... ايّ وجهٍ تفضلّ؟ ...

4.1K 272 7
                                    

.
.
.
.
سرعان ما اصبحت قبلة مارسيل لتشاستين في طي النسيان، او هذا ما بدا ، حيث تجاهل الاثنان الامر واكملا ايامهما دون ان يتطرقا الى ذلك اليوم.
ظنت تشاستين انها ستشعر بالتحسن لانها لم تصادف الوجه الاخر لمارسيل، لكنها كانت مخطئه، ففي كل مره تراه فيها ، تحمست لفكرة تملك ذلك الشخص جسد مارسيل والحديث معه، بالرغم من سوئه، لكنه كان جذاباً ومثيراً لدرجة ما...
- هل انتِ معي؟
سأل مارسيل الفتاة بعد ان لاحظ انها شاردة الذهن...
- أ...اسفه لقد شردت قليلاً.
اجابت وهي تشعر بالاحراج:
- لا عليكِ.
قال مارسيل بأبتسامة دافئة، ثم اكمل:
- هل اخترتِ الفستان الذي سترتديه الليله؟
كانت هناك حفلة هذه الليلة اقامها احد النبلاء بعد ان انتقل للعيش في الارجاء، من اجل الالتقاء بالجميع وبما انها البنت الكبرى لعائلة كينغ فلقد اخبرتها والدتها بالذهاب عوضاً عنها واقترحت ان تأخذ مارسيل كمرافق لها.
-اجل...ماذا عنك؟
سألته فأومأ بالايجاب:
- اذن سألتقي بكِ عند الساعة السابعه...
- حسناً...
وافقت ثم اكملت صعود السلالم الى غرفتها...لقد كانت متحمسة للذهاب الى امسية برفقة مارسيل، لا تعلم السبب ، ربما لانه يتسبب لها بشعور الفراشات وهي تحلق في معدتها في كل مرة لامس يديها بالخطأ؟
لكن امالها كانت ضعيفه خاصةً بعد ان يعتذر عندما يحدث ذلك...ولكن ربما سيتغير شيئاً اليوم؟
جائت الخادمه الى غرفة تشاستين بعد ان بدأت الشمس بالمغيب وساعدتها بأعداد نفسها وارتداء ثيابها...
لقد كان فستانا، بلون الاحمر الداكن ، حتى تلائم مع بشرتها الشاحبه وشعرها الفضي القصير...
لم يكن والدها ليوافق عليه لولا اكمامه المخرمة الطويله التي اخفت ذراعيها ولم يكشف الكثير من صدرها، لكنه اغفل عن جمال ابنته التي بدت كياقوته متلآلأه في هذه الامسيه.
كان مارسيل يقف بالقرب من السلالم عند السابعه مرتدياً بدلة رسمية سوداء زادت من طوله ورشاقته، وحين سمع صوت حذاء تشاستين وهو يلامس الارض نظر الى الاعلى ليراها امامه ولوهله بدا مخطوف الانفاس وغير قادر على الحديث، تسمر في مكانه بينما طالعته بأحراج ونزلت ببطئ حتى وصلت اليه...
لم يتحدث مارسيل ولم ينجح بقول اي كلمة، عوضا ً عن ذلك، تناول يدها وقربها الى شفتيه ليقبلها ويعبر عن ما يشعر به...
حين انزل يدها لم يتركها بل شبك اصابعهما معاً وخرجا متجهين نحو العربة التي ستأخذهما الى المنزل والذي لم يبعد سوى دقائق قليلة...
كان مارسيل هادئاً للغاية على غير عادته، حتى انه لم يثني على مظهرها كما املت واعتقدت بأنها خيبت ظنه...
من جانبها اكتفت تشاستين بالسكوت ايضاً ، وراقبت السماء من النافذة بينما عبرت العربة شوارع المدينة...
- يبدو بأنها ستمطر هذه الليلة...
فكرت بصوت عالٍ دون ان تنتبه:
- اذن لنعد باكراً قبل حدوث ذلك.
اجابها بنبرة باردة، لقد بدا منزعجاً فجأة...لم هو منزعج؟
لاحظت نظرته اليها وتلقت الاجابة التي ارادتها...
لقد كان ينظر اليها بانزعاج وغضب، وهنا تأكدت ان هنالك امرا ما ...امراً ليس على ما يرام...
- هل...هل حدث شيء ما؟
استعلمت وهي تستدير لتعطيه كامل انتباهها الا انه تجنب عينيها ونظر الى النافذة وقال:
- لقد وصلنا.
وبالفعل توقفت العربة امام القصر المزين بالاضواء واحاطت به العربات والاحصنه من جميع الجهات،وتوافد الضيوف ليدخلوا الى القصر من ابوابه الضخمة.
- هيا لنترجل.
قال لها وهو يفتح الباب وينزل بسرعه.
حقاً...ما خطبه...سألت نفسها وهي تتناول يده الممدوده لتساعدها على النزول، ومنذ تلك اللحظه اصبح مزاج مارسيل اكثر سوءاً من قبل.
حيث ناول الدعوة الى البواب بكل فظاظة وسار بسرعة وهو غير مهتم ما اذا كانت ستتعثر بفستانها او ستتمكن من مجاراته.
حين وصل الاثنان الى القاعة حيث تجمع المدعوين ، كانت تشاستين منقطعة الانفس، افلتت يدها من ذراعه واتجهت نحو احد الكراسي الفارغة للجلوس.
- هل ترغبين بالشراب؟
سألها صوت لم تميزه ولكن حين رفعت رأسها لترى من تعجبت وتسارعت نبضات قلبها...
لقد كان مصاص دماء ، شاب في منتصف العشرين على ما تعتقد، ذي عينين حمراوتين قاتمتين وانيابه بارزه ، لم يبذل اي جهد لأخفائهم...
- اه...ك...كل...
- هي لا تحتسي الشراب
جاء صوت مارسيل البارد من خلفها وشعرت بيده تستقر على كتفها بلطف:
- لكن اذا كنت مصراً ، بأمكانك ان تحضر لها بعضاً من العصير...اليس كذلك عزيزتي؟
انحنى مارسيل ليقبل خدها ويبعد شعرها عن رقبتها بحنان...كما لو كان يضع علامة على منطقته وممتلكاته...
- بالطبع...
اجاب مصاص الدماء
- سأخبر الخدم بذلك.
قال ثم اتجه ليختفي بين الحاضرين وكلما ابتعد ازدادت قبضة مارسيل قساوة على كتفها تأوهت من الالم.
- انهضي.
قال بنبرة امره وهو يسحبها من ذراعها لتنهض:
- الى ...اين؟
- لملاقاة صاحب الحفلة والرحيل عن هنا بأسرع وقت.
- ل...لكن لماذا؟! لقد وصلنا للتو!
- ستعلمين لاحقاً.
- كلا!
قالت وهي تبعد يدها عن ذراعه.
- انت تتصرف بغرابة! اذا رغبت بالرحيل فخذ العربة واذهب...سأتدبر امري!
- سنرحل يا تشاستينا وهذا نهائي!
- تشاستينا؟
قالت بتعجب ثم ما لبثت ان ادركت ماذا يجري...هذا ليس مارسيل...انه وجهه الاخر...
- اجل...لن ادعكِ تحت انظار الوحوش بفستان ... لقد اخطئ ذلك الاحمق حين ترككِ تغادرين القصر بثياب كهذه!
كان الاثنان قد بدئا بلفت الانظار نحوهما وسبب ذلك الحرج لتشاستين:
- هذا يكفي...رجائاً، لنمضي القليل من الوقت ونرحل، لن يكونا والدي مسروران حين يعلما بأني غادرت الحفلة بمجرد وصولي اليها!
- اذن لن نعود الى المنزل الان، سنغادر هذا المكان فقط!
- مارسيل انت تحرجني!
بدا الشاب متراجعاً قليلاً كما لو انها وجهت له صفعة غير متوقعه:
- انتِ لم تري الاحراج بعد.
قال لها وهو يجذبها من ذراعها نحوه حتى التصقت به امام اعين الجميع:
- م...ماذا تفعل...!
همست له وهي تحاول التخلص منه لكنه كان اقوى منها...:
- سأحتضنكِ واقبلكِ امام الجميع ، هنا والان...الا اذا وافقتِ على الخروج من هذا المكان.
تحداها الشاب بغرور:
- لن تجرؤ!
اجابته بعصبيه لكنه انحنى حتى وصل الى رقبتها حيث قبلها وهو يتبادل النظرات مع الموجودين...
- مارسيل!...مارسيل هذا يكفي...
حاولت مقاومته دون جدوى :
- ارجوك...حسناً...لنرحل...لنرحل عن هنا...اوافق سأذهب معك!
استسلمت له بعد ان سمعت همس الحاضرين من حولها وخافت ان يتعرف عليها احدهم ويخبر والدها بما جرى:
- فتاة جيده...
قال لها بأبتسامة باردة ثم تناول يدها وقام بسحبها خارج القاعة وهي ورائه:
- انت لم ترسل بطلب العربة حتى!
حدثته وهي تحاول ان تلتقط فستانها حتى لا تتعثر:
- سيتدبر الخدم ذلك، لا يمكن ان تكون قد ابتعدت كثيراً على اية حال!
اجابها وهو يتوقف عند بوابة القصر لينظر يميناً وشمالاً...كان البرق لا يخفى في السماء وذلك عنى شيئاً واحداً...
- ستمطر...
قالت تشاستين وهي تطالع السماء:
- ليس قبل ان تأتي العربه.
اجابها مارسيل كما لو كان يمتلك السماء! لكن سرعان ما تبدد غروره حين سقطت قطرات المطر عليهما...
- كنت تقول؟
سألته وهي ترفع حاجبيها بسخريه فزمجر وقام بأخذ يدها واتجه نحو بيت زجاجي قريب:
- لا يمكننا ان ندخل هناك، هذا تطفل!
احتجت تشاستين ولكنها لم تتوقف عن السير...
- اوه اصمتي بحق الجحيم!
صاح بها وهو يدفعها الى الداخل.
لم تقاوم الفتاة، بل جفلت حين صاح بها وهدأت ، لم ترغب بأغضابه ، ليس وهي لوحدها معه...
- الا يمكنك ان تدع مارسيل القديم يعود؟
سألته تشاستين وهي تتكئ على الحائط الزجاجي وتتجاهل الازهار والنباتات المتسلقه المهمله...
- انتِ لا ترغبين بذلك.
اجابها وهو يغلق الباب ثم استدار لينظر اليها...:
- ذلك اللعين لا يستحقك.
- لا تتحدث عنه بسوء.
امرته بغضب:
- اوه بل سأفعل، لم تدافعين عنه وهو يقوم بأخفاء مشاعرنا تجاهكِ منذ اليوم الاول، بينما انا! انا الذي امتلك الشجاعة لاعترف بها واطالب بكِ ! انه يمضي يومه بأكمله برفقتك بينما انا امضي دقائق بالكاد تكفيني لأتنفس لكن اتعلمين ماذا؟ انا افضل ان اقضيها الى جانبك عوضاً عن اي شيء اخر ولكن ها انت ذا تطلبين عودته، لماذا؟
سكتت تشاستين وارادت ان تتراجع اكثر الى الخلف لولا الزجاج البارد الذي لامس ظهرها...
بالفعل... لماذا ارادت عودة مارسيل القديم...الم تكن متحمسة لرؤية الوجه الاخر في الايام الماضيه؟ لم التردد الان؟ ربما يعود السبب الى خوفها منه...لقد كان يتحداها ويقف بوجهها ، كان قوي ومتسلط ومندفع ولا يفكر مرتين قبل ان يفعل اي شيء بينما مارسيل القديم...كان يوافقها في كل ما تقول ويبقى خلفها كالظل اليوم بأكمله...
- انت...تخيفني...
قالت له فضحك بسخريه واجاب:
- كلا ، ذلك ليس صحيح.
نظرت الفتاة الى الارض وهي تدعو ان تصل عربتها في اسرع وقت، كان صوت زخات المطر فوق الزجاج هو الموسيقى التي احاطت بهما وخلقت لهما فقاعة زجاجيه تعزلهما عن العالم...
كانت تشاستين مستغرقة بالنظر الى الارض حين لمحت اطراف حذاء مرافقها الجلدي وهي تقترب منها وهنا رفعت عينيها لتقابل عينيه الزرقاء الباردة.
- انظري الي حين نكون معاً.
آمرها وهو يلمس بأطراف اصابعه ذقنها الصغير واستجابت له، كيف له ان يكون بهذه الجاذبيه ، كيف يملك وجهين مختلفين بجسد واحد؟
- في كل مرة اتمكن بها من الخروج ورؤيتك...
قال لها بصوت يشبه الهمس...:
- اشعر بالفرح والجنون...انا اقاتل لكي اخرج حتى اراكِ فقط...وفي كل مرة يتمكن بها من حبسي...اشعر بالخوف...ماذا لو لم اتمكن من الخروج بعدها ...ماذا لو لم اتمكن من لمسك ايتها الصغيره؟...
لم تملك تشاستين الاجابة على سؤاله، لم تكن تدرك حجم الصراع الذي يدور بين مارسيل ونفسه ...لذا بقيت صامته دون ان تفصح عن رأيها...
- لم اخبركِ كم تبدين جميلة هذا المساء...
اكمل حديثه وهو ينحني ليقبل جبينها...
- تبدين كقطعة من الحلي الثمين...سامحيني لكني، لم اتمكن من الوقوف جانباً بينما يلتهمك الرجال ومصاصي الدماء بأعينهم...
اختفى غضبها منه ليتبدل بعطف، لقد كان يشعر بالغيرة تجاهها، وهو شيء لم يكن مارسيل القديم ليظهره لها...
- لا اعلم متى سأراك مجدداً ، لذا هذه هدية وداعي...
قال لها وهو يقترب منها ليقبلها للمرة الثانيه منذ ان التقته، لكن هذه المره، كانت قبلة لطيفة ودافئة، كما لو اراد ان يحميها ويحتفظ بها دون ان يؤذيها...
علا سوت صهيل الاحصنه بالقرب من البوابه وكانت هذه اشارتهم للأبتعاد عن بعضهم البعض...
- ل...لنذهب...
همست تشاستين ثم سارت امامه وخرجت من البيت الزجاجي دون ان تنظر خلفها...لقد علمت ان مارسيل القديم قد عاد...وذلك الشخص قد رحل...لانه لو كان موجود، لأخذ بيدها وسار امامها ليبدي تسلطه عليها...
.
.
.
.
* عودة الى القصر *
غيرت تشاستين ثيابها الى اخرى تليق ببداية يوم جديد، بالطبع لم تمتلك سوى الفساتين السوداء ، لذا ارتدت احداهم دون تردد، كانت في حداد على وفاة مارسيل منذ اكثر من قرن، والان بعد ان رأته امام عينيها، اصبح من الصعب ان ترتدي هذا اللون مجدداً...
- تشاستين هل انتهيتِ؟
صاح كريستن من خلف الباب ففتحته واصطنعت ابتسامة صغيره:
- اجل...لنذهب.
كان اليوم هو اول يوم للملكة الجديدة وهي تزور المدينة ، لقد زارتها مسبقاً برفقة تشاستين ولكن ذلك كان قبل ان تصبح مصاصة دماء...
- تشاستين!
صاحت ميراج واحتضنت الفتاة بقوة...:
- يا اللهي لقد قلقت عليكِ جداً!
- ميراج...تكادين ان تخنقيني...
- اه، اسفه...
تراجعت الملكه وابعدت ذراعيها عن الفتاة...:
- لقد كنت قلقة للغايه...ولو كان في الامر اي تعزية لكِ...طلبت من ميكائيل ان يطرد رئيس الخدم ذاك ...لكنه رفض بسبب الليدي سيلينا...
ابتسمت تشاستين لمبادرة صديقتها بالرغم من خطرها:
- شكراً لكِ...لكن لا داعي لذلك...فأنا بخير كما ترين، وكريستن معي اين ما اذهب لذا لا تقلقي ولنبدأ ما جئنا لفعله!
اصطنعت النشاط واللامبالاة ثم سارت الى الامام حيث توقف كريستن والعربة:
- لنسير قليلاً... ليس كأننا سنتعب او شيئاً من هذا القبيل...
قالت الملكة ممازحة الاثنين الذين وافقا بعد تفكير عميق.
سار الثلاثة برفقة الحرس الملكي في الاسواق وقرب القصر حيث لم يبتعدوا كثيراً وكان ذلك بسبب اوامر الملك...لم يكن ميكائيل ليسمح لزوجته بالابتعاد عنه كثيراً ، كان يريدها دائماً بقربه لذا ،طالما تمكن من الاستماع افكارها والتخاطر معها كان بأمكانها التجول لمفردها.
استمرت الجولة فترة الظهيرة وحتى المغيب ولحسن الحظ كانت السحب قد غطت الشمس وهذا ما جعل الملكة تمدد فترة الجولة لهذا الحد، حيث قابلت العديد من السكان، البشر ومصاصي الدماء ووجدتهم ودودين معها عكس ما تصورت وتبددت مخاوفها تجاههم، كما تمكنت تشاستين من الانخراط باللعب مع بعض الاطفال حتى ان اطراف ثوبها تغطت بالطين، ولهذه الفترة فقط نسيت ما كان ينتظرها في القصر...
- انها فتاة مفعمة بالحياة...
قالت الليدي سيلينا لخادمها وهما يقفان عند احد الشرف ويطالعان الملكه ومرافقيها وهم يدخلون الى باحة القصر حيث اخذت تشاستين تقفز حول كريستن وميراج وتضحك بفرح كعادتها...:
- لو انكِ رأيتها سابقاً...
قال مارسيل بأبتسامة حزينه سرعان ما تلاشت:
- كفى مارسيل... انت تهدر وقتك بهذه الافعال... لا يمكنني ان امدد فترة بقائي اكثر من اسبوع اخر... يجب ان تسرع وتكتشف ماذا جرى... حدثها واطلب الاجابات عوضاً عن الهرب منها ومهاجمتها كلما سنحت الفرصه!
انبته الليدي وهي تطفئ غليون التبغ بعنف، لقد تعبت من سلوكه هذا وعناده.
- انا مدين لكِ كالعاده...
قال مارسيل وهو يتناول الغليون، ثم اكمل:
- سأحصل على الاجابات، لكن ليس منها...
.
.
.
.
يتبع...

مشعوذة الجنرال ( مارسيل )Donde viven las historias. Descúbrelo ahora