_13_

11 3 0
                                    

_لقد انتهينا.
وضعت رشا طبق اللازانيا على المنضدة بجانب طبق المعجنات الساخنة ورصفت المقبلات بشكل احترافي.
اجتمعت البنات في المطعم، إنها أمسية الخميس تقليد خاص بهنْ لن يتغير أبداً. ارتسمت على وجه ليلى ابتسامة ساخرة.
_أنتِ في كل طبق تقومين بأعداده تشعرين بفخرٍ رهيب، نسبة كبيرة من نساء المجتمع الأوسط أصبح تفكيرهن محدوداً، سقف طموحهن منخفض جداً.
تطاير الشرر من عينيهما في تلك اللحظة، لم يمضي سوى بعض الوقت قبل أن تقول جوري
_ ممنوع أن تتشاجرا، وألا أختلت الموازين الطبيعية.
ثم ضجرنْ بالضحك دون قيود.
تجاذبت السيدات الأربع أطراف الحديث وهنْ يتناولنْ الطعام. أصبنْ منه حتى شبعنْ، وضعت رشا طبق الحلويات والمكسرات المالحة. ثم استمرت الأحاديث وتعالت أصوات الضحكات الرائقة.
تنقلت رشا وليلى وهما تحملان الأطباق ما بين الطاولة والمطبخ، توقفت عند الباب وأطلقت تنهيدة حارة. اقتربت منها ليلى وهمست في قلق
_أنت لست على ما يرام، تحدثي ما الذي يشغل بالك.
_رزان، لم تتصل بي منذ مدة طويلة، وانا خائفة أن تكون مصابة بمكروه.
_لعلها مشغولة بالدراسة، أو أن شبكة الهاتف في الشقة التي تسكن فيها ليست متاحة دائماً.
_أنا لست مرتاحة، أحساسي يخبرني أن هناك أمر خطير قد حدث.
_اتصلي بصاحبة الشقة، رقمها معك؟
_بل سأذهب إلى هناك، لن ارتاح بمجرد اتصال.
_انتظري حتى الغد، وسنجد حلاً مناسباً.
تعانقتا بقوة.
قرابة الساعة العاشرة ليلاً تفرقت البنات بعد أن اتفقنْ على لقاء قريب. بقيت رشا مستيقظة طوال الليل، الخوف كان كفيلاً كي يطرد من عينيها النوم.
أنها لا تدري بعد عن المصيبة التي تنتظرها،  الكارثة الضخمة التي ستحل بعائلتها من بعدها.
                                      ***
توقفت سيارة الآجرة في حي المُهاجرين قرب جادة الفواخيري. نزلت رزان وقد أحكمت إغلاق معطفها ثم قالت:
_انتظر قليلاً، سوف أرسل لك الآجرة فوراً
تقدمت بخطوات متعثرة، اجتازت مدخل العمارة، هبطت الدرج ثم توقفت أمام باب الشقة الواقعة في الطابق الأرضي، طرقت على الباب بكل قوتها.ما إن فتحت جوري الباب حتى تهاوى جسدها وسقطت أرضاً
_رزان! كيفَ وصلتِ إلى هنا؟؟ وأين كنتِ طوال الفترة الماضية! قالت جوري وعلامات الصدمة  أعتلت ملامحها
_أتوسل إليكِ، نقدي السائق الذي يقف في الخارج أُجرته ثم سأخبرك بكل شيء.
ساعدتها في المشي حتى وصلت إلى غرفة الجلوس، استلقت رزان على الكنبة، بعد ذلك وضعت جوري وشاحاً وخرجت. أعطت الرجل أجرته ثم عادت على الداخل مُسرعة. دفعت الباب وصاحت
_رزان، يجب أن نتحدث، نتصل بأمك نطمئنها.
كان هذا قبل أن تتسمر في مكانها حين شاهدت رزان مُمددةً على الأرض وقد ظهرت على ثيابها بقعة دم واسعة
تحركت من جمودها، وضعت يدها على وجهها. حرارتها مرتفعة!
قرعت الباب المقابل لشقتها، ما هي إلا لحظات حتى ظهرت جارتها الشابة رانيا
_اهلا جوري، ما بالك؟ هل أنتِ بخير
_قريبتي متعبة كثيرة ، ساعديني أرجوك.
هرولت السيدتان مسرعتان نحو الفتاة المرمية. رمقتها رانيا بنظرة شاملة.
_يجب أن نسعفها بسرعة، حالتها حرجةٌ جداً.
كونت في هاتفها رقم الإسعاف التابع للمركز الصحي في التجمع الرابع
_لو سمحتم، أريد سيارة أسعاف إلى جادة الفواخيري بأسرع وقت ممكن.
تبادلت رانيا وجوري نظرات يملؤها القلق والارتياب. استطاعت الممرضة الشابة معرفة حالتها بمجرد النظر إلى وضعها فقط، خبرة خمسة عشر عاماً في ممارسة التمريض منحتها سرعة بديهة عند كل حالة تواجهها.
جلست المرأتان في الممر الرئيسي ريثما ينتهي كل شيء، خرجت الطبيبة فأسرعت جوري نحوها ثم تبعتها رانيا.
_لو سمحتِ هل كل شيء على ما يرام؟!
_في الحقيقة، ما حدث معها بسبب مضاعفات حادة ناجمة عن إجهاض حدث مؤخراً.
امتقع وجه جوري ثم تراجعت إلى الوراء لتجلس على المقعد الوثير، وضعت رأسها بين كفيها وهي تحاول أن تستوعب الصدمة.
_عفواً، لكنك قلت أن المريضة كانت حامل!
_نعم كان هناك حمل خارج الرحم، والفحوصات أوضحت أن الحمل  سقط مؤخراً بسبب تعرضها للعنف الشديد.
ترقرقت العبرات على وجنتيها في صمت، في أي مصيبةٌ أقحمتِ نفسك يا رزان؟ رشا! ما الذي سيحل بها عندما تعلم. أنها لا تمتلك الشجاعة لتواجهها حتى.
                            ***
بعد مرور ثلاثة أيام..
كانت جوري تعتني ب رزان حتى تسترد عافيتها وقوتها. لقد بدأت تتحسن بالتدريج.
وقفت عند ركن المطبخ لتصنع حساء الخضراوات الساخن، تقدمت نحوها رزان وقد غطت ملابسها برداء صوفي ثقيل.
_شكراً لك.
_على الرحب والسعة. قالت جوري وعلى شفتيها ابتسامة مُسترخية.ثم اردفت:
_كيف أصبحتِ اليوم؟
_بخير، الحمد لله
استدارت تغادر فاستوقفتها قائلة:
_من هو؟
_زوجي.
اطلقت جوري قهقهةً ساخرة
_مبارك، ومتى حصل ذلك؟
_اسخري قدر ما تشائين.
_رزان، قولي من هو وإلا سأخبر رشا.
امتقع وجهها، ثم قالت بصوت مخنوق
_تزوجتُ عُرفياً.
تجمدت جوري في تلك اللحظة، وانسحبت الدماء من وجهها. صرخت في حدة
_انتِ غبيةٌ لتفعلي شيئاً كهذا؟؟
_أحببته.
_وتبيعين نفسك تحت اسم الحب.
_لقد كانت لحظة غباء.
_تعرفين ماذا فعلتِ؟؟ بعتِ نفسك بشكل شرعي، وماذا حصل حتى فقدتِ الحمل.
حكت لها باقتضاب هجوم الملثمين على سكن البنات، حين هاجمها زعيمهم وضربها بشدة حتى نزفت وفقدت الوعي.
_ما الحل برأيك؟؟
_ ترفعين قضية تثبيت زواج، وحينها سيُجبر على الزواج منك على العلن وإلا سينال حكماً قاسياً بالسجن لمدة طويلة.
تنهدت في إعياء، جوري محقةٌ فيما تقول، في النهاية هي مُحامية، وتعرف في أمور مثل هذه.
رن هاتفها في تلك اللحظة، تحولت من العنيدة المصدومة إلى الحسناء المُغنجة.
_أهلاً حبيبي مالك، كيف حالك.
حبست رزان ضحكة ساخرة أوشكت أن تفارق حلقها، حبيبي؟! وقبل قليل قالت أن الاستسلام للحب غباء!
                      

دوائر النارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن