إقتباس من إحدى الفصول

395 28 39
                                    

دلف "أحمد" من باب الشقة وذهب ليجلس على أقرب أريكة، ومن كثرة إنشغال عقله بإبنه الذي لا يعلم عنه شيء مُنذ إن رحل عن المنزل لم يُغلق الباب من بعد دخوله.

لا يعلم لِمَ يَشعر بكل ذالك الخوف و القلق اليوم، وكأن قلبه يُخبره بأن هُناك شيء سيئ سيحدث..

فأرجع رأسه للخلف على ظهر الأريكة بتعب، فهو يشعر بأنه مُنهك من كثرة التفكير.

وأثناء إسترخائه ذالك إستمع لصوت تأوه أتٍ من داخل غرفة إبنه، فرفع رأسه عن موضعها لكي يسترق السمع جيدًا.. ظنًا منه بأنه يتخيل أو شيئًا من هذا القبيل.

ولكن لم تكذب أُذنيهِ المرة الأولى، لأنه بالفعل قد إستمع لصوت تأوه مرة أخرى، و قد تأكد أن ذالك التأوه صادر من "يَحيَىٰ" .

فنهض من مكانه بسرعة وذهب نحو غرفة إبنه وفتح بابها بقوة فوجد "يَحيَىٰ" مُلقىٰ على الأرض ويُمسك بجانبه ويتألم بشدة.

فركض نحوه مُسرعًا وإلتقط جسده من على الأرض بلهفة وقال وهو يتفحص كل جُزئية بهِ : يِحيِىَ..! مالك يابني في ايه! حاولت أتصل بيك كتير مكنتش بترد عليا؟

لم يستطيع "يَحيَىٰ" أن يُجيب على أسئلته المُتلهفة وظل يتألم ويضغط على أسنانه بقوة، ويضغط بيده أعلى جانبه الأيمن الذي يشعر بأن هُناك نصلٍ سكين حاد يخترقه ويُمزقه لأشلَاء، وعلى أثر الألم بدأ جسده بالإنتفاض بين ذِراعين والده.

حقًا لم يعد يتحمل ذالك الألم أبدًا.

سيطر القلق على "أحمد" من بعد رؤيته بِتلك الحالة، وبعد ذالك الإنتفاض فسأله وهو يتفحص مكان ما يضع يده : حاسس بإيه طيب؟ رد عليا وفهمني مالك؟!

إبتلع "يَحيَىٰ" ريقه بصعوبة بَالِغَة، ثم أجابه من بين أنفاسه المُتلاحقة قائلًا : حاسس إني بموت يا بابا؛ أنا خلاص مبقتش قادر أستحمل الوجع.. مكنتش مُتخيل إن اللحظة دي هتبقىٰ صعبة أوي كده.

وقعت كلمات "يَحيَىٰ" على مسمع "أحمد" مِثل الآلة الحادة التي تُمزق كل ما يُقابلها.. وكانت أول ما مزقته إربًا هو قلبه!

فصمت ولم تصدر منه كلمة، فهو الآن يشعر بأن ما خشىٰ منه يحدث أمام عينيهِ.

لامعت الدموع بأعين "أحمد" لشعوره بالعجز في التخفيف من ألم إبنه الذي لا يعرف سببه.

فقال "يَحيَىٰ" و هو يتصبب عرقًا ويُجاهد في إخراج صوته : كان نِفسي أموت وأنا راضي عن نَفسي، بس.. الظاهر مش مكتوبالي.

نفىٰ "أحمد" برأسه غير راضيًا لما قد تفوه بهِ توٍ، ثم قال بنبرة صارمة مُمتزجة بالخوف : أسكت.. أسكت يا يِحيِىَ متقولش كده، أنت هتبقىٰ كويس، مش هتموت.

رأىٰ "يَحيَىٰ" نظرة الخوف داخل أعين والده، و رغم الصارمة التي تُغلف صوته إلا إنه قد لاحظ تِلك النبرة الخفية المليئة بالكثير من الخوف عليهِ.. ولكن ما فائدة الخوف الآن؟

كل شيء أتىٰ مُتأخرًا.. و هذه هي المُشكلة، فكل ما يأتي مُتأخرًا يفقد رونقه، و أهميته.

بحركات عشوائية أخرج "أحمد" هاتفه من جيب بنطاله وقام  بالضغط على لوحة الأرقام بتوتر شديد لكي يطلب الإسعاف، وفور ما كان سيضغط على زِر الإتصال شعر بإرتخاء جسد "يَحيَىٰ" وثبات حركاته.

فنظر إليهِ بِذُعر فوجده مُغمض العينين، وهدأت أنفاسه بشكل مُخيف!

فسقط الهاتف من يده و رمش عِزة مرات بعينيهِ، ثم بدأ بتحريكه بخوف وهو يُنادي بإسمه قائلًا بنبرة مهزوزة : يِحيِىَ.. يِحيِىَ! رد عليا، يِحيِىَ فُوق وكلمني.. بلاش تُسكت كده! أرجوك رد عليا!

ولـكـن لا رد مـن "يَحيَىٰ".. ولا نـبـض!!

#إقتباس_من_إحدى_الفصول
#مَــسَــار | Track
#آمال_عماد

مَــسَــار | Track Where stories live. Discover now