تَنْهِيدَةٌ مِنَ الذّاكِرَةِ

12 3 0
                                    

مرّ يوم منذ رحيلها، رحلت شمس هذا المظلم المسكين وخارت قواه.. أصبح وحيداً تحت سقف هذا المنزل الذي تغلبت عليه الظلمة حيث أبت أشعة النور العبور بداخله، وها هو ذا قرر الاستيقاظ من سباته الذي دام ليوم كامل، ربما ظن أنها ستتحرر من ضريحها لتأخذ جولة في أحلامه
-"عزيزتي كم الوقت الآن ؟ سأتأخر على العمل" لم يجد رداً ففزع ونظر بجانبه لم تكن هنا ربما خيلت له رائحتها التي تتخلل اعماق هذا السرير وكل خلية في هذا المنزل أنها ما زالت هنا، قام من سريريه ليبحث عنها ربما استيقظت قبله لتعد له الفطور على الرغم من أنه ليس من عاداتها..
-" عزيزتي أين أنت؟ " هذه الأذن التي ترتجف متراجيةً سماع 'أنا هنا' استسلمت عندما لم تجد رداً ولكنه لم يستسلم ظل يبحث في كل ركن من أركان المنزل.. لا أحد هنا،
-"ربما ذهبت لوالدتها أين هاتفي" استمر في إعطاء احتمالات كاذبة لنفسه إلى أن مرّ ما حدث يوم أمس بالتفصيل أمام عينيه
-" إنها...إنها ميتة " أخيراً أدرك ما لم يرد إدراكه إنها تحت الأرض وهو فوقها عادت من حيث أتت وهو لا يعلم متى سيعود، فسقط أرضاً و علا صوت نحيبه، لقد تُرك وحيداً هنا بدونها، بدون سببه الأول لتمسكه بالحياة، ربما لا يتميزون بالإخلاص التام ولكن هذا المطروح أرضا أحبها بكل ما يمتلك من عاطفة هذه حديثة الموت موجودة في أصغر بوادره، أخفض رأسه وشرع في نوبة بكاء هستيرية، إلى أن سمع صوتها الرقيق ينادي عليه من بعيد رفع رأسه بيأس يبحث عنها فلمحها تقترب منه فظهر على وجهه شبح ابتسامة
-"أنتِ هنا"
="انا هنا، ولكن أرخي ملامحك المتعبة هذه قبل أن أرحل"
-" إلى أين؟"
="من حيث أتيت"
=" أذهبي بعد أن أغفو " أومأت له صورتها  القابعة أمامه وما هي إلا من نزج خيال هذا البائس وبدأت بغناء تنهيدة له  ليغرق هو في لحن هذا الصوت الذي تعزفه له ذاكرته، هذه الذاكرة التي لا تحتوي على غيرها، حتى أغلق عينه ولكن فاقداً للوعي..
بعد ساعات معدودة وجدوه أهله مُلقي بشكلٍ مثير للشفقة على الأرض.. وحينما أفاق كان أول ما نطق به
-"من أنتم.. أين أنا".
ربما كانت ذاكرته التي تحمل قلبه معاها كانت على أهبة الاستعداد للرحيل ولكن ودعته وداعاً حاراً بهذة التنهيدة من صوتها..

 Garden of words Where stories live. Discover now