19

30.5K 958 0
                                    

يا آدم مهما حاولت المكابرة، فكما يقولون ان كل الطرق تؤدي إلى روما ، أيضا كل طرقك تنتهي اليّ...
                 *********
شعرت شهد بالخوف الشديد من ذاك الذي أوقف المصعد. فجأه بعد أن كان موليها ظهره، التفت بكل جسده خلفه و في مقابلتها، و بمعالم وجهه التي لا تبشر بالخير و ينظر داخل عيونها بكل ثقه و جرأة ، نعم انه ياسين بشحمه و لحمه من كانت تسبه هو و شركته و الموظفين. أما هي فكانت بموقف لا تحسد عليه نهائيا:
_شهد محاولة إظهار الثقة: انت ازاي تعمل كدا يا بني آدم انت ؟!
_ياسين بحدة ممزوجة ببرود وثقة: انا اعمل اللي انا عايزه.و بعدين لما انتي مش قد الشغل ماتشتغليش و لو مش قد المسئولية و مش بتستحملي قوليلي وأنا ارفدك وارتاح من اشكالك واريحك من سماعك للبنات أنها بتتكلم عني و السكرتيرة الي مضياقكي...
تحلى بالبرود ولعب باعصابها. نعم فقد افزعها و اخافها و أعلمها مكانتها الغير مهمة وأنها صغيرة جدا بالمقارنة به من قوة و نفوذ و سيطرة وبدون أن يتعب كثيرا. أما هيا اتسعت عيونها من هول الصدمة ، فقد فهمت أنه هو، هو صاحب السمو ياسين ظهران ، من كانت تسبه هو و الآخرين. لحظة.. أنها فكرت بصوت عالي ، يا الله إلى متى سأظل هكذا أفكر وأنا غاضبة بصوت عالي بدون الانتباه بمن حولي . ساعدني يا الله ...
أخذت تنظر إليه بصدمة و تفكر هكذا ثم فجأه بدون مقدمات ادهشته من فعلتها. فقد وضعت يدها على وجهها و أخذت تتحدث بسرعة كبيرة:
_ انا آسفةانا ماخدتش بالي بأنك موجود انا بس كنت متضايقة حبتين انا ماعرفكش انا مسئولة جدا و بشتغل بضمير اوى على فكرة و بشوف شغلي انا بس كنت عايزة اكلمك في مشكلة المرتبات و المدير بتاعي ضغط عليا اني انا اللي اطلعلك و هو مشي وسابلي الموضوع و هددني بأنه هايخصلمي من المرتب لو ما اتكلمتش معاك و السكرتيرة غلست عليا و .... صمتت فقد انتبهت لحالها ، حاولت الهدوء و أزالت يدها من على وجهها و نظرت له رأته كالجبل واقف أمامها بهيبته و بهدوء مخيف. رد عليها بهدوء وبرود:
_ انا راجع تاني كمان ساعة و نص الاقيكي بعد ساعة ونص بالظبط في مكتبي مستنية لو رجعت ملقتكيش ماشوفكيش تاني ف الشركة كلها . وتركها بعد أن شغّل المصعد و وصل للطابق الأرضي ، وهي ما زالت تحت تأثير الصدمة ..
                      ********
بشركة أخرى بمكان آخر ... أنها شركة المنياوي للعقارات من أشد الشركات منافسة لشركات ظهران . بمكتب رئيس مجلس الإدارة يجلس شاب في الثلاثينات من عمره ذو ملامح وسيمة و هيئة رياضية ذات هيبه، يفكر بغموض و خبث وغيظ:
_ ماشي ... خد المشروع دا كمان مني و انتو بغابئكوا ساعدتوه ... تمام كل واحد فيكو يروح و ميجيش هنا تاني و مش هاتلاقوا شغل تاني في اي شركة تانية ، شوفولكوا بقا اي كافيه ولا كشك واشتغلوا فيه، يلاااا قال الاخيرة بصياح شديد...
                     ********
بأحد المطاعم تجلس بود كلاً من ندى و رحمة و نسمة :
_ نسمة بفرحة: انا فرحانة اننا هانروح الحفلة دي. هانلبس ايه، احنا قاعدين ليه مش هما قالولنا ان كل واحدة تشوف فستان و ايه لازمها عشان الحفلة؟ ، انا مش عايزة أكل ، جايبنا هنا ليه؟، احنا لازم نروح المول دلوقت...
