_10_

10 3 2
                                    

مشتْ ديالا باتجاه محطة الحافلات، عقارب الساعة تشير إلى الخامسة مساءً، توقفت عند المكتبة القريبة وطالعت واجهتها في اهتمام، رن هاتفها فجأةً.. كانت هي
_هل نفذتِ ما اتفقنا عليه؟
_ليس بعد، انا خائفة أن يُكشف أمري. قالت ديالا وهي تعض على شفتها في توتر.
_أنتِ حرة ولكن..، خلال أربع وعشرين ساعة أن لم تبدأي بالتنفيذ فاعلمي أنكِ دمرتي نفسك بنفسك.
تم إغلاق الخط..
ابتلعت غصة ألم تخنقها ، انها تستغلها بأعز من تملك.
تذكر جيداً حين كانت أمها تعمل خادمة في بيت آل البيطار، أفراد هذه العائلة بأخلاقهم ورقيّهم في كفة.. وكنّةُ العائلة بحقدها الدفين في الأعماق ونفاقها الظاهر في كفة آخرى.
حين كانت تنوب عن امها بعض الأحيان كان ذلك قبل سنتين تقريباً كانت تراها.. ورد الرشيد هكذا كانت أمام العائلة لقد خدعتهم لسنوات وتزوجت داوود بعد مرور سنة فقط على طلاقه من زوجته الأولى.
لقد نجحت في خداعه ايضاً.
أما في الحقيقة كانت....
تمارا رشدان.
صُعقت حين رأت وجهها الحقيقي لقد كان مختلفاً عن وجهها الظاهر أمام العالم الخارجي،شكلاً وطبعاً.لكن تمارا لم تتركها بشأنها حين علمت أنها كشفت سرها هددتها بأفظع طريقة و ثم...
قتلت والدها، واختطفت شقيقاتها الصغيرات. ساومتها على حياة من تبقى من عائلتها.. أمها وشقيقها ، فوجدت نفسها تتحول من طالبة جامعية مُحافظة إلى مجرمةٍ مبتدئة تتطور مع مرور الوقت رغماً عنها. اللقاء الأخير الذي جمعهما طلبت منها قتل أمل
_من أمل؟؟
_مطلّقة داوود وأختي التوأم.
فغرت فاها في صدمة، لم تتخيل أن كمية الشر التي تسكنُ روحها يمكن أن تجعلها تتخلص من أقرب الناس لها
...
أختها..!
حين قابلت أمل للمرة الأولى، شعرت أنها ترى امرأة آخرى تماماً معاكسةً لتمارا من الداخل رغم تشابههما من الخارج، كلما فكرت في طريقة لتقتلها شعرت بوخزة الضمير، ماذا فعلت هذه المرأة حتى تنهي حياتها بابشع الطرق، لقد عاملتها خير معاملة طيلة الأسابيع الماضية وكانت لها عوناً على الدوام حين احتاجتها .
إن غدرت بها الآن ستكون خائنة بنظر الجميع.. طعنت اليد التي احسنت إليها.
قررت أنها ستعترف بالحقيقة مهما كلف الثمن، وأمل.. إنها امرأة ذات معدن أصيل وستساعدها في استعادة عائلتها والتخلص من شر تمارا مهما حصل.
حين دلفت إلى الشقة كانت الفتيات يتناولنْ العشاء في المطبخ.
_أهلاً بعودتك، هي اغسلي يديكِ وانضمي إلينا.
_لست جائعة.
هرولت نحو غرفتها وأقفلت الباب، تسارع نبضها بشكل جنوني وضاق تنفسها. لا تستطيع.. لا تستطيع أن تفعلها دفنت وجهها بين كفيها وبكت بحرقة.
الهزيمة الساحقة مُرة.. لكن العجز عن تغيير المصير أمر.
في الخارج كانت البنات يتهامسن وهن حريصات على أن لا يصل صوتهن إلى مسامع ديالا.
_ما أمرها؟ أنها ليست على ما يرام. قالت أمل
_من الواضح أن هناك أمرٌ يشغلها، لعلها مشكلة عائلية. قالت رزان.
_ربما..
تنهدن معاً ثم انهت كل منهن طبقها وانصرفت إلى أعمالها.
                                  ***
جلست ميس تقرأ مراجع الرحلة التي حُدِدت بعد أيام إلى جبال الساحل، أمل في اجتماع مع المجلس الأداري لمناقشة بعض الأمور الهامة. ارتفع رنين هاتف المكتب بشكل مُلحً و مزعج.
_مرحبا
_صباح الخير، أمل موجودة.
_صباح النور، إنها في اجتماع الآن ولن تنتهي قبل ساعتين.
_سأعاود الاتصال بها بعد ساعتين إذاً.
أغلقت ميس الهاتف وشكٌ كبير ينمو في داخلها، لقد بدا صوت هذه المرأة مألوفاً وفيه رجفةُ ذعر واضحة. زفرت في إعياء ثم تابعت عملها.
حين غادر أعضاء مجلس الأدارة اقتربت ميس ثم همست:
_لقد اتصلت إحداهن قبل قليل، وقالت أن هناك أمراً هاماً تحتاجك فيه.
_من تكون! لم تعرف عن نفسها؟؟
قبل أن تكمل، رن الهاتف من جديد..
_ها هي ذي.
رفعت أمل السماعة.
_مرحبا بك.
_أمل، انا ديالا
_ديالا!! ماذا تريدين؟
_هناك أمر هام يجب أن اخبرك به.
_تكلمي انا اسمعك.
_أن اخت..
قبل أن تكمل استدارت ديالا في فزع، ثم اخترق نصل السكين الحاد الذي يحمله مهاجمها الملثم جسدها...
_ديالا هل تسمعيني؟
لم تعد تسمع سوى صوت صراخ حاد يليه ارتطامٌ عنيف ثم انقطع الخط.
عاودت أمل الاتصال مرة أخرى أصبح هاتفها
(( خارج نطاق التغطية))
شعرت بانقباض حاد في صدرها ،جمعت أغراضها في الحقيبة ثم قالت لمساعدتها ميس وهي تعبر الممر
_أنا ساغادر هناك أمرٌ مستعجل يجب أن اتحقق منه اخبري الاستاذ نبيل بذلك
_بالتأكيد، سيتفهم.
هرولت تركض باتجاه المرآب، ركبت سيارتها وانطلقت على جناح السرعة إلى البيت.
فتحت هاتفها وبعثت رسالة صوتية إلى رزان
_تفرغي من كل ما يشغلك واذهبي بسرعة إلى الشقة، ديالا في خطر  هناك شيء ما حدث لا يُطمئن وأخبري البنات بالتواجد هناك أيضاً في أسرع وقت.
خلال أقل من نصف الساعة كانت أمام العمارة، صعدت السلالم مسرعة وصوت كعب حذائها يضرب في قلبها من شدة الهلع.
حين وصلت تعالى صوت صراخ حاد دفعت الباب فألفت رزان في الممر بوجه شاحب وملامح زائغة.
_ ما الذي حدث
رفعت أصبعها وهي ترتجف ثم قالت:
_ديالا.. ديالا
_ما الذي حدث لها؟ صاحت والرعب واضح في صوتها.
_هناك..
اقتربت أمل رويداً رويداً. ثم
ديالا مرميةٌ على الأرض...مضّرجةٌ بدمائها و هاتفها محطم إلى قطعٍ تبعثرتْ في الأرجاء.
_ديالاااااا
_لا تقتربنْ منها، يجب أن تأتي الشرطة.
تراجعت الفتيات إلى الوراء والرعب واضح على ملامحهن، بعد لحظات رفعت أمل بصرها نحو الجدار لتُصدمَ برسالة مكتوبة بأحمرِ الشفاه.
(( هذا جزاء كلِ الخونة..
      الموتُ يسحقهم. ))
شردت في صدمة..
هذه الضحية الأولى...
باتَ الخطر يترصدهم جميعاً، يلفهم من كل اتجاه.
ولا أحد يعلمُ على من سيقعُ الدور في المرة القادمة.

دوائر النارWhere stories live. Discover now