الجــــزء الثــــامن عشــــر
لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي
وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي
وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه
وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ
وَبينَ الرّضَى وَالسُّخطِ وَالقُرْبِ وَالنَّوَى
مَجَالٌ لِدَمْعِ المُقْلَةِ المُتَرَقرِقِ
وَأحلى الهَوَى ما شكّ في الوَصْلِ رَبُّهُ
وَفي الهجرِ فهوَ الدّهرَ يَرْجو وَيَتّقي
وَغضْبَى من الإدلالِ سكرَى من الصّبى
شَفَعْتُ إلَيها مِنْ شَبَابي برَيِّقِ
وَأشنَبَ مَعْسُولِ الثّنِيّاتِ وَاضِحٍ
سَتَرْتُ فَمي عَنهُ فَقَبّلَ مَفْرِقي
وَأجيادِ غِزْلانٍ كجيدِكِ زُرْنَني
فَلَمْ أتَبَيّنْ عاطِلاً مِنْ مُطَوَّقِ
وَما كلّ مَن يهوَى يَعِفّ إذا خَلا
عَفَافي وَيُرْضي الحِبّ وَالخَيلُ تلتقي
لـ أبو الطيب المتنبي
تجمدت في مكانها ما إن أخبروها ان "ذلك الرجل" قد طلب ان يعقد القران الآن عليها ..
كيـــــف ..!!!!
ولمـــــاذا الآن ..!!!!
ولم بحق الله يرغب بأن يتزوجها بهذه السرعة ..!!!
كل هذه الأسئلة كانت تقف حائرةً وسط صدرها المرتجف ..
ليس بمقدروها التفكير حتى بالاعتراض .. او السؤال عن الاسباب ..!!
ليس وهي واقفةً امام بطي المستعجل بشكل كبير ليعرف رأيها ثم ليُدخِل عليها الشيخ ويسألها ..
سمعت بعقل مشوش صوت بطي الخشن وهو يستعجلها: هاه شميمي أدخّل المليج ...؟!!
أحست بيد آمنة الدافئة تمسك بيدها اليمنى لتخبرها بأنها بقربها وستمد لها القوة اللازمة ..
وبحركة خالية تماماً من الحياة/الالوان/الاحساس/التفكير .... هزت راسها بـ "أجــــل" ..
وبلمح البصر ..
لمحت من خلف الباب ظل الشيخ وهو يلقي السلام عليها ويسألها عدة اسئلة ..
كانت ترى الضباب الكئيب بعيناها وهي تمسك بالقلم وترى كتاب العقد امامها .. تشعر ان الدنيا تدور بها وان الحياة قد اختفت للحظات ..
الغصة التي حاولت نفيها منذ ايام قد تكورت بقوة وسط حلقها لتنبأها بـ حقيقة واحدة ..!!!!!
حقيقة انها الآن كالشاة المُساقة لـ مقصبة الذبح ..!!!!
تريد النواح .. النواح الشديد وذرف دموع الآسى/الخوف من المجهول ولكنها لا تستطيع ..
لا تستطيع ..!!!
احست هذه المرة بـ كف كبير دافئ يمسك بيدها وتُسكن رجفة يديها ..
كانت ترتجف طوال الوقت وهي غير مدركة لذلك ..!!!!
سمعت همس شقيقها بطي يقول لها بـ حنان بالغ: سمي بالرحمن فديتج ووقعي ..
بـ عقل معدوم تماماً ... نزلت عوشة من غرفتها بينما هاتفها يرن بتكرار مزعج .. لم تجب عليه مع علمها الكامل ان الذي يتصل هم ابنائها ..
ولكن للأسف .. فـ جنونها الحالي أبى دخول عاطفة الامومة في قلبها وايثار حاجات الابناء على رغباتها ...
رغباتها ...!!! ... مالذي ترغب بفعله ..!!!!
لا تعرف .. هي لا تعرف ما بيدها ان تفعل .. !!!
هي فقط تريد ان تخرج عن اي مدار يذكرها بأن هناك أمراً محاك ضد ارادتها .. وضد كل ما هي ترغب بامتلاكه ..!!
من الممكن ان تخرج بحل عظيم ما إن يصفو ذهنها ويرتاح عقلها عن التفكير قليلاً ..!!
فتحت حقيبتها وأخرجت مفتاح سيارتها القديمة ..
فـ هي قد تعلمت قيادة السيارة قبل ان تتزوج ولديها رخصة .. ولكن الى الآن لم تجد الحاجة للقيادة بنفسها وهي التي تملك الخدم والسائقين بوفرة ..
والذي كان يواجهها بسؤاله عن حاجتها للرخصة وهي لا تقود ..
كانت تجيبه باختصار شديد ... "هي تفعل ما تريد .. في الوقت الذي تريد" ...!!!!
