7

6 0 0
                                    

لقد كان يوسف يختلف إلى مسكن هيلينا لموعدته التي وعدَها جوستاف، وبعد زيارته الثانية لها شُغِف بها حبًّا.

كان عائدًا إلى مأواه متأخرًا ليلتئذ، وكانت النجوم تومض في سماءٍ ساكنة، وكان من نهر دنيبرَ يتنسَّم البرد، ولكنَّما لم يكن هذا البرد إلا نفسَ الماء العليل، وكانت ظُلل الضباب تتلوَّى في خطٍّ طويلٍ إلى الشرق.

كان ثَم موسيقى في الجو وموسيقى في صدر يوسف، فقد صار عاشقًا!
وبدا له أن تلك الليلة الهادئة قد زارت خطوبته وأهدتها السعادةَ والهناء، فتمام السعادة شيئان: الذكرى والأمل.

كان يوسف ما زال يحس بيدَي هيلينا الصغيرتين في راحتَيه، فتذكر تلك اللحظة وفكَّر في حنان الغد، ورجا لقاءَ اليوم الذي يعيشها فيه ثانيًا.

ما كان أجمل هذا! لقد ودَّعته وهي تقول له كلمتها: "تذكَّر.."
ولكن من ذا الذي ينسى سعادته؟ وخاصةً إذا ما كان المستقبل يبسم له معها؟

لقد صار عاشقًا!
وإذ كانت تُثقله قوة الليل وسحره، ورعشة النجوم في عليائها وجلال ما مُدَّ إليه بصره من الدجى، رنا إلى أنأى حدود الوحدة السماوية، وهمس من شفتَين مرتعدتَين:
"إن كنتَ حقًّا! فأنت عظيمٌ كريم."

ودون النظر إلى هذا الشرط الذي في قوله كان هذا كثيرًا جدًّا ليوسف.
لقد اعترف بالعظمة والكرم، وقال "إن كنت." فإن كانت هاتان الكلمتان عن شيءٍ آخر لكانتا من الشرط، ولكنهما ها هنا توكيدٌ للوجود وإقرارٌ به: "كنتَ."

ودون إطالة النظر في فلسفته المادية هذه دعونا لا نقف على هذه الكلمات كثيرًا.

كانت الشفتان اللتان لفظتاهن قد جرعتا من كأس النشوة حتى شبعتا.
وحينما بلغ يوسف المنزل كان أوجستينوفيتش نائمًا بخير طريقةٍ يستطيعها، ومع هذا كان شخيره يُسمع من على السلاليم.
كان يغني أغنية النوم، فتارةً يخبو صوته وتارةً يعلو، تارةً يمدُّ فيها وتارةً يقصّرها، تارةً يشهق وتارةً ينفخ، وتارةً يصفّر.

وحينئذٍ أيقظه يوسف، واحتضنه أولَ مرة.

حدَّق فيه أوجستينوفيتش بعينين ذاهلتين، وصاح مشدوهًا:
"لقد أخطأتَ الرميَّة!"
فضحك يوسف في مرح.

"عِمْ مساءً!" قال أوجستينوفيتش. "إنني مخبرك غدًا من أين أتيتَ.. ولكنني الآنَ نعسان.. تصبح على خير."

جاء الغد وقد كان الأحد.

صبَّ لهما يوسف الشاي مصبحًا، وأما أوجستينوفيتش فكان لم يزل في فراشه مستلقيًا ونظره إلى السقف، وكان يدخّن دخينة.

كان كلاهما يفكر في اليوم الماضي.

ثم تكلم أوجستينوفيتش بديًّا:
"أتدري ما خطر في عقلي؟"

"لا."

"إذن أخبرك. إنه ليس خيرًا أن يعلّق المرء حياته بأول امرأةٍ يراها، لعمرك ليس خيرًا! فإنه ثَم أشياءُ خيرٌ في هذا العالم."

سدىWhere stories live. Discover now