19

2 0 0
                                    

لقد قلنا آنفًا إن أوجستينوفيتش خشيَ أن يخبر يوسف بما حدث عند السيدة فيسبرج، فلقد كذّبت لولا ظنه بها، فقد رأى أنها استحبَّت الطبيب الشابَّ على أرستقراطيتها وعلى بيلسكي منذ أن بلغها نبأ مرضه وأبهتها.

ولقد فقد أوجستينوفيتش فكهه وحرية تفكيره التي اعتادها، وسواءٌ عليه أأقرَّ بهذا أم لم يقرَّ به احترم لولا وكبرت في عينيه، بل احترم النساء جميعًا.

ويا ما كان أغربَ هذا عنه، فمن فكهه وخُلُقه معًا علم أن لا يكون بينه وبين نفسه وفاق.
كان له في هذا مظهرُ امرئٍ حاد عن الصراط القويم إلى الضلال، وكان ضلاله فهمَه النساء.

وقد زاد بسرًا وقتومًا، حتى لقد فعل ما هو عجيبٌ منه ومنسيّ؛ أن الكلمات سُحِبَت من فمه سحبًا وهو يقول لنفسه في قهرٍ أليم:
"لو التقى المرء امرأةً مثلها في حياته لما كان ما هو كائنه الآن."

ولقد اجتنب يوسفَ وخافه، وترددَّ وودَّ أن يبوء بكل شيء، ثم أرجأ الأمر ثانيةً إلى الغد.
حتى إذا بدا ليوسف من سلوكه الغريب سأله:
"ما لك يا آدم؟"

"أما لولا فلا يستطيع أن يسأل!" صاح أوجستينوفيتش بيأسٍ ساخر.

وحينئذٍ انتفض يوسف ووثب على قدميه.

"لولا؟ إلامَ ترمي بهذا؟ تكلم!"

"ما إلى شيء؛ ماذا تحسبني أعني؟ أيعني هذا كله شيئًا؟"

"أوجستينوفيتش، أتخفي عني شيئًا؟"

"أما لولا فليس في غيرها يفكّر!" صاح أوجستينوفيتش بيأسٍ يزيد.

واستطاع يوسف أن يملك نفسه بجهدٍ ليس له مثل، ولكنما كان ذلك منه سكونًا يسبق عاصفةً عاتية، فزاد خدَّاه شحوبًا وتأججت عيناه.

"حسبك هذا! سأخبرك!"صرخ بها أوجستينوفيتش حين علم بما يكون إن هو لم يتكلم.

"سأخبرك، سأخبرك! ويحي، وما يمنعني أن أقول إنه ربح جندك! ألا أخذني الشيطان إن كنتُ أكذب ولم يربحوا. إنها لتحبك."

وهنا أمرَّ يوسف أصابعه المرتعشة على وجهه المتعرق، وسأل:
"فبيلسكي؟"

"لم يتقدم إليها بعد."

"فهي تعرف عني كل شيء؟"

"يوسف!"

"انطق!"

"إنها لا تعرف شيئًا، ولم أخبرها بشيء."

وكان صوت يوسف متحشرجًا هادئًا إذ سأله:
"ما منعك أن تُقسط إلي..؟ لمَ ظلمتني هكذا؟"

"ظننتك تعود إليها."

وهنا اعتصر يوسف يدَيه حتى طقطقت أصابعه، فقد هوَت كلمات أوجستينوفيتش عليه هويَّ الجمر.
يعود إليها؟ كان ذلك أن يهجر هيلينا؛ أليس الضمير نفسه هو الذي يدفع عنها؟
أن يعود إلى لولا كان أن يشتري سعادةَ الحياة، ولكن كذلك أن يخون هيلينا، بل يقتلَها! وأن يبتاع لنفسه الازدراء ويكون له أهلًا، فوا حرة القلب!

سدىWhere stories live. Discover now