كبرت فجأة الجزء الثاني

737 26 3
                                    

#كبرت_فجأة 2

*عام 1993
مرت على هذه الواقعة قرابة (34) عام، لتفجع القرية بخبر وفاة أحد شيوخها المسنين الملقب بأبو محمود، خرجنا جميعاً لتأدية واجب العزاء، وتركنا أحمد في المنزل وحيداً ، جلست بين الجموع بجسدي، وعقلي وجُل تفكيري عند أحمد، خشيةً عليه بأن يهرب أو يقوم بإذاء نفسه، وددت لو ذهبت له حالاً لكن واجب العزاء حال دون ذلك.
بعد مرور ساعة طلبت من إبني محمد بأن يذهب إلى المنزل ويلقي نظرةً على أخيه، ليطمئن قلبي على حاله. ذهب محمد لكنه لم يلبث قُرابة الربع ساعة، حتى رأيته يركض صوب بيت العزاء وهو يصرخ بهسيرية مطلقة وهو يقول:
_أبي، لقد هاد أحمد إلى رشده.
أحدث جلبةً في المكان فتدافع الجميع حولنا مشكلين حلقة ينتصفها محمد وهو يروي ما جرى معه، فقال وإبتسامته تشق محياه:
_عندما وصلت إلى المنزل، كان أحمد يقف عند البوابة،ما ان وقعت عينيه عليه، حتى بادرني بالسؤال عن نفسي قائلاً، من أنت؟ فأجبته أنا أخوك محمد. فبمجرد ان نطق حتى فهمت كلامه على الفور، فنطق بقوله هذا دون تلعثم، ودون ان يقوم بحركاته السابقة التي عهدناها منه، ثم إنها أول مرة يتحدث بها أحمد معي منذ ان أصابه الجنون.
_تابع حديثك يا بُني.
_فسألني لماذا انا في هذه الثياب المتسخة، وحالتي يُرثى لها؟، كيف كبرت إلى هذا الحد في يومٍ وليلة؟ ثم اطرد يسأل عنك وعن أمي. تركته على ما هو عليه وأسرعت لأخبرك بالأمر.

ترقرقت دمعةٌ في عيني فحاولت حبسها أمام هذه الحشود المتجمهرة أمامي وهي تكاد تأكلني بنظراتها. ذهبت إلى البيت وتبعني أكثر من نصف رجال القرية المتواجدين في بيت العزاء، ما ان وصلنا حتى رفع يده للترحيب بنا وهو في كامل وعيه.
تقدمت بضع خطوات إلى الأمام متخطياً الجميع ووقفت بين أحمد والرجال الذين يقفون خلفي وجميعهم يفغرون أفواههم بدهشة، وقلت له وانا أمد يدي للأمام :
_أحمد؟
_أبي؟
ركض مسرعاً نحوي بمشهدٍ تقشعّر له الأبدان، وبدأ يقبل يدي ورأسي :
ودموعه تقطر من ذقنه المهمل، وبدأ ينهال علي بالأسئلة، فقال لي :
_كيف كبرت فجأة؟ لماذا ملابسي متسخة؟ كيف كبر إخوتي إلى هذا الحد في ليلةٍ  ضحاها؟ في أي عامٍ نحن الآن؟
بكيت بحرقةٍ غير مُبالي بمن هم حولي، إحتضنت رأسه وهو ينظر إلى الجميع بإستغراب. ربّت على كتفه وقلت له:
_سأخبرك بكل شيء بالتدريج ولكن ليس الآن.
إقترب مني أحد رجال القرية المسنين ووضع يده على كتفي وقال لي وهو يهمس في أذني:
_أبو أحمد، اريد إخبارك بشيء.
_ليس الأن أرجوك، فأنا في أوج سعادتي.
_الأمر متعلقٌ بأحمد.
_تفضل ،قل لي ما هو هذا الشيء؟
_انت تعلم بأني وابو محمود رحمه الله أعز أصدقاء.
_نعم ادري بهذا، رحمه الله.
_أتذكر اليوم الذي قمت به بإعداد العشاء لجميع رجال القرية؟
_نعم، وأذكر أيضاً بأن بعد هذا العشاء بيومين مرض أحمد بالحُمى.
_صحيح وأصيب بعدها بالجنون.
_حسناً، تابع قولك.
_في يوم العشاء، قام أحمد بواجب الضيافةِ وكأنه رجل رغم أنه لم يتجاوز التسع سنوات آنذاك، فقال أبو محمود رحمه الله موجهاً كلامه لي وهو يمعن النظر في أحمد، أتدري لو أن أبو أحمد لم يرزقه الله بغير أحمد، لن يشعر بالضيق، فوالله إنه طفلٌ بألف رجل، طفلٌ يسبق أقرانه بالفطنة وحسن الضيافة.
_وما شأن ذلك بمُصابه؟
_لم يُعاين خيراً بعد قوله هذا، برغم انه يملك المال والبنون، فيبدوا أنه قد قام بحسده دونَ قصدٍ منه.
_لماذا لم تخبرني في وقتها، فلو أخبرتني لأخذنا ماء الوضوء الخاص به ليغتسل أحمد بهذا الماء، وبهذه الطريقة تسقط عين العائن، فلا يسقطها إلا ماء الوضوء أو وفاة العائن.
_لم أفطن لذلك، ثم إني خشيت بأن أتهمه بهتاناً وزوراً، فكما تعلم انا رجل يبتعد عن المشاكل دائماً، فكيف ذلك مع رفيق عمري، ولم أتيقن من صحة ذلك الأمر إلا بوفاته.
سألت بعض الرجال الذين كانوا معنا في ليلة العشاء، فأكدوا بدورهم على قوله وسامحت السيد أبو محمود، فمن المؤكد بأنه لم يقم بذلك الأمر إلا حباً بأحمد، فلا يشترط بالحسد ان يكون بغير حبٍ فقط، بل هناك بعض الأطفال يحسدون من ذويهم.
حمدت الله كثيراً على ما وصلنا إليه الآن، لتعم بذلك الفرحة أرجاء منزلنا وتنتهي قصة أحمد وحالة الجنون التي أصابته فجأة. فلا يمنع العين سوى الله، فأحسن ظنك بالله واتبع الأسباب وقم بالرقية الشرعية، لتتجنب مثل هذه الأحداث.
.. تمت..
تنويه:
القصة بأحداثها وتواريخها حقيقية، وقد ذكر حقاً الحسد في القرآن الكريم، رافقتكم السلامة والعافية، وليحميكم الله وأطفالكم وذويكم.
#بِــقَلَمـــي 💜🕊️

الجانب المظلم Where stories live. Discover now