٢٠) وداع.

1.5K 158 125
                                    


...
..

تسلل الهواء الخريفي من النافذة المفتوحة وحرك الستائر بنعومة، فتراقصت على نغم النسيم.

التلفاز مُطفأٌ كالعادة،  وأصداء المارة والسيارات في الخارج تتهافت للداخل متباعدةً خافتة.

الهدوء تسيد المكان لأسبوع،  أصواتهما بعيدةٌ وهما يتحدثان،  ربما الخواء الذي انغمرتُ فيه حملني إلى الظن أن المكان هادئ وهو ليس بهادئ.

"لا أصدق أنكما فعلتما ذلك.. "

قال أمجد لفراس الذي كان يحكي له عن رحلتنا لمركز العلوم،  كان الأخير جالسًا على الأريكة الطويلة،  متململًا فيها ويداه مشبوكتان خلف رأسه،  وإحدى ساقيه فوق الأخرى، ويتحدث بأريحية:

"لا عجب أن أخوك لم يخبرك،  فهو لم يفعل شيئًا سوى أنه حاول إبعادي عنه،  لم أعرف في صف مَن كان يقف! ".

تحدثا وتحدثا،  وأنا جالسٌ على مقعدٍ منفرد،  بجسد خامل منذ أسبوع،  وعقلٍ غائبٍ منفصلٍ عن العالم،  ورغم محاولاتهما لإخراجي مما أنا فيه،  لم يُفلحا.

لم أستفِق حتى حين علمتُ أن جمانة استعادت وعيها وتحسّنت،  لم يأخذها زوجها للمشفى بعد ما فعل بها،  بل أحضر لها ياسر ليفحصها.

كرهتُ ياسر لأنه تستر على فعلة سالم ولم يصر لتتلقى علاجًا في المشفى.

لم أفهم لمِ الجميع متخاذل، لمَ يقفون متفرجين ولا يفعلون شيئًا لها! حقدتُ على كل واحدٍ فيهم،  وعلى نفسي قبل أي أحد،  لأنني سببتُ كل ذلك لها.

"إلى أين تذهب..؟ ".

"سأعد الغداء... هل ستتناوله معنا كالمرات الماضية؟ ".

"ما هذه النبرة!  هل تستثقل وجودي؟  اِعلم أنه لولاي لماتَ أخوك جوعًا.. ".

"أشك في هذا.. ".

بقينا أنا وفراس، ووافرٌ من الهدوء يُحيطنا. شعرتُ به يقترب من حافة الأريكة المُلاصقة للمقعد الذي أجلس عليه.

"ألم تمل من بقائك هكذا! ".

قال وهو يسند خده على يده وينظر إلى وجهي الخالي من التعابير.

"هل يرضيك أن تسبب لنا القلق! ترفق بشقيقك على الأقل... ".

لا جواب.

زفر بنفاد صبر وقام من المقعد ووقف أمامي حانيًا جذعه،  مد يده وصفعني بخفة على خدَّي.

أشِقّاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن