبرها ذات يوم .. وبعد أن أحضر لها هاتفا , كهدية ليوم ميلادها السادس عشر .
جلس أمامها بكل هدوء , في المقعد الذي صار يخصهم .. خلف المنزل .
مكانهم المفضل منذ سنة .
مد إليها الكيس , وقبل جبينها .. ليحمرّ وجنتيها خجلا ككل مرة .
ثم حاوط وجهها الصغير بالنسبة إلى كفيه / كل عام وانتي بخير يا أجمل يُمنى .
ابتسمت يُمنى / وانت بخير .
مدّ يده خلف رأسها , ليفتح الربطة التي ترفع بها شعرها كله , لينسدل على ظهرها بنعومة / كم مرة أقول لك إني أحب أشوف شعرك ولا ترفعينه يوم أجي .
ضحكت يُمنى وهي تمسك بجزء من شعرها وتضعه على كتفها / كنت أنظف البيت وما توقعت بتجي بهالوقت .
تنهد عايض يحاول أن يخفي همه وحزنه , ليشير بعينيه إلى الهدية / ما بتفتحينها ؟
يُمنى / إلا أكيد .

رواية | وبي شوقٌ إليك أعّل قلبي.Where stories live. Discover now