الرحى |الجزء الثاني

66 6 0
                                    

بمجرد دخولها بيتي، ذهبت لتعملَ مع الخدم، كنت اتحاشاها وكأنها إحدى قطع الآثاث الموجودة في المنزل، وما أن تمر صوبي حتى أُشيحَ بنظري عنها، لم أكن أطيق النظر لها.
لا أنكر بأن زوجتي كانت فظةَ غليظةَ القلب معها وأمي كذلكَ الأمر، يعاملنها أسوء معاملة، يصفنها بأبشع الصفات، منعنها من التزيُن حتى تسريحَ شعرها منعنها منه.
مضت الأيام ولم اجلس معها ولو لمرة، لم أحدثها حتى، جاءت أمي بعد مضي شهرين على وجود سعاد بيننا وهي تصرخ وتقول: متى ستقتص منها، فأنا لا أطيق رؤيتها في منزلي.
_اليوم يا أمي.
جهزوها لي ودلفت عليَ في حجرتي، امتنعت عنها فلم أطق النظر في عينيها، شعرت بالغِل والحقد اتجاهها. اخبرتها بأن تخرج، فطاعتني. ليعاودوا الإلحاح في اليوم الثاني، فعاودوا تجهيزها وادخالها عندي، كانت هذه أولى المرات التي أنظر فيها لسعاد، لكن وللأسف، وقع شيءٌ في قلبي اتجاهها، فقد خفقَ قلبيَ الأحمق لها كما لم يخفق لسواها، لكني أخفيت حقيقةَ الأمر هذه عن كل من في البيت ومن بينهم سعاد.
تكرر إجتماعي بها قرابة الشهر، حتى جاء موعد سفري للتجارة، مسافة سفر طويلة أقود بها سيارتي، دائما ما كانَ ازدحام الأفكار في رأسي يكون حول التجارة التالية، او مقتل أخي، او أي امورٍ أخرى، لكن في سفرتي هذه كان تناطح أفكاري يختلف كلياً على غير العادة، فكنت لا أفكر سوى بسعاد، نعم لقد سرقت قلبي وعقلي وتفكيري وكياني وكينونتي وكوني، فبتُ أسيراً لحبها، رغم وجودها فقط للقصاص.
انهيت تجارتي وعدت إلى المنزل فاستقبلتني أمي وزوجتي بالتهاليل والترحيب والأحضان، فجعت في البداية فلم يسبق أن استقبلوني بكل الرحابةِ هذه، فأخبرتني أمي بخبر حمل سعاد، ليسقطَ خبرها هذا على قلبي كالنار في الهشيم، حاولت تصنع السعادة أمامهم، وأخبرتهم بأن يريحوها بحجة الحمل.
مع مرور شهور الحمل بدت سعاد أكثرَ جمالاً من ذي قبل، كنت ادعو الله بأن تضع أنثى ليطول بقائها معي. الغريب في الأمر أن حجمَ بطنها كانَ كبيراً بشكلٍ غير معقول. جاء موعد المخاض، فدلفت أمي حجرتي وهي في أوج سعادتها، لكني بدأت اتفصدُ عرقاً، وأدعو الله بأن تكونَ قد انجبت أنثى، لكنها قالت بأنها وضعت طفلين، ليزداد قلقي أكثر فأكثر، فقال: وضعت سعاد فتاةً وصبي.
أحسست بإختلاجٍ في قلبي، فلا أريد لها الذهاب، ولا أقدر بأن أرغمها على البقاء، خرجت امي وبدأت بالبكاء على فراقها، لكن خطر في بالي فكرةَ بأن أبقيها بحجة الرضاعة، وما ان يحين موعد الفطام أتحجج بشتى الطرق.
خرجت إلى قاعة الجلوس وحملت أطفالي، فخرجت سعاد وهيَ تحمل حقائبها وتمشي بوهنٍ وقالت: اتممت القصاص، سأعود لمنزل أبي.

فشلت خطتي فشلاً ذريعاً، لم اقدر على الحفاظ عليها بقربي، أعدتها لمنزل أبيها، فقال لي: أحضر لتتم الصُلح، وتوقعَ الطلاق.
بمجرد سماع كلمة الطلاق اهتز كياني أجمع، ولكن ما باليد حيلة، فهذا الإتفاق. بعد يومين اجتمع شيوخ العشائر ووضعَ في وسط الجلسة إناء مليء بدماء أحد الخراف فوضع فيه يد كل شخص من أصحاب الدم، اي اهل القاتل واهل المقتول، ووقع الطلاق بعدها بالفعل لتسقطَ بذلكَ الفدية ويتلاشى الثأر أيضاً.
يتبع...

الجانب المظلم Where stories live. Discover now