... مضطربّ ...

5.6K 344 18
                                    

.
.
.
.
جلست تشاستين ذات الثلاثة عشر عاماً على العشب في حديقة المنزل الخلفيه، لقد كان الشمس تشير الى الغروب  وقد بدأ الجو يزداد بروده.
كان هذا مكانها المفضل ، ففي كل يوم تخرج تشاستين لتجلس وحدها هناك وتتخلص ولو لفترة قصيره من قيود والدها ، خاصةً وانه كان يذهب لفترات طويله لزيارة الكنائس في المناطق المجاوره ولا يعود الا بعد بضعة ايام او اسابيع.
- ستصابين بالبرد انستي.
قال لوسيان وهو يضع غطائاً سميكاً على كتفيها.
- لم الحظ ان الجو اصبح اكثر بروده، شكراً لك، كيف تشعر الان؟
حل لوسيان زر قميصه الاول وجلس الى جانبها وهو يبتسم:
- افضل من السابق، لا تقلقي، انا اتلقى علاجي في اوقاته.
نظرت تشاستين الى الارض بحزن، الجميع كان يعاملها كالاطفال، ويخبرها الاكاذيب، لقد كانت تعلم بأنه مريض وحالته تزداد سوء كل يوم، فوالدها لم يخفي الامر كما يجب...
- انا...انا لا اريد ان اخسرك يا لوسيان...انت الشخص الوحيد الذي يستمع الي ويمضي معي الوقت...
- من قال بأنكِ ستفعلين؟
اجابها وهو يطأطأ رأسه الى جانبه:
- كما اني اذ رحلت، سأترك لكِ مارسيل ليزعجك لبقية حياتك.
ابتسمت تشاستين وهي تتذكر ذلك الصبي الصغير ، لقد مرت اربع سنوات على اخر مرة رأته فيه...:
- كيف حاله الان؟
سألت الفتاة، فتنهد لوسيان ومرر اصابعه في شعره الاشقر...:
- افضل من السابق ولكن ليس كثيراً...لا يزال جانبه الاخر يسيطر عليه بين حين وحين...انه يفعل ما بوسعه.
- يجب ان تحضره الى هنا، اريد ان اراه مجدداً، لقد مر وقت طويل.
- تلك ليست فكرة جيده انستي...
- رجاءاً لوسيان افعل ذلك من اجلي، اكاد اموت من الوحدة هنا...
تنهد الشاب مجدداً ثم قال:
- كما تريدين....
- هل هذا وعد؟
سألت تشاستين، لقد كانت تعلم بأنه يكذب لكن لا بأس بالقليل من الامل...
- وعد.
اجاب لوسيان...
.
.
.
.
* عودة الى القصر *
ركضت تشاستين خارج غرفتها وهي غير مهتمه بثوبها الذي مزقه مقبض الباب ولا حتى بكونها لا ترتدي حذاء يحمي قدميها من الارض البارده.
- مارسيل!!
صاحت عليه بعد ان لمحت ظهره ذا الاكتاف العريضة، لكنه لم يتوقف او حتى يبطئ سرعته فزادت هي من سرعة خطواتها وبالفعل وصلت اليه وامسكت ذراعه ليزجرها بقوة ويكمل مسيرته دون اي جواب.
لم تكن تشاستين لتستسلم ، ليس بعد ان رأته امام عينيها.
- مارسيل ارجوك، ارجوك توقف.
امسكت ذراعه مجدداً لكن هذه المره جائها الذي لم تتوقعه.
امسك بها مارسيل بغضب من رقبتها ورطمها بكل قوة باب احد الغرف ليندفن المقبض بظهرها.
صرخت تشاستين من الالم ولكن صرختها سرعان ما اندثرت ، لان الشاب الذي امامها شد قبضته على رقبتها بكل قوه وكشر عن اسنانه المصروره بغضب.
- قرنٌ كامل!
قال من بين اسنانه ثم اكمل:
- بحثت عنكِ لقرن كامل ، كتبت الى عائلتك الفاسده فقط لاحصل على رد بعد ايام طويله تقول لي ان ابنتهم قد ماتت، والان اجدك ترقصين بين يدي رجل اخر في قصر مصاصي الدماء؟ اي لعبة مريضه تمارسين؟!
لحسن الحظ، لم تكن تشاستين بحاجه الى انبوب الهواء الذي تضرر الان والا لاصبحت في عداد الموتى.
- انا لا اعرف...عما تتحدث...
اجابته وهي تصارع قبضته بيديها الاثنتين من اجل تخلص نفسها، لكنه لم يظهر اي رحمه، بل زاد من قوته لدرجة انها خافت على نفسها...
من هذا؟ ...هذا ليس مارسيل الذي كانت تعرفه، انه وحش...شيطان...انه وجهه الاخر...هل يعقل ان جانبه هذا هو من انتصر بعد هذه السنين كلها؟
- رجاءاً...مارسيل...
توسلت به بعد ان شعرت بقدميها ترتفع عن الارض وبمقبض الباب يخترق جلدها...
- توسلي اكثر...
اجابها بأبتسامة حقوده...
- ار...ارجوك...
ترجته ، لم يكن ليتركها ، كل ما اراده هو ان تعاني امامه تماماً مثل ما عانى هو خلال القرن الماضي:
- تشاستين!
- مارسيل!
صاح الملك والليدي سيلينا اللذين كانا يتمشان في الجوار وشاهدا المنظر، وفي ظرف نصف ثانيه كان مارسيل ملقى على الارض وتشاستين بين يدي الملك.
تمسكت تشاستين بكتف الملك بينما تفقد هو رقبتها بحذر:
- ماذا حدث؟ هل انتِ بخير؟
- بخير...انا بخير...
قالت تشاستين بصوت مبحوح قصدت به تهدئة الملك، لكنه لم يقتنع.
- يا الهي ميكائيل انا اسفه للغايه...
قالت الليدي سيلينا بصدق وهي تدفع بمارسيل ورائها:
- هذا لن يتكرر...
اكملت وهي تحاول ان تكسب رضا الملك الذي بدأ يشتاط غضباً:
- ماذا جرى تشاستين؟
سأل الملك قريبته وهو يحول كل اهتمامه اليها:
- انا...انا تسببت بغضبه وازعاجه ليس الا...الذنب ذنبي...
اجابت الفتاة في محاولة يائسه لكي يصدقها الملك بالرغم من معرفتها بقدراته...
* رجاءاً...رجاءاً اتركه...اعلم انك داخل رأسي...اتركه يذهب لقد جنيت على نفسي...*
خاطبته في عقلها لعله يتركه وتمسكت بذراعه حتى لا ينقض عليه ...
- كما تقولين...
قال ميكائيل وهو ينهض ويلتقطها بين ذراعيه، ثم التفت لينظر الى صديقته والشاب الذي وقف خلفها دون ان يبدو على وجهه الشعور بالذنب...
- من الافضل ان لا يتكرر هذا...
قال الملك فأومأت الليدي سيلينا بالموافقه واجابت:
- أؤكد لك بأنه لن يحدث مجدداً...
كان ميكائيل سيأخذ قريبته الى غرفتها لولا ظهور كريستن الذي جاء مسرعاً ليتفقد احوال تشاستين، ولسوء حظه لمحه مارسيل.
- خذها الى غرفتها وابق معها.
قال الملك وهو يناول قريبته الى كريستن، ولوهله ظن انها ستمانع وستتظاهر بالقوه الا انها تمسكت بثياب كريس وخبئت وجهها في صدره من الخوف...
لقد كانت مرتعبه...كيف يفعل بها مارسيل كل هذا دون ان يرف له جفن؟ هل اصبح بهذه الوحشيه؟
- مدعاة للسخريه...
وصل صوت مارسيل الى اذان جميع الحاضرين ، لقد كان مجنوناً ولا يخاف حتى من الملك، لدرجة انه قد قام بتوجيه ضحكة سخريه لتشاستين واقربائها ثم استدار وعاد الى غرفته دون ان ينتظر سيدته.
- هل قال للتو بأننا مدعاة للسخ...
قال كريستن فقاطعته تشاستين قائله:
- هذا يكفي ارجوك...ليس الان ...
اصطنع كريستن نفساً عنيقاً ثم سار بها عائداً الى الغرفة تاركاً الملك والليدي لوحدهما.
كانت تشاستين صامته وحزينه، ولم تتحدث بأي كلمة حتى بعد ان قام كريس بوضعها في السرير، لذا رأى ان من واجبه دفعها للتحدث عن ما جرى...:
- هل كان عليك ترك جميع النبلاء والوقوع بحب الخروف الاسود؟
قال كريستن وهو يسحب الغطاء فوق جسدها الصغير المتكور الى الجانب...
- لقد كان اصدقهم واكثرهم شفافيه...
اجابته وهي تشعر بالدموع تتكور في عينيها:
- ماذا جرى هناك يا تشاستين...لقد كاد ان يقتلكِ...
مسحت تشاستين دموعها بعنف كالاطفال العنيدين واجابت:
- لا اعلم...انا حقاً لا اعلم...على ما يبدو ، ان وجودي غير مرحب به في هذا العالم...
- لا تقولي الهراء.
قاطعها كريس ثم اكمل:
- انه ليس بالطبيعي هذا كل ما في الامر...ذلك الشاب يعاني من اضطراب نفسي...
.
اضطراب نفسي...
.
تذكرت تشاستين هذه الكلمة... ربما كان والدها على حق...فالان، بادرتها شكوك حول مدى صحته العقليه...لقد كاد ان يقتلها دون اي سبب ولم يشعر بتأنيب الضمير او الندم...بل لو كان يشعر بالندم... فذلك لأنه لم يتمكن من قتلها ...
سمعت الفتاة صوت قريبها وهو يتمتم الى جانبها ويتحدث لكنها لم تكن تستمع له، لقد انساب وعيها منها بشكل تدريجي حتى غاب صوت كريستن وحل محله صوت مارسيل المملوء بالغضب والحقد...
.
.
.
.
يتبع...

مشعوذة الجنرال ( مارسيل )Where stories live. Discover now