الفصل العاشر

326 60 125
                                    

إننا نجلس جنباً إلى جنب في المكان المظلم.. ركزتُ سمعي لألتقط صوت أنفاسه.. لكني لم أسمعها.. وجذبتُ أنفاساً عميقة علّني أشم عطره.. لكن بلا نتيجة.. قال بهدوء:

ـ لا تخافي.

ـ ممَ؟

ـ ممّا يحصل من فوضى في عالمك.

ـ الفوضى في هذا العالم، ليست في عالمي.

ـ بل في عالمك.

ـ لا أريدك أن تقترب مني كما حصل في الحلم السابق.

ـ لأنّ ذلك يجعلكِ تتقبلين عالمي أكثر، فيبدأ عالمك بالتلاشي؟

نظرتُ إليه بفزع..

ـ هل بدأ عالمي يتلاشى؟

ـ أنتِ أدرى.

استقمتُ واقفة وقلتُ وأنا أشدُّ على قبضتَيّ:

ـ أياً كان ما تفعله، توقف عن فعله! لن أترك عالمي، لن أترك أهلي! دعني وشأني!

نهض بدوره وقال بهدوء:

ـ آن الأوان أن تعودي إليّ.

تراجعتُ بخطواتي إلى الوراء وصرختُ في وجهه:

ـ لن أعود! لا تعبث بعالمي!

ـ فات الأوان.. لقد بدأتِ مرحلة الانتقال.

ـ كلا.. كلا..

استيقظتُ على صوت نشيجي ودموعي التي بلّلت وسادتي.. نظرتُ إلى سرير أختي فاشتدّ بكائي حين رأيتُه فارغاً.. نهضتُ بتعثر وقصدتُ المطبخ دون المقدرة على التوقف عن البكاء.. كانت والدتي تقوم بتحضير صحن من الزيتون فقاطعتُها بعناقٍ مفاجئ.. قالت وهي تربت على ظهري:

ـ بسم الله، ما خطبكِ بنيتي؟

شهقتُ ببكائي قائلة:

ـ لا تتركوني، لا أريد عالماً غير هذا العالم.

ـ ما الذي تهذين به؟

تشبثتُ حول عنقها بقوة أكبر.. أشعر أنّ حزناً عميقاً يفتّتُ قلبي.. شيءٌ في داخلي يخبرُني أنّ ما قاله زائري في الأحلام حقيقة.. أنني قد أنتقل إلى عالمه قريباً وأفارق أحبتي.. انطبقت ساقاي تحتي وكدتُ أنهار على الأرض لولا إسناد والدتي لي.. شعرتُ بذراع والدي تلتفُّ حول ظهري وهو يسأل بقلق عمّا يجري.. فعانقتُه هو الآخر.. ثم عانقتُ ندى التي ظهرت بعده.. ومصطفى الذي كان يفرك عينيه نعساً.. هذا العالم كل ما أريد.. هؤلاء كل ما أريد..

*****

ربّتَ والدي على المقعد الشاغر بجانبه داعياً إيّايَ للجلوس.. فجلستُ وقد أقلقتني دعوتُه.. تعابير وجهه الجدية وصمته يخلقان آلاف الاحتمالات الكارثية في رأسي ويذكرانني بالمرة الأخيرة التي دعاني فيها بطريقة مشابهة.. كنتُ قد استيقظتُ للتوِّ من نومي في تلك المرة.. واستغربتُ غياب والدتي فربّتَ على الأريكة بهذا الشكل وطلب مني أن أجلس بقربه.. ثم أخبرني أن جدتي قد توفت وأن أمي ذهبت إلى بيت أهلها.. تملّكني الخوف وأنا أنتظره ليبدأ حديثه.. متوقعةً خبر موت أحد المقربين إليّ.. نطق أخيراً بصوتٍ منخفض يزيد من جدية الموقف:

لا تعبث بعالميHikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin