تلك الشجرة

1.2K 95 17
                                    

-- لكنهم لن يتركوك .. ستراهم حتى تجن أو تقتل نفسك ..

قالها النحيل فاحتجت لبعض الوقت قبل أن أفهم ما يعنيه .. قبل أن أعود ليأسي ..

أمّا النحيل فأشار إلى الباب قائلاً :
-- سينتهي الأمر حالاً .. كل شئ سينتهي ..

نظرت إليه وقلت بعد تردد :
-- هل ستبقى معي ؟

-- حتى النهاية .. أعدك ..

فعدت لأنظر إلى الباب قبل أن أقرر أن أتجه إليه ..

أخطو في اتجاهه .. أقترب منه أكثر .. النحيل يتبعني صامتاً هذه المرة .. الرائحة تشتد ..

أبلغه أخيراً ..

أمد أصابعي لأمسك المقبض البارد .. أفتحه ..

ثم أصرخ رعباً مما أراه في الداخل !!

•••

( ٦ )

أخبرتني أمي أن الموتى لا يتحركون .. لا يعودون .. لا يشعرون ..

أمي الآن في السماء وهي ليست معي الآن لترى أنها كانت مخطئة !!

نعم الجثث لم تكن تتحرك .. لكنهم كانوا يتحركون !.. الأطفال .. على الموائد وفي الثلاجات وفي تلك الأسطوانات الزجاجية .. وما بين هذا كله يقفون وينظرون إليّ وإلى النحيل الذي بدا عليه الأسى ..

أنا لا أستوعب بسرعة ولا أتقبل ما لا أفهمه ، لذا فالمشهد يتحول أمامي إلى صورة منفصلة ، لا يجمعها إلا أنني أراها كلها الآن ..

هناك صورة للفتاة التي أخذوا قلبها .. إنها تقف أمامي ، لكنها ترقد كذلك على إحدى الموائد شاخصة العينين تحدق في السقف إلى ما لا نهاية .. الغطاء الذي كان يغطي جثتها سقط ، وهي الآن تقف جوار جثتها تنظر لها وتتحسس تجويف صدرها حيث لم يعد هناك قلب ..

صورة أخرى .. هناك ذلك الطفل الأشقر .. إنه يقف جوار تلك الأسطوانة الزجاجية ، لكنه داخل الأسطوانة الزجاجية كذلك .. أراه معلقاً داخلها بلا ذراعين وهناك فتحة ضخمة في جمجمته يخرج منها أنبوب سميك ..

هناك صورة ذلك الطفل الذي لم تعد له أحشاء .. يقف جوار نفسه .. جوار جثته الضئيلة التي تبدو أشبه بدمية من تلك الدمى التي كانت أمي تعثر على مثلها لي في القمامة ..

جوار كل جثة يقف شبحها ، وكلهم أطفال يرمقونني في صمت يصم الآذان !

ويقول النحيل ليبدد هذا الصمت :
-- القتلة .. إنهم .. إنهم مجرد أطفال !

لكني لم أكن فهمت بعد .. لذا سألت :
-- ما الذي حدث لهم ؟؟

-- ألم تفهم بعد ؟.. التحاليل التي كانوا يطلبونها .. العينات .. الأنسجة .. إنهم يبيعون أعضاء هؤلاء الأطفال !.. يقتلونهم ويحولونهم لمجرد سلع .. أعضاء يدفع ثمنها من يحتاجها من الأغنياء .. بل إنهم لم يتركوا أجسادهم لتموت بعد .. أنظر .. هذا الطفل يبقون جسده حياً للحفاظ على ما لم يتم بيعه من أعضائه بعد .. وهذه الفتاة .. إنها .. إنها تحرك جفنها !

مجموعة قصصية | حكايات الموتىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن