_11_

13 3 4
                                    

تمت إحاطة مسرح الجريمة بشريطٍ أصفر اللون من قبل رجال الشرطة كُتِب عليه عبارة بخط واضح:
(( ممنوع الاقتراب، أو التصوير ))
و تم نقل الجثة إلى المشرحة من أجل التشريح.
في الصالة الكبيرة جلس المحقق على المقعد الوثير يُحضر اسئلته ريثما يصله تقرير الطبيب الشرعي. وقبالته جلست الفتيات الأربعة وكل منهنْ تحاول إخفاء توترها بطريقتها الخاصة.
_حسناً، من التي كانت الأقرب إلى الضحية. بدأ المحقق بتوجيه الاسئلة.
توجهت العيون نحو كريستين التي كانت تجاهدُ في مسحِ دمعها وتنشج بصمت.
_السيدة كريستين القادري، منذ متى تعرفين الضحية ديالا.؟؟ 
_نحن صديقتان منذ الصف الأول الاعدادي، ديالا لم تكن صديقتي فقط بل كانت أختي ومصدر الأمان والراحة بالنسبة لي. قالت  وهي تبتلع غصة ألم تخنق حلقها.
_هل كان بينكما بغض أو عداوة في وقت سابق.
_لا ابداً، كنا سنداً لبعضنا في مُرِ الأوقات قبل حُلوها.
_اين كنتِ وقت حدوث الجريمة، قرابة الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً؟
_كنت في المرسم العتيق، انا اعمل رسامة هناك. يقع قرب المسجد الأموي، غادرت المكان قرابة الساعة الثالثة ظهراً.
_مبدئياً، أنتِ خارج دائرة الاتهام.
أكمل المحقق توجيه اسئلته للبقية، ما يربطهن بديالا وحجج الغياب، بعد أن انتهى مساعده من تدوين المعلومات المطلوبة. قال وهو ينهض واقفاً:
_معلوماتكنْ الشخصية موجودة لدينا، طبعاً لا يمكن لأي منكن مغادرة البلاد دون موافقة شخصية مني أنا، وفي حال حدث معكن أي شيء جديد تواصلنْ معنا ونحن سنتواصل معكن في حال حدوث مستجدات.
حين اختفى المحقق وأعوانه وراء الباب، انصرفت البنات إلى أشغالهن كل منهن تشغلُ نفسها بما يخصها لتخفف توترها ورعبها من المجهول.
استلقت أمل على فراشها ذلك المساء وهي تفكر بهذه الجريمة الوحشية، وتحسب أن البنات يفكرنْ بذلك أيضاً.
تمارا.. ومن أحد غيرها يمتلك الشجاعة على الإقدام على هذا الفعل، لكنها لا تملك دليلاً واضحاً يدينُ تلك الساقطة. انها مجرد ظنون وشكوك لا أساس لها من الصحة.
انتبهت من افكارها على صوت اهتزاز هاتفها. نظرت نحو الساعة، انها الواحدة بعد منتصف الليل ما بال الذي يتصل في هذا الوقت!!
_مرحبا
_أقدم أحر التعازي بوفاة الجميلة ديالا.
قالت بصوت ما بين السخرية والشماتة.
تسارعت انفاسها بشكل مرعب، انها.. الملعونة.
_أنتِ ورائها أيتها المنحطة.
_هكذا تردين على من يقدم واجب العزاء، هل هذه أخلاقك أيتها ... النزيهة.
_ماذا تريدين؟
_لا يزال الوقت مبكراً على هذا السؤال، لعبتنا لم تنتهي بعد وحين نصل إلى الشوط الأخير ستعلمين ماذا أريد. الوداع يا.. توأمي الجميلة.
سمعت صوت قهقهةٍ ساخرة وحقيرة، ثم انقطع الخط..
                                 ***
مع بزوغ شمس الصباح التالي، غادرت أمل الشقة قبل استيقاظهنْ وحثت الخطى مسرعة إلى مكتب الاتصالات ولوازم الهاتف المحمول.
وقفت في طابور الانتظار عند شباك المكتب رقم خمسة حتى جاء دورها.
_ صباح الخير سيدتي، ما هو طلبك؟
أعطت هاتفها إلى الموظفة، وقالت:
_أخر رقم ظاهر أمامك في سجل مكالماتي أريد أن أعرف بأسم من.
_ثواني فقط.
مررت الموظفة الشابة أصابعها على لوحة المفاتيح بسرعةٍ واحترافيةٍ عالية، ثم التفتت إلى أمل:
_هذه الشريحة خارج نطاق الخدمة.
فغرت فاهها في صدمة
_كيف يعني.. خارج الخدمة؟! لقد جاءتني مكالمة منها قبل عدة ساعات فقط!
_تم تعطيلها عن العمل منذ ساعتين في مكتب فرعي يتبع لنا في الضاحية الجنوبية. ازدردت ريقها في توتر ، ثم اعطتها ارقاماً كانت تمارا تتصل منها في وقت سابق، وتلقت الجواب نفسه.
