الفصل التاسع عشر

2.9K 93 2
                                    


الفصل التاسع عشر

 " غيـاب "

أسفه علي شيئ لم أتعمـده ,ولكن لن أكرر أسفي عما سببته لك من حُزنٍ لأنك تستحقه
........
حينما يكون القدر فوق كل شيئ وتأتر المصائب تباعاً , لايبقي القلب في مكنه ويختلع من ضلوعه طالباً بالرحيل .. ليصبح الجسد مُتبلداً بلا شعور .. وتتحجر المشاعر إلي وقتٍ يزهر فيـه الخريـف
....
- أختك ماتت يا صُهيب
مازالت تلك الجُمله تترد في ذهنه , حبيبته ماتت , أخته ماتت من كانت تملاً حياته بهجه رحلت ودون وداعٍ مُسبق , لا يدري كيف كان يقف بثبات يري جسدها المرخيّ علي سرير المشي , والأطباء يفصلن عنها الأجهزه , بشرتها الشاحبه وعينيها المُغلقتين أردته قتيلاً , لمحَ شبح إبتسامه عي شفتيها ربما كان هذا صبره بعد أن سمع من أمه أنها ماتت ليهرع من عمله أتياً بسرعه للمشفي , تذكرَ أنه رأي أمه وفارس وتميمه وأمنيه وأهلها وأصدقاء أليـن .. لكن الوحيدة التي تبقت في ذاكرته صورتها وهي تبتسم وهي علي فراش الموت
لو كان يعرف أن هذا كان فراشها الأخير ما كان رتبه حتي تنام , ولو كان يعرف أنها أخر مـره يطعمها فيها ما أراد أن ينتهي الطعام , ولو شعر لوهله أنها لن تدخل هذا المنزل ثانيهً ما جعلها تخرج منهُ أبداً
قد لا يكون الموتُ عدواً ... لكـنه السبب في تلك الذكريات التي تحوم كالشبح حولنا

وقفَ يتقبل العزاء في جلدٍ وبجواره فارس يسانده , بكي قلبه قبل عيناه يدخر بقيه الدمع حينما يكون وحيداً ليستطيع بث حُزنه لنفسه
- البقاء لله يا صُهيب , شد حيلك
كانت تلك الكلمه الوحيده التي يقولها المعزين من لوءات والشرطيون القادمون لمواساته
لا يعرف كم وقفَ لكنه أفاق علي يد فارس وهي تربت علي كتفه مُخبراً إياه عن إنتهاء العزاء
- صُهيب يلا ندخل جوا
لم ينبس ببنت شفه وقام يتحرك كالعرائس الماريونيت يتحرك فقط مع فارس ولا يشعر بمن حلوه , دخل المنزل ليجد والدته غارقه في البكاء وأمنيه بجانبها تضمها بشده حتي تنقطع لكـنها مُستمره .. لقد تحققَ أكبر مخاوفها صغيرتها لم تعد في المنزل بل احتضنها أخر للأبد .. لن تراه سوي في أحلامها إذا تفضلت عليها أليـن وأتت , ستعيش الأن علي الذكريات و الصور الباقيه
دخلَ صُهيب حجرته وجلس بتثاقل علي الفراش وأمسك في يده صورتها قبل أن تدخل المشفي , فعادته أنه يصورها وهي ذاهبـه لأي مكان خشيه ألا تعود منه .. وحدث!
طرقت الباب بخفه وبالطبع لم يسمعه لأنه كان مشغولاً بملامح من فارقته ولن تعود , جلست بجانبه وهي تنظر لما ينظر إليه , أردفت بصوتٍ خفيض لا يكاد يُسمع
- البقاء لله يا صُهيب , إنت عارف إن دي أقدار مكتوبه ولازم تحصل .. وهي أكيد مرتاحه أكتر
لم يجب وظل مُحدقاً في صورتها بينما هي ظلت تواسيه ... كان يرد مره وأخري لا
لقد فقد روحه , وجاء اليوم الذي سيقول فيه رحمها الله بدلاً من أين هي لقد أتيت بعلبه حلوي جديده
........
كانت تجلس وتتصفح المجلات عن الأطفال أصبحت في شهرها الثالث بطنها لم يظهر بعد وهذا جعلها تشك مراتٍ عديدة وتخبر كريم بأنه حملُ كاذب ليرد عليها بخفه مُقبلاً جبينها
" بس يا فاطمه انتي الكارتون واخد عقلك خالص "
انتفضت بعنف فور أن وجدت يداً توضع علي كتفها وعندما استدارت وجدته كريم فهتفت بتوعد وهي تضربه بإحدي المجلات
- خضتني يخرب بيتك !
ضحك بشده ثم أمسك وجنتيها بلطف قائلاً
- ما بيتي هو بيتك لو اتخرب يا مدام فاطمه
رمشت بعينيها هعده مرات وهي تنظر له بتعابير مرحه , لتستطرد بعد ذلك بقولها
- أنا زهقانه عايزه أتفسح بقي
ثم نظرت له بنصف عين واستكملت
- انت لو مفسحتنيش في ظرف تلت أيام , هتقعد وهموت في حادثه موتسيكل
كانت تقترب منه في كلمه مره تلفظ كلمه , حتي التصق بكرسيه ينظر إليها بخوف , نظرت له شزراً قبل أن تتركه وتذهب لينظر إلي ظلها باستغراب مالبثَ إلي أن تحولَ لضحك ...
..........
وبعد ثلاثه أيام ...
كان يراها تنظر إلي الورود أمامها بعشق تلك هي نظرتها لهُ التي اشتاقها وافتعل مشكله لا سبب لها فيها بغباءه
ترجلَ من سيارته وتوجهه ناحيه متجرها الخاص بالورد وعقد العزم علي أن يتحدث معها , دلفَ للداخل لكنه رجع خطوه للوراء من صدمته كان رجل وسيم يقف بجانب تميمه وعلي وجهه ابتسامه رضا وهي تتحدث معه بكل أريحيه
لم يستطع أن يثبت أكثر من ذلك فهتف بصوتٍ عالٍ
- تميـمااااه
أجفلت لوهله وكادت أن تقع لولا أن أمسكها ذلك الواقف من يدها مما جعلَ فارس ينتشله من بين يديه بقوه ويأخذها بجانبه قائلاً بحده
- مين ده ؟؟
كانت تنظر لهُ بذعر فطريقه حديثه لا تنباً بالخير , أردفَ بالنيابه عنها الواقف بثبات ولم تهتز شعرةُ منه
- أنا زيـن عبد القادر اللي مشارك الأنسه تميمه في المحل
أغلق عيناه وتنهدَ بضيق ليصافح الذي مدَّ يده إليه , قائلاً بنـبره خشنه
هتفت تميمه بصوتٍ خافت تحاول مداره وجهها مما حدث
- ده حضهر الظابط فارس .. خطيبي
ثم هتفت داخل نفسها
- بس هنسيب بعض قريب
ردَ زيـن بود عكس ما ظهر من فارس إليه قائلاً
- بايـن م نلبسه , معلش لو كنت سببت إزعاج السكرتيره بتاعتي كلفتها بشغل تاني وجيت أنا أشوف المحل
لانت معالم وجهه فارس قليلاً ثم تبادل الحديث مع زيـن ليعرف أنه كان زوج مادلين
ليردف بنبره ذات معني
- طب انت لازم تنورنا في المكتب بقي
ابتسم زيـن بسعاده مُصافحاً فارس قبل أن يدلف خارج المحل
- أوي أوي .. يشرفني ....
هتفَ فارس برضا بعد أن رحلَ زيـن
