_12_

14 3 2
                                    

هرولت الممرضات وهن يسحبنْ رزان على السرير المتحرك ذي العجلات كانت مستسلمة تماماً.أطبق قناع التخدير على وجهها خلال ثوانٍ معدودة ثم اختفت مع الكادر الطبي وراء باب غرفة العمليات.
جلست أمل على المقعد الأسفنجي في غرفة الانتظار وهي تضرب كفاً بكف محاولةً السيطرة على أعصابها.
_كوني هادئة، إنها حادثةٌ عابرة. قالت تيماء مهونة
لكن مجرياتها توحي بأنها حادثةٌ مرعبة، رزان بين الحياة والموت وكريستين..
كريستين.. لقد نسيت أمرها!
كونت رقمها على الهاتف، ثم.. الخط مغلق.
_كريستين في خطر، هاتفها مغلق! ماذا افعل.. ماذا؟!
بعد لحظات خرج الطبيب هرولت الفتاتان نحوه
_طمئنا حضرة الطبيب
_المريضة تجاوزت الخطر، هناك كدمات حادة نتيجة اعتداء قاسي. ولكن..
_لكن، ماذا؟
_فقدت الحمل
اسقط في يدها..
_حمل، لا يمكن
_ أيعقل؟! لا تعلمين.
_أعلم، ماذا؟!..
_ بوجود حملٍ خارج الرحم. وسقط بسبب النزف الشديد.
هذا هو السر الذي تخفيه، ولكن متى و كيف وأين؟!
هذا ليس مهماً، النجاة هي الأهم ولكنها لن تستطيع أن تعرف ما حصل بدقة قبل أن تستيقظ رزان.
بعد ساعتين استعادت وعيها. فتحت عيناها بصعوبة كبيرة تلفتت حولها يمين ويساراً قبل  أن تدرك أنها في المشفى.
_حمداً لله على سلامتك. هتفت أمل وتيماء معاً.
ابتسمت رزان رغم شحوبها.
_ما الذي حصل، اخبرينا بدقة.
انسابت الدموع على وجنتيها في صمت وهي تسترجع تفاصيل الحادثة. أصيبت بذعر شلّ حركتها حين انقض الملثم على جسدها كذئب مفترس.
_من انتم، وماذا تريدون؟ سألت بصوت مرتجف.
لطم بكفه خدها الأيمن فحبست أنفاسها وهي تبتلع الدماء الحارة التي نزفت من شفتها.
_اصمتي .
ثم اردف:
_نفذوا المهمة.
انتشر بقية العصابة في البيت قلبوا الأثاث رأساً على عقب، بعد ثواني ارتفعَ صوتُ صراخ كريستين وقد قيدوها من معصميها و هم  يصفعونها ويركلونها بأقدامهم في عنفٍ واحتقار. يدفعونها رغماً عنها معهم، شتمتهم رزان جميعا وصرخت:
_اتركوها، النجدة.. النجدة.
انهال عليها الرجل بالصفعات والركلات حتى فقدت القدرة على الحركة، اخر ما وقعت عليه عيناها قبل أن تغيب عن الوعي كريستين التي كانت تستنجد وتتوسل بلا فائدة ثم اختفى صوتها بعد لحظات. بعد ذلك لم تعد تدرك ما حدث..
_أقسم أني سأجعل من وراء هذه الفعل الحقير يدفع الثمن غالياً، غالياً جدا. قالت أمل وقد تصاعد الحنق في داخلها.
حين انفردت بتيماء في الممر الخارجي همست
_يجب أن تخبري أهلها بما حصل.
_ماذا أقول؟ ابنتكم في المشفى وخسرت جنيناً في الأشهر الأولى.
_صحيح، رزان حامل؟! هل الحمل غير شرعي؟؟
_لا أعتقد، رزان فتاة محترمة وليست من هذا المستوى حتى ترتكب الخطيئة.
