إذا استطعت أن تحتفظ برأسك
عندما يفقد كل من حولك رؤوسهم
وينحون عليك باللائمة
إذا وثقت بنفسك عندما يفقد كل إنسان ثقته فيك
ولا تترك مع ذلك مجالاً للشك
إذا استطعت أن تنتظر دون أن تمل الانتظار
أو أن يعاملك الآخرون بالكذب
من دون أن تلجأ إليه
أو أن تكون موضع كراهية
ولكنك لا تدع لها مجالاً للتسرب إلى نفسك
ولا تبدو أفضل مما ينبغي
ولا تتكلم بحكمة أكثر مما يجب
إذا استطعت أن تحلم
ولا تدع للأحلام سيادة عليك
إذا استطعت أن تفكر
ولا تجعل الأفكار غايتك القصوى
إذا استطعت أن تجابه الفوز والفشل
وتتعامل مع هذين
المخاتلين ... الخادعين ... على حد سواء
إذا استطعت أن تكدس كل ما تملك من أرباح و تغامر بها دفعة واحدة
وتخسرها جميعاً ... ثم تبدأ من جديد
من دون أن تنطق بكلمة واحدة عن خسارتك
إذا استطعت أن تعامل الناس
من غير أن تتخلى عن فضائلك
وأن تسير في ركاب الملوك
من دون أن تفقد مزاياك المعتادة
إذا عجز الأعداء ... والأصدقاء ... والمحبون
عن إثارة حفيظتك ... بإيذائهم إياك
إذا استطعت أن تملأ الدقيقة الغاضبة
التي لا تغفر لأحد
بما يعادل ستين ثانية من السعي ركضاً
فلك الأرض وما عليها
وأنت ... فوق ذلك كله
ستكون رجلاً ... يا بُني
لـ روديارد كبلنغ
هتفت لـ شقيقها بـ رجاء لطيف: بطي عنيه افدا خشمك ود صينية العيش بيت عميه بوحميد .. سلطان نسى يشلها وياه ..
رفع طرف شماغه ووضعها فوق رأسه بـ عبثية رجولية .. وقال: ان شاء الله .. خلي البشكارة تحطها في الدبة ..
هتفت بعجلة: ان شاء الله فديتك دقيقة بس ..
نهضت مبتعدةً عن شقيقها الذي دخل منزلها ووالده واشقائه بعد ذهاب ناعمة وجلسوا قليلاً معها قبل ان يقرر ابا سعيد وولداه ابا سيف واحمد الرجوع الى العين تاركين بطي وشما لوحدهما ..
بعد عدة دقائق كان بطي امام بيت عم سلطان .. وبعد ان خرج من السيارة صاح بصوت عالي بإسم طباخ المنزل كي يأتي ويأخذ الصينية الى المطبخ ..
بعد ان اخذ الطباخ ما في سيارة بطي .. قرر الاخير ان يمر على مجلس الرجال ويسلم على العم ابا حميد قبل ان يرحل ..
تحرك شماغه وهو يقترب من باب المجلس الموارب وسقط على كتفيه بعد ان ضربه هواء الليل المحمل بالحرارة .. لكنه استمر بسيره مرتباً وضعيته كي يبدو اكثر فخامة واقل عبثية ..
لم يكن يعلم ان العبثية ستطال مشاعره وتستحيلها الى عاصفة هوجاء ...!!
لم يكن يعلم ان الفخامة ستطال معاني الذهول .. الفاجعة .. الدمار في روحه ..!!
ذهول فخم .. فاجعة فخمة .. دمار فخم ..
الفخامة بأسوء صورها في روح لم تعتد تذوق الا افضل/اسمى/اجمل المشاعر ..!!!
: شو اقول يا ولديه عمك فشل والله انيه اقولها ويوفيه محترق لو عرفت من الاول اللي بيستوي جان ما راح سعيد في شربة ماي شو بقول حق ابوه لي عرف شو بقول حق خوانه لي عرفوا ان اخوهم مات مجتول خبرني شو بقول حق امه وهله يوم بنتلاقى يميع بين ايد رب العالمين يوم الدين ..!!!!!
تبلورت الفاجعة في النقطة المحايدة من دماغه وقلبه تأرجح محاولاً الثبات بتعثر على قارعة الكلمات التي وقف عليها فجأة من غير سابق انذار .....
سمع اسم واحد لـ روح اوجعه فقدها .. روح شقيقه الكبير .. المعلم والوالد .. النصوح الباسم .. الدمث الرقيق ..
اسمه الذي ما زال يرن بين جنبات قلبه يطلب منه ان لا ينساه .....
كيف يا سعيد انسى من حملني بين ذراعيه ايام الطفولة .. وامسك كتفي ايام الشباب ..!!!
كيف انسى من علمني ان للأخوة حبل .. لو قُطع هذا الحبل ينقطع كل ما في الدنيا من اماني .. ورجاوي .. وسعادة ..!!!
كيف انساك أيها الحاضر في القلب .. الغائب عن العين .. المزروع في الروح ..!!!
يا أباً قبل ان تكون أخاً ......
كيف ..!!!
ارتجفت اكمام يده مع ارتجافة جسده المتصلب والكلمات تنزل عليه كـ صاعقة في ليلة خلت منها ضياء القمر .....
قال بـ صوت لم يعرف أخرج من حنجرته المنتفضة .. ام من قلبه الاشد انتفاضاً/دماراً:
: سـ سـ سعييييد .. مـ مجـ مجتوووووووول ..!!!!
ارتفعت الاعين نحوه ذهولاً بالذي سمع حوارهم الجاري ..... والتقطت مسامعه "بصعوبة" همس سلطان المنصعق تماماً:
بطـــي ...!!!!!
اتسعت المسافة بين شفتيه ووجهه الاصفر دلّ "بوحشية" على ما يمر به من مشاعر عنيفة .. مميتة .. هالكة ....... ثانيتان حتى انتقلت عيناه المتسعتان/المظلمتان الى صديقه مكرراً صياحه الذي اشتد بحته مع تبعثر مشاعره/انفعالاته:
ا ا نتـ... إنتوو شو تقولووووون سـ سـ سعييييد ..... مات مجتووووووووول ..!!!!!
الألسنة ما زالت مربوطة .. والقلوب عاجزة عن الرد بأي شكل من الاشكال .....
الا لسان واحد هتف بـ ثبات حاول السيطرة عليه بكل ما اوتي من مهارة .. كان هذا لسان ابو راشد:
بطي .. تعال ولديه بنـ...
انقطعت كلماته فجأة ما ان مر بطي كالريح العاتية بجانبه متوجهاً لـ سلطان ..
امسك بكتفي الاخير الصلبتين بحدة وعيناه تحكيان ألف حكاية مأساوية .. وألف رجاء غارق بالوهن/الضياع/الصدمة .. وهتف بجنون عارم: سلطااااااان شو هاللي سمعته .. دخيلك فهمني .. انتو ما تطرون سعيد اخويه صح ..!!!!
ما تطروون اخويه اناااا صح ..!!!!!
سلطان ارمس دخيلك قبل لا اين دخيييييلك .....
هز كتفيه بـ غضب/فاجعة اعتى من ذي قبل .. وكرر بزمجرة خانقة تنضح آسى: ارمسسسسسس .. هب اخوووويه سعييييييييد صححححح ...!!!!
انتقل ناظر سلطان الغائم بسحب الغموض/الصمت السحيق من عين صديق عمره اليسرى الى اليمنى بإحساس ظاهري جامد ينافي تماماً تبعثر روحه العاصف ...
الذي كان يخشاه قد حدث ....
الطريق الذي تباطأ بالسير عليه كي لا يصل الى نهايته انتهى .. وها هو صديقه يستقبله في الميناء معلناً عما اكتسحه من ألم لا يضاهيه ألم .. ضياع لا يضاهيه ضياع ..!!!
كيف له تشويه لمعان الأمل والرجاء بعينا صديقه هكذا .. وبكل بساطة ..!!!!
كيف له ان يقول بكل صفاقة "اجل .. اخاك مات مقتولاً .. وانا من وقفت حائلاً بين الخبر وانتشاره" ..!!!
كيف بحق العزيز الجبار ..!! ........... كيف ...!!
مرت لمعة جبارة امام مقلتيه .. ثم اشتدت قامته بلا ارادة منه .. بلا ارادة من هيجان انفعالاته الداخلية المجنونة .. وهتف بصرامة ثابتة لا تهزها رياح الشتاء ولا الصيف:
اللي سمعته صدق .... سعيـ..
اوقفه صوت ابا راشد الهادر معلناً رفضه التام/استهجانه: سلطاااااااااااان ..
لم تتزحزح عينا سلطان ولم ترمش .. بل اشتدت صرامته بأن اكمل بكل قوة امتلكها يوماً: سعيد اخوك مات مجتول ..
انزل ابا حميد عيناه بأحساس اثقل كاهله .. انزل عيناه غير راغباً البتة برؤية الوجع بعينا بطي .. بينما زمجر ابا راشد بقسوة غاضبة حادة: سلطاااااااان انت تخببببببلت ...!!!!
هتف سلطان بـ جمود وعيناه تحاوطان وجه بطي "المتصنم تماماً امامه والميت من كل احساس يذكر":
في الاخير الصدق لابد يظهر في يوم يا بوراشد ..
اقترب ابراهيم من بطي وهتف بضيق/استياء من الموقف الصعب من جميع نواحيه: يا بوخويدم نباك تستهدي بالله .. تعوذ من بليس واذكر الله ووو....
شهقة حادة غليظة خرجت من أعمق نقطة في حنجرة بطي واخذ يسعل بشدة على اثرها ....
امسكه سلطان بـ جزع كي لا يقع ارضاً .. ولكن الاخير دفعه بعنف متوحش هاتفاً ببحة ميتة من بين سعاله الخشن المختنق:
خـ خـ ـ ـ ــوز .. عـ عنيـ ـ ـ ــه ..
امسك صدره وقبض بقوة على ثوبه وسعاله الذي خرج نتيجة حبسه كمية كبيرة من الهواء بسبب الصدمة ما زال مستمراً .. بصورة اشد/اعتى ..
الحقيقة كانت اكبر من قلبه ..... اكبر منه بكثير .....
رفع عيناه إليه ..... وسقط قلب سلطان من الدماء المتجمعة بمقلتاه ....
عيناه اللطيفتان على الدوام استحالتا لشيء خارج نطاق معاني اللطف كلياً الآن ....
استحالتا لعينا اسد غاضب .. هائج .. مجنون .. مستعد للهجوم بكل ما اوتي من وسائل للفتك ....
هتف وجسده يرتجف من هول المصيبة .. والفاجعة .. مصيبة خيانة الصديق وفاجعة مقتل الشقيق:
منـــــوه ..!!!!
اهتزت نظرة سلطان وهو يرى الألم يصرخ من بين تقاطيع وجه صديق عمره .. وعجز عن فعل اي شيء ....
لأول مرة يشعر بهذا النوع من العجز .....
العجز الذي يشعرك انك حقير .. دنيئ .. انك ما دون الروح التي تستحق الاحترام .. والثقة .....
انك خنت عهد الصداقة الملفوف بشرائط محملة بروائح المسك ....
كانت نظرة صديقه كالسهم الملتهب .. ولن ينساها ما دام يتنفس هواء الدنيا .....
وقف ابا راشد بينهما ليمنع سلطان من التفوه بأي كلمة .. وهتف مهدداً بقسوة بالغة:
ان رمست زود شغلك بيكون ويايه انا شخصياً يا سلطان ..
التفت نحو بطي وأردف بـ صرامة اكثر جبروتاً: اصلب طولك بوخويدم واذكر الله .. ادريبك مصدوم من اللي سمعته بس نحن بنفهمك كل شي ان عطيتنا فجة بارك الله فيك ....
امسك بكتفه واضاف محاولاً تهدئته .. فنظرات بطي الدامية اصبحت مرعبة بشكل لا يطاق: ايلس ولديه ايلس
لم يشعر ابا راشد الا بـ جسده يُدفع بقسوة نمرودية حتى ارتمى على جسد ابراهيم الذي كاد يسقط اثر سقوط جسد الاخير عليه .. والتقطت عيناه المتسعتان من الذهول انقضاض بطي على تلابيب سلطان مزمجراً بـ غضب/جنون تكحلا بـ ظلمة الحسرة وعظم المصيبة: منووووه اللي جتل اخوووووويه انططططططق .. منوووووووووه ..!!!!!
اغمض سلطان عيناه بقوة كي يتمكن من كبح جماح انفعالاته ويستكشف الحل لهذه المصيبة ...
فـ بطي عندما يغضب "مصيبة لوحدها" ..!!!
هتف بهدوء شديد "مستفز بلا تعمد منه" وما زالت يداه موضوعتان بجانبه لم تتحركا ولم تصدرا اي ردة فعل:
كيف اقولك وانت زاخنيه من بلعوميه ..!!
قرّبه بطي إليه بوحشية كاسحة حتى كاد انفيهما يتصادمان .. وصرخ بأعلى/اغلظ صوتٍ لديه:
ووووالله وووالله ان ما ودرت هالبروود عنك وقلتليه منو ذبح سعييييييييدد .. حراااااااام ين الليلة دفنتك على ايييييييديه ..
هز جسد سلطان العريض الطويل هزة اخذت كل قوته .. فـ سلطان كان أطول منه بعدة سنتيمترات .. وأعرض بعدة كيلوجرامات .. وصرخ مكرراً بغضب اعمى/مظلم/مخيف:
انطططططططططققق ..
فجأة .. شعر بيدان تمسكان ذراعيه وتضعانهما وراء ظهره وصوت صارم قاسي يهتف قرب اذنيه:
بتخلينا نضطر نستعمل وياك القوة ..
تحرك بطي وهو يصرخ مستنكراً فعلة ابا راشد به .. وعيناه تنتقلان بين الوجوه وكأنهم مجرمين متنكرين بهيئة الملائكة ..
حاول دفع يدا ابا راشد مزمجراً بعيناه الحمراوتان الغارقتان بنيران الآسى/حرقة القلب:
خوز فج عننننيه خبروووووني منو ذبح اخوووووويه .. خبروووووني والله انيه ذباااااااحه وووووالله ارمسووووووووا ..
تمكن ابا راشد بمساعدة ابراهيم من اجلاس بطي على الاريكة .. لكن بطي ما زال يدفعهم عنه بوحشية ضارية وزئيره غدا اكثر بحة .. اكثر اختناقاً .. اكثر حدة .. "اكثر فقداً للعقلانية" وهو يوجهه لـ سلطان الثابت كالجبل الصامت:
تكودتوا عليه يالخمممممه .. هاااااااااااه ..!!!! تكودتوا عليه يوم عرفت بسواتكم الخاااااااايسة انتو اللي ذبحتوا اخووووويه هاااااااااااه انتووووووو ياللي ما تخافون الله ..
اتسعت الاعين بـ ذهول صاعق .. وسرعان ما هتف ابا حميد بنبرة صادمة منفعلة مستنكرة: يا ولديه انت شتقوووول ..!!!! عيب والله عييييب رياييل بلحااااانا والشيب غزا روووسنا وجيه ترمسناااااا لا والله ما هوب هاذي علوم خويدم اللي حطها فيييك .. لا والله ما هوب هاذي هذا ونحن في ايام فضيلة يا بطي .. لا حول ولا قوة الا بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
كرر بطي كلامه المحترق وكأنه لم يسمع اي شيء .. فـ هو مفجوع .. مفجوع أيها البشر وفاجعته احرقت روحه وقبلها "عقله":
انتووووووو .. انتووو ذبحتوووووووه .. ليييييييش ..!!!!
خبرووووووني لييييييييييش ..!!!
شو سواااااااااابكم .. ارمسوووووووا .. خبرووووووني شو سوااااااااابكم ..!!!!!
تقدم سلطان من بطي هاتفاً لـ ابا راشد بنبرة جامدة غامضة:
بوراشد طوليه بعمرك باخذ بطي ويايه ..
هتف ابا راشد معارضاً باستنكار شديد: عسب تفر عليه العلوووم كلهااا ..!!! ... لا ابووويه استريييح .. هذا خبل ما نعرف شو بيسوي لي عرف ..
اجابه سلطان بثقة عالية وعيناه تحدقان بـ وجه بطي الممتقع الشاحب الخالي من ألوان الحياة والبهجة بطي المهتاج تماماً وغير المستوعب بما يتفوه به لسانه الآن: بطي هب خبل يعرف زين مصلحته ومصلحة هله واللي يغليهم ثق فيه بوراشد انا بحل السالفة ان شاء الله ..
زفر ابا راشد زفرةً تلتهب من الحنق .. ثم نظر الى بطي الذي يرتجف غضباً/دماراً بشكل مخيف .. وتراجع وابراهيم عنه .. ثم وقف وقال مؤشراً بسبابته:
تعرف زين يا سلطان اللي ينقال واللي المفروض ما ينقال .. لا تخيب ظنيه فيك ..
هز سلطان رأسه بثقة مجيباً بحركة لا تتعدى مجال الكلمات .. واقترب من بطي هاتفاً بنبرة خشنة وانما هادئة:
تعال معايه بوخويدم ..
وقف بطي ودفع بقسوة عنيفة صدر سلطان وتقدمه كي يخرج من المجلس .. بينما تنهد الأخير محاولاً كبت غضبه من حركته ملتمساً له العذر الكامل .....
فـ هو لو كان بمكانه لن يرتاح قلبه حتى يحرق المجلس كله بما فيه ...!!
بعدها استدار ولحقه .....
.
.
.
روحه ما عادت تتحمل الصمت اكثر .. يشعر ان دماغه غدت كفوهة بركان انفجرت حممها وسقطت على كامل روحه المتألمة ....
فكرة ان شقيقه قد قُتل .. وان خاتمته لم تكن طبيعية تجعل سيطرته على نفسه تترنح .. وتتلوى .. وتتضائل ..!!!!
امسك بتلابيب سلطان وهزه بجنون هادراً بغضبٍ ملتهب: آخر شي كنت اتوووقعه انك تخوووووونيه ..
تخوووووون اخوووووك وعضيييييييدك يا سلطااااااااااان ..
هزه اكثر هادراً بصوت ارتعدت له الأمكنة .. والاشجار: تخوووونيه انااااااااا .. انااااااااااااا ..!!!!!
امسك يدي بطي وانزلهما بقوة من على صدره هاتفاً بحزم بالغ: سب واشتم وفج حرتك مثل ما تبا .. بس لا تتريا منيه حرف واحد وانته بهالحالة ..
ابتعد عنه قليلاً مقترباً من ثلاجة ماء سبيل .. واردف بهدوء ساكن وهو يشمر ساعديه الصلبتين:
تعوذ من الشيطان الرجيم وتعال تمسح يا خويه .. واللي تباه منيه بيصير ان شاء الله ..
انتفضت اوداج بطي قهراً من برود هذا الذي على ما يبدو لا يعي حجم مأساته .. ولا يعي خيانته التي كسر بها ظهره ..
أشاح بوجهه وهو يغمض عيناه الحمراوتان محاولاً بضعف شديد السيطرة على نيران روحه المشتعلة ..
أتاه صوته اكثر سكينةً .. واشد ليناً .. وكأنه آتياً من زمان/مكان بعيد: تعال يا بوخويدم لا تعاند .. والله انيه ما ازداد ..
الرسول عليه الصلاة والسلام قال فإذا غضب أحدكم فليغتسل .. تعال تمسح عسى الله يخمد هالنار المشبوبه في يوفك ..
نظر إليه نظرة منكسرة .. منكسرة وانما رجولية تشوبت بروح اعتادت على الاعتداد/الشموخ/سمو النفس .. وبلا ارادة منه كان يتقدم منه حتى غدا خلفه .. وغمغم بصوت جاف جامد اختفى اثر ألمه الملتاع/انفعاله المهتاج: عليه الصلاة والسلام ..
بدأ سلطان بالوضوء .. وبعد ان انتهى تراجع قليلاً حتى يفسح المجال لـ بطي ..
وبعد ان مسد بطي اخر عضو من جسده .. ابتعد حتى اقترب من احدى النخيل العالية الشامخة .. وجثى "بعنف/وهن روحي مدمر" على ركبته ..
ووضع يديه بجانبي رأسه معتصراً اياه بشدة .. واخذ يغمغم بنبرة مبحوحة اقل حدة .. ولكن اتت على شكل هذيان بثمالة عقلية كاملة: يالله .. يالله ..
يارب ..
رحمتك يارب ..
شو اللي يستوي يارب ..!!!! .... سعيد اخويه مجتوووول ...!!!!
مجتووووووووول ...!!!!
شقاااااايل ....!!! هذا سعييييييييييد ....
انقطع صوته المختنق وهو يكمل بمشاعر منفلتة/هائجة/غارقة بالقهر: سعيييييييد هذا يا عرب الله سعيييييييد ..
سعيييد اللي لا عمره ضر حد ولا كلى مال حد ..
مصلي مسمي ذاكر الله .. عمريه ما ريته مزعل اميه ولا ابويه .. لا هوب قاطع لرحاااامه ولا يعرف طريج الحرااام والمنقوووود شقااااااايل خبرووووني دخييييلكم .. والله بتخبببببببل .. بتخبببببببل يا مسلمييييييين ....
اتى سلطان من خلفه قبل ان يرفع رأسه الى السماء الصافية ويقول بنبرة ساكنة المشاعر هو هكذا عندما تتقاذف آلام الدنيا عليه يصمت ويتجمد وتتلوى مشاعره حتى تتعب وتنقلب لوضعيتها الصلبة الجامدة هذا ما تشربه من عمله الذي امتد لسنوات:
في هالدنيا توقع اللي عمرك ما بتتوقعه ..
انتقلت عيناه الى النخيل المصفوف بجانب بعضه قرب بوابة الحديقة الصغيرة الموجودة في الحي الذي يسكنه عمه ابا حميد .. ورجع يهتف بذات نبرته الساكنة:
ارفع راسك يوم بتييب طاري سعيد .. اخوك ما مات عبث ..
والله انه ما مات عبث ..
مات رافعن راسه وراس هله وبلاده ..
ولولا شغلنا .. والخطر اللي بيلحق اليميع لو انكشف سر موته .. جان انت اول من ييته وقلتله عن كل شي يخص سعيد ولا ترييت كل هالوقت عسب تعرف باللي صار بهالطريقة ..
رص على فكيه بشراسة وهو يقطع حديث سلطان بـ قهر اسود/خيبة تخللها شعور الخيانة المُر: اسسسسكت .. اسسسسكت .... اللي صار في جفة .. واللي سويته فيه يا اللي عديتك خوي روح جفة ثااااانية ..
هب مستعد ابد اسمع منك تبريرات .. اللي بينيه وبينك شي واحد الحينه يا ولد ظاعن .. سؤال واتريا اجابته ..
وعقبها انا في درب وانت في درب ..
رفع رأسه ونظراته الشبيهة بالأسهم تُرسل لسلطان الذي ارتجفت اوردة فؤاده من كلمات صديقه القاسية .. واكمل بكل قسوة تجسدت في قلبه الملتاع:
منو جتل سعيد ..!!!
اشتد الجمود في تقاطيع وجه سلطان ونظراته تتشتت نحو كل شيء عدا نحو الذي امامه .. تارةً ينظر الى النخيل والاشجار .. وتارةً ينظر الى الأزهار والورود الصامتة تحت ليلة ظلماء ساكنة .. وتارةً ينظر الى الاطفال الذي يلعبون هنا وهناك .. منظر ليلي صاخب نعتاد رؤيته في ليالي رمضان الفضيلة .. فالليل في رمضان له نكهة مختلفة .. نكهة لذيذة عذبة لا تُقارن مع ليالي السنة كلها .. ليل رمضان عامر بالأمان/السكينة ..
تنهد متمتماً بالاستغفار .. ثم قال وهو ينظر لـ بطي نظرة سوداء جانبية:
هب قبل لا تعطينيه وعد ان كل اللي بقوله يتم امبينا ولا يعرف به اي مخلوق في الكون ..
صرخ بـ غضب عارم مليء بالغيظ/الحقد: مالك حق ابدددد تتشرط عليه عقب اللي سوووويته .. ابدددددد مالك حقققق ..
هز سلطان كتفيه بصقيعية تامة "مدروسة" .. وقال: خلاص عيل .. وانا ما بفتح ثميه واقول شي يلين ما تعطينيه هالوعد ..
زمجر والغضب تملك كل خلية من جسده من جديد: سلطاااااااااااانن ..
رفع سلطان حاجباً واحداً وقال بحزم واثق: تعرف زين انيه ما بثني رمستيه .. عطني وعد انك تخلي اللي بقوله امبينا وانا بقولك اللي تبا تعرفه .. غير جيه اسمحليه ..
هب بطي واقفاً وصاح بغيظ شديد وهو يضرب كتف سلطان بعنف حاقد .. وقال بخضوع مجبور أثار غضبه اكثر مما هو مُثار: ارمسسسسس .. ما بخبررر حد .. ارمسسسسسسس ..
نظر سلطان باستهزاء لكتفه .. وقال ببسمة قاسية ساخرة: والله وقمنا نضرب ربعنا يا بوخويدم ..
عقد بطي حاجبيه رافعاً جانب خده بحركة مخيفة/ساخرة/مستنكرة: اوه اوه اوه تعرفون انتو الربعه والمخوه شي طيب والله ..
شخر بسخرية علقمية واكمل وهو يهز رأسه بخيبة اطفأت لمعان عيناه كلياً: شو اقول بس شو اقول حسافة العمر وياك حسافة مخوة السنين وانا اللي عطيتك ختيه عطيتك ماي عينيه من زود غلاتك عنديه ما ظنيت انيه بعطيها لواحد ما يستاهل لـ خوّان خان العشرة وخان ربيعه ..
ازدرد ريقه الجاف بصعوبة .. واكمل بـ اقتضاب جاف/جامد: منو اللي جتل سعيد يا سلطان ..!!!
كان ينظر للأرض الخضراء من حوله متلقياً كلمات صديقه السامة بـ كل صمت جبار/ثبات صلب ..
يتوجع يتوجع وهو يرى الكره بعينا صديقه يتوجع من اتهاماته/قسوة كلماته يتوجع هو من احساسه المستمر بأنه حقاً خائن وحقاً دنيء ......!!
