الفصل الثالث

79 11 0
                                    

_ أعطني حقيبة يدك ....
_ لا ... أبتعد
_ سآخذها منك بعد مقتلك ... لن يكون الأمر صعباً
_ لن أسلمها لك ما دام في داخلي قلب ينبض
_ حسناً ... أقتلها الأن و استعدوا لمغادرة أرض المطار لقد أوشك عملنا على الإنتهاء
أغمضت ريتاج عينيها و هي مطبقه على حقيبتها ... دفعها أحد المختطفين لتسقط أرضاً .... أخذت تردد " أشهد أن لا اله الا الله " ... "استغفر الله ... أستغفر الله ... لا اله الا الله "
رفع مسدسه ناحيتها ... و أستمرت بالترديد " يالله ... يالله ... يالله ... يالله ... "
صوت أحدهم أرتفع و هو يقول :
_ وصل ساركوزي ... افتح الباب
و قف المختطفون أمام البوابه ... شاهرين اسلحتهم ... دخل ساركوزي بابتسامة واثقة ... ردد الابيات الشعرية باللغة العربية المتكسرة و بلكنة فرنسية واضحه :
طالما فتّشتُ عن تجربةٍ تقتلني
وأخيراً... جئتِ يا موتي الجميلْ..
فاقتليني.. نائماً أو صاحياً
أقتليني.. ضاحكاً أو باكياً
أقتليني.. كاسياً أو عارياً..
_ مبدع يا ساركوزي ... هيا ... لقد حان وقت الرحيل
نظر زياد الى جسد ريتاج المرتجف و هي تضم الحقيبة ..تردد الشهادة و تلهج بالدعاء ... تنقل بنظره بين المختطفين هم ثلاث فقط ... ساركوزي قال أنهم أربع .... أين هو المختطف الرابع .... اقترب أحد المختطفين من ريتاج ... وعاود إشهار سلاحه و هو يقول باللغة العربية المتكسرة:
_ لنعاود العمل أيتها الصغيرة العنيدة
كان على زياد التصرف بسرعه ... بعينه الخبيرة علم أنهم يرتدون الستر الواقية من الرصاص ... لم يكن أمامه من خيار الا أن يصيبهم في مقتل ... ثلاث رصاصات أنطلقت بأقل من ثلاث ثواني .... صرخات الركاب المذعورة من الدماء التي تفجرت ملئت المكان...أغلقت ريتاج أذناها و أخذت تصرخ .... صوت اطلاق رصاص من كبينة القيادة ... أسرع زياد الى هناك ...
وجد جسد المختطف الرابع يسبح بالدماء التي تفجرت من رأسه ... قال كابتن الرحلة و هو يرتجف :
_ لقد قتل نفسه ... اطلق الرصاص على رأسه .... لقد قتل نفسه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت كل خلايا جسدها ترتجف ...قلبها ينتفض ... لم تجرأ على النظر الى وجهه ... ما الذي سيحدث لها الآن ... لقد تجرأ عليها قبل أن تكون زوجته و قبلها... و الآن و بعدما اصبحت على ذمته ... ما الذي سيفعله ..... شعرت بخطواته تقترب منها ... جلس الى جانبها ...
تمنت أماني الموت وقتها .... لا تريده أن يقترب منها ... أن يلمسها ...شعرت بيده تزيح خصلات شعرها البني عن وجهها ... تشنج جسدها تحت تأثير لمساته ... أغمضت عينها ... أنفاسه الساخنه تلفح عنقها ... قبلاته تحرقها ... بدأها ناعمة رقيقة ... و من ثم بدأ ينفعل بطريقة أخافتها ... تركت دموعها تغسل وجهها ... شعر حمزة بجسدها يرتجف .....ضمها بيديه الى صدره ... عاد ليطبع قبلاته على وجهها و رقبتها و صدرها ...رفع وجهها اليه و بدأ يرتوي من شفتيها ... سنين مرت عليه و هو يقع صريعاً في هواها ... لم يلقى منها الى الصد و الجفاء ... و لكنها اليوم أصبحت زوجته ... لم يكن يتمنى أن يحدث الأمر بهذه الطريقة ... و لكنها الآن له ... له وحده ... لن يتمكن أحد من سلبه هذه اللحظات ...
تسارعت أنفاس أماني و جادت بدموعها... وضعت يديها على صدر حمزة ...حاولت أبعاده و هي تقول بصوت ضعيف متقطع :
_ أرجوك توقف ... أرجوك ...لا أستطيع...لا ...أنا ... أرجوك .... حمزة
توقف حمزة ... نظر الى عينيها الغرقة بالدموع ... مسح دموعها بأصابعه ... غطت وجهها بكفيها و هي تنتحب متألمة ... و هي تردد :
_ لا أريد ...لا أريد ... لا أستطيع ...
أغمض حمزة عينيه بقوة ... و شد على اسنانه ...
_ أماني !!!
وقف مبتعداً عنها ... ... نظر لجسدها النحيل المرتجف .... زفر نفساً ساخناً من صدره ... أسرع بالدخل الى غرفة سامر و أغلق الباب بهدوء...أتكأ على باب الغرفة و هو يقول لنفسه :
_ الصبر يا حمزة .... الصبر ... ستكون لك في النهاية و بإرادتها...أتركها تأتي إليك ... لا تكون سبباً بدموعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
_ الى أين ذهبت يا حازم ... الى أين أخذت يزن ؟؟
كانت المره العاشرة التي تطلب فيها رقمه .... " الرقم الذي طلبته مغلق " هذا ما كانت تسمعه في كل مره ... انهارت على المقعد و هي تنخرط بنوبة من البكاء الحاد ... لا تستطيع أن تفعل أي شئ ... لا تستطيع أن تفكر بالمكان الذي ذهب اليه مع ابنها .
طرقات قوية على باب منزلها ...أسرعت لتفتح متجاهلة الألم الذي يقتل جسدها ... قد يكون حازم ...قد يكون قد عاد ليعتذر عما فعله كما يفعل كل مره .... فتحت الباب ... لكنه ليس هو ...
_ جودي ؟؟
_ أعتذر عن حضوري بهذا الوقت المبكر للغاية ... أعلم أن الساعة لم تبلغ السادسة صباحاً ...و لكن يجب ان أتحدث اليك و الى السيد حازم ؟؟
تجاهلتها ياسمين و هي تجر نفسها الى الداخل ...لحقت بها جودي .... و هي تقول :
_ سيدة ياسمين هل أنت بخير ؟؟؟
_ أجل .... حازم غير موجود الآن ...هل أستطيع مساعدتك بشيء؟
أطرقت جودي رأسها ... أخرجت من صدرها نفساً ساخناً متوتراً ... و هي تقول
_ اليوم و بعد أن استلمت رسالة السيد حازم ... بأنه سيغلق فرع الشركة و يصفيه بشكل نهائي ... توجهت الى مكتب السكرتيرة و عندما شغلت الحاسب الخاص بمنار ... وجدت ... لقد
_ انتظري ... يصفي الشركة ؟؟
_ أجل ... ألم يبلغك ؟؟ ... ظننتك تعلمين فأنت تعملين بالشركة الى جانب كونك زوجة السيد
مررت ياسمين يديها في شعرها الاسود الطويل ...و قالت متوترة :
_ ما الذي وجدته ..؟؟
_ لقد وجدت صورة لك ...كنت ... لقد كنت ... بين يدي رجل غريب
_ ماذا ..؟؟
_ لقد شككت بالأمر فور مشاهدتي لهذه الصورة و بعد أن بحثت أكثر وجدت الصورة الأصليه لك كنت في حديقة الألعاب مع يزن كنت قد فتحت ذراعيك لتضميه و لكن لقد تم العبث بالصورة و اللصاق صورة هذا الشخص الغريب بها مع تغير الخلفية ... و أظنك و بعينك الخبيرة كمبرمجة و عبقرية بأعمال الحاسوب قد لاحظت التزوير الواضح ...
