الفصل الرابع عشر

43 4 0
                                    

خرجت أماني من المطبخ تجفف يديها من الماء و هي تقول باضطراب :
_ هل تحدثت لزياد ؟؟
بإرهاق و اضح أرخى جسده على الأريكة و هو يقول :
_ اتصلت به و قد ظهر القلق و الغضب على صوته جلياً
جلست أماني بجانبه و هي تفرك كفيها بتوتر :
_ لقد شعرتُ بالدماء تنسحب من وجهها و هي تقف كالمصعوقة .. لم أفهم ما الذي حدث لها فجأة لترحل بعصبية دون أن تلتفت لندائي
نظرت لحمزة بقلق وهو يحاول بضعف الإستواء بجلسته .... أخذ نفساً عميقاً و هو ينظر لعينيها المرتجفتين خوفاً و قلقاً على حاله ....أمسك كفها بين يديه ليقول بصوت مضطرب :
_ أماني حبيبتي .... هناك أمر يجب أن تعرفيه
قالت بقلق كما لو أنها تعلم طبيعة الأمر ...قلبها يحدثها بأن هناك خطباً جللاً سيقع ... حاولت تجاهل هذه الأحاسيس و لكن !!!! .....
_ ما الأمر حمزة ...؟؟ تكلم أرجوك
مرر يده على عنقهِ بتوتر و هو يجاهد نفسه حتى يبوح بحقيقة الأمر :
_ أنا .... سوف أجري عملية بعد بضعة أيام ....
بهت لونها و هي تمسك بذراعهِ دون ان تنطق ... وضع يده على رأسها يمسد شعرها:
_ أنا أعاني من ورم في الرأس .... و سوف يقومون بـ....
قاطعته بصوت مرتجف كما لو كانت تخشى من وقع الكلمة عليها :
_ هل هو حميد أم خبـــ ... خبيث ؟؟
قال و هو يضمها لصدره بقوة :
_ لن يعلموا إلا بعد فحصه مخبرياً
حاولت جاهدة أن تحبس دموعها و هي تسأله :
_ و نسبة نجاح العملية ؟؟
ــــ  30%
وضعت يدها على فمها و هي تكتم لوعتها و ألمها على حبيب ينسل من بين يديها بصمت مخيف ..ضمته أكثر و أكثر ... تمنت أن تتوحد مع أضلعه و تصبح جزءاً منه لا يفارقه ... إن رحل من الدنيا ترحل معه و إن بقي تبقى
قالت و هي ترتجف :
_ ذلك الطبيب الأحمق كيف لم يكتشف الأمر !!
عض حمزة على شفته بقوة و هو يدرك مقدار الغضب الذي سوف يعصف به
_ لقد علم منذ البداية و لكن انا من رفض العلاج
رفعت رأسها و هي تنظر إليه بغضب يكاد يصرعه قبل المرض... وقفت تذرع الغرفه دون هدف صامتة .... تمنى أن تصرخ بهِ بدلاً من ذلك الصمت الرهيب
وقف ليسد الطريق عليها .... حاولت تجاوزه ولكنه منعها ..قال حمزة و هو يضم وجهها بين كفيه :
_ لا تغضبي مني أرجوك
هربت الدموع من عينيها تكوي قلبه و روحه ..ضمها لصدره النحيل و هو يقبل جبينها و وجهها :
_ أماني دموعك تقتلني ..أرجوكِ لا تغضبي
هزت رأسها على صدره و هي تقول مرتعشة:
_ لن أغضب الآن منك و لكن .... بعد العملية و بعد خروجك سالماً من المشفى سأغضب منك و بشدة .... لن أكلمك لأيام أيها الأحمق الغبي ... سوف أعاقبك بشدة ....و لكن ليس الآن .... ليس الآن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
بيد مرتجفة نقدت سائق سيارة الأجرة ... تطلعت للبرج الضخم الذي يرتفع بشموخ و ينتهي بقبة زجاجية لامعة تضم مطعماً فخماً يطل على المدينة الجميلة تحفظ تفاصيل المكان بدقة.... كل حجر يحمل ذكرى قديمة ... أول لقاء .... أول حب ... أول جرح ... أول انكسار ...
مع كل خطوة باتجاهه تتسرب ذكرى لوعيها ... لتدرك مدى خطورة الشباك التي تحيط بسلام
مرغمة عادت لذلك اليوم الذي استلمت فيه عملها في رئاسة الوزراء ... كانت تراه يتحرك بنشاط بين الأقسام..كل العيون ترصد ذلك الشاب الوسيم ذو العينان الغريبة .. " سوف يصبح ذا شأن في يوم من الأيام .. و الده سفير سابق و يحظى بدعم المجتمع السياسي ....عبقري ومميز " ... تستمع لهذه الكلمات كل يوم ... ما إن يمر بالقرب منها حتى ترصده نظرتها الخجولة .... لتهرب سريعاً من حضوره تتشاغل بأقرب ملف أو تنقر لوحة المفاتيح بعشوائية ...ليرحل و يترك خلفه رائحة عطرهِ النافذ يتغلغل بحواسها و قلبها ...
لطالما كانت قوية و مسيطرة على عواطفها لم يتمكن أي رجل من كسر القشرة الصلبة التي شكلتها على قلبها .. رفضت الحب و اقتراب الرجال منها ... رأت من والدها قسوة جعلتها ترفض تحكمهم بحياتها ... قوة شخصيتها و اعتمادها على ذاتها كان ما يميزها .... منذ أن استلمت عملها رغم صغر سنها فرضت وجودها و استحقاقها لأي عمل تتسلمه ...
لكن هو كان مختلفاً ... بهدوء و صمت تسلل لقلبها ... أصبحت صورة وجهه و صوته القوي و شخصيته الجذابة أمراً يسكن كيانها و قلبها ... لم يقل شيئاً لها .... لم يخاطبها ... لم ينظر إليها و هي من تجعل أقوى الرجال يقف مذهولاً من جمالها و فتنتها الطاغية .. لكنها كانت راضية ..هي لم تمتلك الجرأة على الحب يوماً ... هي سعيدة بمشاعرها الهادئة
حتى جاء ذلك اليوم .... في هذا المكان " مطعم البرج " تمت إقامة حفل برعاية رئيس الوزراء يشكر فيه طواقم الموظفين و العاملين على مجهوداتهم و إنجازاتهم ... كادت أن لا تذهب لولا إصرار سعاد ... ارتدت فستاناً ذهبياً بأكمام طويلة ... يكشف عن عنقها الطويل المزين بعقد يحمل اسمها ... يلف جسدها برقة و عذوبة .... يضيق عند خصرها .... ليعود و اسعاً ....يحف ركبتيها بهدوء يطيح بالعقول .... تركت شعرها مسترسلاً يغطي ظهرها تزينه بمشيك ذهبي... تقدمت تبحث بعينيها عن صديقاتها في القسم ..تجاهلت العيون اللاهثة التي تنهشها دون حياء ... جلست بسرعة و هي تبتسم بخجل ....نظرت لطاولة كبار الموظفين ..كان جالساً بجانب الرئيس يتحدث إليه و ابتسامة متكلفة ترتسم على شفتيه تزيد من قوة حضوره ... كم يبدو وسيماً و ملفتاً دون عناء ... في هذه اللحظة رفع عينيه إليها يضبطها بالجرم المشهود ... عقلها يحثها على تحويل مسار نظرها و لكنها كانت مأسورة به .. هو ينظر إليها حقاً ... هو يراها ..هي ليست خيالاً ..أم أن عقلها رسم لها صوراً تتمناها فقط ... ارتفع صوت رئيس الوزراء يلقى كلمته الترحيبية ....أفاقت من حلم يقظتها لتركز نظرها على المسرح .... تضرج وجهها بحمرة ناعمة ... قلبها كان يخفق سريعاً مضطرباً بطريقة لم تعرفها يوماً ...
