تلك الشجرة

3.9K 144 16
                                    

تلك الشجرة

(١)

أنا أعرف عملي جيداً وأنفذه بدقة متناهية ..

أنا أستيقظ في تمام الخامسة صباحاً .. أغتسل .. أرتدي ملابسي .. أنطلق إلى عملي لأصل في تمام السادسة ..

أقف حيث طلبوا مني أن أقف من السادسة صباحاً حتى التاسعة مساءً .. حينها ينتهي عملي لأعود إلى المنزل ..

هذا هو عملي !

قريبي الذي توسّط لي ليمنحوني هذا العمل ، قال لي إنه أشبه بعمل رجال الأمن .. وأنا أحبّ رجال الأمن .. أحبّ الزي الذي يرتدونه وها أنا أرتدي ملابس تشبه ملابسهم ..

لا .. لم يمنحوني سلاحاً كرجال الأمن ، وقريبي أخبرني أنني لن أحتاجه .. أخبرني أنه من هم بـ ( حالتي ) لا يحملون أسلحة ..

لا أعرف ما هي حالتي بالضبط ، لكني أذكر أمي وهي تبكي ..

كانت تراني فتبكي وتردد :
-- كيف سأتركك وحيداً دون أن تجد من يرعاك ؟

ولم أفهم حينها لماذا كان عليها أن تتركني .. لم أفهم حتى أتى اليوم الذي حاولت فيه إيقاظها فلم تستيقظ .. حاولت كثيراً وطويلاً لكنها ظلت راقدة على فراشها نائمة دون أن تردّ عليّ وأنا أنادي عليها باسمها ..

بعدها أتى أقاربي ليأخذوها ، وأخبرني قريبي الذي منحني هذا العمل ، أنها ذهبت إلى هناك ..
إلى السماء ..

أخبرني أنني سأراها مجدداً حين يحين الوقت .. لكني لا أعرف متى بالتحديد ..

لكني سأنتظر .. فأنا أريد أن أرى أمي مرة أخرى .. أريد أن أعرف منها ما الذي قصده أحد أقاربي حين أشار لي ، ليقول :
-- إنه متخلّف ..

ما الذي كان يعنيه بالضبط ؟.. لن أعرف حتى أرى أمي مجدداً !
لكني أحبّ عملي الجديد الذي منحني إياه قريبي .. أحبّ الزي الذي أرتديه وأحبّ أصحاب هذا العمل الذين يبتسمون كل مرة يرونني فيها ..

حتى المبنى الذي أقف لأحرسه طيلة اليوم جميل بحق .. مبنى أبيض أنيق يتكون من طابقين ذو بوابة أمامية عليها رجل أمن يحمل سلاحاً - رغم أن قريبي أخبرني أنه لا حاجة للسلاح هنا !- وبوابة أخرى خلفية أقف أنا عليها ، وكل ما عليّ فعله هو الضغط على زر في الجدار ، لو رأيت أحداً يخرج من هذه البوابة ، التي لم أرها تفتح ولو لمرة واحدة منذ أن بدأت عملي هنا ..

لكني سأنتظر ..

في يوم من الأيام سيحاول أحدهم الخروج من هذه البوابة ، حينها سأسرع إلى الزر في الجدار لأضغط عليه بكل قوتي ..

هذا هو عملي هنا وأنا أعرفه جيّداً وأنفذه بدقة متناهية ..

•••

مجموعة قصصية | حكايات الموتىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن