18

5 1 0
                                    

لقد عدَت الأيام ولم يرجع يوسف إلى الكنتيسة، وإنما قالت مالينكا لأوجستينوفيتش:
"ربما يعرض بيلسكي نفسه في أي يومٍ على لولا."

"وإن هو لم يفعل تعرض نفسها عليه." أجاب أوجستينوفيتش مؤكدًا.

"لا! هذا ليس حقًّا، ليس حقًّا.."

"سنرى."

"لا يا سيدي آدم؛ إن للولا إباء النساء، وإن هي تزوجت بيلسكي لا يكون ذلك إلا من هذا الإباء عينه، ومن غضبها من إهمال يوسف إياها. وكذلك فالحق أن بيلسكي وحده من يحبها من الرجال، فهو وحده من بقي.. وتستطيع أن تتكل عليه."

"آه! فإذن هو جليٌّ أنها تحب الاتكال."

وهنا غضبت مالينكا.

"لقد اتكلت زمنًا على السيد يوسف فخُدِعَت، فأنَّى تعذلها وهو لم يأتِه؟ أتفهمني؟ لم يأته؟"

وسكت السيد آدم.

"لقد خادعها خداعًا أليمًا.." قفَّت على قولها مالينكا. "وأصدُقُك أنني وحدي من يعلم كم كلفها هذا، ومع أن الرباط بيننا ليس موثقًا كما كان من قبل (وهي التي تصدُّني عنها) أرى كيف تغالب في حبها. لقد مضيتُ إلى غرفتها البارحةَ فوجدتها في دموعها، فناديتها أن 'لولا!' فإذا بها تنأى عني، فقلت لها: 'ما خطبك؟' قالت: 'لا شيء، إنما هو صداعٌ أصابني.' فقلتُ لها: 'لولاي، إنه صداعُ قلبٍ لا صداع دماغ!' ووددتُ لو أني ألقيتُ نفسي أعانقها، ولكنها صدَّتني، وقامت مستكبرةً استكبارًا أخافني. 'كنت أبكي من الخزي..' قالت وهي تشتد. 'أتفهمين؟ من الخزي!' وليتني كنت أفهمها، ولكن لا ينفع التمني، غير أنني رأيتها تبكي ثانيًا عند أصيل ذلك النهار، فهل ترى؟"

"إلامَ تذهبين بكل هذا؟"

"أنه ليس يسيرًا عليها أن تعلن ظنها بيوسف.. قل لي ماذا ثناه عن المجيء؟"

"فإن هو جاء؟"

"لا تزوَّج بيلسكي."

"وأنا أهزأ بكلمتك هذه."

"أجل، فأنت تهزأ بكل شيء. أما السيد يوسف؟ أمن خلال المروءة أن يهجرها هكذا؟"

"ومن يدري ما أراد بهذا؟"

"إنه هو الذي يدري.." أجابت مالينكا قاطعة. "ولا ينبغي له أن يخفي عنها ما يريد."

"لا وقت له، إنه يعمل."

على أن مالينكا يومئذٍ لم تصدق بأن يوسف يعمل في مسكنه ويجدُّ كما قال أوجستينوفيتش، فبينا هي تمشي مع أمها إذ التقته ورجلٌ معه يتمشَّيان، غير أنه لم يرهما.
ولقد فزعت من منظره حينئذ، فقد بدا لها حطامًا شاحبًا كأنما يتماثل من مرضٍ عضال.

"فإذن كان مريضًا." قالت في نفسها بعد إذ قرَّت في بيتها، وظنت أنها فطنت لمقصد السيد آدم من إبهام غيابه. "أمره يوسف ألا يخيف لولا عليه."
وعندئذٍ سما يوسف في عينَيها سموَّ أسوة.

سدىDonde viven las historias. Descúbrelo ahora