٣٣) إحيــاء|الخاتمـة.

1.6K 179 157
                                    


..
..

مضت مُسرِعةً على أرضية الممر الرخامية، مبتعدةً عن أخوَيها اللذَين غفلا عنها لثوانٍ فقط، وانطلقت ضاربةً الأرض بيديها المنبسطتين وركبتيها ذاهبةً للوجهة التي قادها قلبها الصغير إليها، وجهةٌ لا تنتمي لغيرها.

قادها حبوُها المتواصل لباب البيت، وجلست أمامه مثل جروٍ صغيرٍ ينتظرُ قدومَ صاحِبِه.

في الجهة الأخرى من الباب، ترجل من سيارته وحمل حقيبته التي رافقت سفره في رحلة العمل، وخطا بهوادةٍ على الأرض المعشوشبة، قطع الدرب الفاصل بين باب الحديقة ودَرج المدخل بخطى طويلةٍ بطيئة؛ ليصل بسرعة.. ودون جلبة.

وضع حقيبته أرضًا وفتح الباب ليدخل، وفوجئ بها أمامه، حبيبتُه، نبضُ فؤاده، ونورُ عينيه، رفعت هامتها إليه، واصطبغ بياض وجهها حُمرةً فرحًا بعودته، انحنى إليها ورفعها عن الأرض الباردة، حملها لدفء حضنه، الذي يفيض حبًا لا يُخمده شيء، حوّطت رقبته بذراعيها الصغيرتين،  ومسح بيده على شعرها البني القصير، فَجْـر، طفلته، أميرته، من أشرقت بمقدمها حياته، ستبلغ قريبًا عامها الأول، رفعها عاليًا وتردد في البيت صدى ضحكاتها العذبة، يُحبها.. يُحبها.. يُحبها، منذ أول مرةٍ رأتها عيناه فيها،  منذ مغادرتها جسد أمها، وكأنما غادرت ذلك الجسد لتنقاد إلى قلبه، وكأنها لم تولد في هذه الحياة إلا لأجله.

جاء أخوها الأكبر، مُتتبِّعًا صوت ضحكها بعد أن جابَ البيت بحثًا عنها، مدّ يديه إلى من يحمل أخته قائلًا:

"إليَّ بها".

"كانت هُنا وحدها".

"ربما انسَلَّت من عندنا حين أحسّت بقدومك".

ابتسم مروان، ومَدّ ابنته إلى أخيها، لكنها تشبثت به، تأبى تركه، يكفيها غيابه عنها طوال شهر، ورغم صغرها وتشتت ذاكرتها لم ينسَ قلبُها مالِكَه.

"لا بأسَ صغيرتي، أمهليني دقائق وأعود".

قال لها بحنان، نظرت لعينيه بسوداويها النجلاوَين، تتحرى صدقَ كلامه فيهما، فلم تجد إلا ما أرادت، وكيف يتركها طويلًا؟ وقلبه اِلتاعَ شوقًا إليها.

انقادت مستسلمةً لأخيها الذي حملها بحذرٍ وحرص، كان يهوى تقليد مروان في كل ما يفعله مع فجر، طريقته في حملها، وملاعبتها، وإطعامها، وتدليلها.

حُسام، ابن أمه البكر، اعتاد مناداة زوجها باسمه دون تكلُّف، فمنذ أن أعطاه مروان الصلاحية بذلك لم يُغير عادته، حُسام، لا يعترف إلا بأبٍ واحد، ولكن هذا لم يُقلل من احترامه واقتدائه بالرجل الواقف أمامه، لولا أنه مروان، لعارض أشد المعارضة أن يقتحم حياتهم رجلٌ غريب.

أشِقّاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن