5

12 1 0
                                    

إنه لا شيءَ أشد إمعاضًا من عَلاقة ذينك الطالبين.

لقد كانا يعيشان معًا، ثم انتهى بهما الأمر يومًا إلى أن جوستاف كان عائدًا من عند السيدة هيلينا فوجد متاعَ يوسف محزومًا، ووجده منكبًّا على إعداد كتبه وثيابه.

ظل كلاهما صامتًا حتى انتهى يوسف، ثم قال:
"وداعًا يا جوستاف! قلتَ لي يومًا جِد لك رجلًا آخر، ولا أرى إلا أن الآن قد حان."

مدَّ له جوستاف يده دون أن ينبس بكلمة، ثم افترقا باردَين.

وفي طريقه عثر فاسيلكيفيتش بيوسف.
"وَي! ما هذا؟" سأله. "أمنتقلٌ أنت؟"

"إنك لتعلم علاقتي بجوستاف، فاحكم بنفسك هل أستطيع أن أعيش معه بعد الآن."

"ولكن لم يكن يجدر بك أن تتركه وإنك لترى ما في صحته."

"أعلم، ولكنني لا أكون له إلا همًّا على همه إن كنتُ بقيت. إنك لتعلم ما فعلته من أجل جوستاف، فلا أدري لمَ يكرهني، ولكن.."

أمسك فاسيلكيفيتش بيده وساد الصمت بينهما.

كان مثوى يوسف الجديد في بناءٍ له عدة طوابق، في كل طابقٍ غرفتان كبيرتان حسنتا التأثيث، وسرعان ما وجد الوسيلة بعد وصوله لادِّخار صبابته إلى وقت الخصاصة.
ثم صار يفكر في طريقةٍ أروحَ للعيش، وانتظمت له الأشياء بعد انتقاله ولم تكن انتظمت له بديئًا.

وإن المرء ليلمح من النظرة الأولى في هذا المسكن الراحةَ والوفرة، فكان السرير يُرتَّب ترتيبًا حسنًا، وكانت الأرض تُكسح، وكانت النار البهيجة توقَد كلَّ يومٍ في الموقد الخزفيِّ الصغير، فكان المكان هنالك مريحًا جدًّا، حتى لقد سعدت فيه الروح وسُرِّيَ عنها!

وعلى ذلك كان البناء كله خيرًا من البناء الآخر، بل كان مما يقال فيه إنه أنيق.
كان يعيش في طابقه الأول جنرال مع زوجه وابنتيه، وقد كانتا قبيحتَين كلَيلتَين من الشتاء، وفي طابقه الثاني يوسف ومهندسٌ فرنسيٌّ منه استؤجِرَت الغرف، وفي طابقه الثالث كُنتٌ تدهورت به الحال، فكان رجلًا له من الكنوز كثيرٌ فيما سلف، ولكنه اللحظةَ مفلسٌ خالي الوفاض، وكان يعيش في ثلاث غرفٍ أو أربعٍ مع ابنته وخادمتين أو ثلاثٍ من أكرانية.

كذلك كانت جيرة يوسف.

وسرعان ما عرَّفوا أنفسهم دون الجهر بالقول، ففي النهار بطوله كانت البيانة تئنُّ في شقة المهندس، ويتعلم لديها الأطفال أن يرقصوا كل رقصات الكونترا التي رُقِصَت من قبل في أي مكان، وطغى على شقة الجنرال الترفيه والرقص والحفلات، فكانوا يقضون لياليَ كاملةً يقلقلون في الأرض كأنهم في مطحنة، وكانت الخوادم يجُلن على السلاليم، فما كان أضجَّهم من جيران.

لم يعش ساكنًا إلا الكنت، ولا عجب في هذا، إذ كان يقعد وابنتُه في شقتهما ويبكيان على أطلال غناهما كما تبكي اليهود على أطلال أورشليم.
أما يوسف فلم يكن عرفهما بعد، ولكن أحيانًا ما كان يسمع خطواتهما على السلالم قربَ الغسق، فيستنبط من ذلك أن الكنت العجوز كان يتمشَّى هو وابنته، ولكن إذ كان لا يعبأ بالشارات ولا الألقاب لم يكن به فضولٌ ليتقفَّاهما ببصره.

سدىWhere stories live. Discover now