_ ندى بضحك مقاطعة إياها: اهدي يا بنتي متسربعة ليه ؟!. هانروح بس ناكل اي حاجة انا خارجة على لحم بطني و لازم أكل عشان مافرهدش منكوا.
_نسمة باندفاع: انتي همك بس على بطنك انتي طفسة اوي
_ ندى متصنعة الضيق: ماشي يا ستي تشكري
_ نسمة بأسف: ماتزعليش بقا ، انا ممكن اكون دبش شوية ... ماتزعليش حقك عليا ... انا والله ماقصدي حاجة
_ ابتسمت ندى لها: ماشي ياستي عادي انا كنت بشوفك هاتعملي ايه ، انا فرحانة اننا بقينا اصحاب احنا التلاتة كدا و انك بقيتي تتكلمي معانا
_ نسمة بابتسامة خفيفة: وأنا والله ، انا غلطانة اني كنت ببعد عنكو ، انا ارتحتلكوا، حبتكوا اوي. ثم وجهت كلامها لرحمة، و انتي يا رحمة شكلك زعلانة من وجودي ولا ايه؟، مش بتتكلمي غير ع القد والله انا آسفة، انا حبتكو لما اتعرفت و اتقربت منكو
_ ردت ندى بالنيابة عن رحمة: يا بنتي هيا كدا مش بتتكلم كتير ما تفهميش غلط
_ تابعت رحمة بابتسامة: فعلا زي ما هي بتقول يا نسمة ، انا مش بعرف اتكلم كتير غير لما حد يوجهلي كلام بس بكون منتبهة للقدامي و بسمعه، ماتفهميش غلط .. و ماتخفيش هانلحق ان شاء الله نشتري اللي انتي عايزاه بس ناكل حاجة خفيفة و نقوم. اصلا انا مش عارفة أهمية اننا نروح الحفلة ليه؟
_ نسمة: ليه بتقولي كدا ؟
_ رحمة : عادي يعني
_ ندى : رحمة انتي مش عايزة تروحي الحفلة ليه دا حتى هما عاملين كدا عشنّا ، عشان يعرّفوا الناس بشريكة حياتهم زي ما حمزة قالي
_ رحمة بهدوء محاولة إنهاء الموضوع: خلاص ماشي مش مشكلة عادي... انا بس مش بحب الزحمة...
                       ********
بالمساء ... تجلس رحمة أمام الزجاج المطل على الحديقة كانت تجلس شاردة الذهن. وجدها بعد مهمة البحث عنها نادى عليها لكنها لم تعيره انتباهها اقترب منها أكثر و على و جهه التساؤل و الضيق :
_ رحمة ! انتي لسة مالبستيش ليه؟!
_ رحمة له : خلاص هاقوم اهو
_ انتي مالك فيكي ايه؟! ومن ساعة ماسمعتي موضوع الحفلة وشك قلب و روحتي بالعافية مع البنات ودلوقتي قاعدة سرحانة و لا على بالك... الحفلة دي الكل منتظر يعرف من هيا اللي خدت قلب مالك ظهران و انا بجهز و الباقي بيجهز وانتي كدا. في ايه؟
_ ردت باقتضاب : مافيش يا مالك انا مش عايزة اروح
_ليه؟ ... دا حتى انتي المفروض تفرحي انك تظهري للناس و الناس تعرف بوجودك في حياتي. و كمان عشان تعرفي الوسط و الناس إللي انا بختلط بيهم عشان بعد كدا هاتحتكي بيهم
_خلاص يا مالك هاقوم البس مش انت عايز كدا؟ طلباتك أوامر زي كل مرة حاضر
_ تحدث بضيق و غضب محاولا كتمه: انتي بتعملي ليه كدا ؟ و بتتكلمي معايا كدا ليه؟
_ انا مش عايزة اروح الحفلة انا مش بحب الزحمة و لا بحب الكلام الكتير و معنى اني اروح معاك هاكون ف زحمة و الكل هايركز معايا وأنا مش بحب كدا و كمان هلاقي اللي بيكلمني و يسألني، تقدر تقولي هاقولهم اني كنت خدامتك و اكسفك قدامهم .. ولا اللي بيتعامل معايا من فوق وأنا مش كدا و انت مصمم وأنا كالعادة لازم أنفذ اوامرك ... هايبقى كل حاجة موتراني و انت اكيد مش هاتفضل معايا هاتتكلم مع دا و تقف مع دا وانا معرفش أتعامل مع غرب اصلا انا يادوب بدأت اتأقلم مع ندى و نسمة و انتو. و لسة يا عالم هاشوف ايه هناك...
_ انتي مش عايزة الناس تعرف اني جوزك ؟! و بعدين ايه هاكسفك دي انتي هبلة يا رحمة؟!. المفروض الزوجة الصالحة تتأقلم مع جوزها ف حياته مش تعمل اللي انتي بتعمليه دا.و ماكنتش اعرف اني متقّل عليكي كدا... ع العموم انتي هاتيجي يعني هاتيجي انا مش هارجع ف كلامي والكل عرف أن مرات مالك ظهران هاتحضر معاه الحفلة ، و ماليش دعوة بقا بتحبي الزحمة و لا الناس ولا لأ شئ مايخصنيش زي مانتي ما يخصكيش تصغري بجوزك يا مدام رحمة. ثم تركها وذهب ، أما هيا فقامت لتتجهز بمضض و ضيق ...
                  *********
بالحفلة كان الجو صاخب جدا مما ازعج رحمة و علاقتها مع مالك كانت مهتزة بعد ما حدث قبل الذهاب خاصة قبل الدلوف للحفل فقد لاحظ أنها نست ارتداء خاتم الزواج...
هو يرى أنها تريد تصغيره أمام الناس ولا تريد التعرف أكثر على حياته و لا تريد الناس يعلمون بعلاقتها معه وأنها خلقت مشكلة بدون سبب ، وهي ترى أنه لا يبالي بمشاعرها و وجهة نظرها و كل ما يهمه تلبية رغباته فقط.
على الجانب الآخر كان كل من ندى و حمزة و نسمة و سيف يستمتعون بالحفل. الكل ترك رحمة بمفردها على الطاولة و انشغل ، حتى مالك انشغل بالحديث مع أحدهم بالعمل بعيد عنها، كانت تجلس كتمثال غافلة عن عيون تراقبها و معجبة بهدؤها المعاكس لأجواء الحفل و جمالها و جمال عيونها  و تطابقها مع لون الفستان. اقترب منها ولا يعلم من هي فهو اتى متأخرا إلى الحفل و لم يعلم إلى الآن أنها زوجة مالك حتى لم يرى خاتم بايديها يدل على أنها مرتبطة، فتجرأ و ذهب إليها:
_ الشاب بابتسامة رقيقة: مساء الخير،انتي شكلك مش مرتاحة ف الحفلة هنا...
نظرت لمن يتحدث، رأت شاب رمز للوسامة، بشعره الأشقر و عيونه الخضراء و ملامح وجهه الوسيمة و بنيته القوية و جسمه الرياضي.
_ردت باحتقان: افندم !
_ متضيقيش انا مش قصدي اي حاجة وحشة والله انا بس لقيتك مش حابة الحفلة وشكلك جاية غصب عنك بردو زيي كدا فقولت اجي اتكلم معاكى اهو لقيت حد زيي. انا سليم القفاص، شاب غير راغب بالحفل و جاي مغصوب و مش بعاكس والله.
اعتقدت أنه يعلم من هي و أيضا أنه من الطبيعي التحدث هكذا مع الآخرين في هذه الأجواء وأرادت ان تشعر زوجها أنها تحاول أن تتأقلم و أيضا أحد تستمع له بهدوء في ظل انشغال الاخرين عنها حتى هو لم يعيرها إهتمام:
_ تحدثت بهدوء : أهلا وسهلا
_ تحدث بابتسامة: اسمك إيه بقا؟
_ نظرت باقتضاب باتجاه زوجها الغير منتبه لها وتحدثت بهدوء: رحمة
_ انتي شكلك متضايقة اني جيت اتكلم معاكى و قلقانة، بس احب اطمنك ان الكل في الحفلات اللي من النوع دا بيتكلم عادي يعني و بتبقى شغل و تعارف عادي...
اكد لها ما كانت تفكر به، نظرت إليه : متشكرة أوي لتوضيحك و ادبك في الحوار
_حاول أن يخرجها من صمتها: وانتي عرفتي منين اني مؤدب؟
_نظرت إليه لحظات بصمت ثم قالت بهدوء: لأنك بتتكلم على مسافة مني و محاولتش تتعدى المسافة و كمان طريقة كلامك و تعبيراتك و نبرة صوتك و نظراتك كلها أدب و اعتقد الشخص اللي مش مؤدب و هو بيكلم بنت مش بيعمل كدا ، وفي الاخر الله اعلم بالنوايا.ثم نظرت باتجاه زوجها،
أعجب بطريقة كلامها و كيف أوضحت و جهة نظرها بذكاء وأدب و أيضا دهائها انه ممكن يكون يتعامل بأدب ونوياه غير ذلك.
