الفصل السابع

39 4 0
                                    

اقترب منها أكثر .... شعرت بأنفاسه الحارة تلفح وجهها .. ازداد صوت بكائها ارتفاعاً و هي تستسلم للمساته و قبلاته الحارة ...لم يبالي ببكائها و آهاتها و صوت أنفاسها المتقطع ... اغلقت عينيها بقوة تحاول السيطرة على ارتجافها ... صورة يزن احتلت تفكيرها و قلبها ... أما هو فكان غارقاً بدوامة من المشاعر و الشوق الذي يعصف بقلبه منذ عام ... لم تغب عن باله و عن تفكيره ....كان في بعض الاحيان يقف بسيارته قريباً من منزلها .... يراقب دخولها و خروجها .... الحزن الذي رسم ظلاله على وجهها يقتله كل يوم ببطء .....كم تمنى أن يسرع اليها ضارباً بكل شئ عرض الحائط .... اقترب من شفتيها المطبقتين بقوة و هو يحرك يديه على جسدها بتملك ... أخذ يغرق في بحور شعرها الغجري ....يشم رائحتها التي دوخته... لكنها كانت تغرق بشعور الذنب....
لم تحتمل ياسمين أكثر ..اختار عقلها الغياب الى عالم اللاوعي و هي تقول بضعف :
_ توقف .... أرجوك
شعر بجسدها ينهار بين يديه ...رفعها ليلصقها بصدره .... نظر الى وجهها الشاحب و هو يقول :
_ لم استمر بتعذيبك صغيرتي !... كم أتمنى أن أمنحك السعادة بدلاً مما أفعل
دخل بها الى غرفة النوم و وضعها على السرير بهدوء ..أزاح خصل شعرها التي التصقت بوجهها المغطى بالدمع ...
جلس على طرف السرير و هو يتأملها ....عادت ذكرياته لتلك الليلة المشؤومة ..لا يستطيع تفسير سبب فقدانه لأعصابه أمامها .. تسكنه شياطين الدنيا عندما يتعلق الأمر بياسمينته ... ذلك الوغد قصي أحسن اللعب على هذا الوتر .... هي لم تخفي عنه أمر علاقتها به ... أخبرته كل شئ و ياليتها لم تفعل .... كم يشعر بالغيرة لأن هناك من سكن قلبها قبله ... بعدما غادر المنزل بأيام .. عاد للبلاد بعدما أيقن بأن الصورة مزيفة .....لم يكن عملاً متقناً اساساً .... تزيف رخيص ... أراد العودة اليها للاعتذار حتى لو اضطر للتوسل و الرجاء ... قبل خروجه جاء والده مع رجل من كبار الحزب الذي ينتمي اليه ... أخبره انه تم اختياره كممثلٍ عنهم لخوض الانتخابات القادمة ...شعر وقتها بالسعادة و الفخر .... أراد الاسراع الى ياسمين و اخبارها ... أوقفه والده
_ أجننت ؟؟ لولا انفصالك عن ابنة عاصم لما تم اختيارك
_ ماذا ؟؟
_ حازم ....افهم ما سأقوله جيداً .... بزواجك من ياسمين قام الحزب بتنحيتك عن اي عمل كبير بسبب عمل ابيها كمعارض للدولة و نحن من الحزب الحاكم ...إن عدت اليها سوف تعود للزواية المظلمة ... و من ثم عليك الزواج من ابنة رئيس الحزب كما قلت لك سابقاً
_ و ياسمين يا أبي ...إنها أم ابني و حبيبتي
_ سوف تدمر نفسك
_ لا أبالي ... سوف أذهب اليها ... لن يمنحني العمل السياسي السعادة
_ افعل يا حازم و سوف تشهد ياسمين أكبر حملة لتشويه صورتها في الصحف و المجلات
_ ابي !!!
_ تذكر الصورة ..... لازلت أحتفظ بها و ليس من الصعب علي أن اقنع أكبر صحف البلاد بنشرها و رش البهارات على الخبر حتى تصبح ياسمين أكبر فاجرة بالبلاد
_ أبي اياك .. انت تعبث بأعراض الناس و بعرضي !!
_ اعتبر الأمر كما تشاء و لكن لن أسمح لك بتدمير مستقبلك السياسي مرة ثانية
_ أنت من أرسل الصورة ؟؟ أنت !!
_ لا لم أفعل و لكن كنت افكر بطريقة لابعد ابنة عاصم عنك ..لكن جائني الامر على طبق من فضة
ارتفع صوت هاتف ياسمين من الغرفة المجاورة .... مخرجاً اياه من دوائر الماضي التي احاطت به ... تجاهله و هو يحدق بمحبوبته ... كم يشتاق اليها و لحضنها الدافئ ... استمر الهاتف بالرنين .. زفر بغضب و خرج الى غرفة الاستقبال ...فتح حقيبتها ليخرج هاتفها .... 7 مكالمات فائتة .... سعاد و والدها و العمل ... يبدو ان الجميع يبحث عنها ...أراد إعادة هاتفها الى مكانه ....رسالة واردة من سعاد وصلتها ... فتحها لتقع عيناه على أمر أثار جنونه أكثر من أي مرة
" لا تعودي الى المنزل حتى أخبرك ... أبي ومعه ذلك الوغد بانتظارك مع المأذون الشرعي لإجبارك على الزواج منه "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان زياد ينظر بغضب للرسالة التي تركتها دلال كلمات قليلة و لكنها كانت كفيلة بتفجير براكين الغضب بداخله
" حبيبي زياد
سأرحل حتى تجد سعادتك ...ارجوك ....
و عندها فقط ساعود لاكون جزء من حياتك ....
حبيبتك دلال"
بنظرة واحدة للخادمة اخبرته عن مكان تواجدها في منزل ريتاج لم يحتمل البقاء في المنزل ...توجه الى الشعبة .... لم يجد مكانا اخر ليذهب اليه ..... ليس لديه اي اصدقاء .. يفني عمره بخدمة وطنه ...
كانت افكاره تصرعه بجنون... ما الذي تفعلينه يا دلال ... الم تعلمي بأن قلبي خلق لأنثى واحده ... أنثى أختارها من بين كل النساء .... لو تعلمين مقدار عشقي و غرامي لما تجرأتي على طلبك المجنون ..... لعلمتِ بأنك وحدك تملئين حياتي ... دخل الى مكتبه ..لحق به حيدر و هو يقول مندهشاً :
_ ما الذي تفعله هنا ..؟؟ لقد عدت من السفر للتو
_ دلال ..تركت المنزل لترغمني على الزواج
_ أفهم منك الآن أنك ستنفجر غضباً
_ اطلب من ياسمين أن تحضر
_ ماذا ..؟؟
_ما بالك ..؟؟ أريد أن أرى الى اين وصلت بموضوع التصنت
_ سوف أخبرك بكل شئ يتعلق بهذا الموضوع
_ما الأمر ؟؟
_ يا الهي ساعدني .....لقد أخذت إجازة ساعية و لم تعد الى الآن
_ منذ متى يفترض بها العودة ؟
_ منذ ثلاث ساعات مضت
_ هل اتصلت بها
_حاولت السكرتيرة ذلك ...في البداية لم ترد و تحول وضع هاتفها الى المغلق
_ ليست من النوع الذي يهمل عمله
_ أعلم ذلك ... لهذا لم أشئ أن تعلم
_ اتصل بمنزلها
_ لقد فعلت و تحدثت الى أختها .. انها لا تعلم شئ عن مكانها
_ هناك أمر غير طبيعي
دخلت مديرة مكتب زياد و هي تقول :
_ والد ياسمين بالخارج و أختها يسألون عنها سيدي
قال حيدر :
_ سأتحدث اليه
_ لا ...أنا سأفعل أدخليه
أسرع والد ياسمين بالدخول وسعاد خلفه...كانت نظراته حادة ممزوجة بالغضب القاسي ... أما سعاد كانت تمشي خلفه و التوتر يكسو ملامحها ..لم تتوقف عن فرك يديها ببعضهما .... كم تشبه ياسمين ولكنها أكبر عمرا .....
_ اهلا بك سيد عاصم
_ أشكرك لاستقبالي سيادة العقيد زياد
_ يبدو أنك تعرفني
_ أنت فخرٌ للوطن ... ابن العميد طارق
_ و انت أيضاً سيدي ..... سعيد بلقائك... هل أستطيع مساعدتك ؟؟
_ ابنتي ياسمين ... أحاول الاتصال بها ...لكن لا أستطيع الوصول اليها
_ لقد أرسلتها بمهمة قد تحتاج الى وقت طويل حتى الغد ....و أظن أن المكان الذي تتواجد به خارج نطاق التغطية
_ و ما هذا المكان؟؟
_ سيدي ..أعذرني لا يمكن أن أبوح بذلك ..بسبب طبيعة عملنا
_ أقدر هذا .. لكن اليوم سوف نعلن خطبتها ..يجب أن تتواجد بالمنزل
كان زياد ينتقي كلماته بدقة ... بناءً على رد فعل سعاد و ملامح وجهها
_ خطوبة ؟؟
_ نعم
_ و هل تعلم ياسمين بذلك ؟؟
_ عفواً ...؟؟
_ سيدي لقد طلبت من السيدة ياسمين أن تحدد موعداً لألتقي بك ...أرغب أن أتقدم لخطبتها من حضرتك و هي لم تمانع
_ لم تخبرني بشئ
_ لقد اتفقنا على هذا اليوم
كانت أعين سعاد و حيدر تتسعان من الدهشة .... أما والدها كان يحدق بوجه زياد ....ليبتسم بعدها بخفوت
_ يشرفني أن يكون بطل مثلك زوج لابنتي
_ الشرف لي سيدي
_ بانتظار حضورك ... سوف أتركك لعملك ...أتمنى أن تخبر ياسمين بحضوري
كانت عيون سعاد متعلقة بزياد ...تريد أن تصرخ بشئ ما... لم يفوت زياد اشارتها الواضحة
خرج عاصم من المكتب و سعاد خلفه ...تركت حقيبتها تسقط ارضاً ... هم حيدر بالتقاطها ...
_ لا تفعل ....
تجمدت يده تحت وقع كلمات زياد الحازمة
_ هل جننت يا زياد .. مالذي قمت به لتوك
دخلت سعاد سريعاً الى المكتب ...همت بقول شئ....لكنها نظرت الى حيدر
_ ايها المقدم ارجوك اتركنا وحدنا
خرج حيدر من المكتب مغتاضاً
_ اخبريني
_ياسمين ذهبت لتقابل زوجها السابق منذ وقت طويل اخشى ان يقوم بايذائها
_ اين ؟؟
_ في بيتهما السابق قبل انفصالهما
_ كيف تفعل أمراً كهذا ؟؟
_ انه يساومها على ابنها
_ ماذا؟؟
_ ارجوك ساعدها ...انه مجنون ... لم يتوانى بالسابق عن ضربها حتى كادت أن تفقد حياتها باخر مرة
_ العنوان ارجوكِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينيها ببطء ...شعرت بقليل من التشوش في أفكارها .... نظرت الى جانبها .... إنه ليس موجوداً .... كيف سمحت لنفسها بالانهيار أمامه ..... دائماً يسقط قناع القوة الذي تدعيه أمامه
نزلت عن الفراش اقتربت من الباب .... سمعت صوت اخيها سامر و حمزة يتحدثان
_ الحمد لله على وجودك أخي
غيرت ملابسها بسرعة و خرجت لتلاقي اخيها ....
_ صباح الخير
نهض سامر وحمزة سريعاً لدى دخولها
_ أماني حبيبتي لقد أخبرني حمزة بما حدث معك أمس
_ أنا بخير الآن.. لا تقلق
_ جيد ....جيد ... قد تحدث اشياء لا يتصورها عاقل
كان حمزة ينظر اليها بقلق شديد ... هربت بنظراتها منه ... وجود أخيها كان مرساتها للنجاة من مواجهته و لكن ....
_ لقد نسيت هاتفي بالسيارة ....سوف أذهب لإحضاره
أسرعت أماني الى المطبخ عند خروج اخيها ... لحق بها حمزة ... وقف مستنداً على الباب قائلاً :
_ هل أنت بخير ..... حقاً ؟؟
_ أجل .... أنا بخير ...
_ حسناً .. سوف أذهب لإحضار الإفطار من الخارج لا تتعبي نفسك ... لم أفهم الى الان سبب صرفك للخادمة
_ لست بحاجه لوجود خادمة
_ كما تشائين
تشاغلت برفع الصحون و وضعها دون هدف ..شعرت به يقترب .... أحاط خصرها بيده و قربها اليه حتى التصق ظهرها بصدره ...طبع قبله عميقة على رقبتها ...همس قرب أذنها :
_ لقد خفت عليك كثيراً بالأمس ...لم تتوقفي عن البكاء حتى بعد نومك
قالت بصوت خافت :
_ اسفه
_ لا ..لا تعتذري....أريدك أن تكوني بخير
أغلقت عينها ... أراحت راسها على صدره ..... سبحت بافكارها الخاصة
_ كم أشعر بدفئ حضنك يا حمزة ... كم أتمنى أن أقضي عمري بين ذراعيك يا حلمي الجميل .. و لكن لا يمكن أن أغفر لك ما فعلته و تجاهلته كما لو لم يكن ... لو أنك اعتذرت أو بررت ما حدث ....ربما ...ربما لتصرفت معك بطريقة مختلفة .... تحولت من حلم جميل لكابوس فظيع
سحبت نفسها من بين ذراعيه لتعاود رفع و انزال الصحون بدون معنى .... ابتعد عنها و هو يقول :
_ أريد منكِ أن تتحدثي لسامر بموضوع زواجه ... انه لا يستمع الي .... لا يجوز أن يبقى وحيداً بهذه الطريقة
_ طبعاً سأفعل
_ سأذهب الآن
هزت راسها بنعم
عندما سمعت صوت اغلاقه الباب وضعت يدها على جبينها مغلقه لعينيها
_ و ماذا بعد يا أماني .....ما العمل الان؟؟
سمعت صوت سامر يناديها ..أسرعت اليه ..اشار اليها بالجلوس الى جانبه
_ صغيرتي .... هل أنت بخير حقاً ؟؟
_ توقف عن القلق ... أنا بخير .... يجب أن نتحدث بموضوع آخر
_ ما الأمر ....؟؟
_ الزواج ...
_ اه ...لا بد أن حمزة قد حرضك علي
_ ربما ... و لكنه محق ... انت تكبر بالعمر ... دون أن يكون لك شريكة في حياتك
_ سوف أفكر بالأمر عندما أطمئن عليك
_ لقد تزوجت من الرجل الذي اخترته انت ...
_ أعلم ... و لكن أنا لست بأعمى لأرى أن أميرتي الصغيرة تعيسة .. و هذا يجعلني أشعر بالذنب لاجبارك على هذا الزواج رغم خطأك
خفضت أماني عينيها خجلاً من ذكره الموضوع ...
_ أخي أرجوك
_ حبيبتي أنا لا أقصد لومك أو احراجك .... لكن أريد أن أراك سعيدة .... انت و حمزة ... انتما أغلى ما لدي بهذه الحياة ...
_ لا تقلق أخي سأكون بخير .... لكن أحتاج لقليلاً من الوقت
_ أتمنى ذلك .. صدقيني ..لن تجدي شخصاً أفضل منه .. لن انساه عندما وقف بباب منزلنا وهو لم يتجاوز الخامسة عشر ربيعاً من عمره قائلاً بأنه ابن عمي جلال ... و أنه يرغب بالسكن في بلادنا بدلاً من أمريكا .. ترك أهله ليعيش مع رجل غريب لم يحدثه طوال عمره.... عندما سألته عن السبب قال بأنه يضيع روحه في تلك البلاد ... و أنه غير راضي عن النهج الذي تسلكه عائلته من حياة غربية فاسدة ... في البداية ظننت أنه لن يصمد أكثر من شهر ... و لكنه أراد أن يكون رجلاً شرقياً مسلماً بامتياز... شاب عبقري بطريقة عجيبة ... يحسن قراءة الامور و الاشخاص
_ لم أفهم .... كيف ذلك ؟؟
_ يمكن أن يقرأ أفكارك ... حركة السوق الاقتصادية .... الاوضاع السياسية ..... يتوقع أمراً قد يبدو مستحيلاً و لكنه بعد فترة يحدث فعلاً ... في بعض الاحيان أظن أنه ساحر
_ أنت تصوره على أنه ملاك
_ بالطبع لا .... له أخطائه .... لن أنسى تلك الليلة التي وجدته فيها نائماً أمام مدخل عمارتنا
_ ماذا ؟؟
_ أجل أعتقد ان ذلك حدث منذ عشر سنوات تقريباً ... إنها قصه قديمة ..انسي الأمر
_ أخبرني .... أرجوك
_ لما كل هذا الاصرار ؟
قالت ممسكة بيده بقوة :
_ سامر ... تكلم ....أرجوك
نظر الى عينيها بخوفٍ حذر .. شكوك الماضي عادت لتخترق صدره بقوة .. قال ببطء وهو يحاول قراءة تفاصيل وجهها:
_ يومها عندما توفي أخوه معاذ بسبب جرعة زائدة من المخدرات ... لم نخبرك بهذا الأمر خشينا عليك لصغر سنك وقتها ... أنا كنت مسافراً لليلة واحدة ... بقيت وحيدة في المنزل .. وصل الخبر الى حمزة و كان في حالة سيئة للغاية ...أحد أصدقائه قام بدس مهديء له في شرابه او بالاحرى كما يبدو أنها كانت نوعاً من الحبوب التي تسبب الهلوسة و غياباً للعقل ... إنه لا يذكر شيئا عما حدث تلك الليلة .... شئ واحد يظن أنه حدث ....يقول بأنه سمعك تبكين و تصرخين باسمه ...أخبرني بذلك عندما أيقظته بصعوبة و هو نائم أمام مدخل عمارة منزلنا ... أسفل الدرج .... بالكاد لمحته ... عندها اسرعت الى المنزل .. كنت تتصرفين بشكل طبيعي للغاية .... كنت تحضرين نفسك للذهاب الى المدرسة ..ظننت أنه كان يتخيل بسبب تلك الحبوب .. تذكرين تلك الليلة التي سافر بعدها الى امريكا ليحضر عزاء اخيه معاذ
كانت أماني تستمع اليه وقلبها يخفق بجنون .... هل يعقل أنه لا يذكر ما حدث بتلك الليلة؟؟؟ .. هل كان غائباً عن وعيه ؟؟ .... هو لم يسافر وقتها ليهرب من المواجهة كما ظنت طوال تلك السنوات ...
جفلت عندما وضع سامر يده على كتفها و هو يواجه نظراتها
_ هل قام حمزة بشئ تلك الليلة ؟؟ ..... هل قام بإيذائك أماني
طرفت عدت مرات بأهدابها تحاول السيطرة على الموقف .... قالت متلعثمة :
_ ماذا ؟؟ لا .... لا ...أنا ...لم أره تلك الليلة
_ أماني أخبريني الحقيقة
_ أنا أخبرك بالحقيقة
_ و ما سبب توترك ؟؟؟
_ أه ... لا بد أنه تأثير يوم أمس
_ أماني ...!
_ توقف سامر
قال سامر و هو يدلك جبينه بقوة :
_ في بعض الاحيان أظن أن سوءً قد وقع فعلاً بسبب الكابوس الذي يكاد لا يفارقه لكنك لم تتكلمي
_ أي كابوس ؟؟
_إنه يرفض إخباري ... لكني أسمعه ينادي باسمك دائماً ... لينتهي الأمر باستيقاظه غارقاً بعرقه و نبض قلبه يخفق بجنون
_ ماذا ؟؟
_ أماني للمرة الأخيرة .... هل قام حمزة بإيذائك ؟؟
_ أخبرتك بأنه لم يفعل.. توقف أرجوك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادت لترتب الثياب في أماكنها و هي تتخبط في أفكارها ... حتى جاء صوت من الخلف جعل قلبها يتوقف عن الخفقان
_ نورا
نظرت اليه و الرعب يسكنها ...قالت بتلعثم :
_ انننت ...م مماذا
قبض على ذراعها بقوة و عيناه تشتعلان بنيران تهدد بحرق كل من حوله
_ لما هربت من المنزل ايتها الغبية ؟؟
_ أرجوك يا معتصم اتركني
اقتربت جمانة الشاحبة منه و هي تقول :
_ أرجوك لا تتسبب بفضيحة
ترك يدها ليمسك بشعرها و هو يصرخ :
_ تكلمي قبل ان اقوم بقتلك ايتها الحقيرة
جاءت لكمة أمجد قوية لتسقط معتصم أرضاً مع نورا التي يقبض على شعرها .. مد أمجد يده ليسحبها خلفه
_ ايها المجنون مالذي تفعله...
وقف معتصم و الغضب يصرخ من كل خلايا جسده
_ لا تتدخل ...ابتعد عنها
قالت نورا و هي ترتعش :
_ أمجد انه أخي ... أرجوك ابتعد .. لا تتدخل
_ و ان كان أخاك ليس له الحق بضربك هكذا
جاء صوت أم أمجد و هي تقترب
_ سمعت ما قالته الفتاة هو أخوها لا تدخل بينهما و انت ايها السيد يمكنك ان تصفي حسابك معها بعيداً من هنا ... نورا ابنتي ... لمحلنا سمعة حسنة ... و حادث كهذا قد يبعد الناس . أرجوكم اخرجوا جميعاً
_ أمي !!!!
جذب معتصم نورا من خلف أمجد بقوة و خرج من المحل دون اي كلمة ... دفعها داخل السيارة تحت أنظار أمجد الذي كان يحترق من الداخل ... يبدو انه سيفقدها للأبد
كانت رحلة السيارة طويلة ... ظنت نورا أن أحداً لن يصل اليها في البلدة البعيدة و لكنها مخطئة , لم تعلم ان أهل جمانة يقطنون في هذه البلدة الصغيرة
كانت تبكي بصوتٍ مكتوم .... معتصم يكاد يفتت المقود بين يديه .. كان صوت انفاسها يستفزه ... صرخ و هو يقول :
_ اخرسي ..... لا أريد أن أسمع صوتاً لك
وضعت يدها على فمها تحاول كتم صوت أنفاسها غير ان دموعها كانت تحفر خديها بقوة .... اي مصير ينتظرها .... كيف ستبرر غيابها كل هذه المدة ... يبدو ان القدر يستمر بمعاقبتها لما فعلت بأختها الكبرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أحسنتم ... يجب أن يستمر الوضع على هذا الحال .... أريد ان أعرف تفاصيل المهمة الأخيرة التي دارت بروسيا ...أجل ... أعلم ... احرص على أن لا نكتشف مرة اخرى..... جيد
أغلق حمزة هاتفه و هو يزفر بارتياح
_ و أخيراً عدنا للسكة الصحيحة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرجت سلام من المشفى بعد أن عملت لنوبتين متتاليتن تعوض عن غياب أماني التي اعتذرت عن الحضور ...خرجت من البوابة و هي تدلك جبينها بسبابتها ... كم تشعر بالارهاق و التعب ... تتمنى أن تأخذ حماماً طويلاً و من ثم تريد أن تنااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
رأته واقفاً بجسده الضخم متكئاً على سيارته الفاخرة ... بعنفوان رجولي مخيف ... عاقداً ساعديه على صدره العريض .... بابتسامة ساحرة لكن مرعبة ... تناقض غريب ... كان يصوب اليها نظراته بعينين ساحرتيين لا يمكنها الجزم ..... هل هي عيون خضراء ام زرقاء ؟؟؟ ... كل ما تعلمه انها ضاعت للحظات و هي تحدق به ....
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تشيح بنظراته عنه مكملة طريقها ..... لم تظن للحظه بأنه ينتظرها ... تفاجأت عينها بصدره يسد طريقها .... لتغرقها رائحة عطره الاخاذ ...رفعت عينيها ناحيته .... كان يحدق بها بطريقة غريبة ...طريقة لم تعهدها او تعرفها ... شعرت بجسدها يحترق ... اطرفت باهدابها مراراً حتى تمنع سيطرته عليها
_ سيد قصي ... هل .....
_ قصي
_ ماذا ؟؟
قال ببطء متعمد :
_ ناديني ... قصي .. قصي فقط
_ هل استطيع مساعدتك ؟؟ هل تحتاج لشئ ما
_ أحتاج لاشياء كثيرة
شعرت بمقصده خلف كلماته المتوراية الجريئة
_ عن اذنك يجب ان اعود الى المنزل
عاد ليسد الطريق عليها و هو يقول :
_ تناولي العشاء معي
_ ماذا ؟؟
_ انت مدينة لي
_ اتبتزني سيد قصي ؟؟
_ ان كان ذلك يعني موافقتك فسميه بما شئتي حوريتي
_ سلام
_ عفواً
_ اسمي سلام لست حوريتك
_ حسناً يا حوريتي سلام ... أرجوك سوف نذهب لمطعم قريب من هنا
_ ارجوك أن تبتعد عن طريقي
قام بالاقتراب منها أكثر و هو يحدق بعينيها
_ سلام ... أرجوك وافقي ... قولي نعم
شعرت بالاضطراب الشديد ..... حاولت أن تقطع هذا التواصل الغريب بين العيون لم تستطع .... هزت راسها بنعم ..رغم ان عقلها يصرخ بلا
لحقت به و هي تقود سيارتها بعد ان رفضت مرافقته بسيارته .... توقف أمام مطعم فخم للغاية .. نظرت اليه بذهول .... لم تتصور انها ستدخل مكاناً كهذا في حياتها .....
نزلت خلفه و هي تقول مسرعة :
_ سيد قصي .... انا لا أرتدي ملابس مناسبة لهذا المكان ... هلا اخترت مكاناً آخر ؟
نظر اليها و هي ترتدي تنورة واسعة مع قميص يغطي منحيات جسدها الرقيق .... بإغواء يكاد يطيح بعقله
_ صدقيني انت تبدين أجمل من أي واحدة في الداخل ... هيا
بقيت واقفة في مكانها و التوتر يتسارع داخلها
ابتسم قصي بحنان بالغ .... أمسك بكفها لتسير خلفه تحاول اللحاق بخطواته الواسعة ... متجاهلة الكهرباء التي تسري بيدها .... اسرع مدير المطعم باتجاه قصي و هو يرحب به
_ اهلا بك سيد قصي ..... أتمنى أن تكون بخير
_ شكرا لك .. أريد طاوله لاثنين
نظر المدير لسلام مندهشاً و هو يطالعها من الاعلى للاسفل .... شعرت بالحرج الشديد من هذا الموقف ... حاولت الاختفاء خلف قصي
_ تفضلا من هنا
جلست سلام و هي تحاول تجاهل النظرات التي صوبت اليها من جميع المتواجدين في المطعم .. قصي كان يبتسم لرؤيتها بهذا الوضع ..... كان يتأمل رقتها و نعومتها و عينيها التي غرق بزرقتهما منذ عام ... و افكاره تجتاحه
كم تخيلت هذه اللحظات هو و هي أخيراً .... هل ستكونين حلمي الجميل الذي تحقق اخيراً .. هل ستحيين قلبي الذي قتل منذ طفولتي .... هل ستكونين الجنة التي كنت ابحث عنها منذ سنوات ... سلام أرجوك كوني مرساة نجاتي من حياتي المظلمة ...
_ سلام
جفلت من سماع صوته الأجش يناديها و هي غارقة بالحرج
_ نعم
_ تجاهليهم .. انهم أناس لا يهتمون الا بالقشور و المظاهر ...صدقيني انت أروعهن و الاجمل بينهن
_ ارجوك انا لا أشعر بالراحة هنا ...... دعنا نغادر
_ حوريتي انظري الي
ــــ تطلعت الى عينيه ...اسرها فوراً و بقوة
_ لا يوجد أحدٌ هنا سوانا نحن ... اتفقنا ...؟؟
عادت لتهز راسها بنعم بينما عقلها يصرخ باريد الخروج من هنا
لا تعلم كيف مر الوقت عليهما و هو يحدثها و ياسرها بلطفه ... نسيت كل شئ حولها ... كانت تبتسم بسعادة حقيقية نستها منذ تلك الليلة ...
ارتفع صوت هاتف قصي نظر الى المتصل و قال وهو يزفر
_ اعذريني يجب ان ارد على هذه المكالمة
ابتسمت له برقة جعلت نبض قلبه يزداد .... نظرت سلام الى مسرح المطعم الخالي ... حدقت بالكمان ... تذكرت نورا في تلك اللحظة ... كانت سلام تحب هذه الاداة ....حتى أنها أشترت كمانها الأول بعد أول راتب استلمته ...ارادت ان تدرب نفسها ....لكن نورا عندما راته رجتها أن تأخذه .... وافقت سلام فوراً ... لكنها تفاجأت بعد فترة به ملقى في زاوية مهملة بأوتاره المتقطعة ... يبدو ان نورا قد ملت سريعا كما عادتها ...
_ تحبين الكمان ؟
احمر وجهها خجلاً .... كم مر عليها من الوقت و هي تحدق بذاك الكمان !!!
_ نــن .. نعم
ابتسم لها ..وقف و هو يخلع سترته ليضعها على مقعده ...توجه الى المسرح ليحمل الكمان .... وضعه على كتفه ... تعلقت جميع الانظار به ... أما هو فقد تعلقت نظراته بسلام التي اتسعت عيناها بدهشة من تصرفه ....
بدأ يعزف على أوتار الكمان بصوتٍ عذب ... ضرب أوتار قلب سلام معها .... توقف الجميع عن الكلام ليذوبوا في مقطوعة تعزف باحساس عالي ... كان يتحرك مع انغامه الساحره أسراً الروح
استمر بعزف اللحانه كما لو كان يعلن بهذه المقطوعه تملكه لتلك الساحره ..... لم يتوقف عن النظر لعينيها و هي لم تتمكن من أن تقطع ذلك التواصل الغريب
وضعت سلام يدها على قلبها تحثه على الهدوء .... أي جنون تحدثني فيه يا قلبي الجريح .. اهدء فهو لازال غريب ..... اي جنون ؟؟ أي جنون .... قصي ... اسمك أصبح يعني الجنون
استيقظت من صوت افكاره على صوت التصفيق الذي ملئ المكان .... عاد ليقترب منها بصورة تكاد تكون ملكية ... اي سحر تملك و اي جاذبية !
_ ما رايك ؟؟
_ رائع
_ انا أم المقطوعة ؟؟
شعرت بالنار تشتعل بوجهها ... أخذت تنظر الى الاطباق أمامها ... و ضحكة قصى تلعب على قلبها
_ أعتذر عن احراجك .. سأعلمك يوماً ان تعزفي على الكمان .. اعدك
ابتسمت له بهدوء... هذه المرة علا صوت هاتفها نظرت الى الساعة ... هي تجلس معه منذ اربع ساعات .... كيف لم تشعر بمرور الوقت هكذا ...؟؟
_ عن اذنك ... يجب أن أرد ... اهلا جمانة .... ماذا ..؟؟ حقاً .. ؟؟ عادت .... يالهي .!! سوف أحضر حالاً !! الى اللقاء
نهضت و هي تجمع اغراضها سريعاً ... قائلة :
_ اعتذر منك .. يجب أن أرحل ... شكرا على الدعوة
همت بالرحيل سريعاً ... لكنه أمسك بكفها و هو يقف أمامها
_ هل انت بخير ؟.؟ تحتاجين لمساعدة ؟؟
_ لا ... انه أمر عائلي و خاص .. لا تقلق
_ سوف أراك قريباً .. صحيح ؟؟
نظرت اليه ... أجابته بابتسامة مضطربة و اسرعت بالرحيل ... قال كما لو كان يهمس لها :
_ اذهبي حوريتي ..قريباً ستكونين أنت أمري الخاص و العائلي
جلست لجانب ريتاج التي اتخذت النوم مهربا لها متخبطة بأفكارها التي تشدها و تسقطها بدوائر الحيرة و الضياع و الضعف ...
_ هل يعقل أن تتزوج يا زياد بأخرى ... ؟؟ لقد دفعتك الى الأمر بيدي ... كيف سأتحمل أمراً كهذا ؟؟ أجن لمجرد معرفتي بتواجدك مع اخرى خلال عملك .... اشياء كثيرة ماتت بداخلي و لكن شعور الحب و الغيرة ما زالا يتقدان بداخلي كنار البراكين الهائجة ....يالله ماذا سأفعل ؟؟ .... أهدأي يا دلال ... أهدأي ... انت تقومين بالتصرف الصحيح ... لا تضعفي الآن ... أتركيه ....قد تعود البسمة لتزين شفتيه ... قد يجد الحب و يراه بدلاً من رؤيته لأشباحه في وجهك الذي انطفئ نوره ... اسمحي له بأن يصبح أباً لأطفال ينادونه بـ بابا ...
وضعت يدها المرتجفه على فمها كما لو كانت تحاول منع أفكارها من الاستمرار بالتدفق .... و من دون وعي نزلت دموعها ساخنة تكوي وجهها
_ دلال .. هل أنت بخير ؟؟
مسحت دموعها سريعاً بظاهر كفها و هي تقول:
_ لقد استيقظتي ... انا بخير لا تقلقي ..... كيف اصبحت .....هل زال الألم ؟؟
_ دلال!!!
_ ريتاج حبيبتي ... لم أحضر هنا لأزيد من همومك
_ لقد أصبحت أفضل
_ حمداً لله .. حمداً لله
_ ألم يتصل زياد ؟؟
_ لا ... لا بد أنه غاضب الآن .... أظنه ذهب الى الشعبة ليغرق نفسه بالعمل
ارتفع صوت رنين هاتف ريتاج .. طالعت اسم المتصل ..القت الهاتف بعيداً
_ لما لم تردي ؟؟
_ لا أريد التحدث معهم
_ معهم ؟؟
_ المنظمة الحقوقية التي أعمل معها
_ لماذا ...؟؟
_ لقد اكتفيت ..... لقد خسرت فراس بسبب عملي و قبله خسر رجل و ثلاث أطفال حياتهم لإيقافي ... و النتيجة أضعف ما تكون ..
_ متأكده انك لا تعنين ما تقولين
_ صدقيني أنا واعية و واعية جداً ... سأتوقف ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاد زياد سيارته بسرعة و بحنكة و بدقة متجاوزاً أماكن الأزمات و الاختنقات المرورية... أراد الوصول سريعاً الى ياسمين ... دائماً شعر بحاجتها للحماية من كل شخص حولها و من نفسها حتى... مما دفعه للتورط معها أكثر و أكثر .... كل مرة .. .... يريدها فقط أن تكون بخير ... ليس أكثر
عيناها تنطقان بحزنٍ يدمي القلب ... صوتها دائم الانكسار ... كما هي حبيبته دلال
وصل الى العنوان ... أسرع بالصعود الى الشقة .... ما هذا الانقباض الذي يضغط على قلبه !!! ... لم يكن يوماً متوتراً هكذا عند اقدامه على أي مهمة ... لكن هذه ليست مهمة انها ياسمين...... يجب أن ينقذها .... لن يفشل هذه المرة كما فعل قبل عام ... عندما فقد نور حياته و نبض مستقبله ... لا لن يحدث
طرق على الباب أكثر من مرة لكن لا جواب .. أعاد الكرة .... أرهف السمع لما يدور بالداخل لكن لا جواب ... لا صوت ... أخرج مسدسه .... وضع كاتم الصوت و صوب على القفل....أطلق النار ... دخل الشقة سريعاً ليبحث بكل أرجائها لكن ...لا أثر لها .... لقد اختفت
جاء صوت رجل يركض خلفه قائلاً:
_ ما الذي تفعله يا رجل هل جننت ؟؟
_ من انت؟؟
_ انت من يجدر به التعريف عن نفسه
قال زياد بنفاذ صبر :
_ انا من الشرطة ...و انت؟
قال الرجل باضطراب:
_ انا حارس المبنى
_ اين صاحب الشقة؟.؟
_ لقد خرج منذ نصف ساعة تقريباً
_ الى اين؟؟
_ لا أعلم
_ هل كان وحيداً ؟؟
ارتجف وجه الحارس قليلاً ... و هو أمر لم يفوته زياد..اقترب من الرجل و هو بصوب اليه نظرات اقوى من الرصاص
_ تكلم
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة و هو يهرب بعينيه من سيل النيران الموجه اليه ..أمسك زياد به من قميصه ليجبره على النظر اليه و هو يقول:
_ تكلم .... لا تجبرني على التصرف معك بعنف.
_ زوجته السابقة ... السيدة ياسمين .... لقد ..لقد كان يحملها و هي فاقدة للوعي
_ ما الذي حدث معها
_ لا أعلم ..أقسم بالله .... أقسم بالله
تركه زياد و خرج مسرعاً و هو يحدث حيدر هاتفياً
_ حيدر أريدك أن تحدد موقع حازم الجابر ... احصل على رقمه و اعرف مكانه من خلال الأقمار الصناعية
_ ما الذي تقوم به زياد
_ حيدر .. الان
_ حسناً ..حسناً ...انتظر
دقائق الانتظار مرت على زياد كساعات طويلة تحرق صدره ....
_ ما الذي يحدث معك يا ياسمين بأي ورطة تغرقين نفسك .؟؟ ما كان عليك الذهاب اليه وحيدة ....غبية
_ زياد إنه في شارع البخاري ..
_ البخاري ؟؟ إنه يتجه ناحية المطار الخاص .شكرا لك
_ زياد أبلغ الشرطة المحلية ..لا تورط نفـ ...
نظر حيدر الى هاتفه بحنق عندما ادرك أن زياد أغلق الخط قال بذهول:
_ لقد ابتليت بالعمل مع المجانين .. يجب أن أبلغه بهذا يا الهي
دخل الى مكتب زياد اغلق الباب .. أخرج هاتفاً آخر ... و طلب رقماً و انتظر
_ ما الأمر ؟؟ لما تتصل بي ... هل نسيت الإجراءات التي نتبعها
_ لا لم أنسى ايها الشبح العظيم و لكن إن لم أخبرك بهذا الأمر سوف تقيم الدنيا و تقعدها على رأسي
_ تكلم يا حيدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت جمانة الباب لسلام و عينيها متورمة من كثرة البكاء ....
_ جمانة.... ما الامر ؟؟
اشارت جمانة لإحدى الغرف الداخلية و هي تحاول السيطرة على ارتجافها ...
دخلت سلام الى الغرفة لتجد نورا على السرير تإن من شدة الألم تجاهد لالتقاط أنفاسها.... شعرها التصق بوجها ممزوجاً بالدم ... الكدمات تغطي جسدها الذي تمزقت عنه الثياب ...تتأرجح بين عالم اليقظة و اللاوعي
تسمرت سلام مكانها .... هل يعقل أن تكون هذه نورا ؟؟ نورا بسمة الحياة ... من كانت تملئ المنزل بالضحكات ... اصبحت تمثل صورة الألم و القهر ..
اقتربت منها ببطئ كما لو كانت تخشى ايذائها بخطواتها .. جلست الى جانبها ... أرادت ان تزيح خصل شعرها الاشقر المصطبغ بلون الدم .. لكنها جفلت و حاولت الإبتعاد
_ نورا حبيبتي ... اهدأي ... أنا سلام .. أختك سلام
حاولت نورا أن تفتح عينيها المغطيتين بالكدمات...قالت بصوت ضعيف:
_ سلام .. أنا اسفة ..أسفة
_ لا .. لا ... لا يهم هذا الآن فقط استرخي قليلاً
انخرطت نورا بنوبة من البكاء الذي يقطع نياط القلب...
_ جمانة .. معتصم من فعل هذا ؟؟
قالت جمانة من وسط دموعها:
_ بالكاد ابعدته عنها كان ... لقد .. أوشك على القيام بقتلها وهو يكيل لها اللكمات و الركلات و الصفعات .... لم أره هكذا طوال حياتي .. كان كالوحوش .. يريد أن يعلم سبب هروبها و يريد أن يعرف مكان تواجدها خلال العام الماضي.. لقد خرج من المنزل كالإعصار الهائج .... الحمد لله اني تركت الاطفال عند أمي
_ هل أخبرته بشيء.
_ لا ... لقد التزمت الصمت حتى انها لم تصرخ عليه و هو .. و هو
عادت جمانة لتغرق بحالة البكاء و هي ترتجف بشدة ... أغمضت سلام عينيها بقوة و هي تحاول السيطرة على اضطرابها ,, لم تتمكن من منع دموعها من الإنسكاب و هي تطالع وجه نورا
جمانة..يجب أن نقوم بنقلها الى المشفى
_ لا .. سوف يقومون باعتقال معتصم و سوف تصبح الفضيحة على كل لسان و لابد أن كل شخص سوف يتكفل بتلفيق قصة عما حدث و سببه ...بالكاد اقنعنا الناس بان نورا سافرت الى الخارج لإكمال دراستها
تنهدت سلام بحرقة و ألم و هي تقول :
_ حسناً ... أحضري علبة الاسعاف و ماء دافئ و بعض المناشف و ملابس تناسب نورا.
بدأت سلام و جمانة بتنظيف وجه نورا التي استكانت قليلاً ... كما قامت سلام بتضميد جراحها و وضع المرهم على جروحها و الكدمات ..و ساعدتها على ارتداء الملابس الجديدة ...
و في النهاية ساعدتها لتتخذ موضع النوم ...جلست سلام بجانبها و هي تقول:
_ و الان ما العمل مع هذا المجنون ؟؟ .. كيف سنبرر هرب نورا .. .... اي حجة سوف تقنعه..؟؟
_ لا أعلم ..حقاً لا أعلم.
جاء صوت نورا ضعيفاً و هي تقول:
_ أخبريه بالحقيقة.
وقفت سلام جزعة و هي تقول:
_ اياك .. اياك و إخباره .. سوف يقوم بقتلك.
_ اي شئ سيكون أرحم من هذا العذاب.
اقتربت سلام منها و هي تضع يدها على رأسها:
_ نورا !!! أتوسل اليك لا أريد أن أخسرك مجدداً لقد كانت السنة الماضية سوداء ..سوف تحل الأمور لا تقلقي .. لكن أرجوك لا تفتحي موضوع حاتم أمامه.
_ سلام .. أنا لا استحق الشفقة مهما حدث معي ...فلا شيء سيكفر عن ذنبي
_ توقفي ... توقفي بالله عليك .. لا تكوني انانية ... سوف تلقين بأخيك الى السجن.
_ ماذا؟؟
جاء صوت فتح الباب قاطعاً للحديث .. نظرت الفتيات الى بعضهن بذعر
قالت سلام سريعاً:
_ جمانة أغلقي الباب عليكما و لا تفتحي له مهما كلف الثمن.
خرجت سلام سريعاً لتواجه ذلك الجبل الهائج و المتفجر بحمم الغضب
_ أين هي تلك السـ
_ توقف .. انها أختك
_ لا .. لم تعد كذلك
_بل هي كذلك ... لقد أوشكت على قتلها
_ و سوف أفعل فور معرفتي سبب هروبها
_ معتصم .. لا تنسى أنك أب لثلاث اطفال ..
قال بنفاذ صبر كما لو أنه لا يسمعها:
_ أين هي ؟؟
_ ما الذي تريده منها .؟؟
_ سأخذها الى الطبيب ليقوم بفحصها .. أريد أن أتأكد بأنها لم تهدر شرفنا بالكامل
نظرت سلام اليه غير مصدقة ... لم تتصور يوماً هذا التفكير الضيق من اخيها معتصم ..
_ لا بد أنك جننت .. كيف تفكر بهكذا أمر
_ انا لن أناقش الأمر معك ..سوف أخذها الأن شائت أم أبت
_معتصم!!!
_ هل هي بهذه الغرفة ؟؟
أسرع محاولاً خلع الباب بقوة غضبه ..... حتى كاد أن ينجح
_ سأقوم بذلك
_ ماذا ؟؟
_ سأقوم بفحصها من أجلك .... لقد عملت بقسم النسائية لفترة طويلة ..
_ و ما أدرني بأنك لن تغطي عليها
_ لن أفعل .. لن أفعل
نظر اليها بطرف عينه .. توجه الى منضدة ..حمل القران الكريم ....
_ أقسمي
_ معتصم!!!
_ افعلي .. أو سوف أقوم بإخدها الى المشفى
وضعت سلام يدها على المصحف باصابع مرتجفة و أقسمت على قول الحقيقية و هي تبكي بشدة
_ أكرهك يا معتصم .. لن أسامحك على هذا أبداً .. لن أغفر لك
دخلت سلام الى الغرفة لتجد نورا تبكي بحضن جمانة و هي ترتجف بشدة
_ أقسم لك بأنني لم أرتكب أي خطأ .. أنا لم أفعل شيئاً مما يتخيله معتصم
_ اعلم أعلم يا صغيرتي
أخرجت سلام من علبة الاسعاف قفاز طبي .. و ارتده ... قالت نورا و هي تنظر بذعر لسلام
_ ما الذي ...
_ لن أكذب عليه لقد أقسمت
_ لا أرجوك
_ اصمتي يا نورا ... انت من وضعنا بهذا الموقف المخزي
بعد بضع دقائق خرجت سلام لمعتصم و هي تقول بغضب :
_ اطمئن شرفك لم يهدر ....
_ هل قالت شيئا عن سبب هروبها
_ اعطها فرصة لتفق من صدمة وحشيتك
_ سلام .. لا تتحديني الان ..
_ يجب أن تعود نورا الى المنزل
_ لا
_ هل ستبقيها حبيسة عندك
_ تماماً
_ يبدو انك فقدت عقلك
_ ادخلي اليها ... أريد أن أعرف كل شئ....
_ معتصم !!!
_ الآن يا سلام الآن ... لن أحتمل أكثر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
كلمات سامر تردد صداها في ذهنها بقوة .... حمزة لم يكن بوعيه ليلتها !!!.. يعاني الكوابيس منذ ذلك الحين !!!.. هو لم يسافر هرباً مما حدث !! .. لقد ذهب ليحضر جنازة اخيه!!! ... سأفقد عقلي
تركت سريرها الذي شعرت بأنه مغطى بالاشواك المشتعلة ... تقلبت طوال الليل على ناره... اقتربت من باب غرفتها .. فتحته قليلاً لتسترق النظر.... كان ممداً على الأريكة ممسكاً بجهاز تحكم التلفاز يقلب بين القنوات .... جلست أماني أرضاً ... تريد انتظار لحظة نومه .... تريد معرفة سر الكابوس الذي يراوده ... هل يحلم بتلك الليلة ... مرت ساعات الليل وهو يحارب النوم .... أصبح يكرهه ... ففي اللحظة التي يغافله فيها ...يهاجمه ذلك الكابوس و ينهش روحه بأظافره المميتة ... لم يعرف معنى النوم الهاديء منذ عشر سنوات .....
غفت و هي تنتظر .. لكن الأمر طال .... تسللت خيوط الفجر الأولى لتداعب وجهها ....شعرت بعظام جسدها تصرخ ألماً بسبب وضع جلوسها .... سمعت صوت همهمة غير مفهومة .. اقتربت من الباب سريعاً... كان حمزة يردد كلمات لم تفهمها .. جسده يرتجف رغم نومه .... وقفت لتقترب منه ... كان العرق يتصبب من وجهه بارداً .... و هو يشد على كامل جسده ... شعرت به يتشنج .... يصك على اسنانه حتى كادت أن تتكسر .... لم تفهم من كلماته المتقطعه شئ ...
_ لا ... لا ... أماني .. لا ....انا .. هي ... لم ...أماني ... دموعك .. لا تبكي ..أماني دموعك تقتلني
حاولت أماني أن تكتم شهقتها التي كادت أن تشق حلقها من قوتها .. وضعت يديها على فمها و هي تحاول تمالك نفسها ... لا تبكي أماني دموعك تقتلني .... نفس الكلمات .. نفسها ...
عادت لتطلع الى وجهه المشدود المتعرق ... أخذ يعض شفته بقوة حتى بدأت الدماء تسيل ... اقتربت منه سريعاً و هي تهز جسده قائلة بخوف
_ حمزة استيقظ ... استيقظ أرجوك ....حمزة
فتح عينيه بقوة و هو يتنفس سريعاً ..شعر بقلبه يكاد ينفجر من قوة نبضه المجنون ... للحظات أخذ يتطلع حوله ...رأى أماني تجلس على الارض تذرف الدموع غزيرة ... نهض سريعاً ليجلس أمامها قائلاً:
_ ما الأمر... هل أنتِ بخير ؟؟
هزت رأسها بقوة و هي تقول بصوت مختنق باكي :
_ لا ... لست بخير ... منذ عشرة أعوام فقدت هذا الشعور
_ أماني ..!!! أنا لا أفهمك
_ بماذا كنت تحلم ؟؟
_ماذا ؟؟
_ الآن .... ما هو الكابوس الذي يراودك منذ عشر أعوام ؟؟
_ سامر أخبركِ ؟؟
_ أرجوك أخبرني .؟؟
_ ما الأمر أماني ... ما الذي يحدث معك ؟؟
_ حمزة منذ عشر سنوات جئت الى منزلي ... اليوم الذي مات به أخوك معاذ
عندها اختفى اللون من وجه حمزة ... زاغ بصره ...ارتسم الذعر في عينيه...عاد قلبه لنبضه المجنون لتلحق به انفاسه ...وضع يده على جبهته ليضغط بقوة ..كما لو كان يحاول اخراج بعض الصور من ذهنه ...
_ يالله ... لقد جئت لشقتك ليلتها .. لم يكن الأمر مجرد كابوس ... كان واقعاً ....
_ أرجوك أخبرني ما الذي تذكره عن تلك الليلة
_ لا شئ ...صور مشوشة لا معنى لها ... لكن... كنت تبكين...تبكين بقوة ....... و صراخك ترددين لا يا حمزة .... لا ابتعد ... أنا أكرهك .... هذا ما أذكره .. أو ما ظننته كابوساً يتردد بجنون ..أخبريني أماني ما الذي حدث ليلتها أتوسل اليك أخبريني ...
نظرت اليه أماني من وسط دموعها ..أحاطت نفسها بذراعيها كما لو كانت تحمي نفسها من الماضي .... أغمضت عينيها لتسترجع صوراً جاهدت لتدفنها
ليلتها كانت وحيدة في المنزل ... تحاول جاهدة انهاء دروسها ... في حينها كانت قد بلغت للتو السابعة عشر ... .. كانت بين كل صفحة تقلبها من كتابها تسترق النظر لصورة فارسها الجميل ... أجفلتها أصوات جرس الباب في هذا الوقت المتأخر ...اقتربت نحو الباب على اطراف اصابعها ... نظرت من خلال العين السحرية ... انه حمزة و فتاة لا تعرفها
فتحت الباب سريعاً و ياليتها لم تفعل ...
_ حمزة ما الذي تفعله هنا؟؟
دخل الى المنزل دون اي كلمة ليلقي بجسده على اقرب مقعد صادفه و انضمت اليه تلك الفتاة الغريبة و هي تضحك بميوعه ... كانت ترتدي بنطال جينز يرسم تفاصيل جسدها و قميص لا يقل فحشاً عنه .. التصقت به و وضعت يدها على صدره بطريقة اثارت النيران بصدر أماني
_ حمزة ما الأمر من هذه ؟؟
لم يرد أو ينظر اليها ..قال الفتاة الغريبة
_ أنت أماني ؟؟
نظرت اليها أماني بتقزز و هي تقول :
_ انا أماني و انت ؟؟
_ كنت أتمنى أن أكون أماني .. لم يتوقف عن ترديد اسمك
عندها انحنت و اقتربت من وجهه لتطبع على شفتيه قبلة طويلة ... لتقف بعدها و هي تلوح مودعه
_ سأرحل الآن أتمنى أن التقيك بوقت قريب .. كانت ليلة رائعة لن انساها أبداً حبيبي
خرجت تاركة أماني تتقلب في حمم الغيرة و القرف مما حدث ..نظرت الى حمزة بغضب
_ هل جننت ؟؟ ما بالك ؟؟ كيف تحضر فتاة ساقطة الى منزلي ؟؟ كيف تجرأ على التصرف بهذه الطريقة .... ما بالك تلتزم الصمت تكلم ايها الأحمق
طرف حمزة بعينيه عددت مرات ... استوى بجلسته و هو يتطلع الى أماني
_ أماني .... ؟؟ أنت هنا ؟؟؟
_ انا هنا!!! لقد فقدت عقلك لا محال
وضع يديه على رأسه محاولاً التماسك
_ لما تصرخين ؟؟؟
_ لما أصرخ !!!! أحضرت فتاة من الشارع الى منزلي في منتصف الليل .. تتصرف بغرابة ... أنا لا أفهم ما يحصل معك .... تتصرف ببلاهة .... و لكن أرجوك أخرج من منزلي ..انت تعلم أن سامر مسافر
نظر اليها بعد فهم ....شعر بدوار يجتاح رأسه لتعاود الصورة الغريبة تتقافز امامه بجنون
_ أماني حبيبتي .. أماني زوجتي ....زوجتي
اقتربت منه أماني ببطء وهي تنظر الى وجهه
_ انت تهذي ما بالك أنت تخيفني
عندها أمسك يدها ليشدها اليه لتسقط على صدره ..طوقها بقوة بين ذراعيه و هو يستنشق رائحة شعرها ...حلولت أماني النهوض و لكنه كان يشدها اليه اكثر و اكثر _ حمزة اتركني .... لقد جننت حتماً ..اتركني
بدأ بتمرير شفتيه على رقبتها و وجهها و هي تزداد مقاومة و شراسة
_حمزة افق ...افق بالله عليم ما الذي تفعله ..؟؟
عندها قامت أماني باطباق اسنانها على صدره مما جعله يتوقف و يرخي يديه عنها .. اسرعت بالوقوف و الهرب و هي تصرخ باكية تجاهد لالتقاط انفاسها:
_ أخرج يا حمزة أخرج من هنا و لا تعد أبدا
نهض حمزة ينظر اليها مستغربا
_أماني أنت تبكين ..ما الذي حدث ..؟؟
_ تسألني عما حدث ؟؟؟
اقترب منها و هي تتراجع حتى التصقت بالحائط تشهق بالبكاء
_ أماني دموعك...ارجوك توقفي ...دموعك تقتلني
_ أخرج بالله عليك ... أخرج
_ اماني!!! أنا أحبك
_ و أنا أكرهك ... أكرهك
قام حمزة بالاطباق على ذراعيها بقوة و هو يقول
_ لا .. لا تقولي ذلك
_ أتركني .. أبتعد ... أبتعد
_ أحبك ..أحبك
رفعت أماني يدها لتصفعه على وجهه مما جعله يرتد الى الخلف انهارت قدما أماني و ضمت قدميها الى صدرها و هي ترتجف و تبكي
_ اخرج الآن
عندها خرج حمزة متعثراً من الشقة تاركاً اياها تعاني من الانهيار و الخوف و الخذلان
كان حمزة ينظر اليها غير مصدق ... كان يمكن ان تسمع صوت دقات القلوب المضطربة ... و صوت الانفاس التي تجاهد للخروج و الدخول
اما هي فكانت تضم قدميها الى صدرها و هي تبكي كما كانت في تلك الليلة...نفس الصورة ارتسمت أمام حمزة ببشاعة واقعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
جاهدت ياسمين لفتح عينيها .. لكنها لم تستطع . .. لم تتمكن من الحركة ...حاولت رفع يديها لم تستطع .... حركت رأسها لعلها تستعيد قوتها ... جائها صوت شعرت به بعيداً جداً :
_ لا تتحركي سيزول مفعول المهدئ بعد قليل
عاد عالم الظلام يسحبها ..لم تستطع المقاومة .. اخذت تغرق شيئاً فشيء...جائها صوتٌ اخر من بعيد ..
_ كوني قوية ياسمين ... انت صاحبة الحق و صاحب الحق لا يخاف ... لا يضعف
عادت كلمات زياد تطرق عقلها ..لتستعيد حواسها دفعة واحدة ..فتحت عينيها لترى حازم يقود سيارته و هي تجلس الى جانبه
_ الى أين يا حازم ؟؟
_ أهدأي ... سنذهب الى المطار الخاص
_ ماذا ؟؟ لما ..؟؟
_ لنهرب من هذه البلاد و تعقيداتها ... لنعيش سوياً أنا و انت و يزن بعيداً عن كل هذا
_ لقد فقدت عقلك !!!
_ ماذا ؟؟
_ لن يحدث هذا .. لن يحدث ...لن أعيش معك كغانية
_ لا .. لقد أسئتي فهمي ... أعلم أن ما فعلته في الشقه هو أمر ...
_ مقرف ..
_ أجل ... أعلم .. و أنا آسف ...سوف نتزوج
_ زواج؟؟
_ أجل و لكن بعقد عرفي
_ حازم أريد أن أنزل من هنا توقف
حاولت ان تفتح الباب و لكنه كان مؤمناً .
_ ياسمين عليك أن تعلمي في حال تزوجتك فسوف يقوم ابي بايذائك ... اذا رحلنا و تزوجنا بورقة تجمعنا لن يعلم و سنعيش معاً للأبد
كانت ياسمين تنظر اليه غير مصدقة ..لما يستمر بترخيصها أكثر و أكثر ...كيف يقرر سير حياتها بهذه الطريقة
_ لا
_ياسمين!!
_ لا أريد أن أكون زوجتك ... لقد اكتفيت منك و من قسوتك و جبروتك . و ابني سوف أستعيده ... شئت أم أبيت
ضحك بطريقة ساخرة و هو يقول :
_ لو كان بامكانك استعادته لفعلتي منذ زمن ياسميني الصغيرة
_ انت وغدٌ قذر يا حازم ..
ضغط على فرامل السيارة بقوة ارتد بها جسد ياسمين .. اصطدم راسها و نزف ...
أمسك بها من شعرها و قربها اليه و هو يقول بصوتٍ اعادها لأيام الضرب و الذل و المهانة
_ يبدو أنك بحاجة لشئ يذكرك بحازم
عندها اطبق على شفتيها ليذيقها قبلته الدموية .. حاولت جاهدة أن تسحب نفسها و لكن كيف يمكن ان توقف وحشاً هائج ..توقف ليلتقط أنفاسه و هو يفترسها بنظراته .. ترك شعرها بقسوة و أخذ يضرب المقود بيده كالمجنون صارخاً
_ لما تصرين على اغضابي دائماً ...لما لا تتعقلين و تلتزمين بما أطلبه منك
نظرت اليه بعينين تحملان قوة لم يعهدها منها سابقاً ... و قالت بصوتٍ يسكنه غضب السنيين
_ طوال السنوات الماضية كنت كالخاتم باصبعك ... تحملت جنونك و غضبك و قلة ثقتك ..... أهنتني مراراً و تكراراً ..طعنتي بشرفي و حرمتني من ابني .. و أوشكت على قتلي .. لقد طفح الكيل .. لم تعد زوجي و لا سلطة لك علي ... لن ارحل معك الى اي مكان .. دعني أرحل من هنا افتح هذا الباب اللعين
تسمر حازم بمكانه و هو يستمع لكلماتها... ياسمينته تمردت .. لكن لا .. لن يسمح لها بأن تفلت من بين يديه ... لن يسكت ليجدها زوجة رجلٍ أخر .. تقافزت شياطين الدنيا أمامه بجنون عند هذه الفكرة .. ياسمين زوجة رجل اخر
_ اصمتي .. سوف تأتين معي
_ لا
عاد ليقود السيارة متجاهلاً إعتراضتها .. عندها قامت ياسمين بامساك المقود لتجعله ينحرف عن الطريق .. دفعها بعيداً عنه و هو يصرخ :
_ عودي الى صوابك
قالت و هي توجه له لكمات على صدره و كتفه :
_ توقف .. أريد أن أنزل .. أوقف السيارة ايها الحقير
عندها مد يده الى لشعرها ليشدها الى الخلف متجاهلاً صرخات الألم التي انفلتت منها ....
_ توقفي .. سوف نموت بسببك
لكنها لم تستكن .. عندها قام بلكمها على فكها لتسقط فاقدة للوعي ...
وصل الى المطار ... قام بحملها و وضعها على أحد المقاعد الفخمة بالطائرة الخاصة الصغيرة ... تلمس مكان لكمته .... صرخ بالمضيفة
_ أحضري بعضاً من الثلج بسرعة
_أحمق يا حازم..أنت غبي و أحمق
وضع الثلج على كدمتها .. بدات تستعيد وعيها و هي تتألم .. عندما أدركت ما حدث ..أبعدت يد حازم عنها و هي تضغط بسبابتها و ابهامها على راسها
_ ياسمين ..... أنا آسف ... لم أقصد أن أفعل ما فعلت .. انا أحبك
نظرت اليه و هي تفكر بأن القوة و محاولة مقاومته بهذه الطريقة لن تجدي نفعاً ..
_ أعلم .. اعلم ذلك
_حقا؟؟ هل سامحتني على سترحلين معي
_ حسناً ... لنرحل
عندها قام بضمها اليه بقوة و هو يقول :
_ ياسمين سأعوضك عن كل شى اعدك ..أعدك
_ حسناً .... حسناً
ابتعد عنها و هو يقول :
_ سأذهب لأتحدث مع الطيار الآن ... يجب أن يكون أخذ الأذن بالاقلاع ... سأعود سريعاً
هزت رأسها موافقة ... تطلعت الى باب الطائرة المفتوح .. كانت المضيفة ترتب المقاعد المجاورة لها ... وقفت و هي تطلع الى غرفة القيادة حيث ذهب حازم
اسرعت بالخروج من الطائرة و هي تجري...وصل صوت المضيفة و هي تصرخ:
_سيد حازم لقد هربت السيدة
حاولت ان تسرع أكثر ..لكن وقع خطواته كان يقترب أكثر و أكثر .. يد اطبقت على ذراعها لتسحبها بقوة

الشبحWhere stories live. Discover now