اتصلت بـ صديقتها المقربة علّها تتمكن من اخراجها من هذه المصيبة التي حلت على رأسها ..!!
وعلى حياتهـــــا ..!!
وقف جميع الرجال بتأهب ما إن سمعوا زغردة النساء .. وهمّ الجميع بتهنئة سلطان الذي كان يقف كالجبل المهيب لا يهزه شيئاً على الاطلاق ..
لم يعرف احداً بالانفعالات التي تعيث في ارض روحه فساداً .. لم يعرف أحداً بتاتاً بالافكار المجنونة التي كانت تختال بـ صورة مزعجة في عقله منذ ايام ..
لم يكن ليسمح لـ "تلك الصغيرة" ان تذيقه علقم الذل مرة أخرى ..!!
لم يكن ليسمح لنفسه ابداً أن يثق بها بعد ما حدث فيما مضى ....!!!
لهذا قرر الامساك بزمام الامور منذ اللحظة الاولى وعقد القران عليها اليوم و"بشكل مفاجئ"..
ابتسم ابتسامة صقرية سوداء ما إن سمع أبا ذياب يقول بـ خبث: ثرك هب هين يا سليطين ..
قهقه سلطان بـ خفوت "مُنتصر" من بين مقلتاه المعتمان: هههههههههههههههه
هتف أبا ذياب موجهاً حديثة لأبنه: بويه ذياب بلاك ..؟!!
ابتسم ذياب بـ هدوء بعد ان حك عيناه الحمراوان: امواصل من البارحة ومصدع ..
أبا ذياب بـ ذهول: شعنه بسم الله ..؟!!
ذياب: ما يانيه الرقاد والله ..
امسك بكتف سلطان ليهتف بـ حزم: دقايق بييب من موتريه بندول ..
سمع صوت أبا سيف الرنان وهو يهتف: بوهامل وين ساير .. الحينه بنحط الغدا ..
إلتفت ذياب للأخير مجيباً عليه بنبرة تقطر تهذيباً: راد راد عميه عبدالله ..
خرج من المجلس ومشى باتجاه سيارته المركونة داخل موقف السيارات القريب من منزل أبا سعيد الداخلي ..
كان من فرط الصداع لم يشعر بنفسه وهو يركب سيارته ويشغل محركها قبل ان يفتح المكيف ويوجهه لـ وجهه ..
بحث في الرفوف عن علبة المسكنات حتى وجدها ..
فتح قنينة الماء الذي جلبه معه ثم سمى بالرحمن وابتلع حبة منها ..
انزل مقعده للخلف ليرخي جلسته قليلاً .. وقرر ان يغمض عيناه لثوانٍ قليلة فقط حتى يبدأ مفعول المسكن بالسريان .. فهو لا يستطيع الرجوع للمجلس والجلوس مع الرجال مع وجود هذا الصداع البغيض ..!!!
ولكن حدث الذي لم يكن بالحسبان ..!!
انتفض بمكانه وهو يسمع الطرقات الناعمة الحادة على نافذته ..
اعتدل بجلسته قاطباً حاجبيه باستنكار من الذي يطرق بهذا الشكل المزعج ..
اتسعت عيناه بـ ذهول وهو يرى طيف فتاة وراء النافذة ..
لم يكن يرى بوضوح من شدة الصداع والارهاق .. بل لم يستطع رؤية وجه الفتاة المكشوف كلياً ..!!
كانت تطرق بهستيرية تامة .. لم تعرف كيف لبست بسرعة حجاب رأسها ولبست حذائها وخرجت ما إن ابصرت من بعيد سيارة أخيها حارب ..
هي ذاته سيارته السوداء .. حتى انها لم تكن لتخرج لو انها لم ترى الرقم الثلاثي المميز الخاص به ..
خرجت وهي تنجرف وراء الحنين، الشوق، الرغبة بالامان بأمواجه الهوجاء راغبةً بـ شم رائحة والدتها منه ..
راغبةً بـ التلذذ بدفئ أباها "القديم" العبق من صدره هو .. آملةً بـ رؤية أخاها عبيد بعيناه هو ..
حارب .. أيها العضيد القاسي .. تعال ..!!
طرقت النافذة حتى غدت يدها اليمنى محمرة ..
وبانفعال عاطفي صرف .... امسكت مقبض الباب وفتحته بقوة ..
ما إن فتحته حتى تسمرت دموع الوجع في محجريها العسليتان .. وارتجف فمها وهي تنظر للرجل "الذي لم يكن بأخيها" !!
كشر ذياب وجهه وخرج كانت تكشيرة مستهجنة غاضبة فـ هو فوق غضبه من هذا الصداع زاد غضبه من هذه التي تقسو على محبوبته "سيارته"..!!!
