_19_

24 3 0
                                    

                       (( الفصل الأخير ))
تزاحمَ الخلقُ داخل قاعة المحكمة وخارجها، صحفيّون ومصوّرون بالأساس. يريدون الحصول على وجبةٍ دسمة وحصرية من المعلومات والصور للمجرم الذي أصبح حديث البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.
أتخذ الجميع  أماكنهم في وقتٍ مبكر، اقتيد غسان وأعوانه وهم مكبلينَ بالأصفاد. حالتهُ مزرية للغاية، وقد استطالت لحيتهُ بشكلٍ  كثيف. تبادل وليلى نظرات يملؤها الإنكسار والخيبة من طرفها. أنها تتأسف على سنوات عمرها التي ضاعت في زواج خالٍ من الروح، سام.. وممزق المشاعر. لم تنل منهُ سوى وجع القلب.
ضرب القاضي بمطرقته معلناً بدء الجلسة، ثم أشار إلى منصة الادّعاء لتلاوة لائحة الاتهام الموجهة ضد الموقوفين.
وقفت ليلى على المنصة ناقلةً نظراتها بين أهلها، حبيبها ورفيقات دربها وطفلها وغسان من جهة آخرى.
قدمت ما لديها من كلام بكل شجاعة، وقد أثبتتهُ بالأدلة والبراهين.
بعد مفاوضات مطوّلة ونقاشات استمرت لساعة من الزمن، والإستماع إلى أقوال الشهود.
ضرب القاضي بمطرقته من جديد، ثم قال:
_بناءاً على ما لدينا من أدلة وبراهين، وشهادة الشهود الموجودين. حكمت المحكمة على المدعى عليهم بالإعدام شنقاً.صدر وأفهم علناً.
ثم ضرب مرةً أخرى معلناً تثبيت الحُكم.
                                    ***
بعد مرور سنة
دمشق 2011
تعالت الهتافات والزغاريد .
وصيحاتُ الفرح.
احتفالاً بزواج أسامة ورشا الذي طال انتظاره
اجتمع الجميع في المطعم بعد عقد القران على مأدبة عشاء فاخرة، البنات كلهم، وأسامة وخالد وفارس.
استرعى انتباههم حضور شخص غير متوقع، رزان وأخواتها.
عانقتْ رشا ابنتاها والفرح يغمرها بالقرب منهما، ثم وقفت أمام رزان والوجومُ يكتسي ملامحها.
مر صمتٌ قصير، قطعتْ رزان حبال الصمتْ وقد بدأت تتكلم،الكثير من الكلمات والأحاديث محتجزةٌ في حلقها منذ أشهرٍ طويلة.
_ ألم يحنْ الوقتُ  كي نعود معاً من جديد..
سنةٌ كاملة مضتْ، عانيتْ فيها قدراً كبيراً من التشرد والحرمان.
أعرفُ أن أوجعتك، وسببتُ لكِ الأذى بما اقترفته.
لكني عدتُ إليكِ في هذا اليوم الجميل، وأنا أطمعُ في أن تصفحي عني، و تسامحني.
ثم قالت والدموع تغطي وجنتيها:
_أنا لولاكِ لا أساوي شيئاً في هذه الحياة يا أمي.
ركضت رشا نحوها، وضمتها إلى صدرها بقوة. وكلٌ منهما تبكي في حضنِ الآخرى.
قالت رشا وهي تلملمُ دمعها:
_لن نبتعد عن بعضنا بعد اليوم..
كل ما حدث في الماضي، أصبح في طيات النسيان.
سنبقى معاً.
لن أرتكب الخطأ الذي قامت به سمية.. أمي في وقت ما.
لن أسمح بأن يصيبكِ الألم الذي نال مني.
أنا أكثر من يعلم وجع خذلان أقرب الناس، في أكثر وقت نكون فيه بحاجتهم.
الحمد لله الذي أرسل لنا عمكِ أسامة سنداً شامخاً العمر كله.
سنكون عائلة رائعة، أجمل عائلة.
ضحكتْ رزان وسط دموعها وهي تقول:
_أحلى عروس والله.
تعانقتا من جديد.
وعلتْ الأهازيج التي تكتسيها البهجةُ الحقيقية.
                               ***
