٣١) مُفاوضات.

1K 142 45
                                    


..
..

علت أصوات الطرق النشر والنحت على الخشب كلما توغلتُ لقسم الآلات، حيَّاني بعض عاملي الصيانة ممن لاحظ وجودي أثناء انهماكهم في العمل. 
 
"ألا تثق بجهاز الرقابة؟". 
 
سألني رائد رئيس الصيانة، فأجبتُه وأنا أمرر بصري على العمال المنهمكين في العمل. 
 
"لم آتِ بنية الرقابة". 
 
"إذًا؟". 
 
تساءل وهو يسير بجانبي عاقدًا يديه لصدره. 
 
"إنهم أكثر انسجامًا من السابق". 
 
"ماذا تعني؟". 
 
"يبدون متناغمين مع الآلات الجديدة". 
 
أفلتت ضحكة من رائد وعقب على كلامي وهو يهز كتفيه: 
 
"أنت ترى أشياء لا يراها غيرك كعادتك، ولكن ما دام هذا يزيد الإنتاجية فلا بأس". 
 
"سيدي، لقد وصل". 
 
جاءني صوت عاصم من خلفي فرافقته لخارج القسم وذهبنا لغرفة الاجتماعات حيث كان الضيف ونائبه ينتظران قدومي. 
 
قام واقفًا حين دخلت وصافحني بحرارة وهو يرسم ابتسامةً كبيرة اعتدتُ رؤيتها كثيرًا في السنوات الأخيرة، جلستُ إلى الطاولة وجلس هو قبالتي ونائبه إلى جانبه. 
 
"يسرني أنني قابلتُ حضرتك، معك رامز مدير شركة الآفاق". 
 
"أهلًا بك". 
 
"ينتابني الفخر حين أرى أبناء بلدي يتبوؤون منازل عالية وهم في ريعان شبابهم". 
 
مقدمةٌ أخرى اعتدتُ سماعها مئات المرات، تنحنح عاصم ينبهني بإظهار بعض المودة في ملامحي الجامدة فرسمتُ ابتسامةً باهتةً اعتدت رسمها في المقابلات المُشابهة. 
 
"سمعت من نائبي أنك تنوي بدء مشروع لتأثيث دور أيتام، ففكرت أنه سيكون مشرفًا لي مشاركتك في هذا المشروع وأيضًا إعطاءك بعض النصائح كوني معتاد على المشاريع الخيرية". 
 
"نصائح!". 
 
سألت وأنا أرفع حاجبي فأجاب: 
 
"لولا أنني سمعت عن مشروعك من نائبي الذي سمعه مصادفة من أحد أقاربه لما علمتُ بشأنه أبدًا". 
 
"ما الذي ترمي إليه؟". 
 
ابتسم بتودد وقال وكأنه يعلِّم ابنه كيف يخطو الخطوة الأولى في ميدان الحياة: 
 
"عليك أن تلفت الإعلام وتسلط الأضواء على مشاريعك الخيرية حتى تنال محبة الناس وثقتهم ويزداد التهافت على منتجاتك". 
 
أجبت نصيحته الثمينة وأنا أعقد يدي لصدري وأريح ظهري للخلف ودون أن أحاول تخفيف حدة نبرتي: 
 
"أفهم من كلامك أنك تريد الشراكة معنا لتلفت الأنظار لاسم شركتك" 
 
تنحنح عاصم وطرف النائب بعينيه وتساءل رامز ببلاهة: 
 
"وما العيب في هذا!". 
 
"العيب.. كل العيب.. أنني سألغي عقد الشراكة قبل إبرامه". 
 
.... 
 
"ألا تعتقد أنك بالغتَ قليلًا؟". 
 
قال لي عاصم الذي ينهمك في كل لقاء بتبرير وتلميع كلامي وتدارك الموقف، ارتديتُ معطفي متجاهلًا محاضرته المقتضبة. 
 
"هل تنوي الذهاب حقًا؟". 
 
"نعم". 
 
"ولكنك أنهكت نفسك بما يكفي لليوم". 
 
"وعدنا المدير أننا سنأتي اليوم". 
 
"بإمكانك تأجيل الموعد".

أشِقّاءWhere stories live. Discover now