الفصل التاسع: لُجَين

32 16 11
                                    

عاد الجميع إلى المنزل في المساء بعد ما طمأنهم الطبيب على وردة وأوصاهم بعدم الضغط عليها وألا يعرضوها لأي شيء يضر بنفسيتها فهي حساسة وتتأثر بأقل الأشياء.

في غرفة عمر وفاطمة كانت الأخيرة تجلس في شرفة الغرفة ويبدو عليها الشرود التام حتى أنها لم تلحظ عمر الذي دخل وجلس أمامها إلا عندما هزها في رفق وهو يقول في تساؤل:

مالك يا فاطمة سرحانة في إيه؟

تنهدت فاطمة في شرود ثم قالت:

كل اللي بيحصل مش مطمنني يا عمر.

نظر لها عمر في عدم فهم فأكملت هي قائلة في تفسير:

خايفة يا عمر, حال الأولاد ما يطمنش.

صمتت برهة ثم أكملت مردفة في قلق وحدسها كأم يخبرها بأن القادم لن يكون خيرا بالمرة:

خايفة من تسرع ليليان وحكمها على علاقتها هي وسيف بأنها علاقة حب بالسرعة دي، خايفة تكون ما بتحبهوش وتكون مجرد خايفة لا تخسر أب وأخ وصديق طفولة عزيز عليها هي ما تقدرش تستغنى عنه، خايفة يكون حب سيف ليها مجرد وهم هو زرعه جواه بسبب إنها طول عمرها قدامه ومتربية على أيديه، أو علشان ما أكدبش عليك مش هو ده سبب خوفي من ناحية سيف لإني عارفة إنه مش كدة بس في حاجة تانية أكبر وأهم وهي إنه ممكن يكون مش بيحب ليليان نفسها هو ممكن يكون بيحب......

ثم صمتت وتجمعت الدموع في عينيها ولم تقدر على الإكمال.

أما عمر فتحدث مكملا في شرود ووجع وذكريات الماضي تمر أمام عينيه:

خايفة لا يكون شايفها لُجَين مش كدة؟

قالت فاطمة في وجع:

مش عارفة يا عمر بس كل شيء جايز.

ضمها إليه عمر وأخذ يربت على ظهرها في حنان ولم يتحدث، فبما سينفع الحديث أمام ماض ما زال يفرض نفسه على الجميع ومن الممكن أن يكون هو الحاضر والمستقبل أيضا، فلُجَين ماتت بالفعل ولكن ذكرياتها وروحها ما زالت تسكن قلوب الجميع، ظلا على تلك الحالة ولم يجرأ أحدهما على التفوه بأي شيء فهما لا يعلمان أي الفتاتين كان يحبها سيف وأيهما يحب شهاب، كل ما يعلماه الآن أنهما سبق لهما خسارة طفلة من طفلتيهما الغاليتين ولا يقدرا على خسارة الأخرى، فيكفي ما عانته ليليان عند خسارتها لأختها ونصف روحها الضائعة لُجَين.

------.

عاد زين في المساء فوجد القصر هادئ وكئيب على غير العادة، فعلى الرغم من أنه كان يعيش هو وشهاب فقط إلا أنهما كانا يجعلان للمنزل جو خاص، فلطالما كان شهاب مرحا مشاغبا إلى جده وكأنه أحد أصدقاءه، فتلك كانت المرة الأولى التي يعود بها زين ولا يجد حفيده المشاغب ينتظره لكي يطمئن عليه ويعاتبه على تأخره وإرهاق صحته في العمل، تلك كانت المرة الأولى التي يعود بها أحدهم ولا يجد الآخر يجهز الطعام لهما، تلك كانت المرة الأولى التي يشعر بها زين بأن المنزل أصبح فارغا معتما وكأنه يعيش به بمفرده، هو يعلم أن حفيده الغالي يتألم الآن لا بل أن تلك الكلمة لا تصف شيء مما يشعر به ولكنه لم يعتد رؤيته هاكذا، لم يعتده ضعيفا مكسورا أمام أي شيء كان، والمؤلم حقا أنه ولأول مرة يشعر بأنه عاجز لا يستطيع مساعده ولده الذي تربى على يديه وكأنه ابنه حقا وليس حفيده، هو توقع أن زهرة عائلتهم كان لا بد لها أن تختار، وكان يعلم أن اختيارها سيجعل أحدهم يستمتع برحيقها والآخر سيجرح من شوكها المؤلم ولكنه لم يتوقع أن تختار بتلك السرعة التي من الممكن أن تكون مؤلمة للجميع فيما بعد.

على مَن سيقع الاختيار؟Where stories live. Discover now