بعد ساعة من بداية الحفل غادر الرئيس الحفل و من بعدهِ انسحب المدراء و كبار الموظفين .... أصبح الحفل أكثر مرحاً و أقل رسمية .. كانت ياسمين تتبادل الأحاديث المرحة مع الفتيات و قد هدأت بعد مغادرته أخيراً ... حاول زملائها الرجال دعوتها للرقص معهم و لكنها كانت ترفض بأدب دفعهم للتراجع رغم النيران التي تشتعل بصدورهم
أخذ الحفل منحنى أكثر صخباً وقد تأخر الوقت .... مما جعل أغلب الفتيات ينسحبن من الحفل و كانت ياسمين منهن ... اقتربت من سيارتها وسط الظلام وحيدة .... لكن وقع الخطوات خلفها جعلها تلتفت بقلق .. ما أن رأت وجه القادم حتى هدأت :
_ لما غادرتِ الحفل باكراً ؟؟
_ علي أن أعود إلى المنزل عن إذنك
أمسك ذراعها سريعاً و هو يقول :
_ انتظري أرجوكِ
نفضت يده عن ذراعها سريعاً و هي تحذره بنظراتها
رفع يده و هو يقول :
_ اعتذر لم أقصد أن أزعجك
قالت بحدة و هي تتابع سيرها نحو السيارة :
_ عن إذنك مصطفى
وقف امام السيارة يمنعها من فتح الباب :
_ توقفي عن التصرف بتعالي ياسمين
قالت بغضب و هي تشد على كفها وقد فاحت رائحة الكحول منه :
_ ابتعد عن طريقي .. أنت ثمل ... انا أعاملك بكل احترام كزميل في العمل
قال و هو يقترب منها بواقحة و فظاظة :
_ و انا لا أريدك أن تعامليني كزميل .. أريدك عشيقتي
اقترب منها حتى كاد يلامس جسدها ... لم تحتمل أكثر صفعته على وجهه و هي تصرخ :
_ انت وقح قليل الذوق والأخلاق
اشتعل الغضب في عينيه و هو يمسك ذراعها قائلاً :
_ سأكسر لك ذراعكِ و أقص لسانكِ السليط و أتعرف على تفاصيل جسدكِ عقاباً على فعلتك
داست قدمه بكعب حذائها وهي تدفعه بعيداً .. أسرعت الى سيارتها تفتح بابها و لكنه كان أسرع أمسك كتفيها و هو يقول :
_ جنيتي على نفسك يا جميلة
غطت وجهها تحمي نفسها من شفتيه النهمتين ...شعرت بالإختناق و هي تصرخ ...
_ توقف .. توقف ....لا تقترب أيها الحقير
شعرت بالهواء يلفح وجهها وصراخ مصطفى يصك أذنيها .. فتحت عينيها لتجد جسده ملقى بعيدا على الرصيف المقابل و ذلك الضخم يكيل له الضربات و الركلات و عيناه تشتعلان بغضب أسود ...
أسندت جسدها على السيارة و هي تجاهد لالتقاط انفاسها و الدموع تملأ عينيها ...انهارت على الأرض الإسفلتية تغطي فمها و هي تردد بصوت خفيض
_ يكفي ..يكفي
التقط قصي كلماتها المرتجفة مما جعله يتوقف عن ضرب مصطفى ... تركه فاقد الوعي .... أسرع إليها يقول بقلق :
_ هل أنتِ بخير ؟؟
أومأت رأسها بنعم و هي تحاول ضبط إيقاع تنفسها المتسارع ..أمسك كفها و ساعدها لتركب سيارتها ..جلس القرفصاء أمام الباب ينظر إليها و هو يقول بصوته الرخيم :
_ ما كان عليك السير وحيدة بهكذا وقت
قالت و هي تمسح دموعها بكفها و تستجمع قوتها :
_ لم أتوقع أن يحدث هذا
قال و هو يخرج من جيبه منديلاً حريراً :
_ لا تقلقي ..سوف أحاسبه حساباً عسيراً .. لن يزعجك بعد اليوم
مسح الدموع التي تبلل وجهها بالمنديل الحريري ... و هو يغرق في عينيها ....تجمد قلبها كما كل خلايا جسدها من لمساته الدافئة... لم يكن قريباً منها هكذا من قبل .... تشعر بتيار كهربائي لذيد يسري في دمها ...
قال و هو يضع يده على رأسها يداعب شعرها كما لو كانت طفلة :
_ آآآآآآ يا ياسمين ...لقد حاولت أن أبتعد عنكِ ولكن ... أنتِ خطر على قلبي .. و أنا خطر عليك
أصبح جفنيها يرفان سريعاً و هي تحاول إستيعاب المشاعر التي أغرقتها بقوتها
قالت و هي تشعر بالضياع :
_ ماذا ؟؟
إبتسم لها بحنان ذوبها جاعلاً المقاومة أمراً مستحيلاً :
_ لقد أرهقتني عيناكِ و هي تنادي قلبي للقرب
بصوت ناعم جعل قلبه يرتجف قالت :
_ قققـ ..قصي .. ماذا ؟؟
ضحك بخشونة لامست نعومة قلبها :
_ أحبك يا أميرة الياسمين
صوت وصول المصعد لطابق المطعم اخرجها من سيل ذكرياتها ... تقدمت بضع خطوات للأمام ..كان المطعم خالياً ...لا بد أنه حجزه بالكامل كما اعتاد
جاءها صوته القوي من الخلف :
_ أهلاً ياسمين ...
التفتت إليهِ وجدته كما كان قبل سنوات ....لم يتغير .... نفس القوة و الثبات و السحر ... لكن هي من تغيرت تبدو مرهقة .. فاقدة للحيوية و الإنطلاق التي كانت عليها قبل أن يسحقها بلا رحمة " أنتِ لا تصلحين لتكوني زوجتي "!!!
اقتربت منه بخطوات ثابتة ....ترفع رأسها بشموخ .... و التحدي بدى جلياً في عينيها
_ ما كان عليك أن تحجز المطعم كاملاً
ابتسم بغروره و هو يدس يديه بجيبه :
_ هكذا اعتدت أن أدلل أميرة الياسمين
ضحكت بسخرية و هي تقول :
_ توقف عن الهراء قصي ... ما الذي تريده من سلام ؟؟
رفع كتفيه للأعلى و هو يقول :
_ أريد أن أتزوجها ... أنا أحبها
أغمضت عينيها و هي تهز رأسها غير مصدقة :
_ و هل تخبيء لها أي مفاجأة قبل موعد الزفاف بيوم او يومين
زفر قصي و هو يشح بنظره عنها ينظر إلى صورة في الماضي
قالت بغضب و هي تشد على حزام حقيبتها بقوة :
_ أعذرني إن كنت لا أصدق كلامك عن الحب و الزواج ...لقد هجرتني قبل يوم واحد من حفل خطوبتنا بسبب حجة واهية ... سلام لن تحتمل هكذا أمر يكفيها ما حدث لها
نظر إليها ببرود ... اقترب منها خطوة جعلتها ترتجف من الداخل :
_ أنا لن أخذل سلام ..سأقتل نفسي قبل أن أقوم بإيذائها
دققت النظر في عينيه تبحث عن الصدق فيهما و لكنها لم ترى سوى الكذب و الخداع
هزت رأسها رافضة و هي تقول بألم و جروحها تنزف أكثر :
_ أنا لا أصدقك قصي ... أخشى عليها منك ... هي لم ترى منك سوى وجهاً واحداً ناعماً ....لا تعلم عن وجهك الآخر المخادع و المؤذي
عاد ليقترب منها أكثر و هو يقول :
_ ياسمين ....أعلم بأني أخطأت بحقك كثيراً .... لكن ..
قاطعته و هي تصرخ بغضب :
_ أخطأت ؟؟ هكذا تسمي الأمر ....خطأ !!! لقد دمرتني قصي .... جعلت مني إنسانة مختلفة ..ضعيفة و غير واثقة من نفسي.... لم تكتفي بهجري فقط و لكنك أفسدت زواجي من حازم و أنت تبث السموم في عقله و تطعنني بعرضي و شرفي
قاطعها قصي و هو يشد على أسنانه غاضباً :
_ لقد تزوجك فقط لينتقم مني و ليصفى حسبات سياسية .. ألم تفهمي هذا الأمر هو لم يحبك يوماً و انت وافقتي عليه حتى تداوي أنوثتك المجروحة
_ إخرس ... إخرس ....رغم ما فعله حازم معي و لكنه أحبني بصدق و هذا ما لم تتحمله انت و أنا أحببته و أخلصت بمشاعري له
مرر يده في خصل شعره بقوة و هو يقول :
_ما الذي تريدينه مني ياسمين ؟؟
قالت و هي تحدق به متحدية :
_ إبتعد عن سلام .... أنت لا تستحقها
نظر إليها مصعوقاً من كلماتها :
_ لقد جننت حتماً هذا لن يحدث
_ يومين يا قصي .. إما أن تتركها و شأنها أو سوف أخبرها بكل شيء عنك ...
تركته تريد الخروج من هذا المكان الذي يخنقها .. لكنه أمسك ذراعها بقوة أجبرتها على مواجهته ..قال و هو يشدد على كل كلمة :
_ لن أسمح لك بإفساد الأمر ياسمين
حاولت سحب ذراعها من بين يديه و لكنها وقعت بمصيدة غضبه
_ أترك ذراعي قصي كيف تتجرأ على لمسي ... ابتعد
قال بصوت هاديء لا يعكس الغضب الذي تبثه يده إلى ذراعها :
_ هل أخبرتك سلام عن لقائنا الأول
_ أتركني قصي
_ كان ذلك في يوم زفافها من ذلك الوغد ....لقد كانت تقف على حافة الحاجز البحري تريد أن تلقي بنفسها في البحر لولا وجودي و منعي إياها من هكذا تصرف
نظرت إليه غير مصدقة ... ترك ذراعها و هو يبتعد عنها :
_ لو تركتها قبل الزفاف بأيام قد تكرر الأمر و تموت هذه المرة و سوف تتحملين أنتِ المسؤولية
قالت و هي ترتجف :
_ أيها الوغد البائس الحقير
صرخ بغضب جعلها ترتجف أكثر :
_ صوني لسانك ياسمين ..لقد استنفذتي صبري
قالت و هي تضع يدها على رأسها :
_ اسمعني قصي ....أن تعلم سلام بحقيقتك الوضيعة قبل الزفاف أفضل من أن تدمرها و هي على عصمتك
لكم قصي الحائط بجانبه و هو يصرخ :
_ لما لا تفهميني أيتها الحمقاء أنا أحبها و أموت بهواها ... لن أسمح لكِ بإفساد الأمر ...سأقتلك قبل ذلك
_ لا أصدقك قصي ..... لا أستطيع
عاد البرود إلى ملامحه و هو يقترب منها ببطء ...
_ هل تشعرين بالغيرة من سلام ؟؟
_ لقد فقدت عقلك أيها المغرور
قالت و هي تتوجه إلى المصعد :
_ يومين يا قصي
اشتعل الغضب الأسود في عينيه من جديد ... أسرع إليها يريد أن يوقفها
لكنه تفاجأ بالمسدس الذي ارتفع أمام وجهه .. تراجع خطوة للخلف و هو يضحك بصفراوية
_ الصغيرة أصبحت تحمل سلاحاً
قالت و هي تقف بثبات مكانها :
_ لا تقترب مني ... أحذرك
انفتح باب المصعد دخلته و هي تستمر بتوجيه السلاح لصدره ..انغلق الباب .. تراخت قدماها بضعف و هي تعيد المسدس إلى حقيبتها ممتنة لزياد الذي علمها في اسطنبول كيف تستعمل السلاح
وصلت للطابق الأرضي و خرجت من المبنى و هي تحاول السيطرة على انفاسها و قلبها المضطرب... لكن يد قوية سحبتها للزقاق بجانب المبنى ..أطبق على كتفيها بقوة ....دفعها إلى الحائط بقوة جعلت أنفاسها تنقطع .. صرعتها عيناه المشتعلتان بالغضب و الحقد ... لا يعقل أنها أحبته يوماً
_ لقد جنيت على نفسك يا ياسمين ....
سرى الرعب في خلايا جسدها .... تلك العينان الغريبة تتوعد بالقتل ....لم تتمكن من الحراك و كفيه تنغرسان في ذراعيها بقوة ...... قال هامساً كأفعى بجانب أذنها :
_ أنا أحبها ياسمين... أحب سلام و قد تعلقت روحي بها .. لن أسمح لكِ أو لغيركِ بتدمير هذا الحب هل تفهمين ؟؟و تلك اللعبة الصغيرة التي تحملينها في حقيبتك لن تحميك مني ..ليس قصي من يخاف
تركها وحيدة في الزقاق المظلم و الرطب ... انهارت أرضاً غير قادرة على الوقوف بثبات .... سيطر الرعب و الهلع على قلبها .... مضت الدقائق و هي جامدة كما الدموع في عينيها .. صوت الرعد الذي ملأ الأجواء جعلها تستفيق من صدمتها و من خوفها نهضت بصعوبة و هي تتكيء على الحائط شاحبة و مرتجفة تتحامل على الألم الذي سيطر على جسدها الضعيف....
خرجت للشارع الرئيسي و قد بدأت الأمطار بالهطول من الغيوم السوداء الثقيلة ... الهواء يعصف بارداً ... أوقفت سيارة أجرة و بتهالك ألقت نفسها على المقعد الخلفي تتمسك بحقيبتها ... لم يكن تهديده مجرد كلمات أطلقها بساعة غضب .... هو قادر على التنفيذ .... لكن لا يمكن أن تترك سلام تحت رحمة مجنون بلا أخلاق و لا قيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
تمرر أصابعها على وجهه الناعم ... تتنشق رائحته البريئة التي تدخل القلب دون إذن .. تضمه لصدرها تبحث عن دفء تفتقده ... دموع ناعمة تملأ عينيها المنطفئة .... ذكرى طفل عرفته برحلة قصيرة تضغط على صدرها .... طبعت قبلة على يده الصغيرة ....وضعته بالمهد الذي صنعه زياد بيديه من أجل ثمرة حبهما ... و أخيراً أصبح له ساكن بدلاً من طبقات الغبار و شبح الذكريات المؤلمة....
جلست بجانب ريتاج المنهكة و هي تقول :
_ إنه رائع ...ملاك من السماء .... يتملك القلب و الروح دون عناء
ابتسمت ريتاج و هي تقول :
_ تعالي و راقبيه في منتصف الليل ... إنه لا يتوقف عن البكاء
ضحكت دلال و هي تسند رأسها على كتف ريتاج ...
_ دلال ... إلى متى سوف تستمرين بهذا الوضع حبيبتي .... يجب أن تتصالحي مع زياد
شعرت بقلبها ينبض سريعاً مع ذكر اسمه ...وضعت يدها على صدرها و هي تحبس دموعها
_ أنا أحاول ...صدقيني ..لكنه يغلق كل الطرق أمامي .... أستحق ذلك ..بسببي كادت ياسمين أن تخسر حياتها ... ما كنت لأتحمل ذنباً كهذا
قالت ريتاج و هي تضم دلال لصدرها :
_ لا تقسي على نفسك دلال ... و لا تخافي .... زياد يحبك و قلبه مُلك لكِ ... لكنه يوضع دائماً تحت الضغط ... كان يعتبرك المهرب من كل هذا ... هو يحتاجك دلال لتكوني بر أمانه من البحور التي تتقاذفه في كل لحظة
أسرعت الدموع تسقى خديها الشاحبين ... و هي تقول :
_ لم أعد بقادرة على توفير ذلك له ... أنا نفسي أغرق كل يوم بواقع لا يقبل التغير ... عمياء و عقيم .. لم يبقى لي شيء في الدنيا أتمسك به
قالت ريتاج بحزم جعل دلال تقف من مكانها كما لو أنها تلقت صفعة قوية :
_ دلال ... بالله عليكِ ... انتهى وقت رثاء نفسك ... استيقظي أرجوكِ .. إلى متى سوف تستمرين بذلك ؟؟ عليكِ أن تجدي طريقكِ في الحياة ... زياد عجز عن إيجاد حل يرضيكِ تزوج على أمل أن تجدي السكينة والهدوء و هو يشعر بالذنب يطعنه كل لحظة .... لكنكِ ضعت منه أكثر و تشتتِ و سوف تضيعنه هو أيضاً .... أفيقي دلال الوقت لا ينتظر أحداً ...
أمسكت دلال بحقيبتها و هي تتلمس طريقها دون أن تنطق ... أسرعت ريتاج تمسك يدها و هي تقول :
_ دلال لا تغضبي مني و لكني أريد ان ...
قاطعتها دلال و هي تقول بصوت مرتعش :
_ أعلم ريتاج ... أعلم ....
أرادت الخروج و لكن ريتاج تمسكت بها أكثر و هي تقول :
_ إلى أين دلال ؟؟
ابتسمت رغم الألم الذي سيطر على ملامحها :
_ سأستعيد حياتي بعيداً عن زياد و عندها قد أجده ثانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعورٌ بالعجز و الخوف تملكهُ و هو يبحث عنها في كل مكان قد تكون قصدته ... صوت الرعد في السماء لا يقتربُ من الهدير الذي يقصف في صدره ... كان على حافة الجنون و هو يسير تحت المطر الثقيل ... يقصد كل مكان يذكر أنها ذهبت إليه .... مع كل قطرة مطر يتخيل صورة كارثة قد تكون حلت بها ... أرسل مهاب حيث قصي يراقب تحركاته .... هل يعقل أن الشبح قد عاد ليضربه من جديد ؟؟ .... هل عاودتها الهلاوس ؟؟ هل أذت نفسها ؟؟
عاد إلى المنزل و قد غمرته المياه تماماً و قد التصق قميصه بصدره مبرزاً عضلاته القوية ... برودة الجو لم تطفيء النار التي تشتعل في صدره ... وقف جامداً لثواني و هو يراها تبحث عن مفاتيحها داخل حقيبتها .... و قطرات المطر قد امتزجت مع شعرها الأسود ..سقطت المفاتيح من يدها المرتجفة ... رأته يقف على بعد خطوات يرمقها متوعداً .. تقدم و أنفاسه تشتعل أكثر كمرجلٍ قديم ..بصمت تناول المفاتيح عن الأرض و ياسمين تحشر نفسها في الزاوية القريبة من الباب .... فتح باب المنزل .. أمسك معصمها و دفعها إلى الداخل بقسوة .... أغلق الباب بقوة جعلتها تجفل و تنكمش على نفسها ....قال بصوتٍ يرتجف غضباً :
_ أين كنتِ ياسمين ؟؟
قالت و هي تسرع لغرفتها هاربة :
_ليس الآن زياد ..أرجوك
أرادت أن تغلق الباب خلفها و لكنه دفع الباب و هو يلحق بها :
_ ياسمين أكاد أن أفقد اعصابي ...تكلمي ..لما غادرت منزل أماني قبل حضوري ..؟؟ لما لم تردي على مكالماتي ؟؟
انهارت على السرير غير قادرة على الوقوف و الألم يضرب كل خلايا جسدها .. وضعت يدها على جبينها و هي تقول بصوت مبحوح :
_ هل كنت تعلم بأن قصي جمال هو خطيب سلام ؟؟
شعر بانقباض عنيف يضغط على قلبه مع ذكر اسم قصي ... كل مخاوفه تجسدت أمامه :
_ علمت بذلك وقت دخولك المشفى
نظرت إليه بعتاب و هي تقول :
_ لما لم تخبرني زياد ...أنت أدرى الناس به و بقذارته ... كيف سكت عن أمراً كهذا ؟؟
رفع رأسه للسماء و هو يحث نفسه على الهدوء :
_ياسمين أين كنتِ ؟؟
وقفت و هي ترتجف :
_ ذهبت لمقابلة قصي حتى أوقف هذه المهزلة
تعكر صفاء عينيه ليستحيل إلى السواد .... تقدم نحوها سريعاً و هو يمسك بذراعها و صدره يعلو و يهبط بصورة جنونية ...
_ مالذي فعلته ؟؟
حاولت سحب ذراعها لكنه زاد من الضغط على كدمتها التي تسبب بها قصي
_ زياد اتركني أنت تألمني
صرخ و هو يهز جسدها بقوة و مشاعر الخوف و الغضب تتمازج في صدره وقلبه يكاد يقفز من صدره :
_ هل جننتِ ؟؟ لما ذهبت إليهِ ياسمين ...لماذا ؟؟ تريدين التسبب بمقتلك !!! ....أي غباء قادك لمقابلته
قالت و هي تصرخ بهستيريا تستمر بمحاولة سحب نفسها من سجن ذراعيه
_ وسوف أستمر بذلك حتى يترك سلام و شانها
شعر زياد بغضبه يشتعل أكثر و أكثر .. يشعر بها تنسل مجدداً من بين يديه ...
رفع يده دون وعي يريد صفعها حتى تستفيق من جنونها و ثورتها التي أعلنتها على شخص ترتسم حوله علامات الشك و الاستفهام و الخطر
صرخ باسمها و يده تكاد تفتك بها ...لكن نظرة عينيها المذهولة و المتشنجة أوقفته قبل أن يصل إليها ... كور كفه و أستدار يلكم المرآة و هو يصرخ ..." تباً ياسمين "
غطت فمها و هي تنهار على السرير غير مصدقة .... زياد أوشك على ضربها !!! .... من ظنته فارسها المثالي و الحبيب الذي يستحق ان تعيش معه دون ان تتملك قلبه ...كاد أن يضربها !!!
نزف يده لم يوقفه عن الإستمرار بلكم المرآة المحطمة ..يحاول أن يخرج شحنات غضبه و جنونه ..غطت ياسمين أذنيها تحجب صوت ضرباته .... وهي تشهق بالبكاء .... و قلبها يهتف ليس زياد ..ليس زياد .. لن تحتمل أن تصدم بهِ ....
نظرت لموضع لكماتهِ .... جمد منظر الدماء قلبها .... وقفت مرتجف و تقدمت ببطء ناحيته و هي تقول باكية :
_ توقف زياد ...أرجوك
لم يسمعها ... كان منخرطاً في حالة من الهيجان التي لم يعرفها يوماً .. فقد كل هدوءه و انضباطه .... ليست الحادثة الأخيرة ما قصمته .... صورٌ كثيرة مرت عليه و هو يضرب الحائط ... و الده .. أمه ... دلال .. ياسمين ... حيدر ... الشبح و قصي .... لم يعد يحتمل ..يبقى إنسان له حدوده ....
تمالكت ياسمين نفسها و قد أدركت أن زياد ليس بوعيه .. مغيب عن الواقع ... يستمر بلكماته المجنونة ... فتحت حقيبتها و أخرجت مسدسها .... أطلقت رصاصه أصابة السقف ... نظر إليها سريعاً و قد عقدت الصدمة لسانه و هو يرى يدها مرفوعة إلى الأعلى و المسدس موجه إلى السقف .... قال مذهولاً :
_ أخبرتك ان لا تستعمليه إلا في حالة الخطر القسوة
قالت لاهثة و هي ترمي المسدس على السرير :
_ و ما حدث معك الآن .... ليس بخطر !!
ألقت المسدس على السرير و أنهارت على حافته و هي تسند رأسها بين كفيها .. أغمضت عينيها تحاول السيطرة على ارتجافها و مشاعرها المتضاربة ... شعرت به يجلس إلى جانبها و قد هدأت أنفاسه الثائرة ...