_ و لكن لا أفهم لما قامت منار بهكذا عمل ؟
_ لقد واجهتها قبل حضوري و عندما علمت بأنها ستفقد عملها نتيجة التصفية اعترفت بأن شخصاً قام بالدفع لها لتزور الصورة و لتقوم بايصلها للسيد حازم
_ من ؟؟
_ إنها لا تعلم , لم تره وجهاً لوجه كان الأمر يتم عبر التراسل الإلكتروني
_ يا الله ... ماذا سأفعل الآن ؟
_ سيدة ياسمين من وضعك و من أثر الضربات على وجهك ...يبدو أني تأخرت كثيراً و لكن لقد قمت بإرسال رسالة للسيد حازم و شرحت له كل شئ ... سوف تحل الأمور ...لا تقلقي ...
_ تحل يا جودي .؟؟؟ ...لقد أخذ ابني و بدأ بتصفية الشركة و طلقني ... يبدوا أن الأمور سوف تصبح كارثية
_ طلاق ... !!! يا الله! ... سيدة ياسمين ...
ارتفع رنين هاتف جودي معلناً عن وصول رسالة الكترونية ... فتحتها سريعاً .... تجمدت أنظارها ... و حبست انفاسها
_ ما الأمر يا جودي ؟؟إنه حازم ...أليس كذلك ؟؟؟ أخبريني أرجوك
قالت و هي تخفض عينيها :
_ لقد رحل على متن طائرته الخاصه من مطار النخب ... و هو يطلب مني الاهتمام بأمور التصفية و عدم التدخل بشؤونه الشخصية ... و بأنه لن يعود الى هذه البلد أبداً و أنه سيرسل لك ورقة الطلاق و ....و ...
_ تكلمي يا جودي ...
_ يريدك أن تنسي يزن نهائياً .... لأنك لن تريه بعد اليوم ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لا أفهم سبب غضبك الآن ...لقد أنقذت الموقف بشجاعة بالغة
قال زياد و هو يضرب طاولة المكتب بقبضته :
_ ثماني أرواح قد أزهقت اليوم
_ و من بينهم أربعه من المجرمين و لا تنسى أنهم اوشكوا على قتل جميع الركاب
_ كان يجب أن أجد طريقه لإبقائهم على قيد الحياة .... كان لا بد من استجوابهم ...وقتها قد نجد طريقة لإسقاط المنظمة " x " و الإمساك بالشبح
_ أثق بأنك سوف تفعل ذلك قريباً
_ ذلك الشبح دائماً يسبقني بخطوة ... كلما ظننت أنه سوف يسقط بين يدي ... أراه يبتعد ك...
_ كالشبح ... هو يستحق لقبه بجداره
قال و هو يزفر ممرا يده بشعره :
_ نعم أنه يستحقه .... لم أكتشف عنه أي شئ حتى الآن ..لا جنسيته أو اسمه أو حتى مكان تواجده ..دائماً ينسل من بين يدي كالماء
_ زياد ..أرجوك ..أتوسل اليك ... عد الى منزلك ... لا بد أن دلال تنتظرك ...أنت لم ترها منذ الأمس ....و الجميع متعب
_ معك حق يا حيدر ... لقد أقتربنا من الظهيرة و لم أتحدث اليها حتى الآن .... نلتقي صباح الغد لنحلل أحداث اليوم ... أبلغ الجميع بموعد الأجتماع ...
_ ألن ترتاح و تتركنا نرتاح قليلاً
_ لن يرتاح أي شخص حتى تسقط منظمة " x" و أضع يدي على الشبح ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
استيقظ قصي ليجد والدته ترتشف القهوة على شرفة المنزل كما اعتادت كل صباح ... اقترب منها ليحيط كتفيها و يطبع قبلة طويلة على خدها
_ صباح الخير يا أغلى الناس
_ صباح الخير يا حبيبي
أمسك كفها و قبلها
_ كيف أصبحت اليوم ؟؟
_ الحمد لله ... يكفيني أن أراك أمامي بخير و سلامة ... لا يمكنك تصور الرعب الذي سكنني بالأمس عندما سمعت بخبر اختطاف الطائرة
_ لا تقلقي أمي أنا بخير و لم أتمكن من الدخول الى المطار أساساً
_ أعلم بني و لكن ما تقول لقلب الأم
عاد يحتضن كفها مقبلاً اياها
_ حفظك الله أنت و قلبك الطيب
_ بني ألن تستمع الي
_ أرجوك أمي هل يمكن أن لا نتحدث بهذا الموضوع اليوم ؟؟
_ لا ... سوف اتحدث به حتى أجدك و زوجتك أمامي سعيدين
_ أخبرتك أمي ... لم أجد الفتاة المناسبة بعد
_ بل تريد البقاء حراً كالطير كل يوم بدولة مختلفة مع فتاة منحلة ... رحم الله والدك ... أنت لا تختلف عنه
_ أرجوك أمي ... أعدك إن قابلت الفتاة المناسبة سوف أخبرك لتذهبي و تطلبيها لي
_ يا الله ... ارحمني من عناد هذا الولد
_ يا أمي.. يا حبيبتي ... لن أنتهي من النقاش معك أبداً ... يجب أن أذهب لأعيد ترتيب مواعيد سفري التي قلبت رأساً على عقب بسبب حادثة الأمس
_ و متى سوف تتوقف عن الترحال .... أنت لا تستقر في دولة واحدة لأكثر من يوم
_ حبيبتي ... ابنك رجل سياسة ... يجب أن أتنقل بين الدول لأنجز عملي ... أنسيت أني المسؤول عن علاقات دولتنا الخارجية بالدول الأخرى
_ أعرف .. أعرف يا ابن السفير
_ حبيبتي ... سأدخل الى غرفتي قليلاً لأرتب أموري و أعود لتناول الأفطار معك .. اتفقنا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
لم تشعر ريتاج بهذا القدر من السعاده قبلاً لعودتها الى منزل ...فكت حجابها و ألقت به على أقرب مقعد على خلاف عادتها ... جلست لتغلق عينيها و تدلك راسها و صور أحداث اليوم تمر عليها سريعاً... كان الموت قريباً منها للغاية ... لازالت تشعر بضغط ماسورة المسدس على راسها ...
شعرت بيد فراس تلمس كتفها ... رفعت عينيها الخضراء لتنظر اليه ... حاولت الكلام ... الإعتذار عما قالته قبل سفرها ... لكنها وجدت نفسها تحدق به .... هربت الحروف منها ... هي من تعتبر نفسها صوت من لا صوت له ...فقدت صوتها أمام حبيبها و مالك قلبها ... و هو لم يكن بأحسن حالاً منها اقترب منها ليعتذر عن غضبه منها ... أرادها أن تعلم بأنها أغلى ما يملكه ... بأن فكرة فقدها كانت أكثر لحظات حياته رعباً و خوفاً .. شعر بروحه تخرج من جسده ... و لكن و عندما ظهرت أمامه .... عندما تأكد بأنه لم يخسرها .... ردت الروح ... وعاد القلب ليخفق ... أراد أن يضمها الى صدره بقوة حتى تصبح جزءً منه ... لا يريدها أن تبتعد عنه بعد اليوم
ركع أمامها...أمسك يدها و وضعها على وجهه و هو يشمها... حقاً أراد الحديث معها ... أراد أن يواسيها...لكن دمعة واحدة انحدرت لتلمس كفها ... شعرت بها تحرقها ... أحاطت رقبته بيديها و تركت الحرية لدموعها التي حبستها طويلاً ... أخذت تردد بصوت مرتجف :
_ فراس ... أحبك ... أحبك ... اسفة ... أنا آسفه ... لم أقصد أن أقوم باغضابك يوماً ...
قام باحتضانها و لمس شعرها و وجهها و يديها .... كما لو كان يريد التأكد من وجودها بين يديه و أمامها :
_ حبيبتي ... أنت حبيبتي .... كنت أحمقاً .... لا أملك الحق بالغضب منك ... لا أريد أن أخسرك ريتاج ... أحبك
_ و انا أحبك .... أعشقك فراس ... كنت طوال الوقت أفكر بك أنت فقط ... كنت اتمنى ان تكون أخر من أراه قبل موتي
عندما ذكرت كلمة الموت أنتفض جسده... نظر اليها مرعوبا وجلاً ... شعر بالشلل يغزو أطرافه ... اختفت الدماء من وجهه ... شعرت ريتاج به ... أمسكت وجهه بين كفيها ... طبعت قبلة رقيقة على شفتيه
_ فراس أنا متعبة ... أريد النوم بجانبك ... بين ذراعيك
وقف ليحملها بين ذراعيه كطفلة صغيرة ... أنزلها برفق على سريرهما ... نام الى جانبها ... وضعت رأسها على صدره ... و نامت بعمق و بهدوء غريب بعد ما حدث ... أما هو فقد استمر بعد أنفاسها ... تأمل تفاصيل وجهها الذي يعشق ... لم يرمش بعينيه للحظة ... كان يخشى أن يفقدها إن أغلق عينيه ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
_ لما تصرين على البقاء في منزل معتصم ؟؟؟ لما ترفضين العودة الى المنزل
التزمت سلام الصمت ... أي تبرير تستطيع تقديمه؟ ... أنها لا تريد رأيت أختها نورا ... أنها لا تحتمل النظر الى وجهها !...
جاء تدخل جمانة كحبل الإنقاذ :
_ اتركها على راحتها عماه ... لا تقلق سوف أعتني بها جيداً
_ أجل يا أبي ... لا تقلق سوف نحفظها بعيوننا
_ أمري لله ... حسناً هيا يا أم المعتصم لنغادر و أنت يا نورا هيا بنا
خرج الجميع و من بينهم معتصم ... حتى أولاده ذهبوا الى المدرسة ... تنفست سلام الصعداء .. و تركت الدموع لتعاود الإنسكاب ... اقتربت جمانة لتغمرها بحنانها ...
_ حبيبتي ..أعلم أن ما مررتي به صعب للغاية و لكن يجب أن تتمالكي نفسك
_ لا أستطيع يا جمانة ... أشعر بالألم يطعن صدري ... يقتلني ... حتى أنا لا أستطيع العودة الى المنزل ... لا أستطيع ..
_ و ما علاقة المنزل بكل ما حدث يا سلام
عندها لم تتمالك سلام نفسها ...أخبرت جمانة بكل ما حدث ... تجمدت حواسها و هي تستمع لتفاصيل ما حدث
_ لا أصدق ... نورا ... لا يمكن ..
في نفس الوقت كانت نورا تصارع نفسها ... رغبة جامحة تلح عليها لتقوم بالاتصال بحاتم ... أمسكت هاتفها و بقلب مرتجف طلبت رقمه ... رنة ... رنتين
_ ماذا الآن يانورا ؟؟
جاءها صوته يقطر غضباً ... قالت بصوت مرتجف :
_ حاتم ... أرجوك ... لا أريد البقاء في هذا المنزل ... أريد الهروب معك ... لنبتعد عن هذا المكان
_ كفاك جنوناً ... يكفيني الضرر الذي سببته بحماقتك و بمحالة اغوائك لي بشكل مستمر و ظهورك أمامي في ليلة زفافي
_ إن ما حدث فعل اثنين ... لا تلقي باللوم علي ... و من ثم انت الذي لم ترفع عينيك عني طوال حفل الزفاف
_ كنت أحمقاً غبياً ... ضيعت حب حياتي بسبب نزوة غبية
_ نزوة غبية !!! هذا كل ما أمثله لك يا حاتم
_ و ما الذي تظنينه ؟؟ تريدين أن أصرخ بحبك
_ أجل هذا ما أريده منك ...فأنا أحبك بجنون
_ مجنونة ... لا تعاودي الإتصال بي ... لا أعلم كيف سأحل مشكلتي مع سلام ... لا ينقصني غباءك و فجورك...