انسحب بهدوء فقد اتاه اتصال هاتفي و لذلك قال: اتشرفت بيكي يا آنسة رحمة، بعد اذنك.
وأثناء نظر رحمة في اتجاه هذا الشاب الوسيم و تفكيرها فيما قاله وجدت مالك بجانبها يتحدث بضيق مكتوم:
_كان عايز منك ايه و بيقولك ايه؟!
_ ولا حاجة... اتكلم كلام عادي و مشي _ أمسك برسخها : طب يلا نمشي
_اتى عمر : انت رايح فين يا مالك؟
_مالك باقتضاب: مروحين
_عمر : طب يلا انا كمان زهقت، سبهم هما يجو وقت مايجو براحتهم...
                    ********
على جانب آخر من الحفل، تجلس سما بحزن و تشرب مشروب كحلي والذي كان ضمن أكثر من كأس تشربه إلى أن سكرت، همت بالذهاب وهي تترنح. في هذه اللحظة خرج مالك و عمر و رحمة ، لاحظ عمر سما وفجأة قام بشدها بقوة من منتصف الشارع حيث كانت سيارة على وشك أن تصدمها:
_سما بترنح و حزن: اوعى سبني، جاي ورايا ليه ؟ انت مش هازأتني جوة انت كمان للمرة المليون،اوعى
_ عمر بحدة: انتي عبيطة كنتي هاتموتي
_ سما: كنت سيبني، اخدت ايه انا من الحياة
اقتربت رحمة : عمر سيبها هيا مش ف وعيها...مافيش حد يوصلك يا آنسة
_سما بدموع وترنح: اسمي سما ... سما ... و مش فارقة حد معايا و لا لأ كدا كدا ماحدش فارق معاه
_رحمة بشفقة: لا حول و لا قوة إلا بالله... طب ما نوصلها يا مالك معانا
_ لأ مش عايزة اروح البيت هابقى لوحدي و انا بخاف لوحدي ، خديني معاكي انتي شاكلك طيبة مش زيهم ولا زيه. قالت الاخيرة وهي تشير إلى عمر
_مالك لعمر: انت تعرفها ؟
_ عمر بضجر: اه للأسف
_ مالك بهدوء: خلاص خدها وصلها بيتها ، خالينا نخلص...
                      *******
بمنزل شهد كانت تتحدث مع مي عن طريق الفيديو كول كما يطلق عليه :
_ مي: وبعدين يا اخرة صبري حصل إيه ؟
_ شهد: روحت زي ما قالي بعدها بساعة و نص جه و كلمني في المشكلة اللي كنت عايزاه فيها، و بعدين أكتشف ان المدير كان بيسرق و كان باعتني كأنه معملش حاجة . طرده من الشغل و طرد اللي بيشتغلوا معايا ماعدا واحد بس و هو دا اللي خلاه المدير الجديد...
_ مي : كويس انو مافصلكيش انتي كمان
_ تنهدت وقالت: الحمد لله دا انا كنت هاقع من طولي لما شوفته وكمان عرفت هو مين
_ ضحكت مي وقالت : بس ايه رأيك مش حلو؟!
_ شهد : بصراحة ... دا عامل زى أبطال الأفلام و المسلسلات اللي بنتفرج عليها ماكنتش أتخيل اني اشوف واحد زيهم في الحقيقة . و عنيه حلوة اوي يا بت يا مي زرقة زي لون البحر
_ اوباااا دانتي ركزتي بقا
_ شهد شعرت بخجل: بس يا بت ... روحي بقا خاليني انام عشان تعبت النهاردة ....
                       ******
مضى أسبوع لم يحدث به جديد، فمازال مالك و رحمة متجنبين بعضهم و لا يتحدثون. و سيف و نسمة لا تخلو علاقتهم من الشد والجذب. وحمزة و ندى لم يحدث جديد فهو منشغل بالعمل و يتحدث معها عندما يتفرغ بعض الدقائق. أما عمر كان يشغل باله ولا يعلم لماذا يفكر بسما و لماذا يشعر بفضول حول حزنها؟ ...

بيوم كان الجو يكشف عن دخول فصل الشتاء فقد كان ملئ بالرياح و برودة الطقس، بشركة ياسين... يدلف إلى الشركة لكن فجأة سمع صوت يريد المساعدة ، التفت للصوت، تبا أنها المجنونة ذات العيون السوداء...

انثى في عرين الأسود(مكتملة)Where stories live. Discover now