٨) ذكريات حلمٍ قديم.

2.5K 250 40
                                    

...
.

لم تكن المدينة ببعيدة، وصلنا إليها قبيل حلول الظلام، إستأجرتُ شقة في عمارة سكنية تعبق بالحياة، في جادة مكتظة بالسكان، كنا بحاجة للاختلاط بالناس وبخاصة أخي، الذي أضحى قليل الكلام، يصيبه الرهاب من الاماكن المكتظة، أول ما عزمت فعله أن ألحقه بإحدى المدارس ليكمل ما فاته.

...

في ظهيرة اليوم الثاني لقدومنا إلى المدينة، سمعتُ صوت قرع جرس الشقة، اتجهت إلى الباب وكلي عجب فنحن لا نعرف أحدًا في المدينة.

فتحتُ الباب ببطء، ورأيت خلفه فتاة تغطي شعرها بشالٍ أسودٍ كالليل وتحمل في يديها صينية ملأى بالطعام، تعجبت عندما رأيتها! فهل أخطأت العنوان ياتُرى! ابتسمت بوداعة ومدت إلي الصينية، وهي تهمس بخجل:

"تفضل".

ترددت في أخذ الصينية، ولكن إصرار الفتاة أجبرني على أخذها، وقبل أن أقول شيئاً، توارت الفتاة واختفت.

..

كان الطعام شهيًا، لا أنكر أننا كنا بحاجة لمثل ذلك الطعام الدافئ، ولكن مافتئتُ أفكر بأمر تلك الفتاة، فمالذي حدها لتفعل ذلك، ماكدت أتخلص من التفكير حتى رأيتها في الليل، عندما طرقت الباب وكانت تحمل صينية أخرى.

"أرجوك ألا تتعبي نفسك".

اتسعت ابتسامتها وهي تتمتم:

"لا عليك، أردتُ إحاطة الصبيين الذين يعيشان بمفردهما بالرعاية".

"ماذا!".

"أنتما محور حديث أهل البناية كلها".

اندهشت من قولها، فمتى وصل خبرنا إلى هؤلاء الناس الذين لايعرفوننا.

قالت عندما قرأت التعجب في وجهي:

"لا تعجب، فنحن لانتشارك البناية فحسب، بل نتشارك الأحاديث والأخبار كذلك".

صمتت برهة وأردفت:

"سبقتُ النساء اللواتي أردن المبادرة بإرسال الطعام لكما".

شعرتُ بالخجل، لم أكن أريد أن أثير المزيد من الشفقات.. قلت بصوت خافت:

"نستطيع أن نتدبر أمرنا"

"كفاك هراءً، وخذ هذه الصينية فقد تفطرت يداي".

بادرت بحملها وأنا أكرر عبارات الشكر والاعتذار على إزعاجها، إلا أنها عاتبتني على ذلك قائلة بأنها تقوم بواجب تراه لازمًا عليها.

أشِقّاءWhere stories live. Discover now