أغلق الخط ... شعرت نورا بسكاكين الغدر تطعن بظهرها ... ذات السكاكين التي طعنت أختها الكبرى بها ... يجب أن تترك هذا المنزل ...أخرجت حقيبة السفر لتجمع ملابسها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يغب الشبح عن تفكيره طوال طريق العودة الى المنزل ... منذ ثلاث سنوات ظهر بأسلوبه الدموي ... اعتبره الجميع خليفة السفاح ادوارد ... و لكنه فاقه جرماً ... لم يفق العالم من الصدمة التي تسبب بها الشهر الفائت ... قتل 100 شخص بقنبلة زرعها وسط مطعم في ايطاليا ليقتل رجلاً واحداً ... تاركاً بطاقته التعرفية المميزة ... ادوارد كان يقتل الهدف فقط و يحاول اخفاء اي أثر ... و لكن هذا الشبح يتصرف بغرور ... يحب الظهور ... لا يقوم بأي عمل بهدوء ...إنه داهية ... جميع أجهزة الأمن في العالم لم تتمكن من الحصول على معلومة مفيدة واحدة عنه ...
وصل زياد الى منزله ... ابتسم و هو يفكر بحبيبته دلال ... لا بد أنها سوف تأنبه على تأخره ... لكنه أصبح خبيراً بتهدأتها و امتصاص غضبها المبرر .. كم يتمنى أن يقضي وقتاً أطول برفقتها و الى جانبها ...يعشقها و لكن عمله يأخذ وقته و جهده .. الوطن ... دائماً يأتي بالمرتبة الأولى و هي تعلم ذلك و تقدره ... لها الحق بالغضب من وقت للاخر .
.. فتح الباب و هو يناديها ... لم يسمع اي جواب ...فكر بأنها نائمة ...هذا الحمل يتعبها للغاية ... و لكن و عندما أقترب من الدرج ... رأى جسدها الملقى و الغارق بالدماء ... أسرع اليها جزعاً ... مرتجفاً
جس نبضها ...بالكاد شعر بها ... قال و هو يطلب رقم الطوارئ
_ دلال ... حبيبتي ... ما الذي حدث ...لقد ...
خرس لسانه عندما لمح البطاقة الملوثة بالدماء ... بطاقة الشبح
لقد وصل الى بيته و زوجته .... لقد تمادى كثيراً ...هذا الوغد ... تحول صراخه الى توسل
_ حبيبتي أجيبيني ... لا تتركيني ... ... دلال .... دلاااااااال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
فتحت أماني عينيها بصعوبة بالغة... وجدت نفسها قد نامت حيث تركها حمزة الليلة الماضية ... يبدو أنه قام بتغطيتها ... نهضت و هي تبحث عنه بعينيها هل رحل ؟؟؟ هل يعقل
دخلت للاستحمام ... تركت الماء البارد يجري على جسدها ... ارادت ان تفيق من الكابوس الذي تورطت فيه ... لكن يبدو انها تعيش الواقع المؤلم ... تذكرت لمسات و قبلات حمزة ...اصبحت تفرك جسدها بقسوة في كل مكان تطاول عليها فيه حتى خدشت نفسها ...و في النهاية انهارت باكية تحت المياه الباردة
رنه مميزة من هاتفها ...جعلتها تجفل خوفاً و الماً ... همست
_ مؤيد ...
_ خرجت من الحمام مرتجفه الماً و برداً .... لم تجرأ على الرد ما الذي ستقوله له ؟؟ تزوجت ؟؟ كيف يمكنها فعل هكذا أمر ... سيكرهني هذا ما فكرت به
عاود الهاتف الرنين و هي تنظر الى الاسم الظاهر ... القت بالهاتف بعيداً ... القت نفسها على سريرها و عاودت البكاء المرير ... و هي تضرب فراشها
لم يتوقف رنين الهاتف ... قامت و هي تمسح دموعها ... يجب أن تنتهي من الأمر ...
_ مؤيد ؟؟
_ ما الأمر هل أنت بخير ؟؟ لما لم تحضري الى المشفى ؟؟؟ أكاد أموت قلقاً عليك
_ أنا بخير لا تقلق
_ صوتك ليس بطبيعي ... أخبريني ما الأمر ؟؟ هل حدث شئ
كانت تحاول كتم دموعها و لكنها خذلتها و هي تبلل وجهها
_ سوف أحضر اليك بعد قليل ... يجب أن نتحدث
_ أماني !!!
_ لا تقلق سوف أحضر بعد نصف ساعة .. انتظرني في مكتبك
_ حسناً حبيبتي ... أهتم بنفسك
كانت كلمة حبيبتي السهم الذي قضى على أخر ذرات صبرها ... تحول بكائها المكتوم الى صراخ مكلوم ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
فتحت ريتاج عينيها ببطء ... لتجد فراس يراقبها مبتسماً ... دفنت وجهها بصدره خجلاً ... نعم ... لازلت تشعر بالخجل منه عندما يطالعها بنظراته الحانية ...ضحكة صافية انطلقت من فراس و هو يقول :
_ حبيبتي الصغيرة لازالت تتورد خجلاً كلما نظرت اليها
_ توقف فراس ...أرجوك
_ لا ...لن أتوقف منذ اليوم سوف أنظر اليك بهذه الطريقه فقط و سأهمس بحبي لك في كل دقيقة ... أحبك ريتاج ... أحبك
قالت و هي ترفع عيونها الصافية اليه قائلة:
_ و انا أحبك فراس ... أعشقك بكل كياني
وضع كفه على وجهها قائلاً :
_إذاً أنت لا تكرهينني كما قلت بالأمس
أحاطت عنقه بقوة و هي تقول باكية:
_ لا ... أنا أحبك أنا آسفة ... ما كان يجب أن أتفوه بهذه الكلمات ... آسفة ...سامحني فراس ... سامحني
قال و هو يمسح بيده على شعرها النحاسي :
_ لا ... لا تعتذري ..كنت غبياً ... ما كان يجب أن أزعجك كما فعلت ...ما كان يجب أن ألومك على السبب الذي أحببتك لأجله ... تقاتلين لإيصال الحق لاصحابه... لهذا عشقتك... لقد كرهت نفسي بسبب ما فعلت ...
نظرت ريتاج اليه متصنعه الغضب بشكلاً طفولي ... و هي تعقد ساعديها
_ لا تتكلم عن فراسي بهذه الطريقه ... لا يمكنك أن تكرهه أبداً ... انه حباب
ضحك فراس و هو يعاود ضمها لصدره بلهفة ... هم بارتشاف عسل شفتيها لولا جرس الباب الذي ارتفع , قال بضيق:
_ من هذا المزعج الأن ؟!
_ أستطيع التخمين ... لا بد أنها سلمى
_ لنتجاهلها و نكمل ما كنا نريد القيام به
قالت و هي تهز راسها بلا :
_ لا تكن ولدا شقيا ... اذهب و افتح الباب حتى أحضر نفسي
_ ريتاج أرجوك... أشتاق لحبيبتي
_ فراسي... أفتح الباب أرجوك ... و سوف أكافئك مساء اليوم
قال و هو يزفر متظاهراً بالغضب:
_ امري لله ... حاضر يا معلمتي سأفتح الباب و لكن لتعلمي أني لن أقبل الا بمكافئة مضاعفة
فتح فراس الباب ليجد سلمى القلقه و بسام خلفها
_ فراس هل هي بخير ؟؟
_ أجل لا تقلقي ادخلي إليها
أسرعت سلمى و دخلت الغرفة دون استأذان و هي تلقي بنفسها على صدر ريتاج و هي تقول باكية :
_ هل أنت بخير ؟؟؟ .. هل قاموا بإيذائك ؟؟؟
_ حبيبتي انا بخير...
_ الحمد لله .. الحمد لله
_ اجلسي ... هل رائد موجود معك ؟؟؟
_ لا ..تركته مع زينة
_ لما لم تحضريه معك ؟؟
_ لكي لا يرى امه و هي توبخ صديقتها
_ توبيخ ؟؟
_ لقد علمت بانك كنت المستهدفة من كل هذه العملية بعد اتصال العقيد زياد يجب أن تهتمي بسلامتك لن يتركوك بحالك سوف يكررون المحاولة مرة ثانية
_ لقد اخبرني فراس بذلك .. لولا لطف الله و تواجد العقيد بالوقت المناسب لكنت الأن ميتة لا محالة
_ كان الله بعونه ... لا بد أنه الآن في حال سيئة
_ لما ؟؟؟
_ الم تسمعي تعرضت زوجته لاعتداء من ذلك المسمى بالشبح .. إنها تصارع الموت
شهقت ريتاج و وضعت يدها على فمها و الثانية على قلبها الذي اضطرب بشده
_ يا الله ما هذه المصيبة!! .. ساعدهم يالله ..ساعدهم
_ ريتاج .... الاوراق و الوثائق .....
_ أنها معي ... لا تقلقي
_ و كيف سوف تقومين بتأمين وصولها للمحامي في فرنسا
_ سأسافر فور عودت الطيران الى حركته الطبيعية
_ مجنونه !!!
_ ماذا ؟؟؟
_ سترتكبين نفس الخطأ
_ لا يمكن أن أسلم أحدهم الوثائق ... لن أضع أحدهم أمام المدفع ...
_ ارسليه بالبريد
_ سلمى !!! تعلمين أنهم يسيطرون على البريد و على العالم كله
_ ريتاج !!!
_ سلمى ... أنا أخترت هذا الطريق و سوف استمر به مهما كان الثمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أدفع عمري ثمناً لأرى وجهك يا زياد و انت تراقب زوجتك تموت ببطئ ... لكن هذه البداية .... لازال أنتقامي منك في البداية .... سيكون الموت أهون عليك مما أحضره لك .... و هذا ليس أنتقام الشبح ... أنه انتقام من يرتدي قناعه ... معركتي معك طويلة ... أنتظر يا ابن طارق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان وجهه شاحباً كما الأموات .... لا يمكن التكهن بما يدور بداخله ... لا يمكن التخمين بأن براكين الغضب و الحقد تتفجر بداخله ... دلال .. حبيبته ... يمكن أن يحتمل اي شئ ... اي شئ حتى القتل يمكن أن يتقبله بسرور ما دام في سبيل الوطن ... لكن أن يفقد دلال ... كان هذا الأمر أكبر مخاوفه ... تجنب لسنوات الارتباط بأي امرأه حتى لا يطالها شر العالم الذي يقاتله ... و لكن و يوم راها... .لم يفهم المشاعر التي اكتسحته تظن ان لمره الأولى التي راها فيها كانت بالمطعم... لازال بالامر قصه لم يخبرها بها بعد ... لا يعلم لما يخبرها ...لكنه يندم على هذا الان ....و لكن علم بأنه لن يتركها تفلت من يديه أبداً عندما راها صدفة بذلك المطعم ... إنها قدره و هو قدرها ... و يوم أخبرته بحملها ... ذاق طعم السعادة الخالصة ... سيصبح أباً لطفل ستنجبه حبيبته و مليكته
خرج الطبيب من غرفة العمليات بوجه مكفهر ... تجنب النظر المباشر الى وجه زياد الجامد ...علم زياد بأن مصيبة قد وقعت

الشبحWhere stories live. Discover now