_18_

11 3 0
                                    

_جاهزون يا رجال.
قال المحقق صهيب الذي جاء للقيام بإنقاذ ليلى بأمرٍ من الضابط أسامة.
بعد طرقٍ مطوّل على باب الشقة دون إجابة من أصحابها توصل إلى ذلك الحل.
_ثلاثة، اثنان، واحد..
دفعوا جميعهم الباب بكل قوة ثم انتشروا في انحاء الشقة بحثاً عنها. بعد هنيهةٍ قال أحد العناصر:
_سيدي، لقد عثرتُ عليها.
وراء باب المستودع كانت ليلى مُقيدةَ القدمين، فمها مغلقٌ بشريط لاصق.
ساعدها رجال الشرطةِ على النهوض، كانت في حالةً مُزرية.أكمام ثوبها ممزقة، وعلى جسدها أثار ضرب حادة.
_سيدة ليلى، لو سمحتِ يجبُ أن تأتي معنا إلى المخفر لإستكمال التحقيق.
هزت رأسها موافقة، كانت ترتجفُ من رأسها حتى أخمصِ قدميها. رشفتْ بعض الماء حتى تهدأ، ثم ذهبت برفقتهم.
حين جلست أمام المحقق أسامة في مكتبه الخاص، التحقَ بها فارس بعد أن اخبرته جوري بمختصرِ الأحداث التي جرت خلال الساعات الماضية. جن جنونه وقرر أنه سيكون مع ليلى مهما حدث، ولو كلفه هذا الأمر حياته.
_أستاذة ليلى، بدايةً حمداً لله على سلامتك. هل تستطعين أن تحدثينا بها جرى معك؟.
تنفست بهدوء، ثم بدأت تحكي ما حصل:
حسناً..
***
قبل يومين..
قرابة العاشرة مساءً شعرت بحركةٍ مريبة في الشُرفة.أصابها الرعب، ولا سيما أنها كانت وحيدة مع طفلها.
ذهبتْ لترى ما سبب الفوضى، وتعرضت لصدمة حادة. على الجدار الخلفي لغرفة نومها كُتِبتْ كلمة واحدة بالدماء:
(( عاهرة))
كادت أن تصرخ، لكنها مُنِعتْ من ذلك بعد أن سحبها أحدهم من عنقها ورماها في الداخل. ثم انقضَ فوقها.
غسان!
عاد بعد اختفاء دام يومين، ملثمٌ كالمجرمين.
_ما الذي تريده، طلقتني وطعنتَ في أخلاقي دون أن تستمع لي حتى!
_جئت لأُجازي الخائنة على خيانتها.
صفعها بكل قوته، ثم همَ يضريها بوحشيةٍ كبيرة. مزق ثيابها وشوهَ كتفها بنصل سكين حاد.
_والآن، وداعنا الأخير.
كبلَ قدميها ويديها بحبالٍ ثخينة. ثم مضى إلى الداخل خدّرَ مجد، حمله بين يديه مر عليها وهو يقول
_ليلةً سعيدة.
ابتسامة الشر ترسم منحنى واضح على وجهه، صرخت في جنون:
_لا... لا.. اتركهُ أيها الوغد.
استمر يضحك بشماتة، أخذ هاتفها ورماهُ خارجاً عند باب بيتِ جيرانهم. ثم مضى في سبيله وتركها تصارعُ الخوف والوحدة.
مع حلول الصباح، خرجت جارتهم الشابة شيرين التي سكنتْ حديثاً.
لاحظت الهاتف، في بادئ الأمر قرعت الباب لعلهُ سقط عبر الخطأ.
لم يصلها أيُ صوت، كادت أن تغادر. لكن استرعى انتباهها صوتُ صراخ مكتوم يخرج من الشقة.
اقتربت أكثر من الباب، لا يوجد سوى أصوات مكتومة.
ذهبت إلى الجهةِ الأخرى، فانتبهت من النافذة النصف مفتوحة على المرأة المحتجزة التي كانت شبهَ فاقدة للوعي. ارتعدت.
بعدها اتصلت على آخر رقم ظهر في هاتفها، كان رقم جوري. والباقي يعرفه الجميع.
تنهد المحققُ الشاب في ضيق، تلفتَ حول نفسه ثم قال:
_جريمتان في جريمة، الأولى اعتداء جسدي، ثم اختطاف.
سيدتي أنا أعدك انني سأكثفُ البحث عن هذا المجرم الصفيق،وسأضعه وراء القضبان في القريب العاجل.
_كلي أملٌ بك سيدي.
حين خرجت برفقة فارس من غرفة التحقيق، اقترب منها وهمس
_مجد سيعود، ثقي بالله واطمئني. سأعيدهُ إلى أحضانك مهما كلف الثمن.
مسحتْ عبرة هربت من مقلتيها. ثم مضت إلى المشفى والألم ينخرُ أعماق قلبها..
***
مرت الأيام القادمة، ثقيلةً جداً..
متعبة جداً..
ومرهقة للأعصاب..
حنين لا تزال على وضعها بعد الحادث، في صراع شرسٍ مع الموت.
دورياتُ الشرطة أصبحت مكثفة في دمشق وما حولها، للوصول إلى غسان وطفله. وها قد مر أسبوعان ولا شيء جديد.
_هل اخبرتم خالد بما حصل؟ لم أراه أو أرى أحداً من عائلته خلال الفترة الماضية. سألت رشا
ردتْ جوري في حرقة:
_خالد مسافر لديه مؤتمر خارج البلاد، وحين اخبرتُ والدته ضحكت في شماتة وهي تقول:
اللهم الموت القريب.
_ لعنةُ الله عليها.
امرأةٌ حقيرة، حتى في الضراء تتجرد من الإنسانية. قالت ليلى في غيظ.
ثم حدثتْ المعجزة.
ظهرت الممرضة وعلى وجهها أماراتُ الفرح، اقتربت منهنْ وهي تقول:
_المريضة استيقظت.
صاحت الفتيات مهللين فرحاً، أولى البشائر ظهرت بعد طول انتظار.
وصلنْ إلى غرفتها، ثم توافدنْ نحو الداخل واحدةً تلو الآخرى.
_حمداً لله على سلامتك. قالوا بصوت واحد.
همست بصوتٍ متحشرج:
_أين أنا؟
_في المشفى، لقد نجوتِ من حادث كبير بفضلِ الله..
هبطتْ الدموع على وجنتيها تائهةً بين الحسرةِ والارتياح، لقد كانت خسارتها كبيرة بسبب هذا الإنفجار. فقدت ابنها الذي تنتظره منذ سنوات. لكنها كسبتْ عُمراً جديداً بفضل الله عزوجل، وهي على يقينٍ أنه سيعوضها بالخير الكبير. فهو ربٌ عظيم، لا يقطعُ أحداً من رحماته.
جلسنْ جميعاً يتجاذبن أطراف الحديث مثل الأيام الخوالي، رُغم كل شيء تحتفظ الجلسةُ بروحها الدافئة.
بعد لحظات قطع الحديث صوت رنين هاتف رشا، اعتذرت منهن ثم انسحبتْ بضعَ دقائق نحو الخارج لتتكلم براحتها.
_الأختُ في حالة حب؟ سألت حنين في اهتمام
_لا أحد يدري. قالت ليلى في مُكر.
ثم ضجرنْ بالضحك بلا قيود.
عادت بأسرع مما توقعنْ.ملامحُ وجهها مُنشرحة، وقد تجمعت في عينيها دموعٌ حارة.
قالت بصوت مرتجف:
_لقد تم القبض على غسان.
تعالت هتافات النصر والفرح احتفالاً بهذا الخبر، اقتربت ليلى من رشا لتسمع ما ستقوله:
_ومجد، ابني بخير أليسَ كذلك؟
اومئت رأسها بالإيجاب، ثم نادت:
_مجود، حبيبي المدلل.
فُتِحَ الباب، ظهر مجد بقامته الضئيلة. يتبعه كلاً من أسامة وفارس.
فاضت الدموع من عيون ليلى ركضت نحو صغيرها، ثم ضمتهُ بقوة إلى صدرها ولسانها يلهجُ بالحمد والشكر. العبراتُ تتدفقُ على وجنتيها مثل سيلٍ جارف لا ينقطعُ تدفقه.
قال أسامة:
_لقد تعبنا كثيراً حتى تمكنّا من الوصول إلى ذلك السفاح. قبضنا على أفراد عصابته المخفية جميعاً. لقد اكتشفنا أمرهم مؤخراً.
وهناك مفاجأة غير متوقعة، من بينهم امرأة تدعى.. هالة البرقاوي.
امتقعَ وجهُ حنين وشردت في الفراغ مصدومة مستحيل!
أمرٌ يصعب استيعابه، عقلها غير قادر على إدراك أن شقيقة زوجها قد تورطت في.. مافيا.
_معلوماتنا تقول أن هناك علاقة غير شرعية سابقة تجمع بين هالة وغسان. تم الإنفصال منذ سنة تقريباً، لكنها لم تستطع الهروب من أوامره وتهديداته لأنه كان يحتفظ بأشرطة فيديو غير أخلاقية تخصها.
هذه المرة سيطرة الصدمة على حنين وليلى في آن معاً، الأولى لا تدرك ماذا سيفعل زوجها حين يعلمُ بأمر أخته. والثانية عقلها يعجزُ عن استيعاب حقيقة قذارة غسان وخيانته المخفية لها.
_لقد اعترفت أنها من رمت القنبلة في سيارة السيدة حنين بهدف قتلها، وقد فشلت في ذلك.
بكت حنين بحرقة، اجتمعت البنات حولها يواسينها ويمنحنها دفئاً وأماناً.
قالت رشا وهي تمسحُ على رأسها في حنوّ:
_الحمد لله. لقد كُشفتْ حقيقتها،وستنال جزائها العادل هي وشركائها الأنذال.
تنحنح أسامة ثم قال:
_الأستاذ فارس له فضلٌ كبير. لقد ساعدنا في القبض على هؤلاء الأوغاد، هو من أوصلنا إليهم.
تبادل وليلى نظرات ارتياح، ابتسامة دافئة من طرفها. وضحكةٌ خجولة من طرفه
_هذا واجبي سيدي، لقد وعدتُ المرأة التي أحبها.
وها أنا أوفي بوعدي.
ربتَ على كتفه ، ثم اردف:
_جلسةُ النطق بالحكم على غسان وعصابته بعد ثلاثة أيام، أرجو منكم الحضور جميعاً.
اتفق الجميع على اللقاء في اليوم الموعود، كي يكتبوا معاً السطر الأخير من قصةِ العذاب التي غمرت حياتهم لسنواتٍ طويلة.

دوائر النارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن