الفصل العاشر

38 5 0
                                    

انقباض عنيف يعتصر قلبها ... ألم رافقها منذ سنوات طويلة ... لكنها تشعر به مضاعفاً ... لقد طال غيابه هذه المرة ... لم يتحدث معها سوا مرتين او ثلاثة .... ما الذي يحدث معه ؟؟ .... كانت نظراتها معلقة بباب المنزل منذ الصباح تشعر بأنه سوف يحضر ... لكن حضوره سيكون مختلفاً ...
ما إن سمعت صوت المفتاح يدار حتى أسرعت لأبنها الغالي... شهقت من هيئته المزرية .... المياه تغمره تماماً... خصل شعره تغطي عينيه و تلتصق بوجهه تعلن انكسار نفسه و روحه... الكدمات و الجروح تملئ وجهه ... يرتجف جسده كما لو أن تياراً كهربائياً يسري فيه ...صدره يعلو و يهبط بسرعة جنونية
شهقت ضاربة صدرها بذعر :
_ ما الذي يحدث معك بني ؟؟؟
_ أمي ...
اختل توازنه ... اتكأ على كتفها و هو يحاول جاهداً عدم الانهيار ....
_ يا حبيب قلبي ... ما الذي حدث ؟؟ تعال..تعال لتغير ثيابك و نداوي جراحك
نظر اليها بعينين تصرخان بألم و هو يقول:
_ جراحي ؟؟؟ جراحي يا أمي لن تندمل أبداً ... خسرت ترياقي ... ليزداد نزف قلبي بصورة لا نهائية
_ قصى ما بالك يا ملاكي الغالي؟!!
انفلتت منه ضحكة ملتاعة و هو يقول:
_ ملاك ؟؟ .... أمي ... أنا الشيطان ... لكنه شيطان القيت عليه لعنة ... ليشعر بكل خطيئة ارتكبها في حياته دفعة واحدة
_ توقف عن هذا الكلام الغريب تغيب كل هذه المدة لتعود بهذا الكلام المجنون ... و الهيئة المزرية .... تعال معي لغرفتك
لم يعد قصى هو من يقف أمامها الان ...الرجل الواثق المعتز بنفسه حد الغرور... انه ذلك الطفل الذي كان يستجدي اللقمة على باب المطعم .... نفس العيون الحزينة و الذابلة .... كم يبدو ضائعاً ..... ساعدته على تغيير ملابسه .... وضعته في سريره ... أحكمت الغطاء حوله لكنه لم يتوقف عن الإرتعاش ...
_أشعر بالبرد أمي
_ يا قلب امك
أحضرت غطاءً اخر ...
_ أشعر بالبرد
أحضرت غطاءاً ثاني
_ البرد يا أمي يقتلني ... يتسلل الى روحي
_ بني .... أرجوك أن تهدأ .... ما الذي يحدث معك
_ البرد ... البرد ...
_ قصي !!!! ... رحمتك بالله
حاولت أن تبث الدفئ بجسده و هي تدلك كتفيه و ذراعيه ... بعد أكثر من ساعة استكان جسده ليغرق بنومٍ عذبه بصوره القاسية ..... سلام ... دلال ... سلام ... دلال ... دلال ...دلال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ سأموت ..... سأموت ..أخرج من هنا أرجوك أتوسل اليك
_ أرجوكِ أن تهدأي
_ اخرج زياد ..... أخرج
_عليكِ أن تهدأي
_ لا ... لا ....أخرج بالله عليك
اقترب منها ... مرر يديه من اسفل ذراعيها ليلتصق ظهرها بصدره القوي .. أرخت رأسها على كتفه ... بدأت السكينة تحتل نفسها رويداً رويداً على وقع ضربات قلبه .... الأمن .... الهدوء ...
_ سيكون كل شيء على ما يرام اهدأي ياسمين ... سوف تمر هذه المحنة بسلام ... أعدك
ارتفع صوت هاتف ياسمين .... حرر يداً واحدة و أبقى على الثانية
_ نعم ... في الطابق الثالث .... أسرع
ابتعد ببطئ عن ياسمين و هو يقول :
_ لقد حضر حازم ... سوف ننتهي قريباً لا تقلقي
وقف زياد على باب الغرفة و هو يبحث بعينيه عن حازم ... ما ان راه حتى ناداه ليسرع الثاني الى حيث يقف... دخل زياد و هو يقرب صندوق المعدات من ياسمين قائلاً :
_ لقد وصل .... لا أريد أن تضطربي بحضوره ...أنا موجود معك هنا
دخل حازم الغرفة سريعاً و هو يقول:
_ ياسمين ... أنت بخير ؟؟؟
هزت رأسها ببطء دون أن تنظر اليه
اقترب منها ليلقي نظرة على الجهاز في يدها ...لامس جسده ياسمين التي ردت بارتجافة جعلته يسرع بالإبتعاد و هو يقول:
_ أرجوك أن تهدأي حبيبتي لن أؤذيكِ
_ ارتجافي ليس خوفاً منك و توقف عن منادتي بحبيبتي
_ اتجدين ان الوقت مناسب لاستفزازي !!!!
أغلقت عينها لتبعد تفكيرها عنه رغم قربه و سطوته عليها
تناول حازم المفك من يدي زياد
_ لنرفع الغطاء
بدأ الإثنان بالعمل معاً و بتناسق .... لتنكشف امامهما متاهة من الأسلاك ... دقق الإثنين بها و هما يحاصران ياسمين من الطرفين ... كيف يمكن أن لا ترتجف من هكذا موقف .؟؟
نظر الرجلان لبعضهما بتفاهم واضح .. هناك قنبلة ثانية ...مرتبطة بالأولى ... انطلق الإثنان في رحلة للبحث عنها .... لم تتجرأ ياسمين على سؤالهما عما يحدث
مرت الدقائق بطيئة ... التزم الجميع الصمت ... صوت القلوب يخفق بجنون و الأنفاس مضطربة تعلن عن الخطر .... شعرت ياسمين بجسدها يرتعش ... لم تعد قادرة على التحمل ... تشعر بأن الجهاز يزن أطناناً ... سيسقط من بين يديها ... حاولت كتم انفاسها و شهقاتها ... لكنها وصلت لنقطة الانهيار:
_ لا أستطيع... لا أستطيع .. أخرجا الآن ... لن اتحمل أكثر سيسقط ...سيسقط
اقترب حازم سريعاً منها ..بينما أسرع زياد ببحثه
_ لا حبيبتي ... ستكونين بخير ... لا تقلقي ...
_ لا ..لا ... جسدي يخذلني ... أشعر بالدوار .. و الجهاز إنه ثقيل ... ثقيل للغاية
_ ياسمين ....اسمعيني ... لن يحدث لك شيء ستخرجين من هنا سالمة ... أعدك ..ثقي بي
قالت و صدرها يعلو ويهبط سريعاً:
_ لا .... لا ....أشعر بالموت .... انه قريب للغاية
قال حازم بصوتٍ مبحوح لا يخلو من الإرتجاف :
_ لا .... لا ... اسمعيني جيداً ... سوف نخرج من هذه الورطة و سوف تعيشين سنين طويلة
هزت رأسها بقوة رافضة و دموعها تغلبها
شعر بقلبه يتمزق على حالها ... تمنى ان يحمل القنبلة بين يديه لتبقى هي سالمة .... كره نفسه لعجزه و على طبعه و تصرفاته ... في كل مرة يقسم أن تكون الأخيرة ... و لكنه لا يفهم سر هذا الجنون الذي يطبق عليه عندما يتعلق الأمر بها ... يحبها يقسم بالله انه يحبها ... و لا تمر ليلة دون ان ينظر لصورتها المعلقة بغرفة يزن ... حتى يغفو ليفتح عينيه عليها
_ يامن ...
نظرت اليه بعدم فهم
_ أتعلمين ان أول كلمة نطقها يزن هي يامن
قالت و قد بدأت أنفاسها المتسارعة بالتباطؤ
_ يامن ؟؟؟
_ إنه يقصد أن يقول ياسمين ... إنه يعرفك اخبرته عنك ...
_ إنه يعرفني ؟؟؟
_ أجل ..يعرفك جيداً ... و يحبك كثيراً ... ينام و هو ينظر لصورتك المعلقة على حائط غرفته
_ حقاً ؟؟
_ أجل أنت الأميرة ياسمين بطلة حكايته المفضلة ...
قالت و هي تبتسم من وسط دموعها:
_ و ماذا أيضاً ..؟؟ ما الذي يحبه ؟؟
_ يحب التسلق على الأثاث كثيراً... هو لا يهدأ ... يعشق السيارات ...في اي لحظه اتوقع أن يطلب سيارته الخاصة
كان زياد يستمع لكلامه معها و هو يقسم في كل لحظة أن يعيد طفلها مهما كلفه الأمر ...
وقع بصره على القنبلة الثانية بدأ العمل عليها دون أن يعلن عن ذلك حتى لا تضطرب ياسمين أكثر ... عزل نفسه عن كل شئ يحيط به ... أصبح كل ما يجمعه في هذه الدنيا هذه الدائرة الكهربائية التي صممت لتقتل و تفتك بأرواح الأبرياء ...عمل على فكها بسرعة و حرفية اكتسبها من خبرته الطويلة رغم صغر سنه ... قص أخر سلك ... تنفس الصعداء قلب القنبلة ليجد شعار منظمة أكس قابعاً هناك يهزء به ... لقد دخلوا بيته مرة ... و الآن اقتحموا شعبته ... أي اخفاق يستمر بضربه ... ما الخطأ الذي يرتكبه .... نفض هذه الأفكار ليسرع الى ياسمين وحازم الذي كان مستمراً بسرد القصص عن يزن .... كانت ياسمين تستمع اليه و هي مغمضة العينين ... تتخيل حركات يزن و ضحكاته ...
وضع زياد يده على كتف ياسمين وهو يقول:
_ لقد اقتربنا من الخلاص ياسمين... لكن الآن كل شئ يتوقف على ثباتك و صمودك ...
هزت رأسها بالموافقة و هي تحاول السسيطرة على كل خلايا جسدها .... أخذت نفساً عميقاً و أغلقت عينيها و هي تلهج بالدعاء
_ سنقص السلكين في وقت واحد يا حازم ...بثبات وقوة
قال حازم متهكماً:
_ أعلم .... لست بحاجة لدروسك سيدي العقيد
أجابه بإلقاء القاطع نحوه بقوة ...وقف الإثنان كلاً على طرف ... شعرت ياسمين بجسديهما الضخمين يلتصقان بها ... إنها بين فكي مصيدة تكاد تطبق عليها... كتمت أنفاسها .....لكن عندما بدأ زياد بالعد ...شعرت بالرعب يسيطر عليها من جديد ليرتجف جسدها و الجهاز بين يديها
_ ياسمين ... عليك ان تهدأي ثقي بي و بحازم ... سوف ننتهي ... هي لحظة واحدة و ننتهي ... عليك ان تسيطري على نفسك ... عليك ان تقرري انك تتحكمين في هذا الوضع كما سوف تتحكمين بكل حياتك بعد هذه اللحظة ...
فكرت بأنه يهذي من الحمى التي اصابته و لكن حازم فهم كل كلمة قالها ...يحاول ان يستغل الموقف لتتخذ موقفاً منه هو ...
_ اسمعيني سوف تقومين انت بالعد...انت سوف تقررين لحظة القطع و انتهاء الأمر ... نحن على استعداد لانتظارك كل الوقت الذي تريدنه... انت من سوف يكون بيدها الحسم
قالت بصوت مرتجف لا يخلو من قوة:
_ حسناً ... لننتهي الآن .... هيا ...
عاود الرجلين الاقتراب منها .. أصبح الثلاثة يتنفسون بنفس الايقاع .... العيون مثبتة على الجهاز ... أغلقت ياسمين عينيها .....
_  1 ... 2  ...
صرخت بالرقم ثلاثة .. و مع صراخها قطعا السلك ..ليحل الصمت المخيف بعدها ....
فتحت ياسمين عينيها و هي تلهث قائلة:
_ لقد انتهينا ....انتهينا
وضع زياد يده على كتفها و هو يقول :
_ لقد انتهى الأمر
سحبت كفيها ناحية صدرها ..تاركة الجهاز ليسقط .... التقطه زياد بحركة سريعة .... لتظهر له العلامة اكس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
استيقظت أماني على الروائح الزكية التي تملئ المنزل ... فتحت باب غرفتها بهدوء ... استرقت النظر الى حمزة الذي يقرأ من كتاب الطبخ أمامه .... من يرى وجهه و هو يقلب صفحات الكتاب يظن انه بصدد حل معادلة رياضية معقدة للغاية ... كتمت ضحكتها و هي ترى حاله ... أرادت ان تقترب منه و تفاجئه ... لكن ما رأته على طاولة غرفة المعيشة جعلها تتوقف ... علبة كبيرة ملفوفة بشريط هدايا ليلكي ...
اقتربت من الصندوق ببطء و هي تسترق النظر الى حمزة الغارق بالعمل .... عضت طرف شفتها و هي تحاول رفع الغطاء بهدوء كطفلٍ صغير يحاول استراق النظر لهدية مولده قبل موعد الاحتفال .... شهقت بقوة عندما شعرت بيدي حمزة تطبقان على خصرها رافعاً قدميها عن الأرض ... قال هامساً قرب أذنها:
_ لا يصح استراق النظر الى اشياء لا تخصك
شعرت بالدماء تحرق خديها خجلاً ... خاصة بعد بركان المشاعر الذي انفجر بالأمس قبل ذهابها للعمل ... حاولت الخلاص من ذراعيه ..لكنها استكانت بعد مقاومتها المتخاذلة ... لتشعر بأنفاسه الساخنة تلفح عنقها ... تسارع نبض قلبها لحدٍ لم تعرفه قبلاً ...
_ اشتقت لكِ طفلتي
_ حمزة
_ لو تعلمين كم كان صعباً علي تركك نائمة في غرفتك و نيران الشوق تحرقني على هذه الأريكة القاسية
_ حمزة أرجوك!!!
_ لا ... لقد نفذ صبري
قالت و هي تجاهد لكتم ضحتها:
_ الطعام يحترق يا حمزة
تركها و أسرع الى المطبخ و هو يشتم حظه ... لم تتمالك أماني نفسها و هي تغرق بالضحك ... خرج حمزة من المطبخ و هو يهز رأسه بأسى ... حاولت التوقف عن الضحك لكنها لم تستطع خاصة مع تعبيرات وجهه البائسة ...نظر اليها بغضب مصطنع :
_ اضحكي يا أماني ... لعلمك سوف نتناول هذا الطعام على حاله شئت أم أبيتِ
حاولت تمالك نفسها لكنها لم تستطع دمعت عيناها و تشنجت معدتها من شدة الضحك ...حاول كتم ابتسامته لكنه لم يستطع ... هكذا يحب أن يراها ...عذبته نظرة الإتهام و العتاب التي حاصرته بها طوال السنوات الماضية ... لقد أخطأ بحقها و استحق العقاب ... و أي عقاب أصعب من كره الحبيب .. لقد مزقت قلبه و حطمته في كل مرة كان يلتقيها ... و لكن هذا لم يمنعه من تعمد اللقاء بها في كل فرصة سانحة ... هي هوائه الذي يتنفسه ليستمر بحياته ....
توقفت عن الضحك و هي تنظر الى حمزة الذي يحدق بها من بعيد .... مسحت دموعها و هي تخفض رأسها خجلة منه و من نظراته التي تصبح أكثر عمقاً و ملامسة للقلب ... اقترب منها ... جلس الى جانبها قائلاً:
_ اياكِ أن تحرميني من رؤية عينيك بعد الآن ... أريد الإرتواء من عطش السنين... لن يكفيني عمري و اضعافه حتى أكتفي منك
رفعت عينها لتنظر الى من ملك قلبها يوماً ... و في غمرة الأيام ظنت أنها تحررت منه ... و لكنه الآن يعلن ملكيته لقلبها و روحها بسطوته و قوة حبه لها ...تجمعت الدموع بعينيها سريعاً ... احتوى وجهها بين يديه و هو يقول:
_ اتبكين أماني !... أخبريني ما الذي يحزنك يا حبة العين ؟؟؟
قالت مبتسمة بصورة هزت قلبه و كيانه :
_ انها دموع مختلفة هذه المرة يا حمزة .. هذه دموع السعادة ... قلبي عاد الى مكانه الآمن و الدافيء بعد عذاب دام سنين ... روحي تشعر بالإنطلاق نحو مستقبل و حياة أرسم طريقها معك أنت ... فارسي ... و ...
أبعدت عينيها عن مسار عينيه .... أخفضت رأسها تاركة خصل شعرها تتناثر على وجهها كما قلبها الذي تبعثر في محراب عشق قديم جديد
رفع خصل شعرها بأصابعه طابعاً قبلة طالت على خدها المبلل بالدموع ... ليذوق طعماً اشتهاه لسنوات
_ قوليها... بالله عليك قوليها يا من ملكت القلب
عادت لتغرق في عينيه المتوسلة لكلمة تبرد نار صدره المستعرة ... القت برأسها على كتفه لتتمسك بقميصه و هي تجود بدموعها
_ أحبك ... أحبك يا قدري ... أحبك يا حلم الطفولة و أمل المستقبل
... أحبك عدد أنفاسي و خفقات قلبي ...أحبك حمزة
ضمها الى صدره بقوة ... التصقت به أكثر ... أغمض عينيه على وقع كلماتها ...و هو يطلق نفساً حبسه في صدره منذ أن تزوجها ... اخيراً نطقت بها حلم عمره و امنية حياته ... هي له و هو لها ... منذ ان رأها بثياب المدرسة علم ان قدره اعاده لأرض بلاده ليجد وطنه بين يديها وفي قلبها
غابا عن العالم متعانقين بهدوء لم يعرفاه قبلاً ... أخيراً عواصف الشك و عذاب الضمير استكانت على صوت نبض القلوب الهائمة في بحور العشق
أخيراً قال حمزة:
_ ألن تفتحي هديتك ؟؟؟
ابتعدت عنه و هي تقول بدلال أذاب قلبه:
_ أحضرت لي هدية ...
_ و لمن غيرك ..؟؟
ضحكت برقة و هي تنقض على العلبة الكبيرة تفك شرائطها صوت جرس الباب أغضبه ... نهضت أماني لتفتح الباب
لكنه أحاطه خصرها و هو يقول:
_ أرجوك لا تفتحي الباب ...دع القادم يذهب
_ قد يكون سامر ..!!
تركها و هو يقول:
_ حظي !!!
أسرعت اماني لتفتح الباب و هي تبتسم بسعادة و لكن لما رأت القادم تحولت ابتسامتها لغضب أعمى يوشك على الانفجار
_ عفواً هل السيد حمزة موجود .. أنت أماني ..صحيح ؟؟؟
قالت و هي تجاهد لكبح مشاعرها الثائرة:
_ و انتِ ؟؟
_ أنا رولا ... أعمل لدى السيد حمزة
_ تعملين ؟؟
_ اجل ... هل هو موجود ؟؟
جاء حمزة ليقول من خلف اماني
_ اهلا رولا أدخلي
دخلت رولا و هي تتجاوز اماني
_ اعتذر عن حضوري المفاجيء ..
_ هل كل شئ على ما يرام ؟؟
اخذت رولا نفساً عميقاً و هي تقول:
_ زوجي يرفض المال الذي اقترضته منك
_ لماذا .؟؟
_ يقول انه لا يقبل شفقة أحد
_ يفضل دخول السجن ؟؟
بدأت رولا بالإرتجاف و البكاء
_ حاولت اقناعه.. رجوته ... و لكنه يصر على رأيه ... أرجوك ان تتحدث إليه ... أتوسل إليك
_ لا ... لا تقلقي سوف أتي معك يجب أن يتعقل ذاك الأحمق ... سأغير ملابسي
كانت أماني تراقب المشهد بجمود ... حمزة كذب عليها ... قال أنه لا يعرف هوية المرأة التي رافقته لمنزلها قبل سنوات و هي الآن تعمل معه ... لم تنقطع علاقتهما طوال السنوات الماضية ... و لا بد أنه يكذب بخصوص عدم تذكره لفعلته قبل سنوات ...لقد كان يتسلى بها و بمشاعرها
كانت هذه الأفكار تعصف بعقلها بجنون و ألم ..
_ اماني .... أنا آسفة إن كان حضوري قد أزعجك ... لكن ما حدث قبل سنوات كان خطئاً كبير ... أرجو أن تسامحيني
اشاحت أماني بنظرها عنها و هي تعقد ساعديها
_ سوف أنتظر حمزة في الأسفل عن اذنك ... أعتذر منك مرة ثانية
خرجت لتأخذ معها أمل الحب الذي أوشكت براعمه على التفتح ... أغلقت الباب خلفها و هي تغلق على فرحة بدأت تنشر شذاها لا تعلم كم مر عليها من وقت واقفة مكانها ... تحاول جمع حطام قلبها ...
أخرجها صوت حمزة من الدوامة التي تسحبها ...
_ أماني تبدين شاحبة
نظرت اليه بألم و حزن جرح قلبه
_ أماني ... هل انت بخير ما بالك؟؟
شدت أماني على قبضتها حتى انغرست أظافرها بلحم كفها
_ انت أكبر كاذب صادفته بحياتي
لمع الغضب بعينيه منذراً باقتراب الخطر ..قال و هو يشد على اسنانه محاولاً السيطرة على آخر ذرة صبر يملكها:
_ أماني .. انتبهي الى كلامك
_ انت كاذب يا حمزة ممثل بارع ...كدت أصدق تمثلية الحب السخيفة التي تلعبها علي
_ توقفي
تحول حديثها لصراخ
_ لا .. لن أفعل ... لن أسمح لك بتحطيمي مره ثانية
_ لقد جننتِ
_ طلقني
ارتد حمزة للخلف و هو ينظر مصعوقاً ...كيف تحولت نظرة الحب و الهيام ... للكره و الحقد من جديد في لحظة واحدة
_ اصمتي
_ طلقني ...ان كنت تملك ذرة من رجولة طلقني
قبض على كتفيها بقوة و هو يهزها
_ أماني ... أياكِ أن تتلفظي بأي كلمة .... لقد استنفذت صبري
قالت و هي تنظر اليه بتحدٍ واضح:
_ طلقني أيها الوغد الحقير الكاذب
لا يعلم كيف صفعها لحظتها ... شعر بألمها يضرب قلبه ... صورة أصابعه على خدها أرسلت مئات الأسهم لروحه
ارتجف جسدها ... شعرت بأنها تخسر روحها و قلبها من جديد ....تحجرت الدموع بعينيها
أراد أن يقترب منها ليطلب الغفران ... لكنها طعنته برجولته و كرامته لسبب لا يفهمه أو يعقله ... لن يتحمل اتهامات جديدة .... لكن ما سمعه منها جعل قلبه ينفطر لنصفين
_ انت ... أنت ... قلت أنك لا تذكر تلك الليلة ...لا تذكر تلك الفتاة المنحطة ... صدقتك و تركت مشاعري لتقودني على درب حبك من جديد ... لكنها جاءت الى هنا ..أنت تعرفها ..تعرفها ولازلت على علاقة معها ... وتعطيها المال ...تلك المنحطة عادت لتدخل بيتي من جديد ... و صدى فعلتك يتردد من جديد
_ رولا ؟؟ لا بد أنك مخطئة لا بد أن الأمر التبس عليك لا يمكن
_ توقف عن الكذب و التمثيل
_ أماني ... !!!!
_ أرجوك اتركني لحالي لقد تعبت ... تعبت
قال حمزة و هو يمسك رأسه الذي عاد الألم ليسيطر عليه بانفاس متقطعه
_ أماني ... قلت لكِ أني لا أذكر شيئاً مما حدث تلك الليلة ... لن أعيد نفس الكلام ...حتى و إن كانت رولا هي تلك الفتاة ... فذلك لا يعطيك الحق باتهامي بالكذب و طلب الط ...
هز رأسه بأسى ليخرج من المنزل ...... خرج مسرعاً و هو يترك قلبه معلقاً مع أماني التي انهارت بالبكاء ... القت بجسدها على الأريكة أمام العلبة الكبيرة رفعت الغطاء بغضب ... لتقع عيناها على ما أحضره ... ليتحول بكائها لعويلٍ يقطع نياط القلب ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
سمعت تفاصيل ما حدث مع سلام من وراء باب غرفتها التي أصبحت ملجئها و ملاذها من معتصم ... معتصم الذي بدى صوته منكسراً متألماً ... ... لقد سمعت صوت بكائه... معتصم يبكي!!!...
لا تعلم كم من الوقت مر عليها و هي تبكي على حال اختها... تلوم نفسها ... تشعر بالخوف من الموت... لقد مات بسبب ما فعله بسلام .... قد تكون التالية ... تستحق هذا ... بسببها سلام الآن تعاني جرحاً لن يسهل شفائه ... بسببها حدث لها ما حدث
سمعت صوت جمانة تقرأ ايات من القران الكريم في غرفة المعيشة ... خرجت لتجلس بجانبها لتستمع لقراتها العذبة ... آيه ..آية واحدة ... جعلتها تبكي و تبكي و تبكي ...
قال تعالى:" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " احتضنتها جمانة بحنان بالغ و هي تشاركها بكائها المؤلم
_ هل سيسامحني الله يا جمانة هل سيغفر ذنوبي و أخطائي بحقه و حق عائلتي و حق نفسي .؟؟؟
_ بالطبع حبيبتي ... بالطبع ..إنه غفور رحيم
_ أريد أن أكون بجانب سلام الآن لا بد أنها متعبة للغاية ... أشعر بالخوف عليها جمانة ...
_ حبيبتي تعلمين أن معتصم لن يرضى بهذا
_ أرجوك تحدثي اليه ... سلام تحتاجني
جاء صوت معتصم حاسماً ناشراً الرعب بالقلوب
_ نورا ... انسي الأمر ...لن يتحمل والدي خبر عودتك الآن ...
هربت نورا بنظراتها منه و هي تنكمش على نفسها ...
نهضت جمانة الى معتصم لتحتضن كفه و هي تقول :
_ قد يساعد تواجدها سلام ...
_ انسي الأمر و لا تتحدثي به ثانية ... سأرحل الآن لأتفقد حال سلام
_ سآتي معك
_ لا يا جمانة ..ابقي الى جانبها
ما إن خرج حتى انهارت نورا بالبكاء المر ...جلست جمانة الى جانبها و هي تهدأ من روعها .. ارتفع صوت الهاتف ... نهضت جمانة
_ اهلا ... لا إنه ليس متواجداً بالمنزل ... أعتذر سيد أمجد لا يمكن أن أفعل ذلك ... أرجوك أنت سيدي ....يا الله ... حسناً ..حسناً لدقيقة واحدة
نظرت جمانة الى نورا باضطراب و هي تقول :
_ يريد التحدث إليك
نهضت نورا متعثرة لتقول بصوتٍ مرتجف كما جسدها:
_ أمجد
_ يااااااااااااااااه .... أخيراً سمعت صوتك لقد كدت أن أفقد عقلي
_ أنا بخير لا تقلق
_ لكن صوتك ؟؟
_ أشكر لك ما فعلت .. أقدر لك ذلك
_ كيف تقولين ذلك ... أحبك نورا ....أحبك و أنا مستعد لأذهب لآخر الدنيا من أجلك
_ أمجد ... أرجوك ....
_ أنا من يرجوك ... إن لم تصبحي زوجتي قريباً ...إن لم تصبحي في منزلي ... تحت حمايتي سأجن و لا أكفل نفسي و تصرفاتي
_ أنت لا تفهم ... لا تفهم شيئاً...أرجوك أن تنسى موضوع الزواج
_ لا ... لا يهمني ما حدث في الماضي ... أريدك أنت كما أنت
_ أمجد ... أنا ....
انهارت نورا مرة أخرى بالبكاء .. أسرعت جمانة لتلتقط الهاتف و تنهي المكالمة لتعاود احتضان نورا المنهارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
كان وجهها شاحباً للغاية و هي تسجل أقوالها عن وقائع ما حدث في شعبة الانتربول لدى قسم الشرطة المحلية ... حازم الذي كان بدوره يسجل أقواله لدى ضابط آخر يرصدها بنظراته القلقة ... تبدو على وشك الإنهيار و هي تفرك كفيها بتوتر و تجاهد لإبقاء عينيها مفتوحتين ...
أما زياد كان مع رئيس القسم ينظر لبطاقة الشبح و الصور التي تم التقاطها في شقة حاتم و إفادة الزوجة... و هي الادلة الوحيدة التي نجت من التفجير ...
_ ما رأيك ؟؟؟
_ أمر من اثنين ... من ارتكب الجريمة مجرد مقلد ..أو أن الشبح ارتكب جريمته بدافع شخصي
_ ماذا ...؟؟؟ لما تقول هذا ؟؟
_ طريقة القتل ... لقد كان ينتقم من المغدور ... يصفي حساباً ما ... يعذبه ... هو لا يقوم بمهمة ... رصاصة في القدم و من ثم في الكتف ... و كما قلت فإنه مثّلَ بجرحه قبل أن يقتله.... و قد الصق المسدس برأسه كما يظهر البارود المنتشر على الجرح ... الشبح لا يقترب من ضحاياه لهذا الحد ّ.... كما أن الشبح ما كان ليترك زوجة المغدور على قيد الحياة ... كان ليقتلها معه ... ان كان الشبح من قتل فهو لم يكون بوعيه و لا كامل قدرته و لولا تفجير الشقة لكنا وجدنا الكثير من الأدلة لأنه لم يكن يتصرف بحذره المعروف
_ استنتجت كل ذلك من بضع صور ؟؟
_ الأمر واضح
_لك فقط سيدي العقيد
_ توقف يا مهاب
_أمرك .... هل أنت بخير ؟؟
_ بخير
_ لا أصدق أن حيدر ...
_ أرجوك ليس الآن ....
_ أعتذر منك زياد
_هل قمت بتعميم منع السفر الذي طلبته منك ؟؟
_ أجل لا تهتم ... لكن دعها توقع الاوراق لتكون كل أمورها قانونية
_ سأفعل ...لا تقلق
ارتفع صوت هاتف القسم ...توجه مهاب ليرد على الاتصال .... أخذ زياد يتأمل الصور المحدودة و بطاقة الشبح التي تستفزه
_ سيدي العقيد ... القيادة من شرطة الأنتربول
ابتسم بسخرية كما لو كان يعلم محور الحديث القادم ...
_ أجل سيدي ... بالطبع ... لا بأس ...
و أغلق الخط ... هذه الكلمات المحدودة فقط صدرت منه تحت أنظار مهاب ... أغلق عينيه و أخذ يدلك رقبته المتشنجة ..متكأ على المكتب خلفه
_ ما الأمر يا زياد
فتح عينيه و هو يحدق بالفراغ
_ أمر كنت أتوقعه .. لقد تم إيقافي عن العمل .... و سيفتح تحقيق بكل ما جرى ... سأكون الملام الأول كا يبدو
_ ماذا ؟؟ هل تناسوا كل ما فعلته بالسنوات الماضية ...
_ إنهم لا يهتمون ... يحتاجون لكبش فداء
_ لا يجب أن تصمت
_ انسى الأمر يا مهاب ..
_ لا ... أنت بطل قومي لك إنجازات لا تحصى ... و عند اول عثرة يريدون اقصاءك!!
صوت مشاجرة دفعت زياد و مهاب للخروج من المكتب سريعاً ... ليجدا حازم يمسك بتلابيب قميص الضابط الذي كان يسجل أقوال ياسمين و التي بدورها ترتجف مكانها و عيناها متسعة على اخرها ...
كان الضباط يحاولون تفريقهما .. توسط زياد الرجلان أخذ يدفع حازم بعيداً و هو يصرخ :
_ هل جننت تتهجم على ضابط في وسط قسمه ؟؟
_ لقد كان يسئ الكلام مع ياسمين
_ ماذا ؟؟
توجهت الأنظار للضابط الذي نكس رأسه أرضاً ... أراد معاودة الهجوم عليه لولا أن قام زياد بمنعه ......
_ لقد كان يدعوها بالفاتنة و الجميلة ... الا يكفيها ما تعرضت له ليأتي بغبائه ليزيد الطين بله
نظر مهاب الى الضابط و هو يقول له :
_ الى مكتبي الآن
حاول حازم الانقضاض عليه ..لكن زياد دفعه الى الحائط و هو يقول:
_ الا تدرك ان ما قمت به قد يكلفك سنوات من السجن .
اقترب منه ليهمس له بغضب مشتعل:
_ ما تقوم به أنت بحقها أسوء بألف مرة من كلماته الوقحة
أشاح حازم بوجهه و هو يضغط على اسنانه غاضباً بقوة دافعاً زياد بعيداً عنه
_ ارحل من هنا الآن
_ سأخذ ياسمين معي
قال زياد بحزم مخيف :
_ لا ... أرحل و لا تكلمها
التفت الأثنان الى حيث كانت تجلس ياسمين لكن المقعد كان فارغاً ... لقد رحلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
جلست سعاد في مكتب السكرتاريا تملأ طلب التوظيف و هي تشعر بالقلق من مقابلة مدير العمل الجديد ... كانت غافلة عن العينين التي رصدتها فور دخولها مبنى الشركة ... في البداية كذب عينيه .... تبعها ... و ها هي تجلس في مكتب مديرة مكتبه .... بعد كل هذه السنوات ... بكل بساطة تجلس هناك ... وضع يده على صدره يحث قلبه على الهدوء
_ اهدأ أيها القلب... استكن بالله عليك... ها هي هناك ... مليكتك قد عادت لتدخل حياتك بهدوئها المعتاد ... هدوئها الذي يثير عواصف عشقٍ مجنون بمنطقيته ... لم يقدر الزمن على طمس حبك و هواك ... اهدأ أستحلفك بخالقك ... لا تسرع اليها لتضمها لصدرك و تحبسها بين ضلوعك لتمنعها من الانسلال من حياتك ثانية ....
استفاق على صوت مديرة المكتب و هي تطلب من سعاد الانتظار في مكتبه... هي ستدخل مكتبه بعد كل هذه السنوات ... بضع خطوات تفصله عنها ... تقدم لمكتب المديرة لينظر الى خانة محددة ... الحالة الإجتماعية : عزباء
عزباء ...عزباء ...عزباء......انها عزباء ... هل يعقل أنكِ لم تقبلي مالكاً اخر لقلبك ؟؟ ... هل لازلت ساكناً فيه ...؟؟ أم أن كل ذلك وهمٌ سيصفعني من جديد لأفيق على واقع مر
دخل لمكتبه ليجدها جالسة و قد أولته ظهرها ... هي تعبث بخصلة من شعرها الأسود الطويل ... إنها متوترة ... دائماً ما كانت تفعل ذلك عند انفعالها ... كم أتمنى أن أغرق في بحور شعرك الغجري ... كم تمنيت أن يصبح وسادتي في ليالِ الوحدة الباردة ... كم اشتاق لرائحتك التي تسكن خلايا جسدي ... ملهمتي ... و حبيبتي ... كم من أبيات شعر كتبتها عن هذه الخصلة المنسدلة على حد وجهك الاسمر... كم من قصيدة نظمتها لاخبرك عن حبي و عشقي و هيامي ... لكن و منذ ان غبتي ضاعت مني الحروف و القوافي ... كسرت الأقلام ... مزقت الدفاتر ... لم يعد هناك ما يستحق النظم والنثر...
اقترب وهو يسمح لحروفٍ عادت لتغزل امام عشق حبيس ...

الشبحWhere stories live. Discover now