_زواج سريّ
_ماذا تعني؟؟
_أقصد عقد زواج خارجي.. عُرفي.
علتْ الصدمة ملامحها، ماذا لو افتراضات تيماء صحيحة؟ طردت هذه الأفكار من رأسها، بالنسبة لهذا الموضوع ستأجله لوقت لاحق،ما يهم الآن..كريستين.
                                ***
رفرفت كريستين أهدابها في توتر، ثم فتحت عينيها بشكل كامل. أجالت بصرها في توهانٍ شديد، الظلام يخيم على المكان وقد سيطرت عليه برودةٌ لاذعة.
نهضت في تثاقل شديد، لا يزال آثر المخدر مسيطراً على جسدها. ثم تقدمت بخطوات مترنحة نحو الباب الحديدي الكبير، ضربت بقبضتها وهي تصرخ
_افتحوا الباب، افتحوه يا أوغاد.. عليكم اللعنة.
لا فائدة، تراجعت إلى مكانها وارتمت على الأرض في اعياء. إلى متى سيستمر كل هذا! كم مضى من الوقت وهي على هذه الحال. ساعات، أيام. أطلقت ضحكة ساخرة متألمة.
إنها مصابة بانعدام الإحساس بالزمن. ولماذا هي هنا من الأساس، في رأسها تدور الآف الاسئلة التي لا تجد لها أي جواب.
مع بزوغ الفجر، فُتحَ الباب وظهر شبح امرأة في بداية الثلاثين من العمر تضع نظارات سوداء. حدقت في وجهها بملامح متعبة، يبدو مألوفاً جداً.عندما تمت إضاءة الأنوار كانت أكبر صدمة. إنها الوجه الآخر لأمل، الملامح ذاتها، من يضعها بجانب أمل، حتماً لن يستطيع التمييز بينهما.
_  لا تفكري كثيراً ستتعبين،أنا توأم تلك الغبية! صحيح أننا توأمتان لكنني الذكية التي تتصف بالحنكة والدهاء، وهي الخرقاء التي تتصف بالغباء.
_بل هي الطيبة الخلوقة، وأنتِ المجرمة الخائنة.
صفعتها بملأ كفها فسقطت على وجهها. ابتسمت في سخرية، تافهة لا تصادق إلا غبيات وتافهات.
تعاقبت سبعة أيام بدت لها سبع قرون بسبب شعورها بثقل الوقت.
التقت وتمارا عدة مرات، تنشأ بينهما مشادة كلامية حادة تنتهي بالضرب والشتم.
مع حلول ظلام اليوم الثامن انتبهت إلى صوت حفيف ورق قرب الجدار اقتربت من مصدر الصوت وامسكت بالورقة، جلست على ركبتيها بجانبها مصباح صغير تركه واحد من الحراس منذ يومين ، الذي تستطيع من خلاله الرؤية بقليلٍ من الوضوح. قرأت الرسالة بهدوء
(( سأكون عندك بعد ساعتين ، أنا لست من أتباعِ تمارا.ولا استطيع الإطالة كثيراً.حين نلتقي تفهمين كل شيء ))
مزقتها ثم رمتها بعيداً، رسالة غامضة وغير مفهومة. ثم اطلقت ضحكة ساخرة، من هذا الذي يتجرأ على خيانة  الأفعى!
حين عانقت عقارب الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، سمعت صوت فتح الباب ثم خطوات هادئة تتقدم نحوها، أخفت وجهها بين كفيها في ذعر. ستموت.. ستموت لا محالة.
_لا تخافي لن أسبب لك الأذى، جئت لمساعدتك
رفعت رأسها في بطىء شديد وهي ترتجف بشدة لتحدق في الرجل الماثل أمامها.
_من أنت، وماذا تريد؟
رمى حقيبة سوداء جلدية كبيرة، نظرت نحوها في شك
_ما هذا؟
_هذه كل الدلائل التي تدين تمارا، تثبت كل الجرائم التي ارتكبتها على امتداد السنوات الماضية.