تذكرت كفه النازف ... نهضت تحضر علبة الإسعافات الأولية و هو يراقب تحركها ... جلست إلى جانبه ..أمسكت كفه و هي تلتزم الصمت .. اخرجت قطع الزجاج العالقة بين ثنايا جروحه ... ثم قامت بتعقيم الجرح و تضميده دون أن تنظر إليهِ للحظة .. بينما هو كان يحاول اختراق حنايا روحها ...
قالت بصوت خافت و هي تترك يده بهدوء دون أن ترفع رأسها:
_ انتهيت ...حاول أن لا تعرضها للمياه و غير ملابسك حتى لا تمرض
رأى حبات الدمع تتساقط على حجرها و هي ترتعش قليلاً أرادت النهوض و لكنه أمسك ذراعها و أعداها للجلوس ... رفع وجهها يجبرها على النظر إليه:
_ ياسمين ... أنا .... أنا أعتذر منك ... و لكن أنتِ لا تدركين مدى خطورة ذلك الرجل ... أتوسل إليكِ أن لا تعودي لمقابلته ...
_ و سلام ؟؟
_ أخبريها بكل شئ و حذريها .... و لتكن هي صاحبة القرار ... لكن مهما حدث لا تتواجهي معه ثانية .... عديني ياسمين
نظرت لعينيه و هي تغرق به أكثر :
_ هل تعلم أنك و قصي تمتلكان نفس العيون
عقد زياد حاجبه و هو يقول لها :
_ ما الذي تقصدينه ؟؟
_ نفس العيون .. نفس النظرات و تغير الألوان مع تغير مزاجكما ... و عند الغضب تستحيلان للسواد
مرر زياد أصابعه بخصل شعره مفكراً بالأمر ... هو ورث عيناه عن والده ..لطالما قال من حوله أنه يملك لوناً غريباً كعيون والده .... كلما تعمق بالأمر يجد بأن قصي هو أخوه .. هو الشبح
نظر إلى ياسمين التي رفعت ساقيها و ضمتها لصدرها تنظر في الفراغ ... لقد أخطأ بحقها و تمادى ... و ضع يده على كفها المستقرة على ساقها
_ هل أذاكِ ؟؟
هزت رأسها بالنفي ..لم يصدقها ...
_ياسمين ؟؟ أخبريني بالحقيقة
قالت و هي تزفر بضعف :
_ انا بخير زياد ....بخير
سحبها و ضمها لصدره ... ارتجفت و هي تشهق بالبكاء المؤلم .... علم أن هذه الدموع بسببه هو فقط
_ سامحيني ياسمين ... لقد أخطأت بحقك .... سامحيني
بنفس متقطع و صوت مرتجف قالت :
_ لن أحتمل جرحاً جديد زياد ... ليس منك أنت
رفعت نفسها عن صدره ... تحاول تمالك نفسها :
_ أرجوك زياد .... لا أريد أن أبدو ناكرة للجميل بعد كل ما فعلته من أجلي و لكن و بعد انتهاء عملي مع حازم ... امنحنى حريتي و أطلقني من سجن قلبك ... أتوسل إليك
وقف و هو يضغط على رأسه بقوة :
_ انت متعبه الآن ياسمين ... تناولي أدويتك و ارتاحي ..غداً سوف تبدأين العمل بشركة حازم .... فقط ارتاحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ إلى أين ؟؟
سألت نورا و هي ترفع رأسها عن الملفات المحسابية التي أعادت العمل عليها للمرة الألف بسبب صاحب العمل المنتقم ...
قالت سلام و هي تلبس معطفها و تحمل مظلتها :
_ قصي ينتظرني في الأسفل ...يريد أن يعطيني شيئاً ما
قالت نورا محتجة :
_ دعيه يصعد إلى هنا ..لقد تأخر الوقت ... و الجو بارد و ماطر في الخارج
قالت سلام و هي تفتح الباب :
_ لقد رفض الصعود ... لن اتأخر نورا ..لا تقلقي
وصلت لمدخل المبنى و هي تتمسك بالمظلة تحمي نفسها من الأمطار الغزيرة ... بحثت عنه بعينيها ... وجدته متكئاً على حائط المبنى .. عيناه مغلقتان .... الأمطار تغمره تماماً .. خصل شعرها التصقت بوجهه بهمجية زادته وسامة
اقتربت منه سريعاً ... رفعت نفسها على أطراف أصابع قدميها حتى تتمكن من مشاركته مظلتها
_ قصي ما الذي تفعله تحت المطر؟؟ سوف تمرض
فتح عينيه و هو يبتسم لها .. أمسك المظلة بدلاً منها حتى يريحها من الوقوف على أطراف أصابع قدميها ..
_ لا تقلق حبيبتي أنا بخير
نظرت حولها و هي تسأل :
_ أين سيارتك ؟؟
قال و هو يلمس و جهها بأطراف أصابعه:
_ لقد سرت من منزلي إلى هنا
أنار البرق ظلام السماء و من بعده صدح الرعد ... اقتربت سلام منه أكثر و هي تقول :
_ ماذا ؟؟ سرت كل هذه المسافة ؟؟ هل أنت بخير حبيبي
كلمة حبيبي التي انسابت من بين شفتيها بنعومة سحقت روحه .... لن يحتمل فكرة خسارتها ... ليس بعد أن أصبحت حياته و نبض قلبه ... اقترب منها أكثر .. غرز أصابعه بشعرها يحاول أن ينهل من شهد عينيها حتى يرتوي ... أصبحت إدمانه ... و سر حياته ... صوتها القلق أخرجه من لجة أفكاره
_ ما الأمر قصي تبدو ...ضائعاً !!
مد يده لجيبه يخرج علبة حمراء مخملية ناعمة ....قال و هو يحاول السيطرة على اضطرابه :
_ لقد أشتريت هذا لكِ . ... كنت أريد أن أقدمه لكِ في ليلة زفافنا و لكن ...
فتح العلبة المخملية ليظهر لها عقدٌ ذهبي على شكل قفل و مفتاح .... نظرت إليه بسعادة عذبته ...قد تكون هذه المرة الأخيرة التي سيرى فيها هذه الإشراقة ...
_ إنه رائع للغاية ... أحببته منذ أن رأيته في المحل ..شكراً لك حبيبي ... لا أصدق أنك أشتريته
ناولها المظلة ... أخرج العقد من العلبة ... اقترب منها يطوق عنقها الطويل بالعقد الذهبي ... غرق رأسها في صدره المبلل ...و رائحة عطره الممزوجة بالمطر تشبع حواسها المشتاقة لقربه و دفئه ..... أغلق محبس العقد ... بقي ثابتاً في مكانه يتنشق رائحة شعرها .... كم يشتاق لحبها و قلبها و عطفها و دفئها .. ضمها لصدره بقوة ... تمنى أن تصبح جزء منه لا تنفصل عنه .... لا يمكن ان تتركه بعد كل هذا العذاب و الصقيع الذي عاشه فيه حياته
رفعت سلام رأسها تنظر لملامحه و عينيه ... لم تره بهذه الحال من قبل .... دائماً ما كان قوياً ثابتاً ... لكنه اليوم يبدو ضعيفاً .... ضائعاً
قالت و هي تمرر يدها على وجهه الخشن :
_ قصي ...هل حدث لك شئ ..؟؟ أرجوك أخبرني
قال و هو يضم خصرها بين كفيه :
_ سلام .... أنا أحتاجك الآن ...أرجوكِ
اقترب منها يريد اقتناص شفتيها ..أرجعت رأسها للوراء و هي تقول مرتجفة :
_ قصي أرجوك ....لا
ضمها لصدره أكثر و هو يقول :
_ أنا من يتوسل إليكِ سلام .... سامحيني
لم يتمالك نفسه أكثر ... التقط شفتيها بثورة عشق و خوف عذري لم يعرفه قبلاً ... غرق في طعم قبلتها ... ارتجف جسدها بين يده .. ضمها لصدره أكثر و أكثر حتى شعر بنبض قلبها المتسارع على صدره.... سقطت المظلة من يدها ...لتصبح قبلتهما الأولى بطعم المطر .... لم يمنحها و نفسه فرصة للتنفس ... لم يرد أن يتركها ... خشي أن تكون قبلته الأولى و الأخيرة ..... كفها الضعيفة التي تدفعه جعلته يتوقف و يتراجع قليلاً لاهثاً يلتقط أنفاسه .. ندم على فعلته و هو يرى شفتيها المتورمتين و وجهها المحمر و عيونها الدامعة و صدرها المضطرب .... وضع ذقنه على جبينها و هو يقول :
_ اعذريني حبيبتي ... سامحيني
ابتلعت ريقها و هي تحاول استيعاب هذه المشاعر الجديدة تتلمس شفتيها ... كم تخيلت قبلتها الأولى معه ... خشيت أن تنفر من اقترابه لهذا الحد .. ان تهرب خائفة رافضة ... لكنها ألقت بنفسها على صدره و قد أيقنت أنها تحبه بكل كيانها ..هي قادرة على وضع الماضي خلفها من أجله لتعيش معه حياة طبيعية !!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تدخل شركة البرمجيات التي أنشأت من أجلها .... لم يتحمل حازم فكرة عملها مع الغير و خاصة في رئاسة الوزراء إلى جانب قصي ... فتح هذه الشركة حتى تكون حرة نفسها و تحت حمايته .. و لكنه نسي أنه يحميها من نفسه
وجدت جودي زميلتها القديمة في الشركة تتقدم مبتسمة ترحب بها بحرارة ....
_ سيدة ياسمين .. لم أصدق السيد حازم عندما أخبرني بعودتك للعمل معنا !!
_ أهلا جودي ... أنا لم أتصور حدوث هذا
_ لن يجد السيد حازم أفضل منكِ ... لقد خسرنا عملاء كثر بخروجكِ من الشركة
ابتسمت ياسمين بهدوء و هي تسير بجانبها :
_ تفضلي إلى مكتبك سيدة ياسمين ....كان السيد حازم يرغب بأن يرحب بكِ بنفسه و لكنه في اجتماع خارج الشركة
لم تصدق ياسمين ..هذا مكتبها القديم ... لم يتغير كما لو أنها لم تغادر ...تقدمت بضع خطوات للداخل و صور كثيرة تداعب ذاكرتها ...
قرأت جودي أفكارها و هي تقول :
_ لقد أمر السيد حازم بإقفال مكتبك كما هو بعد إعادة افتتاح الشركة ...تعلمين ... بعد أن تراجع عن قرار التصفية .... المكتب لم يُفتح إلا قبل أيام لتظيفه و إعادة ترتيبه ...لكنه طلب تزويدك بجهاز حاسوب حديث و قد تم تنصيب كافة البرامج التي قد تحتاجينها في عملك
أخذت نفساً عميقاً و هي تدور حول المكتب ترحب بنسمات الماضي الجميلة ..حيث كانت هنا هي المتحكمة و المسيطرة
جلست على الكرسي الجلدي الأنيق و هي تنظر لجهاز الحاسوب الجديد ... ترسم خطط العمل برأسها سريعاً
سمعت صوت كعب حذاء أنثوي يدق الأرض أمام باب مكتبها .. دخلت دون استأذان ...كانت طويلة القامة بشعرٍ عسلي قصير يشابه لون عينيها ....ترتدي تنورة سوداء قصيرة ...و قميص أزرق عكس جمال لون بشرتها .... فاتنة تتفجر أنوثة
_ أنت هي ياسمين ؟؟
نظرت ياسمين لجودي متسائلة وجدتها عابسة ..مقطبة الجبين قالت بتكلف و هي تشدد على كلمة المهندسة :
_ المهندسة ياسمين سوف تبدأ عملها معنا اليوم...
نظرت لياسمين و هي تقول :
_ المهندسة سيرين رئيسة قسم المصممين و المبرمجين
عقدت سيرين ساعديها لتقول بتعالي :
_ هذا صحيح .... لهذا سوف تعملين تحت إشرافي
ضحكة قصيرة ردت بها ياسمين و هي تقف تنظر بعيداً .... قالت سيرين و هي تتتقدم بضع خطوات للأمام تنظر إلى ياسمين من أعلى للأسفل و هي تقول :
_ توقعتك أكثر جمالاً
نظرت إليها ياسمين ساخرة و هي تقول :
_ اعتذر إن كنت لا أحب إظهار جسدي رخيصاً
عضت سيرين على شفتيها بغيظ و هي تفهم تلميح ياسمين اللاذع ... قالت و هي تستدير للخروج :
_ سوف أرسل لك المشاريع التي يجب أن تعملي عليها ... أتمى أن يكون عملك جيداً
تجمد جسدها أمام حازم الذي دخل إلى المكتب و قد سمع الجزء الأخير من الحوار ....قال بحزم و هو يدس يده بجيبه :
_ مهندسة سيرين ....المهندسة ياسمين ستعمل مستقلة ... لن تعمل تحت إشراف أحد ... لا أحد ..حتى أنا لن أتدخل بعملها .... هل هذا الأمر واضح ؟؟
ضمت كفها بقوة حتى كادت أظافرها أن تنغرز في لحمها ... خرجت دون ان تقول أي كلمة و هي ترمي ياسمين بنظرة متوعدة
ابتسم حازم بعذوبة و هو يقول لها :
_ أهلا بك مهندسة ياسمين بيننا من جديد
قالت ممتنة :
_ شكراً لك سيد حازم ...
_ بل الشكر لك ...منذ ان وضعنا إعلاناً بانضمامك لصفوفنا و الطلبات بدأت بالإنهمار علينا ... استعدي .... هناك عمل كثير بانتظارك
خرج و هو يغمز لها بطريقة أحرجتها .... نظرت لجودي و هي تسألها
_حقاً ما يقول ؟؟
_ بالطبع ... لقد امتلأ البريد الإلكتروني بالطلبات منذ اليوم الأول ...سوف أبدأ بتحضير إجتماعاتك مع العملاء و تذكري لك حق رفض و قبول طلباتهم ...أهلاً بكِ عزيزتي.
جلست ياسمين و ابتسامة حقيقية سيطرت على شفتيها ....
_ ما قصة تلك السيرين ؟؟
ضحكت جودي و هي تقول :
_ تحب السيد حازم بجنون ... لكنه لا يعيرها انتباهاً ...و تظن أنك السبب في ذلك ..لطالما طرحت الأسئلة عنكِ
_ ألا تعلم بأني الآن متزوجة من رجل آخر
_ مجنووووووووونة .... أكرهها حقاً و لكنها عبقرية في عملها
ارتفع صوت رنين هاتف ياسمين ...عندها استأذنت جودي و خرجت ... كانت سلام المتصلة ...أخذت نفساً عميقاً و أخرجته حارقاً
_ اهلاً سلام ... انا بخير حبيبتي لا تقلقي ... أعتذر عن خروجي بهذه الطريقة .... لا ....لا تقلقي ... سلام .... أريد أن ألتقي بكِ غداً ...هناك أمر هام يجب أن نتحدث به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
جلس مع أمه على طاولة الإفطار .. يعبث بطعامه هائماً يخشى ما تحمله الأيام القادمة .... أصبحت سلام روحه التي تحرك جسده ..نبض قلبه ... يبدو أن حبه القديم سيطيح بالجديد .... صوت امه أخرجه من عواصف أفكاره
_ لا أصدق لقد ماتت
سألها و هو يعلم الإجابة التي سوف يتلقها
_ من التي ماتت ؟؟
_ ماجدة الخطاب ...لقد عثر عليها و هي ميته في شقتها بسبب تناولها لنوع من الأدوية المنومة الممنوعة و خلطها مع الكحول
قال قصي و هو يدهن قطعة الخبز المحمص بالزبدة :
_ غبية ....
عادت صور تلك الليلة تتشكل امامه و هو يبتسم ....بعد انتهاء العشاء الرسمي .. غادر باتجاه سيارته .. وجدها تقف أمام سيارته متمسكة بمسجلتها الصغيرة ..
_ مالذي تريدينه ؟؟
قالت و هي تضغط على زر التشغيل في المسجلة :
_ ما رأيك بالعشاء الرسمي سيد قصي و قد تم إنفاق مبالغ طائلة عليه من أجل شخص واحد بينما يموت الكثير من أبناء بلدنا جوعاً
نظر إليها قصي و هو يرفع حاجبه ..مد يده للمسجلة أغلق زر التسجيل و هو يقول:
_ لا تعليق أستاذة ماجدة
قالت و هي تتكيء على باب سيارته :
_ هيا سيد قصي ..يجب أن تساعدني بخبر ما ...
قال و هو يسحبها من ذراعها بعيداً عن سيارته :
_ تكفيني المقالات التي تتكرمين بنشرها عن زواجي القادم
عضت على شفتها السفلى وهي تلتهم كل تفاصيله دون حياء
_ لا تغضب سيد قصي ... أنت تشكل مادة دسمة لا يمكن الملل منها
قال قصي و هو يقترب منها حتى كاد أن يلامس جسدها :
_ أستاذة ماجدة بدأت أشك بأنك تبحثين عن أمر آخر غير الأخبار
قالت و هي تلتصق به تمرر أصبعها على وجهه :
_ لن أمانع أبداً سيد قصي
مرر قصي شفتيه على وجهها و هو يقول :
_ خذيني إلى منزلك و سوف أقدم لك أمراً يشغل تفكيرك لأيام
قالت و هي تغمض عينيها تستمتع بملمس شفتيه على خدها :
_ سيارتي في الخارج
قال و هو يحيط وجهها بكفيه يأسرها بسحر عينيه :
_ سوف ألحق بكِ..
دخلت ماجدة منزلها تريد تجهيز نفسها قبل وصول قصي .. لكنها تفاجأت به واقفاً أمام البار الموجود وسط غرفة الضيوف يمسك كأساً من الشمبانيا في يده ... تقدمت نحوه مبهورة و هي تقول :
_ كيف دخلت الشقة !!! ....
ضحك بقوة جعلتها تدرك مدى غباء سؤالها ... هو الشبح ... لن يعجز عن اقتحام شقتها...
أمسكت الكأس و هي تقول :
_ سؤال غبي وأحمق بالطبع لن تدخل من الباب ... لن تسمح لكاميرات الأمن بالتقاط صورتك تدخل شقتي
قال و هو يمرر يده على رأسها :
_ أعذريني ... لكن أعرف صحفية قد تستغل هذه الصور ضدي
ضحكت بمياعة شديدة و هي تتجرع الكأس مرة واحدة .. أمسك قصي زجاجة الشمبانيا يسكب لها الشراب في كأس ثاني .... تناولته سريعاً و هي تمرر يدها على صدره :
_ سوف أخد حماماً سريعاً و أكون لك بالكامل
_ سأنتظرك عزيزتي
تجرعت الكأس سريعاً ... وضعت الكأس على البار ... و ما إن تقدمت خطوتين للأمام حتى سقطت أرضاً تشعر بدوار و ألم يسري في جسدها
انحنى قصي ناحيتها و هو يقول :
_ هل أنت بخير ماجدة ؟؟
قالت و هي تشعر بالضعف أكثر و أكثر
_ لا أعلم ... أشعر بـ...آآآآآه
انهارت أرضاً و هي تشد بكفها على معدتها
قال قصي ساخراً :
_ ما كان عليك شرب الدواء المنوم من الكحول .... أنها تتفاعل معاً لتصبح سماً قاتلاً أستاذة ماجدة
قالت ماجدة و هي تلهث :
_ عن أي منوم تتحدث .؟؟
قال قصي متصنعاً البراءة :
_ ذلك الموجود في حمام غرفتك .. إنه نوع ممنوع بيعه في الصيدلات ... لا يمكن العثور عليه إلا بالسوق السوداء ... لماذا فعلت أمراً غبياً كهذا ؟؟
نظرت إليه و قد تملكها الرعب وقد فهمت انها تموت على يدي الشبح .... تنبه للقفازات التي يرتديها قالت بضعف شديد:
_ لماذا ؟؟
قال و هو يقف كعملاق أمام جسدها المرتعش :
_ لأنك سكيرة ساقطة ... تمتلكين أخطر أسراري ... و تلك المقالات لم تشفع لكِ عندي
زادت ارتعاشات جسدها حدة و رغوة بيضاء بدأت بالخروج من فمها ممزوجة بالدم .... لم تمضي لحظات حتى استكان جسدها ... انحنى قصى على جسدها يتأكد من موتها
نهض يحمل الكأس الأول الذي تجرعته و هو الذي كان يحتوي على المادة المنومة ... توجه إلى الحمام الملحق بغرفتها.. أخرج من جيبه علبة الدواء المنوم و وضعها على المغسلة
خرج من شرفة المنزل ..تسلق المبنى حتى وصل إلى السطح .... و بمهارة قفز على أسطح المباني مستغلاً الظلام ... لم يترك بطاقة الشبح كما أعتاد ... هذه المرة لايجب ان يظهر في الصورة و إلا فأن منظمة أكس سوف تقضي عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
خرج من دائرة الأراضي و الxxxxات يحمل عقد الأرض الجديدة مبتسماً ....
_ شكرا لحضورك مهاب للشهادة على العقد
_ لا شكر على واحب سيدي العقيد ... ما الذي ستفعله بهذه الأرض .... إنها واسعة
_ سوف أبني مدرسة ...
رفع مهاب حاجبه بدهشة :
_ مدرسة ؟؟
نظر إليه و هو يخبيء العقد بحرص في ملف يحمله كما لو كان جوهرة حقيقية
_ مدرسة ابتدائية للأطفال فاقدي البصر
_ حقاً!!!
_ دلال تمنت إنشاء مدرسة تهتم بالأطفال المكفوفين بعد أن فقدت بصرها ... تريد ان تساعدهم على الخوض في غمار الحياة ...و تعليمهم كيفية استعمال التكنولوجيا لمصلحتهم ... هي تحدثت عن الأمر مرة و نسيته و لكن وقتها شعرتُ بعمق رغبتها .... أريدها أن تخرج من قوقعتها و تنفتح على الحياة كما كانت دائماً ...
_ و لكن عليك ان تصالحها .... لقد طال غضبك منها
_ أعلم صديقي و لكن كان يجب أن أبتعد عن الصورة قليلاً حتى تتمكن دلال من التفكير بهدوء وتقرر ما ستفعل بحياتها .... دلال عنيدة و قوية ...أثق بقدرتها على تجاوز محنتها ...لكن شعورها بالذنب ناحيتي جعلها تتوقف عند هذه النقطة ...كان يجب أن أبتعد حتى تجد نفسها و عندها سأعثر انا عليها
صعد زياد و مهاب السيارة بعد أن اتفقا على تناول الإفطار في مكان قريب ....سأله مهاب :
_ هل ستتمكن دلال من إدارة المدرسة وحيدة؟؟
ابتسم زياد و هو يرى صورة يرسمها للمستقبل :
_ سوف أكون إلى جانبها بعد استقالتي
قال مهاب غير مصدقاً :
_استقالة ؟؟ مالذي تقوله ؟؟
_ بإمكانك القول أنني حالياً ألعب مبارة الإعتزال
_ لا أصدق ما تقول ....أنت تعيش حياة طبيعية تدير مدرسة !!!
