١.رُوتِينَ

311 19 7
                                    

Vote please

------------------------

اسْتَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ فَوْقِ سَرِيرِهِ الْمُكَرْمَشِ.

كَانَ صَبَاحُهُ مُخْتَلِفًاً،فَالْجَمِيعُ يَكُونُ مَلِيئًاً بِالطَّاقَةِ فَوْرَ اسْتِيقَاظِهِ..
الِا ذَلِكَ الرَّجُلُ ذُو الشَّعْرِ الْمُجَعَدِ.

فَرَكَ مَقْلَتَيْهِ وَ تَبَعْثَرَتِ اهْدَابُهُ بِأَنَامِلِهِ الطَّوِيلَةِ قَبْلَ انْ يَتَثَائَبُ وَ يَتَمَدَّدُ بِخِفَّةٍ،
هُوَ يَشْعُرُ بِالْخُمُولِ مَهْمَا طَالَتْ سَاعَاتُ نَوْمِهِ.

لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ حَقًّاً انْ يَتْرُكُ السَّرِيرَ وَ يَخْرُجُ لِذَلِكَ الْعَالَمُ الْمُوحِشِ،
لَكِنَّهُ مُتَضْطَرٌّ.
ذَهَبَ لِيَرَى انْعِكَاسَهُ بِالْمَرَآهِ،
ابْتَسِمَ بِإِنْكِسَارٍ،
كَانَ هُنَاكَ خَطًّاً ابْيَضٌّ يَصِلُ بَيْنَ عَيْنَاهُ وَ اسْفُلْ وَجْهُهُ،كَانَتْ الدُّمُوعُ الْجَافَّةُ الَّتِى لَمْ يَلْمَسْهَا احْدٌ.
كُلُّ مَا يَسْمَعُ هُوَ صَوْتُ الْمَاءِ الْهَابِطِ مِنْ الصُّنْبُورِ ،يَهْبِطُ عَلَى رَاحَةِ يَدَيْهِ لِيَنْثُرَهُ هُوَ عَلَى وَجْهِهِ لِيُزِيلَ آثَارَ الدُّمُوعِ وَ النَّوْمَ مِنْ مُحْيَاهُ الْحَزِينِ،وَ لِيَرْتَدِيَ قِنَاعُ اللَّامْبَالَاهْ مُجَدَّدًاً.

اسْتَطَاعَ اخِيرَا اخْرَاجَ ابْتِسَامَةٍ مُزَيَّفَةٍ بَعْدَ مُحَاوَلَاتٍ عَدِيدَةٍ امَامَ مِرْآتِهِ لِأَنَّهُ سَيُكْمِلُ بِهَا يَوْمَهُ حَتَّى يَعُودَ لِتِلْكَ الْمَرْآهِ مُجَدَّدًاً خَافِيًاً دُمُوعَهُ مِرَارًا وَ تَكْرَارًا.