_وما المطلوب مني الآن؟
_ستهربين هذه الليلة بمساعدتي، سأخرجك من هنا عبر الباب الخلفي للمستودع ثم تنطلقين مبتعدة من هنا وفور وصولك نحو المنطقة الجنوبية ستجدين سيارة دايو سوداء، صحيح هل تجيدين القيادة؟
_نعم.
_بعد  وصولك إلى السيدة أمل ستعطيها هذه الحقيبة.
_واذا سألت من أرسلها؟؟
_أخبريها أن الشاهر لن ينسى صنيعك معه وهذا جزء من رد الجميل، ولتكن على ثقة أنني سأساندها حتى النهاية.
التفت ليغادر ثم توقف لبرهة وقال
_لا تنسي أن ترتدي هذا الوشاح ومعه الفستان، سأنتظرك في الممر الخارجي.
أومأت برأسها دون أن تنطق.ثم ارتدت الثياب في عجلة من أمرها، أحكمت ربط الوشاح ثم هرولت تركض نحو الخارج .
تلفت الشاهر يميناً ويساراً ليتأكد من خلو الطريق من أي عابر سبيل ثم همس لها
_أنطلقي بسرعة، ولا تلتفتي للوراء أبداً.
ركضت وهي تمسك بأطراف ثوبها كي لا تتعثر، المكان مظلم بشدة بالكاد تستطيع رؤية ما تخطوه أقدامها.
وصلت نحو الجنوب خلال مدة زمنية قصيرة، ثم عثرت على السيارة المنشودة، رفعت قبضة باب السائق، ثم اتخذت مقعدها أمام عجلة القيادة، ضغطت على مزود السرعة وانطلقت مبتعدة. التفتت بعد لحظات، لقد أصبح المستودع خلف الضباب. تنهدت... لقد ذهب الخطر الآن، سيكون عليها إتمام ما طلبه الشاهر ومساعدة أمل على قدر إستطاعتها لكي تتخلص من تلك الصفيقة وترميها خلف القضبان.
                                  ***
تعالى صوت طرقات مُلحة على باب الشقة، نظرت أمل نحو الساعة. إنها السادسة صباحا.. من الذي سيأتي في هذا الوقت! انتبهت إلى مروة  التي ظهرت في الممر فأشارت بالتزام الصمت. تقدمت بهدوء لتفتح الباب
ثم...
ظهرت كريستين أمامها،. كانت ترتجف بشدة.
_كريستين!!
أرتمت في حضنها وهي ترتجف، ملامحها شاحبة بشكل لا يصدق.
_هل أنتِ بخير، هل مستكِ بسوء.
_لقد كنت خائفة كثيراً.
_لا خوف بعد اليوم، لكن يجب عليك أن تحدثيني بما حصل معك بالتفصيل.
لمدة ساعتين من الزمن، استمرت تقص عليها تفاصيل ما جرى، امتقع وجه أمل بشدة وانسحبت الدماء منه. أختها هذه تجردت من الرحمة، وأصبحت وحشاً مرعباً لا تستطيع رؤية ملامحها فيه.
_هذه لك.
وضعت أمامها الحقيبة التي رافقتها طيلة الساعات الماضية في رحلة الهروب الممتدة، عاشت فزعاً رهيباً حتى تمكنت من الوصول إلى هنا.
زوت أمل بين حاجبيها في شك، ثم فتحتها لتجد ملفات ومستندات وأشرطة فيديو وتسجيلات صوتية
_أرسلها الشاهر. قالت كريستين بعد صمت طويل
قرأت الدهشة على وجهها حين سمعت بهذا الأسم ، لقد مر زمن طويلٌ جداً ،كمال الشاهر.