_ماذا قررتم بشأن السكن. سألت ليلى وهن مجتمعاتٍ حول البوفيه.
_لقد وجدنا شقة الأحلام. قالت حنين بابتسامة.
ثم اردفت و يدها على بطنها:
_وسنستقبل ولي العهد فيها بعد ستة أشهر.
تعالت ضحكات الاستمتاع والسعادة الحقيقة. لقد نالت حنين أخيراً حلمها بالأمومة الحقّة.
_وأنا، تمت خطبتي. وعقد قراني سيكون بعد ستة أشهر أيضاً.قالت جوري في مرح طفولي.
سألت ليلى وقد ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ ساخرة:
_وكم ستكون مدةَ الإرتباط هذه المرة.
_كل شيء حقيقيٌ وملموس هذه المرة، سيكون ارتباطاً مؤبداً بإذن الله، أقسمُ لكِ بذلك. ردت جوري في غيظٍ مفتعل.
_واخيراً، سنرتاح منك. قالت ليلى بلهجة ذات معنى.
امتعض وجهها ، ضحكت رشا وهي تقول:
_الم تعتادي عليها بعد، مضى أكثر من عشرين عاماً وهي على الحال نفسه.
ثم اصابتهن عدوى الضحك، وضجرنْ به بلا حدود.
تنحنح فارس ليقطع الضجيج ثم قال:
الحمد لله الذي جمعنا على الفرح بعد كل المِحن التي عصفت بنا. ولكنها زادتنا قوة.
أنا لن أطيل  في الكلام كثيراً.كل ما أريده هو أن أزيد الفرح فرحةً جديدة.
ثم تقدم بخطواتٍ هادئة نحو ليلى، انحنى وبين يديه علبةٌ مخملية حمراء. فتحها بحركة سريعة ليظهر خاتم ذهبي يتوسطهُ حجر عقيق.
_أعلم أني ارتكب حماقات كثيرة في حياتي..
وجعلتكِ تعيشين الوجع والألم بسببي..
تعذبتي كثيراً..
وصبرتي كثيراً..
كل هذا من أجلي.
وأنا اليوم أعدك أنني سأعوضكِ عن كل الأيام التي ضاعت منا، أعاهدكِ أمام الله وأمام أحبتنا. لن يفرقنا سوى الموت.
_تتزوجيني، فتكونين لي الحضن الدافئ، وأكون لكِ ولمجد السند الصالح العمر كله .
ترقرقتْ دمعةٌ حارة على وجنتيها، لم تمسحها بل استمرت تطالعُ وجهه في حنوٍ بالغ. أليس هذا ما تنتظره منذ سنوات طويلة. هزت رأسها موافقة دون تردد، وضمتهُ بكل قوة.
وصل بعد لحظات كاتب المحكمة.
تم عقد قرانهما على أكمل وجه، وارتدت ليلى من جديد فستاناً أبيض مغطى بطبقة ناعمة من الدانتيل.
بدت فيهِ مثلَ ملاكٍ هبطَ من السماء.
وأما البدلة السوداء الرسمية لم تزد فارس سوى أناقة ً ورجولة.
ولا يكتمل فرحهما إلا وهما محفوفان بالأصدقاء والأحبة. تحيطهما أهازيج الفرح من كل حدبٍ وصوب.
اقترب منها، وضمها إلى صدره بقوة، ثم همس بصوتٍ دافئ:
_أحبك، حتى يفرقنا الموت.
افترَ ثغرُها عن ابتسامة خجولة جعلتها تبدو مثل طفلةٍ صغيرة.
_وأنا أحبك أيضاً حتى آخر نفس في حياتي يا كُلَ حياتي.
_لا حرمني الله من حلاوة هذه الابتسامة.
طبعَ قبلةً على خدها و تعانقا مرةً آخرى.
ثم علت أصوات الزغاريد من حولهما، لتستأنف أجواء الفرح.
                           ***
هذه هي السعادة الحقيقية، أن ينال المرءُ ما يريده. يصنعُ ما كان يراهُ مستحيلاً في وقت مضى
ويحقق امنياته رغم الصعاب وهو بجوار الأهل والأحبة.
و رعاية الله تعالى تغمرهُ من كل اتجاه.

                     

 
                                                  تمت بحمد الله.

دوائر النارWhere stories live. Discover now