الفصل التاسع عشر

276 56 121
                                    

مضت أيام ثقيلة جداً.. عليّ وعلى نوح الذي حار بأمري.. لم أكن بحالة تسمح للتخفيف عنه.. لذا لم أستطع الاستجابة لمحاولاته في اطعامي فأضطر الطبيب لوضع المغذي لي.. انقطعتُ عن الجلسات الفيزيائية.. أما النفسية فاستمرت لكن لم تغير شيء من حالي.. كان الطبيب علي يجلس عندي نصف ساعة كل يوم.. يتحدث بهدوء محاولاً مساعدتي على الخروج من الحفرة المظلمة التي وقعتُ فيها.. دون تقدّم.. كان يكرر ذكر الجانب الإيجابي من حالتي.. وفقاً لكلامه فإن استيعابي للحقيقة سوف يجعلني أتعامل معها بواقعية أكبر ولا أتمسك بعالم وهمي.. وكان ينهي كل جلسة بقوله إنني لستُ بمفردي.. أنه سيساعدني على تخطي هذه العقبة.. وأني أمتلك سند كبير حبذا لو استعنتُ به للخروج من ظلمتي.. نوح..

الشيء الوحيد الذي التقطه عقلي من تلك الجلسات هو أن الطبيب كان يخدعني.. لم يكن يحاول إيجاد طريقة للعودة إلى ذلك العالم.. بل كان يوهمني بذلك لأتعاون معه في الحديث وأثق به.. ولقد تعاونت ووثقت.. أما هو فلم يؤد جزئه من الاتفاق... لذا عليّ أن أؤديه بنفسي..

كل تلك الأيام لم أنطق بكلمة.. لا مع الطبيب ولا نوح ولا غيرهما.. كنتُ أستمع فقط.. وفي الأيام التي تكون حفرتي المظلمة أعمق من العادة أفقد حتى حاسة السمع.. لكنها كانت بعمق متوسط هذا اليوم.. لذلك كنتُ أسمع ما يقوله نوح وهو يضع المرهم على يدَيّ الجافتين..

ـ الجو لطيف اليوم، أفكر في إخراجكِ لساعة لتحصلي على بعض الهواء النقي، هل من مكان معيّن في بالك؟

ما زال يتأمل استجابتي بالحديث.. ومازالت خيباته مستمرة.. تابع قائلاً:

ـ ما رأيكِ بمرسى الجادرية؟ قد ينعشكِ المنظر الجميل.

أعاد علبة المرهم إلى الطاولة الصغيرة وقال:

ـ سأفسر صمتكِ على أن الفكرة أعجبتك.

انحنى إلى الحقيبة الرياضية التي جاء بها قبل فترة محمّلة بالثياب وبعض اللوازم الضرورية.. ثم أخرج قميصاً طويلاً مع بنطال وجوارب وَوضعهم عند نهاية السرير قائلاً:

ـ سأستدعي الممرضة لتساعدكِ على التبديل بينما أحضر الكرسي المتحرك.

غادر الغرفة لتظهر بعد لحظات الممرضة دلال التي اعتدتُ على رؤيتها عدة مرات كل يوم والتي سوف تكون وسيلتي للعودة إلى أهلي.. قامت بإزالة المغذي أولاً ثم بدأت بالمهمة التي أوكلها بها نوح.. رغم عدم تعاوني معها إلا أنها نجحت بتغيير ثيابي ولفّ حجابي باهتمام كبير وهي تقول:

ـ إنكِ محظوظة بخطيبكِ، لم أرَ رجلاً يهتم بامرأته كما يفعل معك.

ابتسمت وهي تتفحصني بعينيها بعدما انتهت من ترتيب حجابي..

ـ أنتِ جميلة، وستبدين أجمل حين تزهرين من جديد.

هل تزهر الورود الميتة التي تم قلعها من جذورها؟.. خرجت دلال ليدخل نوح الغرفة وكأنه كان ينتظر عند الباب.. كان يدفع بالكرسي المتحرك وأوقفه عند السرير.. ثم انحنى وحملني لينقلني إلى الكرسي بحذر.. واستقام في وقوفه ينظر إلى هيئتي.. قال باستياء:

لا تعبث بعالميWo Geschichten leben. Entdecke jetzt