كان واحداً من اقرب الناس إلى داوود، مدير أعماله وصديقه المقرب. حين تم اتهامه وتوريطه في عملية سرقة كبيرة، تدخلت أمل ووقفت في وجهه واستطاعت تبرئة كمال بسهولة بالأدلة والبراهين. وعادت علاقته الطيبة بداوود أفضل من قبل، لهذا السبب كان يحترمها ويقدّرها وقد عاهد نفسه على أن يرد الجميل في اقرب فرصة ممكنة.
بعد طلاق أمل من داوود، أصاب الشاهر شك كبير أن السبب في حدوث هذا الطلاق العاصف واحد من اقرب الناس لأمل.
وحين جاءت تمارا بعد سنتين زوجة رسمية لداوود منتحلةً شخصية( ورد) التي استطاعت من خلالها خداع العائلة بأكملها،   كان هو على يقين أن هذه المرأة تخفي سراً كبيراً.. وخطيراً.
بدأ في مراقبتها وتتبع حركاتها منذ ذلك الحين، حتى اكتشف سرها وخداعها. خافت منه بشدة، فهو أقرب الناس لزوجها وسيصدقه حتماً.
كان الشرط الوحيد لاحتفاظه بالسر هو أن يعمل تحت أمرتها، في مقر عصابتها قرب المنطقة الجنوبية فوافقت بسهولة دون أن تدري بعواقب موافقتها وأنها قد رسمت نهايتها بيدها.
شاهدت أمل أشرطة الفيديو واحداً تلو الآخر وعقلها عاجز  تماماً عن تصديق ما تراه، هذه المرأة عبارة عن شيطان على هيئة إنسان، استمعت إلى الأشرطة ثم جثت على ركبتيها وانخرطت في بكاء مرير
_أنا لا أصدق، لما كل هذا الشر والإجرام. هذه يستحيل أن تكون أختي.
اقتربت كريستين واحتضنتها، استمرت أمل تنتحب لبعض الوقت ثم هدأت واستكان جسدها.
_سأجعلها تدفع الثمن، سأنتقم لكل شخص بريء راح ضحية نتيجة أفعالها القذرة.
_تريدين الاتصال بها.
رفعت رأسها وعلى وجهها علامات حيرة واضحة.
_وكيف ذلك؟
اخرجت قصاصة بيضاء من جيبها ووضعتها في كفها
_هذا رقمها الخاص، هذا الرقم لا يعرفه إلا أفراد العصابة.
ارتسمت على وجهها ابتسامة المنتصر، الآن بدأت تحتد المعركة، ستنتقم منها شر انتقام وستجعلها تندم على ما اقترفته يداها.
كونت الرقم في هاتفها، مر بعض الوقت قبل أن يأتي الرد
_ألو
_أختي العزيزة، كيف حالك
عم الصمت قليلاً، كان تمارا تحاول أن تستوعب ما يجري الآن. لقد ألجمتها الدهشة وعقدت لسانها.
_مفاجأة، أليس كذلك؟
_كيف توصلتي إلى هذا الرقم.
_الأمر ليس صعباً أبداً.بالمناسبة كريستين أصبحت عندي.
شعرت بغضبها بوضوح، تمتمت بصوت خافت
_اللعنة.
_ألم تكتفي بعد؟ لقد حان وقت المواجهة الحاسمة ألا توافقينني الرأي.
_أجل، حان وقت اللقاء المنتظر، لقد اشتقت لك كثيراً يا عزيزتي.
_متى الموعد إذن؟
_بعد اثنين وسبعين ساعة من الآن، الرابعة عصراً عند المجمع التجاري القديم.
_اتفقنا.
أغلقت الهاتف وهي تتنفس الصعداء، لقد وصلت إلى نهاية اللعبة ويجب أن تحسم المعركة خلال الأيام القادمة لتنتهي من هذا الكابوس اللعين الذي يرافقها منذ سنوات.

دوائر النارTahanan ng mga kuwento. Tumuklas ngayon