خرجت من المبنى و كادت أن تفقد توازنها، اللعنة..كيف تمكنت تلك البغيضة من التخلص من الشرائح الأربعة في زمن قياسي وبهذه السرعة الكبيرة.
عرجت على المقهى القريب طلبت فنجان قهوة سادة واسندت رأسها على الزجاج وسرحت شاردة، إنها لا تتوقف عن التفكير ثانية واحدة، لم تذق طعم الراحة منذ أن عثرت على القلادة القديمة خاصتها في محطة القطار. و التي تمتلك تمارا نسخة منها أيضاً، كانت تتوقع منذ ذلك الحين أن المصائب ستتساقط على رأسها واحدة تلو الأخرى.
وضع النادل الفنجان أمامها ثم انصرف في سبيله.
ارتشفت قهوتها على مهل، ونظراتها تسرح نحو الشارع الخارجي. مضت من قرب المقهى، شابة تماثلها في السن تتمايل في مشيها تغطي وجهها بوشاح أسود اللون. استدارت نحو أمل والتقت نظراتهما لثانيتين اثنتين، غمزتها ثم أكملت طريقها..
أنها هي..!
سقط الفنجان من يدها وتحطم، تركت الطاولة ولاذت بالركض نحو الخارج، التفتت يميناً ويساراً لقد رأت شبحها للتو مرة أخرى، ما الذي تحاول فعله! تريد أن توصلها إلى الجنون لا ريب من ذلك.
رجعت إلى البيت، البنات في المطبخ يتناولنْ الفطور، غسلت يديها ثم انضمت إليهن.
_أنتِ بخير. سألتها رزان في قلق.
_لا تشغلي بالك، مرهقة قليلاً.
انغمسنْ في تناول الطعام، لكن بشهية شبه معدومة فمن التي تقدر على أن تلوك لقمة واحدة دون أي خوف في ظل ما يحدث.
                                  ***
مع حلول المساء انهمرت الأمطار بغزارة، جلست أمل برفقة تيماء وشقيقاتها يتناولنْ الفوشار و يشاهدنْ شريطاً بوليسياً.
_ لقد غرقت الشوارع بمياه المطر والقيادة في ظل هذا الجو السيء صعبة جداً. قالت أمل وهي تعض شفتيها في تذمر.
_نامي عندنا الليلة. هتفت سارة ابنة الأربعة عشر عاماً، شقيقة تيماء الصغرى.
_أجل، نامي هنا وصباحاً تغادرين. قالت تيماء
_ولكن.. البنات لوحدهن، رزان وكريستين. مروة لديها مناوبة في المستشفى هذا المساء.
_اتصلي واخبريهن، خروجك في هذا الجو ليست فكرة سديدة.
_حسناً.
كونت رقم رزان في هاتفها، لبثت تنتظر الرد لثوانٍ معدودة قبل أن يصلها صوتها من الطرف الآخر.
_أنا سأنام الليلة في بيت أهل تيماء، سأعود في الصباح.
_لا بأس عزيزتي، انتبهي على نفسك.
رن جرس الباب في تلك اللحظة، نهضت رزان في توجس ومشت في اتجاه المدخل. من الذي سيأتي في هذا الوقت في ظل غياب أمل.
_من الطارق؟ سألت أمل في شك.
_لا أحد.
قبل أن تغلق الباب شعرت بحركة مريبة، رفعت رأسها لتجد رجلاً ملثم يدفعها نحو الداخل مقتحماً الشقة. صرخت في هلع وسقط الهاتف من يدها ، بينما كان مهاجمها وأعوانه يغلقون الباب.
_رزان، هل تسمعيني؟؟
انقطع الخط فجأة، عاودت الاتصال مرة أخرى. رن الجرس ثم انقطع الاتصال مجدداً!
ساورها الخوف، فاتصلت للمرة الثالثة. كان الهاتف مغلقاً هذه المرة. استولى عليها الجزع.!؟
تركت هاتفها جانباً، قامت بتغيير ثيابها وهرولت نحو الممر الخارجي.
_اعتذري من خالة سعاد نيابة عني، لا استطيع البقاء اكثر هناك شيء حدث وانا لست مطمئنة.
_لا يوجد مشكلة، طمئنيني حال وصولك.
سارعت إلى عجلة القيادة، ضغطت على مزود السرعة وحلقت نحو البيت.
عندما وصلت، لم يكن باب الشّقة مُحكم الإغلاق. تسارعت نبضاتها بشدة ثم خطتْ إلى الداخل وأضاءت الأنوار. كان متاع الشقة مبعثراً في الأرجاء، وأثاثها منقلباً رأساً على عقب.
نادتْ بصوت مرتجف:
_رزان.. كريستين.
سارت نحو الغرفة الثانية ودفعت دفة الباب ثم...
رزان مكوّرةٌ حول نفسها فاقدة للوعي. وعلى جسدها آثار ضرب واضحة وتعنيف مرعب، ذلك لم يكن كل شيء..
كانت تنزف وعند قدميها تجمعت بقعة دم داكن تتسع باستمرار، صرخت في هلع ثم اتصلت بتيماء. صاحت في انفعال
_اطلبي سيارة إسعاف، بسرعة!

دوائر النارWhere stories live. Discover now