خَرَجَ لِيُخْرِجَ مَلَابِسَهُ مِنْ تِلْكَ الْخِزَانَةِ الَّتِي تَفُوقُهُ حَجْمًاً، ارْتَدَى مَعْطِفُهُ الْبَنِيَّ الطَّوِيلَ وَ قَبْعَتُهُ بِذَاتِ اللَّوْنِ لِيَتَخَطَّى عَتَبَةَ بَابِ شَقَّتِهِ دُونَ وَضْعٍ شَيْئًاً بِجَوْفِهِ.
كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مُمِلًّاً بِالنِّسْبَةِ لَهُ.. بِدَايَةً مِنْ رُكُوبِهِ لِسَيَّارَتِهِ حَتَّى ذَهَابِهِ لِعَمَلِهِ وَ الْأَنْغِمَاسِ بِهِ الَى رُجُوعِهِ لِفِرَاشِهِ لِيَنَامَ بَاكِيًاً،كَانَ هَذَا رُوتِينَ حَيَاتُهُ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ مُنْذُ ارْبَعَةِ سَنَوَاتٍ.
انْغَمَسَ بِالْعَمَلِ فَوْقُ ذَلِكَ الْمَكْتَبِ الَّذِي تُظْغِي عَلَيْهِ اللَّمَسَاتُ الْكِلَاسِيكِيَّةُ،كَانَ الْمَكْتَبُ خَشَبِيًّاً بُنِي اللَّوْنِ بَيْنَمَا كَانَتْ هُنَاكَ ثُرَيًا مُشِعَّةً مُتَدَلِّيَةً فَوْقَ رَأْسِهِ،
بَعْضُ الْأَرَائِكِ الْجِلْدِيَّةِ وَ النَّبَاتَاتِ الَّتِي ذَبُلَتْ بِسَبَبِ قِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِهَا لِتُصْبِحَ جُذُوعًاً فَارِغَةً كَمَنْ حَلَّتْ عَلَيْهَا رِيَاحٌ عَاتِيَةٌ اوْقَعَتْ جَمِيعَ اوْرَاقِهَا.
أَنْهَى كُلُّ شَيْءٍ ،حَتَّى طَاقَتَهُ فَنَتْ.
كَانَتْ طَاقَتُهُ تُسْتَحْدِثُ مِنْ الْعَدَمِ ، وَ تَفْنَى ايُضًاً، وَ هَذَا الَّذِي يُنَاقِضُ قَانُونَ حِفْظِ الطَّاقَةِ وَ بِشِدَّةٍ.. رُبَّمَا سَيَكُونُ يُولْيُوسْ مَايْرْ الْآنَ غَاضِبًاً مِنْ هَذَا،لَكِنَّهُ وَاقِعُنَا وَلَيْسَتْ اكْتِشَافَاتٍ .
ذَهَبَ مَعَ جَذْبِ الْأَرْضِ لَهُ لِيُنْهِيَ اخْرَ دَرَجَةٍ مِنْ ذَلِكَ السُلَمِ لِيَتَنَهَّدَ ثُمَّ يَخْطُوَ بِبُطْءٍ لِسَيَّارَتِهِ الْبَيْضَاءِ .
قُرَّرَ الْيَوْمَ الَا يَعُودُ لِمَنْزِلِهِ مُبَاشَرَةً..
قَرَّرَ الذَّهَابَ لِلْمَتْحَفِ الْكَاثُولِيكِيِّ ،
رُبَّمَا يُظْهِرُ اسْمُ ذَلِكَ الْمَتْحَفِ انْهُ مُتَدَيِّنًاً يُظْهِرُ تَمَاثِيلَ الْمَسِيحِ وَ السَّيِّدَةِ الْعَذْرَاءِ،
لَكِنَّهُ كَانَ فَقَطْ مُتْحَفًاً بِهِ صُوَرٌ وَ تَمَاثِيلُ كَأَيِّ نَظِيرٍ لَهُ.. لَكِنْ كَانَ مُمَيِّزًاً بِالنِّسْبَةِ لَهُ،
لِأَنَّهُ يُنْعِشُ ذَاكِرَتَهُ بِمَاضِيهِ وَ يُولِجُ لَهُ الْمَشَاعِرَ الَّتِي فَقَدَهَا مِنْ جَدِيدٍ.
رُبَّمَا كَانَ يَذْهَبُ هُنَاكَ لِأَسْتِذْكَارِ لَحَظَاتِهِ الْحُلْوَةِ ،
وَ رُبَّمَا ذَهَبَ هُنَاكَ لِأَنَّ الْقَدْرَ يُخَبِّئُ لَهُ شَيْئًاً مَا .
تَقَدَّمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ذُو الْهَالَةِ الصَّامِتَةِ نَحْوَ تِلْكَ اللَّوْحَةِ الَّتِي شَدَّتْ مَشَاعِرَهُ وَ عَقْلَهُ كَالْمِغْنَاطِيسِ.
مَجَالُ الِابْتِعَادِ كَانَ ضَئِيلًا بَيْنَمَا عَيَّنَاهُ تَجَوَّلَتْ عَلَى كَامِلِ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْمُصَوَرِ الَّذِي يَبْدُو وَ كَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ نَعِيمِ عَدَنَ عَلَى هَيْئَةِ أَلْوَانٍ مُمْتَزِجَةٍ
وَ نَظَرَاتٌ لَامِعَةٌ مَخْفِيَّةٌ بَيْنَ طَيَّاتِ اللَّوْحَةِ.