ما الذي يجب ان يُقال والتبريرات لا تفيد ..!!
كان مجبوراً ان يصمت .. عمله اجبره على هذا ...... التفوه بـ سر كهذا كان سيؤذي اهل سعيد .. وسيشوش سير التحقيقات ...
يالله .. وجعه يتضخم .. ويتفرع .. والعجز الخالص هو ما يشعر به الآن .....
اخرج نفساً حارقاً من فمه .. وقال بجمود ينافي هيجان روحه:
دقيقة ..
نظر بطي الى سلطان بقسوة/بحدة وبدأ يتتبع حركاته المريبة ..
اخذ سلطان يتلفت بجسده وعيناه تحاوطان كل جزء من الحديقة ليتأكد من خلو المكان من الأعين المتربصة والآذان الصاغية .. ثم رجع الى صديقه وهو يضع كفه داخل جيبه .. وقال بإقتضاب صارم: تعرف عبدالوهاب الـ ...!!!
رفع بطي حاجباً واحداُ .. واجاب بغلظة شديدة: سامع به .. بلاه ..!!!
زم شفتيه وهو يرتب الكلام الذي سيتفوه به بعقله .. وبدأ يحكي بحذر شديد كيف بدأ سعيد بالعمل معهم .. كيف دخل بين جماعة ابا مرشد .. وعلاقته السرية معهم .....
لم يتشعب في الحديث ولم يتطرق لعلاقة ابا حارب وعائلته في الموضوع وانحصرت كلماته على سعيد وعمله السري مع الأمن ..
اتسعت عيناه بـ ذهول أليم .. وهمس بنبرة اثقلت حنجرته الجافة: سعيد كان يشتغل وياكم ..!!!!
سلطان بنبرة حازمة خشنة جامدة: هيه نعم كان تحت اشراف عميه بوحميد قبل لا يتقاعد وعميه حاط اللوم على روحه لانه في اليوم اللي المفروض سعيد يسلمه الادلة اللي ادين جماعة بومرشد اضطر يسافر ووكلي هالمهمة بس سعيد ما كان يعرف بالتغييرات اللي صارت في الخطة وانا حاولت اتصلبه بس ما رد عليه وبومرشد في هاك الوقت قدر يكشف سعيد وطرش رياييل عسب يخطفونه ..
صمت قليلاً ليأخذ نفساً عميقاً ملتهباً ليكمل بهمس غليظ: بومرشد عسب ما يخلي الشكوك والشبهات تحوم حوله خلى سعيد يرمسكم وايقولكم انه في الفجيرة عنده قضايا لازم ينتهي منها تم بين ايدينهم وانقطعت علومه كلها يلين هاك اليوم ليلة اليوم الوطني لقينا جثته جدام باب المؤسسة ..
وضع كفه على جبهته واستند على نخلة قريبة منه وهمس بـ وجع بحسرة بقهر دامي: وييتوا انتو وقلتولنا انه توفى في حادث ونحن الاغبيااا صدقنااااا .....
خرجت آه خشنة ... غليظة ... مختنقة من اعمق نقطة من حنجرته .... آه آلمت سلطان حتى افقدته النطق .. والنبض:
آآآآآآآآآآآآخ .. آآآآآآآآخ يا سلطاااااااااان كسرت ظهريه يا ريااااااال .. كسسسرت ظهرررريه ......
وضع سلطان يده على كتف صديقه .. وبدأت مشاعره تنفلت حتى انقلبت نظرته للذبول التام .. ذبول اليأس المدمر .. وهمس بخشونة ضعيفة .. وهنة: والله يا بطي كنت مجبور .. والله انكم يا عيال خويدم اغلى من المال والنفس .. لوو كنتـ ...
صاح بـ غضب مرير ... بـ قهر غارق بالصدمة والحسرة: صخخخ .. هب متحمممل اسمع حسسسسك صخخخ ..
دفعه بقوة متوحشة واكمل صياحه الملتاع: لو تمووووت وتحيا جداااامي يا سلطااااااااان ما بسااااااامحك على اللي سوييييييته فيه لو تموووووووت ..
ابتعد عنه بخطوات متعثرة ثقيلة "كثقل الهموم التي انقضت عليه بلا استئذان" وعيناه تحكيان قصص طويلة من مشاعر متهالكة مدمرة .. مهتاجة .. تاركاً خلفه صديقاً دمرته عاصفة اجتاحته على حين غفلة في ليلة غير متوقعة البتة ...!!
نهار يوم جديد
اغلق الهاتف بنفسٍ ضاقت عليه ..
هذا السالم لن يترك قلبه بسلام ..
تباً ... ما فيه يكفيه فـ لمَ المزيد ......!!
منذ البارحة وهو لم يذق طعم الراحة .. الشرط الذي وضعته شقيقته احتل فكره ..
ليس وكأنه منزعج من ان تقيم تلك العسلية بـ منزلها القديم .. بل لأنه يعلم ان الشرط سيكون صعب التنفيذ لأنه سبق وسمع جزء من حديث مر على مسامعه بلسان عمته سلامة وجدته بخصوص نفور موزة من منزلهم في العاصمة وكرهها دخوله اثر ما شهدته من مأساة في ليلة مقتل والدتها ..
يعترف ان حمائم الحزن حلقت فوق قلبه عندما سمع ما جرى .. وفكره انجرّ يومها الى موزة طيلة الوقت .. لكن مشاغل الدنيا ولحظات العمر التي تمضي كالبرق قادته لـ نسيانها المؤقت والتلفت لأمور أخرى ..
لطالما كنّ لها مشاعر مبهمة .. لم تكن بالحب الخرافي .. ولا بالاهتمام الزائد عن حده .. كانت مشاعره تجبره على الخضوع لسلطة اسمها بصورة اثيرية ولا ارادية ..
لطالما أحب النظر إليها في الطفولة .. أحب بسمتها الشقية .. تصرفاتها الماكرة غير المتوقعة .. تلصصها الخفي عليهم وهم يلعبون كرة القدم في الشارع ..
كان يسلتذ بالنظر إليها من تحت رموشه وإلى عيناها العسلية المتلألئة من الحماس وهي تنتظر اي فريق سيفوز .. ويبتسم بانتصار منتشي عندما يقبض عليها بالخفاء تقفز من السعادة عندما يفوز فريقه هو لا فريق شقيقها عبيد ..!!!
ليس حباً به بالطبع ... بل على ما يبدو .. نكايةً بأخيها ....
كان بالمختصر يحب حضورها الطاغي وهي التي لم تكن تتعدى عامها التاسع ....
وعندما علم بأمر فقدانها صوتها شعر بتلقصات عاتية بمجرى تنفسه ..