- مُحترم أوي
لم ترد تميمه وإنما تاعبت ما تفعله من ترتيب الورد واغلاق المحل
ليتحدث فارس ثانيهً بصوتٍ أعلي قائلاً
- انتي مش سامعاني ولا إيه
التفتت له بحده ومُقلتيها تحملان حُزناً دفيناً بقدر ما تحمل من أدمعٍ حارقه
- ملكش دعوه بيا .. أنا مش عايزه أسمع كلمه منك
تركته وذهبت وهو يتبعها صارخاً بإسمها حتي وصلا للطابق الذي يسكنان فيـه
أمسك ذراعها بقوه يمنعها من التحرك أكثر قائلاً بغضب
- تميمه انا مش عيل صغير تجريني وراكِ كل ده , في إيه
انفجرت فيه قائله بما يكنه صدرها من حممٍ ثائره , ومشاعرٍ كانت مكبوته لتظهر الأن
- إيه يا أستاذ فارس انت مش مخاصمني بقالك 3 ايام وعامل نفسك زعلان مع إني انا اللي المفروض أزعل ؟ .. غير كده احرجتني تحت في المحل مع زيـن .. ياريت تبقي تستني شويه قبل ما عقلك يصورلك اتهامات باطله
ثم استطردت بنـبره حزينه وعينان يغلب عليهما الوجع الذي فاض من داخلها
- انت مبقتش تقدر مشاعري , أنت عارف حتي لو زعلت منك هرجع وهسامح عمرك ما فكرت مرة إني ممكن أمشي بجد ومرجعش ومش هيبقي في تميمه في حياتك أصلاً ..
مسح علي وجهه بقوة , وهو يتنهد بسرعه مُخبراص إياها بحده
- يعني إنتي عايزه إيه دلوقتي
نطقت بألم قبل أن تدلف داخل المنزل وتنظر في مثقلتاه لعلها تحاول سبر أغوار ذلك الحائط أمامها
- لما ترجع فارس بتاع زمان .. وتقدر قيمتي !
أغلقت الباب ووقف هو ينظر بصدمة , كيف تحولت واستطاعت أن تخاطبه هكذا .. لم تفعل ذلك !
تلك المـره لقد جرحها بقوة وسيبقي الجرح غائراً إن لم يتم شفاءه سريعاً
.......
جلست تتأمل منزله بنظره إعجاب وداخلها يغلي بسبب ما فعلته عمتها , لقدجاءوا مع زيـن لأنه طلب من والدته أن تبقي معهم لفتره وبالطبع كانت شهد هي الأخري م نالمدعويـن للبقاء لأنها تعيش مع عمتها منذ زمـن
منذ أخر مرهٍ لم يتحدثا , هي تتجنبه وهو لا يحاول الحديث معها , فكرت أنه قد صرفَ نظر عن الموضوع من الأساس , أو أنه عرف أنه أخطأ وقد كان فظاً وهذا احتمال قليل
انتبهت من شرودها علي صوتٍ خلفها ليتضح أنه قد أتي ويحدثها منذ وقت وهي غير منتبهه
- ا اا أسفه مخدتش بالي , كنت بتقول إيه
إبتسم وهو يبعثر شعره قائلاً بخفه
- لو سمحت ممكن تحطيلي الأكل يعني لو مش هيضايقك
أماءت بصمت قبل أن تسير أمامه نحو المطبخ لتضع له الطعام وهو يحدثها كأن شيئاً لم يكن
- عرفت إنك خريجه فنون جميـلة .. ورسمك حلو
نظرت له بطرف عينها ولم تتحدث لوهله لكنـها أجابت بإقتضاب
- ده علي أساس إنك مكنتش عارف إني عايزه أدخلها ؟ , ولا مكنتش موجود ساعه النتيجه
وضعت له الطعام وكادت أن تذهب لكنه أوقفها بقوله
- اقعدي كلي معايا
أجابت نفياً
- لأ هستني عمتو وملك
ابتسم بخفه قبل أن يهتف ثم يبدأ في طعامه
- مخلصين اكل من بدري !
ثم استطردَ بقوله
- أنا عرفت انك خرجتي شويه وجيتي , كنتِ فيـن
جلست أمامه وردت بإيجاز
- عادي خرجت
أعاد سؤاله وهويصطنع اللامُبالاه وداخله مُتقد
- فين يعني
رفعت حاجبها الأيمن وأجابت بسؤال أخر
- معلش وده يخصك في إيه
- إنك في بيتي ومسؤله مني ولازم أعرف بتخرجي فيـن وليه وهترجعي إمتي ؟ بعدين انتي تعرفي حاجه في أسوان أصلاً
- لا والله ده تحقيق بقي , وبعدين متنساش إني كنت عايشه هنا قبل أن ننتقل لبني سويف .. حُكم القوي بقي
استشفَ من حديثها أنها تسخر منه ليعاود الحديث تلك المـره لكن بنبره لينـه
- طيب ياريت لو عايزه تنزلي يا شهد ابقي قوليلي , أنا مش ضد إنك تنزلي أنا بس خايف عليكِ
انسلت ابتسامه ساخره علي جانب شفتيها لتهتف بشكر قبل أن تقوم وتبتعد عنه
- لا شُكراً , أنا ميتخافش عليا
.........
وقفت تراقب مضجع سمومها والورود تبتل بها , لقد أخذت حصتها من المال المُتفق عليـه وبعد أن تخلصت من كارل تضاعفت حصتها لتصل إلي أربعه مليار دولار !
كانت الابتسامه تغلف وجهها لولا أن سمعت ذلك الصوت الذي ينبئ بوجود الخطر .. إنها الشرطه أتت لتراها بالجرم المشهود !
... 

شظايا الورد بقلم/ سارة عاصمWhere stories live. Discover now