كَانَ هَائِمًاً لِدَرَجَةٍ وَشَوْكِهُ عَلَى لَمْسِ اللَّوْحَةِ وَ تَحَسُّسَ وَجْهُ الْفَتَى بِدَاخِلِهَا وَ كَأَنَّهُ سَيَتَحَسَّسُ جِلْدُهُ الرَّقِيقُ الْوَاقِعِيُّ لَكِنَّهُ لَمْ يُوشِكْ حَتَّى قَطَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَامِلُ.
"مَمْنُوعٌ لَمْسُ اللَّوْحَاتِ سَيِّدِي..رُبَّمَا تَفْسُدُ."
هَمْهُمُ الْمَعْنِيُّ بِبُطْئٍ وَ ابْعُدْ يَدَهُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْهَوَاءِ
رَفْعَ رَأْسِهِ مُجَدَّدًاً لِيَنْظُرَ لِوَجْهِ ذَلِكَ الْفَتَى
وَ انْتَابَهُ شُعُورُ الْمُبَادَلَةِ!..
هَلْ تَسْتَطِيعُ لَوْحَةُ مُبَادَلَةِ النَّظَرِ؟
فَرَّقَ بَيْنَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ نَظَرَ فَجْأَةً لِسَاعَةِ يَدِهِ لِيَجِدَهَا الْحَادِيَةَ عَشَرَ!
هَلْ انْغَمَسَ لِتِلْكَ الدَّرَجَةِ بِمُجَرَّدِ لَوْحَةٍ لِفَتًى؟..
رَجَعَ تَايْهِيُونْغْ بَيْتَهُ بَعْدَ تَرْكِهِ لِلْمَتْحَفِ خَلْفَهُ وَ شُعُورِهِ بِتَفَتُّتِ عِظَامِهِ كُلِّهَا.
فَتَكَتْ بِهِ رَأْسُهُ لِيَشْعُرَ بِالصُّدَاعِ الْأَلِيمِ وَ عَيْنَاهُ تَثْقِلَانِ مِنْ الْأَلَمِ ..
وَ سَقَطَ مُنْهَارًاً فَوْقَ ارْضِيَّةِ غُرْفَتِهِ الْخَشَبِيَّةِ مَغْشِيًّاً عَلَيْهِ.
رُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ رَاحَةً اعْطَاهَا لَهُ الرَّبُّ لِإِلْهَائِهِ عَنْ الْمِ قَلْبَهُ الَّذِي يَحْرِقُهُ بِالْكَامِلِ.
لَرُبَّمَا كَانَ يُعْطِيهِ تِلْكَ الْمَرَارَةَ الَّتِي بِقَعْرِ الْكَأْسِ
لِإِمْضَاءِ الْحَيَاةِ وَ مُعَانَدَتِهَا..
فَقَطْ هُوَ افْتَقَرَ لِلشُّعُورِ،الشُّعُورُ بِأَيِّ شَيْءٍ.
اشْتَاقَ لِلتَّحَدُّثِ،اشْتَاقَ لِلنَّغَزَاتِ الَّتِي بِقَلْبِهِ عِنْدَ الشُّعُورِ بِالْفَرَحِ.
كُلُّ مَا يَشْعُرُ بِهِ هُوَ الْفَرَاغُ..
فَارِغٌ جِدًّاً.
انْقَبَضَ قَلْبُهُ فَجْأَةً مِمَّا جَعَلَهُ يَسْتَفِيقُ مِنْ شَدِّهِ الْأَلَمَ.
جَعَدَ حَاجِبَيْهِ وَ انْكَمَشَتْ مَلَامِحُهُ بِلَمْحَةِ بَصَرٍ لِيَجْلِسَ مُعْتَدِلًاً وَ هُوَ يُمْسِكُ بِخَافِقِهِ بِإِزْدِرَاءٍ.
"لِمَا عَلَى الْحَيَاةِ انْ تَكُونَ لِعَيِّنَةٍ هَكَذَا؟
لِمَا عَلَى الْبُكَاءِ وَحْدِي لِمَا؟
اهَذَا مَا اسْتَحَقَّهُ يَا إِلَهِي؟
اهَذَا مَا انْقَذْتُ نَفْسِي لِأَجْلِهِ؟
اهَذَا مَا هَرَبْتُ لِأَعِيشَهِ؟
ارْجُوْكَ اصْلِحْ حَيَاتِي اوْ فَقَطْ خُذْنِي إِلَيْكَ"
صَرَخَ تَايْهِيُونْغْ بِكُلِّ مَا اُوْتِيَ مِنْ قُوَّةٍ
وَ هُوَ جَالِسٌ فَوْقَ الَارْضِيَّةِ يُنْظَرُ لِسَقْفِ غُرْفَتِهِ.
بَرَزَتْ عُرُوقُ جَبْهَتِهِ وَ احْمَرَّ وَجْهُهُ مِنْ شِدَّةِ الصُّرَاخِ.
"انَا فَقَطْ سَئِمْتَ"
اكْمِلْ بِتَمْتِمَةٍ لِيَجْهَشَ بِالْبُكَاءِ.

---------------

أَوَّلُ جُزْءٍ..
كُنْتُ سَأَنْشُرُهُ مُقْسَمٌ عَلَى جُزْئَيْنِ لَكِنْ رَأَيْتُ انْهُ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ فَهُوَ قَصِيرٌ بِالْفِعْلِ.
دَامَ قُرَّائِي بِخَيْرٍ.

  مُـعَـلَـقٌ Where stories live. Discover now