شعر ان تلك الصغيرة ليست ابداً تلك الروح التي تستحق الألم/المعاناة .. شعر ان تلك العسلية الحلوة لم تكن لتستحق ما واجهته من فاجعة ..!!
وقتها تمنى لو تمكن من ازالة آلامها بمجرد ضغطة زر على قلبها .. تمنى لو كان لديه القدرة على جمع اوراق الوجع المنثورة على ارض صباها الخصبة ورميها بمخلفات الماضي بلا عودة ... ويرحل ..!!!
لم يكن يريدها هي .. بل اراد فقط بث السعادة في روحها والرحيل ...!!!
كل ما شعر به من مشاعر انقلبت رأساً على عقب عندما رآها في نهار يوم ملتهب الحرارة .. بعيناها اللامعتان بشرارات العسل .. ووجهها نفسه الناضح بالمكر الجميل والشقاوة اللذيذة .. يعترف ان بعد ذلك اليوم تمكنت تلك منه ..
من سلب فكره ..
من احتلال جزء ليس هيناً في قلبه .....
ولم يكتشف تعلقه الغريب بها الا عندما علم برغبة سالم بخطبتها .....
زفر بحرقةٍ تفجرت بالقهر ... والغيرة .....!!
لمَ هي بالذات يا هذا ...!!
ألم تجد سوى من احتلت كيان الذئب ...!!
توقف فجأة عن السير بين ممرات المؤسسة التي يعمل بها وهو يفكر .....
بعدها استل هاتفه وضغط على آخر رقم اتصل به .. وهتف بحزم شاسع: ألو .. سالم
: هلا بوهامل ..
مرر ذياب لسانه على شفته السفلى ورص على عيناه ليقول بمكر: في شي ابا اتأكد لو عندك علم به ولا لا ..
هتف سالم باستغراب: شو بوهامل خبرني ..!!
رفع ذياب حاجباً واحداً وقال بنبرة خشنة: انت تعرف ان بنت العرب اللي تباها ما ترمس ..!!
رفع سالم كلتا حاجبيه بـ صدمة مباغتة وقال: كيف يعني ما ترمس ..!!!
رفع ذياب جانب فمه بـ لذة انتصار .. واردف: ما ترمس .. البنية فاقده حسها من يوم توفت امها ..
صاح سالم بـ ذهول/خيبة عارمة: طرماااااا ...!!!
عقد ذياب حاجبيه بـ غضب شديد وكلمة "طرما" خدشت مشاعره بشكل غريب أليم .. واجابه بصقيعية جافة:
تروم تقول جيه ..
شعر سالم بالاحراج/التوتر .. وتلعثم وهو يقول: أ أ أ بـ بس .. مـ ماعرف شو اقولك ..
متأكد انت ..!!!
ابتسم باستهزاء خبيث والذي طمح لنيله على ما يبدو اصبح بين قبضته: هيه نعم متأكد ..
ها .. عدك معزم تخطبها ..!!!
حك سالم رقبته والربكة وصلت اوجها في روحه .. وقال بعد صمت وجيز تخلله توتر/اضطراب:
تعرف يا خويه هالشي هب عيب بـ بـ بسس ...
تنحنح بخشونة واضاف والعرق يتصبب من جبهته من الربكة الشديدة: بـ بس ان طعت انا اتجدم الها الوالده ربيه يحفظها ما بطيع ..
اتسعت ابتسامة ذياب على نحو مظلم .... الا انه هتف بـ حزم بالغ اخفى تحته مكر شيطاني: اهم شي رضا الوالدين يا بوغنيم ..
اردف بإصرار ليسمع اجابة نهائية واضحة: يعني ما ارمس حارب ..!!!
هتف سالم بنبرة سريعة مرتبكة: آ آ لا لا .. لا ترمسه .. خلاص الله هب كاتب اليه نصيب ويه هله ..
اغلق الهاتف عن صديقه وثغره يشتعل بـ ابتسامة شيطانية منتصرة .. لكن سرعان ما انطفأت هذه الابتسامة لتلتمع عيناه بحقد وقهر .. حقد وقهر من رفض سالم الارتباط بـ فتاة كـ موزة لمجرد انها بكماء .....
تخيل لوهلة ان تكون احدى شقيقتيه محل موزة .. لن يتحمل ابداً رفض اي مخلوق لها لمجرد انها تعاني بكم مؤقت ..!!!
بكم يمكن معالجته وليس أبدي البقاء ...!!!
مع هذا .. شعر ان هم ضخم الجثة وقع من على قلبه .. واخذ يحمد الله بداخله ان الامور سارت كما اراد .....
.
.
.
امسكت حذائها وهي تصيح بصوت عالي: يااااااااايه ياااااااااااااايه امااااااايه ..
ثم اخذت تبحث وهي تهمس بصوت خافت: ياربيييه وين حطيت غرشة المااااي .. ميتة عطش ابا اشرررب ..
اففففف هاذوووه ..
امسكت قنينة الماء واخذت تشربه بعجل وعيناها على باب الغرفة تخاف ان يدخل احد الاطفال عليها وهي تشرب الماء ويفضحها في المنزل بأكمله .. لا ينقصها ابداً ثرثرة ابناء عمومتها أو ابناء شقيقها سيف .....
رمت القنينة الفارغة في سلة القمامة ومسحت فمها من بقايا الماء وهرعت الى الخارج كي تنزل وتوافي اهلها الى السيارة فهم قد قرروا مسبقاً ان يذهبوا الى التسوق كي ينتهوا من التجهيز للزفاف المرتقب رغم ان حصة اعلنت رفضها التام بالذهاب الا ان الجدة ام سعيد اجبرتها بعد سيل طويل من الصراخ/التوبيخ ان تخضع للأمر ....
سمعت حصة تتذمر بنبرة حادة: الناس صيّام وانتو تبون اظهروونا في هالقااايله .. صبرك يااااربي ..
دفعتها جدتها بخفة موبخةً باستهجان: فضل عنج .. وخير يا طير صيّااام ..!!!! الصيام هب بس رقاد وتسدح وتبطح .. ما فيها شي لو ظهرتن الحينه وخلصتن غريضاتكن .. عن المنكر بنت عبيدان ويلا انقفظي ..
عضت ميرة شفتها بـ شقاوة وهمست قرب اذن حصة: هههه الله رحمني اليوم .. لو انا صايمة جان طحت عليكم ..
تنهدت حصة بغيظ وهي تخرج الى الخارج وتغطي وجهها .. ثم قالت بصوت خافت كي لا تسمعها جدتها:
لا ابا اتزهب حق هالعرس الزفت ولا اتشرى شي .. اففففف شحقه ما يبون يحسووون فيه ..!!
ميرة بـ خوف: اييه عن تسمعج يدوه وتعق عليج هاذيج الرمسه اللي ما بتعيبج ..
اشاحت بوجهها بضيق شاسع غير راغبة ابداً بالتفكير بموعد الزفاف الذي يستمر بالاقتراب .. يكفيها الى الآن مشاعرها المستنفرة مما يفعله ذلك البغيض بها ....
زمت فمها بغيظ وهي تتذكر انفجارها العاتي بوجه مهرة عندما اتصلت الاخيرة بها قبل يومين كي تهنئها بقدوم شهر رمضان .. شعرت بالاستياء/الندم عندما ادركت متأخراً انها زادت معيار التوبيخ القاسي لها وان الاخيرة اغلقت الهاتف عنها بعد ان تهدج صوتها معلناً عن تأثرها المتألم مما سمعته ..
تذكرت جملتها الأخيرة المليئة بالحزن الرقيق
"آسفة حصيص .. هو اللي خلاني اقولج انها منيه .. وانا ما كنت اعرف انه بيطرشلج كعبول .. حرجت عليه وقلتله ان الهدية هب حلوة تفضضضح"
علمت حصة عندها ان مهرة لم تكن على علم بمخطط شقيقها ولكنها لم تستطع اخماد غضبها منها وتمرير ما حدث بسهولة ..
خرجت من سيل افكارها وهي تسمع ميرة تهمس لها بغيظ: انتي حوه ..!! ذليتي ربيعتيه ترى .. ما يسوى عليها جذبت عليج جذبة بيضا .. جانها من يومين وهي تترجاج ترمسينها وانتي بولباااااااس ..
رفعت حاجباً واحداً .. وردت بنبرة جافة: دواها .. شعنه تجذب وتقول ان الهدية منها .. متعاونه ويه اخوها عليه هالطفسه .. ما برمسها يلين ما تصطلب ..
ميرة بذات نبرة الغيظ: عنبوووه ترى السالفة ما ترزى مهاري اعرفها اكثر عنج على نياتها واللي ينقالها بتسويه بليا اعتراض ..
وبعدين شو صار فيج ..!! لا نقص منج ريل ولا ايد ..
حرام حصيص لا تجسين قلبج عليهاااا ..
صمتت حصة بجمود وهي تدرك تماماً ان ميرة لا تعرف ان فلاح تعمد ارسال الببغاء إليها ليغيضها ويسخر منها .. قالت باقتضاب تام: انتي خلج بعيد .. انا اعرف شو اسوي ..
ميرة بحنق/اصرار: ماشي .. اليوم ادقين عليها واطيبين خاطرها .. الا مهاري عاااااااد ماقهر اشوفها متضايجه ..
وبعدين الدنيا رمضاااان مايوز جيه تشلن في خاطركن على بعض ....
.
.
.
بعد ساعات
رأس الخيمة – منزل الجد حارب
اسند ذراعه على المركأ وطوى ساقه اليمنى ووضعها تحت جسده .. وقال باهتمام: علوم الشغل وياك ..؟!
جلس ذياب كـ جلسة حارب بينما ظلت ذراعه ممدودة فوق الوسادة التي خلفه .. واجاب: والله علوم الخير يا بو محمد يا غير هاليومين مرتبشين مع وفد النقد الدولي .. وغير جولة المشاورات القنصلية اللي بتكون بينا وبين روسيا بعد رمضان ..
هز حارب رأسه بـ إيجابية .. وقال: قريت عن خبر وفد النقد في الجريدة البارحة .. ما شاء الله كانت اصداءاتهم ايجابية ومهمة بخصوص تقييمهم للآداء المالي في مؤسسات وبنوك البلاد ..
ذياب بثقة: هيه نعم .. طبعاً ما خلت السالفة من التوصيات ووجهات النظر المختلفة الا ان في الاخير قدرنا نطلع منهم تقارير ايجابية واشادات رسمية بالتطور الواضح في القطاع المالي الاماراتي عقب الازمة الاقتصادية في العالم ..
حارب ببسمة فخورة: بيض الله ويوهكم .. وترى بلادنا نموذج يحتذى به عالمياً في المجال الاقتصادي .. الكفاءة والأمن اهم سماتها .. اللهم لك الحمد
ذياب باقتناع/ثقة: الحمدلله رب العالمين على النعمة ..
شرب آخر رشفة من قهوته .. وقرر محادثة حارب بشأن شرط شقيقته ما دام جده ابا محمد ما زال في الداخل .. فـ الاخير بعد ان تناول الافطار معهم وجلس قليلاً يسامرهم الحديث .. استأذن كي يتعبد الله ويقرأ القرآن: يا بومحمد بغيتك في رمسة صغيرونة ..
هتف حارب باهتمام: اسمعك بوهامل ..
ما ان بدأ بفتح فمه ليتحدث حتى انتفض واقفاً عندما دخلت كلاً من الجدة ام محمد والعمة ام العنود .. وقف حارب معه مرحباً بنبرة رجولية رنانة: مرحبا الغوالي مرحبا اقربن اقربن ..
ابتسم ذياب بـ حب عارم لتلك الجدة الذي يكن لها الحب الكبير .. والعاطفة الحلوة العذبة .. وهتف مقترباً منها:
حي هالشووووفه في ذمتيه .. تو ما تباركت البقعة بماطااااج يالغالية ..
دنى بجسده من جسدها الضئيل الصغير وقبّل رأسها بينما ردت هي بنبرة مبحوحة غارقة بالعاطفة وعيناها تلتمعان حناناً امومياً بحت: وايه علني افدا هالعييين وهالمنطووووق .. ربي يحييك ويبجييك يا ولد هامل .. وينك يا ولديه امرره ما نشووفك ..!!!
لا قمت تلفي علينا ولا تبري عوقنا برويااااك ..
امسك ذياب بذراعها ومشى بها حتى يريحها من عناء الوقوف .. وقال: والله انيه مقصر يا عين ذياب .. وامررره ما اليه عين ارمس لجنكم تعرفون غلاتكم في فواديه .. وما بيبعدني عن داركم الا الدنيا وتلاهيها ..
ثم وضع كفه اليمنى على صدره وقال معتذراً برجولية صادقة: خالوه عاشه السمووحة ما سلمت عليج ..
شحوالج فديتج شو صحتج ..؟!
ابتسمت ام العنود من خلفه برقعها .. وقالت بعاطفة امومية جياشة .. فهذا الذياب دائماً يذكرها بـ عبيد ابن شقيقها رحمهما الله: مسموح مسموح ابويه سمح الله ذنبك .. هاذي موزة بنت سعيد .. ينجلب القلب ويه البال بشوفتها فديتها ..
