_17_

10 3 0
                                    

صففتْ شعرها بمنتهى الإتقان، وسوتْ هندامها لتظهر بأبهى طلّة.
تاريخُ اليوم مميزٌ جداً.
لقد مر على تتويج حبها لخالد بزواجٍ اسطوري عشر سنوات، ابتمست لنفسها. ربما هذا الحب هو الشيء الذي يمنحها الصبر لمصارعة هذه الدنيا وغدرِها.
ركبت حنين سيارتها باتجاه المكتب الهندسي، عليها أن تقضي بعض الأعمال الهامة قبل حلول المساء كي تتفرغ لقضاء وقت رومانسي وخاص برفقة زوجها وحب حياتها.
أصبحت الفرحة اثنتين، مع منتصف النهار.
غادر مكتبها وكيل شركة الوفاء، من أكبر شركات التخطيط والإنشاء في البلاد. بعد أن وقعتْ معه عقد مشروع إعادة إعمار ثانوية المكتبي بحُلتها الجديدة.
***
في طريق العودة، مرتْ على رشا لتأخذ قالب كعكٍ حجزته قبل مدة.
_اتمنى لكِ وقتاً سعيداً عزيزتي. قالت رشا بابتسامة دافئة
_شكراً.
_ما الهدية التي حضّرتيها؟
_رسالة مُسجلة، ستُعرض مساءً أمام الجميع
التفتت ثم قالت شيئاً كادت أن تنساه:
_لا تتأخري اليوم انتِ و السيدات، الحفل سيقام في منتجع الحجرِ الذهبي عند السابعة مساءً.
_بالتأكيد
عانقتها بحرارة، ثم انصرفت مسرعة.
وضعت قالب الحلوى في الصندوق الخلفي. وحين فتحت باب السائق، دوى انفجارُ مرعب ناجم عن قنبلة تم رميها قرب السيارة، اشتعلت فوراً على أثر ما حصل.
_حنين....
صرخت رشا في ذعر.
ركضت نحو الخارج وقد فقدت أعصابها، اقتربت من النار لتجد حنين مرميةً على بعد أمتار قليلة على رأسها يظهر جرحٌ حاد ناجم عن سقوطها.
لم يكن هذا كل شيءٍ فقط...
على طرف فستانها تظهرُ بقعة دم كبيرة، قُطرها يتسع باستمرار..
_حنين.....
***
هرولت الأقدامُ في الممر متعجلةً لاهثة.
تُدفَعُ حنين مستسلمة على السرير المتحرك لا حول لها ولا قوة، حين وصلت الممرضات إلى قسم العناية المركزة. اوقفتْ احداهن رشا قائلة:
_سيدتي، لا يمكنكِ الدخول.
حين اختفوا جميعهم وراء الباب، جلست على المقعد مُنهارة.اتصلت بالبنات حكت باختصار عن الحادثة المروّعة وطلبت منهنْ الحضور على جناحِ السرعة.
بعد لحظات ظهرت جوري، احتضنتها وهي تبكي
بحرقة:
_ستكون بخير بإذن الله، لا تقلقي.
مسحتْ عبراتها ثم قالت:
_ اين ليلى؟
ابتلعت جوري ريقها، ثم..
_اتصلت بها لم تُجب، واتصلت على المكتب أخبرتني السكرتيرة أنها مُختفية منذ ثلاثة أيام.
_والمنزل؟؟
_لا أحد فيه.
_هذه البنتُ ستثيرُ جنوني حرفياً، ما الذي يحصلُ معها؟
في تلك الأثناء خرجت طبيبةٌ من غرفة العمليات.
_طمئنينا سيدتي.
_للأسف الوضع لا يزال تحت الخطر، لقد تعرضتْ لإصابات بليغة بسبب الحادث. نزفت كثيراً وعلى آثر هذا الجنين مات.
وكانت الضربة القاضية..
همستْ رشا بصوت متحشرج:
_مستحيل! أيُ جنين؟
_لحظة، حقاً لا تعرفان! السيدة حنين حامل ، المدة التقريبية كانت عشرة أسابيع.
استولت على وجوههن الصدمة، اذا هذه هي المفاجأة التي كانت تخبئها من أجل احتفالِ اليوم الذي تحول إلى مأتم.
صمت طويل خيم عليهما.
خوفٌ وألمٌ يلفهما من كل اتجاه.
_ما وضع ليلى؟
_انها بخير.
_ما الذي تخفيانه انتِ وهي؟ قالت رشا في حدة.
_لقد.. انفصلت عن غسان، قام بتطّليقها.
_لا يعقل ، انتِ واعيةٌ لم تقولينه؟
هزت رأسها بالإيجاب.
اطلقت رشا ضحكة هستيرية سرعان ما تحولت إلى بُكاءٍ مرير..
_جميعنا محاصرونَ بالوجعِ والفقد...
قد لا تتضحُ اتجاهات النجاةَ لنا بوضوح.
الألم يتسعُ شيئاً فشيئاً، فتزيدُ معهُ فجوةَ الخراب والإنكسار في حياتنا.
نيران الفُراقَ والخسارة تشتعلُ ببطء..
و ستحرقُ افئدتنا من هولِ الآسى والحرمان.
ضحكت في ألم وهي تقول:
_هل سنجدُ في مكانٍ ما شعلة الأمل التي ستعيدُ لنا
بريقَ الحياة الذي فقدناه.
قطعَ حديثهما رنينُ هاتف جوري، ليلى تتصلُ وأخيراً.
_ألو، ليلى..
سحبت رشا الهاتف منه وصرخت بحدة:
_أين انتِ، لماذا انقطعتِ عن الجميع فجأة.هل تعلمين أن حنين في المشفى بين الحياة والموت. تكلمي.. أجيبي.
_ عفواً، انتِ صديقة الأستاذة ليلى؟
توجست، من هذه!
_من تكونين؟ قالت جوري
_ليلى بحاجتكنْ. غسان خطف مجد واحتجزها في المنزل منذ يومين.
_ماذا؟؟
_المفتاح مفقود لا آثر له. أنا خائفة أن يكون مجد في خطر، استاذة جوري تصرفيّ أرجوكي.
_حسناً، سأتحرى عن الموضوع واخبرك. لكن لا يمكنكِ إخراجها بأي شكل.
_الباب مقفل من الداخل.
_حسناً، سأبلغ الشرطة ويهرعون إلى إخراجها كي تكون مع رشا في المشفى. ثم سأستفهم حول موضوع مجد وغسان.
_حسناً.
حين أغلقت جوري الخط، نظرت نحو رشا نظرةٍ مطوّلة ثم قالت:
_رقم الضابط أسامة معكِ أليس كذلك؟
_نعم، ما الأمر
_أريدهُ فوراً، سأخبرك بالتفاصيل فور أن تكتمل الصورة التي أفكرُ فيها.
دونتْ الرقم على قصاصةٍ صغيرة، دستها في جيبها ثم هرولتْ مبتعدة، قبل أن تختفي قالت لرشا:
_بعد ساعة ستكون ليلى معكِ، لا تخافي.
ثم غابت في نهاية الممر.

دوائر النارWhere stories live. Discover now