٨- سيجارة ونصيحة.

3K 255 60
                                    

حينما هربت لم أفكر يوماً أن أعود إلى إيطاليا، أن أمشي بين شوارعها من جديد، أن أتجول بين مدنها وأحياءها وأستنشق هواءها. أن أعود إلى بداية تعاستي، حيث أطياف ذكرياتي مع من أحب تتجول وتوقظ ألام دفتها عميقًا داخلي.

فرغم مرور ست سنوات على مفارقة إياها، ورغما أستقراري داخل ألاسكا لم أستطع التخطي ولم أستطع ولو لدقيقة واحدة التوقف عن تفكير فيها وبالأشخاص الذي تركتهم خلفي ملبية طلب عقلي ومتجاهلة قلبي المتألم لفراقهم.

كنتُ متهورة في ذلك الوقت أعترف، ضعيفة ومنكسرة ولم أفكر حينها بعواقب فعلتي أو نتائجها أبداً. فحينما كشفت الحقائق وفتح الستار مكشر عن ما وراء الكواليس، وحينما سقطت الأقنعة وأستطعت التميز بين العدو والحليف، الثعلب والذئب، الشيطان والملائكة، وقتها لم أتردد دقيقة واحدة في جمع أغراضي والهروب من جحيمهم ناحية وجهة غير معلومة... المهم أن أكون تحت سقف أعلم جيداً أنه لا يحتضن مجرمين شاركوا في قتل أختي...

لذلك أنا لم أندم قط على تهوري ذاك، وأن فكرت ملياً في الأمر فهو قرار الوحيد الصائب الذي أتخذته في حياتي أجمع.

حينما عثرت على تلك المذكرات كانت المرة الوحيدة التي أعتبرت فيها أن الحظ قد ابتسم في وجهي أخيراً.

فلم أكن يوماً بذلك الحظ، ولم يضحك القدر في وجهي قط. الشيء الوحيد الذي أحببته وأستطاع أن ينتشلني من حجر الظلام والأكاذيب الذي كنت أعيش فيه قد خطفته الحياة مني باغتة وبطريقة بشعة جداً.

كأن قدري كتب على صفحات ملطخة بالطين والدماء، وبدل أن يكتب بالقلم كتب بمسمار صدئ... نقشت أثاره على الورق تاركً خلفه كلمات وأحرف أخترقت الورق بخشونة غير قابلت للمحو، كأنه يتحدى العالم أجمع أنه لن يستطيع أحداً تغير مصيري مهما حدث.

كنت أنا الابنة الصغرى لغابريل غامبينو أحد أكبر رؤساء المافيا في إيطاليا، حفيدة أراميس والذي كان أنذل رئيس قد شاهدته قط. عشيرة غامبينو كانت مثل الميزان تماماً بكفتين متوازنتين تحملان نفس الكمية على كلا الضفتين، أحدها كانت تحمل الأسد، فكانت مثله تماماً تملك من الكرامة والكبرياء ما لن تستطيع الجبال العالم حمله، وفي الكفة الأخرى كانت تحمل نذلة وخداع لن تستطيع حتى ضباع الوصول إليه.

عائلة غامبينو لغز محير حتى بالنسبة لي أنا ابنتها...

لسعة من البرد تغلغلت داخلي تبعث موجات كهربائية خفيفة أيقظت حواسي. أحسست بشيعرات جسدي تنتصب واقفة وبالدماء الحارة التي تسري سريعًا داخل عروقي.

أخرجت تنهيدة أفرك يداي باحثة عن الدافئ.

ڤانيلا أخبرتني سابقًا أن نلتقي في المساء، حالها كحال ستيف الذي بدأ يصيبني بالشك نحوه، نحوهما هو وڤانيلا على وجه التحديد...

عقربWhere stories live. Discover now