بخير وسهالة طوليه بعمرك ..
ومن صوبك ..؟! شحوالك وشحوال الوالد وامايتك العوده ..؟!
انزل عيناه احتراماً ومودة وقال: كلنا بخير وعافيه يعلج سالمة من الشر .. ومبروكين الشهر الفضيل .. يعل ربي يعوده علينا وعليكم بالصحة والسلامة ..
ام العنود: علينا وعليك وعلى يميع أمة محمد ياربي ..
ابتسم حارب بود لعمته وتحرك قليلاً لتجلس مكانه .. وظل الأربعة يتبادلوا الاحاديث الخفيفة الحلوة دقائق معدودة قبل ان يعلن المسجد القريب منهم عن صلاة العشاء والتراويح ..
لكزت ام محمد فخذ ابنتها لتهتف بـ حزم بالغ: عاشه اربعي سيري هاتي المدخن ..
هب حارب واقفاً وهو يهتف بقوة: يسي يسي عموه انا بييبه ..
امسكت ام العنود كتف حارب لتهتف بحزم اشد: لا والله ما تنش انا بييبه ايلس ..
قال وهو يستوقفها: عموه ما عليج اماره زقري يديه حق الصلاه ..
هزت ام العنود رأسها بإيجابية ثم ذهبت لتجلب المبخرة وتنادي والدها .. بعدها رجعت واعطت المبخرة لام محمد بأمر منها كي تبخر الرجال بنفسها .. ثم قدمت لهم دهن العود الفاخر كي يتطيبوا به قبل ذهابهم الى الصلاة ..
وبعد ان انتهت الصلاة .. رجع الرجال الى المنزل .. الى مجلس الرجال الخارجي تحديداً .. قبل ان يهل رجال الحي والاقارب والجيران عليهم كعادةٍ لا تنقطع في ليالي رمضان ..
وبعد ان حل منتصف الليل .. بدأ الرجال تدريجياً في الخروج فمنهم من يرغب بالنوم قليلاً قبل صلاة التهجد ومنهم من فضل ان يقوم الليل كله حتى موعد اذان الفجر ..
وقف ابا محمد هاتفاً بنبرة حازمة تخللها ارهاق طفيف: برايكم عيالي بسير اريح شويه ..
وقف حارب ليساعد جده في الوقوف ثم تركه عندما استقام واكمل طريقه الى خارج المجلس ..
جلس امام ذياب وقد فرغ المجلس بأكمله من الرجال ولم يبق غيرهما .. ثم هتف بنبرة مهتمة:
الذيب شو بغيت تقول قبل لا يحدرن علينا الحرمات ..!!!
عدل ذياب من جلسته قليلاً .. وقال وقد تذكر حديثه الذي انقطع قبل سويعات قليلة: هيه صح ..
مسد شفته العليا بالسفلى بسرعة ليقول بعدها بنبرة حازمة مترقبة: الاهل وافقوا ..
تحفزت مشاعر حارب بعنف مفاجئ .. وصمت منتظراً سماع الحديث العالق بين اهداب ذياب .. اضاف الاخير:
بس عندهم شرط ..
رد حارب بخشونة رنانة: اعتبره تم وصار ..
ذياب بنبرة متأنية ذات معنى: لا اصبر .. لازم تعرف شو هو بالاول ..
شعر حارب ان اوردة قلبه تتضارب مع بعضها تحفزاً وترقباً .. وشعور عدم ارتياح بدأ يجتاحه من صوت ذياب المريب .. مع هذا هتف هو بحزم ثابت لم ينثني: قول .. واعتبره صار ان شاء الله ..
صمت ذياب قليلاً محاولاً ترتيب الكلام بعقله .. ثم رفع عيناه الى حارب وقال بنبرة مباشرة:
شرطها تيلس في بيت هلك في بوظبي
شعر ان زفرة ارتياح عارمة صدحت رنينها في روحه .. ظن لوهلة ان شرطها تعجيزي فنبرة ذياب كانت تثير الريبة بحق .. ولكن ما كادت تلك الزفرة ان تكتمل حتى شعر ان قصور الآمال والامنيات تتهدم امامه بثانية واحدة فقط وهو يتلق كلمات ذياب غير المتوقعة: واختك ربي يحفظها ويستر عليها وياكم ..
رص عيناه وحاجبيها بذهول صادم: ختيه ..؟!
رد ذياب بربكة بعد ان لاحظ ذهول حارب من الشرط: هيه نعم .. ها شرطها .. ان اختك تعيش وياكم في نفس البيت ..
اسند ظهره على الوسادة وظل صامتاً والافكار تتقاذفه يمنةً ويسرة ....
صدمة الكلمات اشعرته بالعجز ..!!
يعرف الجميع تمام المعرفة عقدة موزة من دخول منزلهم ويعرف هو جيداً الحالة الهستيرية التي تمر بها كلما تذكرت معاناتها فيه
كيف له ان يقنعها الآن بكل بساطة ان عيشها في منزلهم هو شرط تلك النجلاء ..!!!
هز رأسه بـ توتر حاول اخفائه لكنه لم يستطع .. التفت الى ذياب وقال بفكر مشوش: بس ها شرطها ..؟!
شعر ذياب بالندم لأن جارى اخته المجنونة بشرطها الغريب هذا .. والأسف لرؤية حال حارب وهي تنقلب امامه بعنف .. لكنه هتف بصوت منخفض وانما ثابت: هيه بس ها ..
تنحنح حارب كي يبث في روحه الثبات/القوة .. وقال بنبرة اشد قوة وحزماً: انزين عنديه سؤال ..
هتف ذياب بسرعة: اسأل ..
نظر حارب الى عينا ذياب وقال باستغراب: شحقه هالشرط يعني .. هب القصد انيه رافض .. لا
بس مستغرب لا اكثر ..
هز ذياب كتفه ليجيبه بصدق: والله يا خويه ماعرف .. انا يوم تنشدتها قالتلي ان هالشرط خاص فيها وما تبا تقول اسبابها لحد ..
ازدرد ريقه بسرعة ليهمس بعدها ببال مزدحم وقلب ينبض بالاضطراب/الألم: خير خير ان شاء الله ..
صمت قليلاً ليضيف بحزم:
السموحة يا ذياب هالشرط يخص ختيه .. انا ملزوم اخبرها عنه واعرف شو رايها .. لو هو يخصني والله ما يرخص على بنت هامل ..
اجابه ذياب بثقة عالية: صادق صادق يا بومحمد .. ملزوم تخبر الاهل وتعرف رايهم .. امرره خذ راحتك ..

YOU ARE READING
بات من يهواه من فرط الجوى خفق الاحشاء موهون القوى
Romanceالكاتبه : لولوه بنت عبدالله