هتف بـ خشونة لم يتعمدها ابداً وهو يلمح هيئة الفتاة بأكمله ولم يرى بوضوح وجهها الأحمر الباكي: حوووه حووووه كسرتي جامة موتريه ..
(جامة = نافذة)
عنبوه هب ايد عليج ..
عرفته .. كيف لا تعرفه وهو الذي رافق شقيقها عبيد منذ الصغر ورأت كم الاثنان لا يستطيعان مفارقة بعضهما ..!!!
وصلت خفقات قلبها المجنونة عتبات مسامعها .. خفقات كان تصدح بـ جنون الخوف ..
والغضــــــــــب ..!!!!
غضب كان خليط من اسباب عدة وليس من سبب واحد .. أولها خيبتها الكبيرة بأن هذا الرجل لم يكن أخاها حارب ..
ثانيها ان هذا الرجل تحدث معها بطريقة غير لائقة ..!!
وهي أبداً ليست معتادة على هذا التعامل الخشن ..!!!
لم تشعر أبداً بسريان عاصفة هوجاء من العسل داخل مقلتاها وهي تمسك بحافة الباب وتدفعه باتجاه ذياب بقوة عنيفة ..
اتسعت عينا ذياب واتضحت الرؤية امامهما ما ان شعر بالضربة على ذراعه اليمنى ....
ثم صرخ بـ توجع حقيقي: آآآآآخخخخخخخخخخ ..
ما ان فعلت فعلتها حتى ركضت مبتعدةً عنه إلى ان لفحت وجهها أشعة الشمس بصورة طاغية ..
شعرت بأنها لم تأخذ حقها من ذلك المغرور ..
استدارت إليه بـ جرأة غريب "طال زمن خموده في روحها" .. ومدت لسانها بشكل خفيف تخلله احتقاراً "لم يكن بالخفيف ابداً" ..
هنـــــــا ..
رآهـــــــــــا ..!!!!
رآى تجسيد خلقة الله ماراً بـ غرور قاتل أمام مقلتيها المضرجة بـ "العسل" ..
والتقطت عيناه الذئبية بـ سرعة حادة طيف بسمة توقفت بـ خيلاء انثوي ماكر على ثغرها الصغير المتورد ...
أدرك للتو معنى ان يكون للعسل خبث .. وان يكون لـ مذاقه ذلك السم اللذيذ ..!!!
للتو فقط .. استوعب ان قلبه الذي بين جنباته "يعرف معنى الرقص على صفيح من لهيب خالص" ..!!
للتو فقط ..!!
بدأ يشعر أن للدنيا واجهة أخرى ..
واجهة تطل على النعيم ذاته ..!!!
نعيم دنيوي بث فيه رب العزة الجزء القليل من انفاس نعيم الآخرة ..!!
كان صدره يعلو ويهبط بقوة واضعاً يده اليسرى على ذراعه اليمنى محاولاً ان يخفف بحركته انفعالاته الداخلية لا ألمه الخارجي "الذي انحسر تماماً" ..!!!
رمقها من تحت رموشه بـ تشكك ذو ألق غريب ..
لا يعرف ما إذ قابل في حياته صبية لها هالة "أثيرية" كهذه ..
ولكن ..!!
يشعر حقاً إنه رآها من قبل ..
رآى هذه "الجنية" الصغيرة فيما مضى ..!!!
ادخلت موزة لسانها الصغير بشقاوة صامتة واستدارت بسرعة لتدخل المنزل قبل ان يلمحها أحد من الرجال ..
ما ان ركبت الدرج اليتيم الذي كان بقرب مواقف السيارات حتى التوى كاحلها وسقطت ..
: اشووووووووووووه ....؟؟!!!
يعله في ذمتتتتتتج ....!!
حصة: والله نعوم توه المليج ظاهر من عندنا ..
أضافت بتساؤل ما إن ادركت صدمة صديقتها: هو ما خبركم انه ناوي يملج على عموه اليوم ..؟!
ردت ناعمة بحاجبان معقودان: يعني الحينه لو هو مخبرنها بنشدج لو صدق اللي قلتيه ..؟!!
طبعا ما خبرناااا ...
وضعت حصة يدها على خدها بـ ذهول: اويييييييه .. شعنه ما خبركممم ...؟!
تحرينا نحن بس اللي ما نعرف .. ثره هو هب مخبر حد ..
ناعمة بـ حدة كان سببها فعلة عمها سلطان .. فالذي فعله قد يجعل من جدتها محطمة القلب ومجروحة: الله يهداه بس .. الحينه شو اسوي ..!!
ماقدر اخبر يدوه اخاف تضايج ..
حصة: لا لا .. لا تخبرينها .. يوم يرد عمج هو بيخبرها .. احسن يوم هي تعرف منه ..

YOU ARE READING
بات من يهواه من فرط الجوى خفق الاحشاء موهون القوى
Romanceالكاتبه : لولوه بنت عبدالله