أطلق زياد تنهيد مشتعلة و هو يقول :
_ لقد خسرنا الكثير يا مهاب في هذه الحياة .... و من حق دلال علي أن أمنحها حياة مستقرة و هادئة .... حتى إن لم ترغب بالسير في مشروع المدرسة ..سوف نجد شيئاً يجمعنا
ارتفع صوت هاتف زياد..رد سريعاً حتى يخرج من مشاعره المضطربة :
_ ما الأمر ؟ .. المطار ؟؟ ما الذي تفعله هناك ... سوف آتي حالاً
_ ما الأمر زياد ؟؟
قال كما لو كان طفلاً تائهاً
_دلال .... تريد مغادرة البلاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقود سيارته بالطريق لشركته ... يشعر بألم رأسه يتضاعف أكثر من أي مرة سابقة ... يتحامل على الألم حتى لا يشعر مربيه بمقدار التعب
_ طبعاً .. أنا أكد و أتعب في الشركة وأنت تنعم بالبحر و الشمس الدافئة
_ ما الأمر يا حمزة .... كانك تحسد أبن عمك
ضحك حمزة بقوة و هو يقول :
_ لا تعاتبني فأنا إلى الأن لم أسافر مع أختك لأي مكان
_ لا تقلق عند عودتي من السفر سافر حيث تريد
أصبحت الرؤية مموجة أمامه ... قلبه يخفق بسرعة غير طبيعية .... أراد أن يركن لجانب الطريق ...سقط الهاتف من يده ... جسده انهار دفعة واحدة ليغيب عن الدنيا .... انحرفت السيارة عن مسارها وقدمه ثقلت على دواسة الوقود أصدمت السيارة بعمود الكهرباء ....
صراخ سامر لم يصله و هو يناديه بلوعه بعد أن سمع صوت الأصطدام و التحطيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلما ظن انه وجدها أخيراً و أن عواصف قلبهِ ستهدأ و بأنه سيصل معها لبر الأمان .... تفاجئه صواعق و أمواج متلاطمة تسقطهُ و تسحبه نحو القاع حيث الظلام و الإختناق ... هل أقترف خطئاً عندما سمح لقلبه بالخفقان !! .... ألم يكن من الأسهل عليهما أن يلجم مشاعره كما أعتاد طوال حياته ...
منذ أن تعرض والده لذلك الحادث و أصبحت روحه حبيسة جسده الميت .... أصبح هو رجل المنزل ....لم يترك نفسه للحزن ..لم يبكي رغم حداثة سنه ... أراد أن يكون كما أراد والده دوماً ... لم يلتفت لما يجذب الشباب في عمره.. تجاهل ملذات الحياة و انغمس بالحياة العسكرية ليصبح محترفاً من الدرجة الأولى ... كما كان والده ... لكن ما يفعل و قد وجد ان مثله الأعلى مشوه ..صورة مخادعة تخفي الحقيقة السوداء خلف قناع الشرف و التضحية
لكن هي فقط تمكنت من اقتحام حياته برقتها و نعومتها ... جعلت قلبه يخفق باسمها ليلاً نهاراً ... لقد حاول أن يبتعد .... أن يقتل تلك الأحاسيس الغريبة ... لكنه على قدر رفضه لمشاعر الحب و العشق .... كان يبحث عن ذلك الدفء و العذوبة التي أفتقدها بحياته القاسية .... وكانت هي ....دلال
يقود سيارته نحو المطار يسابق الزمن ... في هذا اليوم بالذات و قد قرر إنهاء القطيعة و هو يحمل لها حلاً قد يرضيها .... فقلبه قد ذاب شوقاً و حباً و عشقاً ... عادت ذكريات يومٍ عاشهُ معها ... يبدو حلماً جميل يطرق أبواب وعيهِ ... ليعود نزف جرحٍ حاول دفنه عميقاً كما اعتاد .... ليس هناك وقت للألم في حياته ... لا يسمح لهُ بالشعور و الأحساس
_ زياد ....زياد استيقظ ..هيا أيها الكسول
شد الغطاء على رأسه و هو يقول بكسل :
_ أريد أن أنام .... إنها عطلتي الأولى منذ أشهر
سحبت الغطاء عن رأسه و هي تقول متوسلة :
_ زياااااااااااااااااد .. هيا انهض .... يجب أن تأتي معي
زفر بضيق و هو يعود لسحب الغطاء :
_ إلى أين ..؟؟ أريد أن أناااااااااااااااام
جلست بجانبه على السرير.... أزاحت الغطاء عن وجهه ... انحنت تطبع على شفتيه قبلة طويلة و ناعمة...تداعب خصل شعره بعذوبة ... فتح عينيه ليغرق في بحور عينيها الزرقاء الصافية .... قال بصوته الناعس :
_ هذا شيء يستحق الإستيقاظ من أجلهِ
أراد سحبها لصدره لكنها نهضت سريعاً و هي تضحك بشقاوة :
_ و الآن بما انك أستيقظت انهض بسرعة و بدل ملابسك سنخرج لسوق البلدة
جلس سريعاً .... يرمقها بنظراته المتوعدة ..
_ أيتها المخادعة ... عودي إلى هنا
فتحت باب غرفة باب النوم و هي تلوح مودعة قائلة بغنج و دلال:
_ سأنتظرك في الأسفل ...سيدي الوسيم
أغلقت الباب لتتركه يضحك على طفلته المدللـة ... تحصل على كل ما تريده منه و بأسهل الطرق ...
في سوق البلدة مشى معها ... تتمسك بذراعه ... لا تتوقف عن الإبتسام ... تميل برأسها على كتفه ....
_زياد .... أنا سعيدة للغاية ... هذا اليوم من أروع الأيام في حياتي
_ ظننت أن يوم زفافنا هو أكثر أيامك سعادة
قالت و هي تتمسك بذراعه أكثر :
_ لقد تفوق هذا اليوم عليه
نظر إليها زياد و هو يبتسم لرؤيتها تحلق بجانبه كفراشة زاهية الألوان :
_ ما الأمر دلال ..؟؟ ما الذي حصل معكِ اليوم
قالت و هي تطلق تنهيدة ناعمة :
_ زوجي حبيبي معي ..أعشقه و يعشقني و من الحب الصادق كل يوم يسقني ... و اليوم ... إكتمل حبنا ليزداد جمالاً و تألقاً
وقف زياد و هو يدير دلال لتواجهه بابتسامتها العذبة و الدموع تلمع بعينيها :
_ما الأمر دلال ؟؟ أنا لا أفهمك
شهقت و هي تضع يدها على فمها :
_ السيد العقيد لم يكتشف الأمر بعد
ضحكت و هي تمسك كفه و تتوجه لإحدى المحالات و هي تقول :
_ لقد وصلنا ... لطالما سرت بجانب هذا المحل و تمنيت أن أدخله
نظر زياد إلى الواجهة الزجاجية .... ملابس رضع لا يتجاوز حجمها كفه ... مهد صغير ينام فيه أرنب محشو ... و أحذية صغيرة طولها أصغر من إبهامه ...
_ دلال ...أنا لا قصد الإساءة إليكِ ..ولكن هذه الثياب لا تناسبك
ضربت كتفهِ و دخلت إلى المحل ... تبعها و هو يناديها :
_دلال !!!
وقفت أمام مهد نيروزي اللون و هي تقول حالمة :
_ يناسب كلا الجنسين
_دلال ..ما الذي يحدث هنا ؟؟
اقتربت منه و دموعها زينت ابتسامتها الناعمة ...وضعت يدها على صدره :
_ زياد .... أين ذكاؤك و نباهتك !!...
نظر زياد حوله و هو يضع يده على كفها المستقرة على صدره.... نظر لعينيها اللامعة كصفيحة بحر هاديء .... همس لها بصوت مرتجف :
_ حامل !!! أنتِ حامل ؟؟
هزرت رأسها بنعم و دموعها تزيد من انسكابها الجميل .... لم يصدق الأمر .... مرر أصابعه بشعره و ابتسامة حمقاء ترتسم على شفتيه ....
ضمها لصدره سريعاً و من حسن حظه ان المحل كان خالياً في هذا الوقت المبكر ... قالت دلال بحنان :
_سأحمل قطعة منك داخلي حبيبي .... سنرزق بطفل يتوج حياتنا ...
_ شكراً لك دلال ... شكرا لدخولك حياتي الباردة الرمادية .... ملئتني دفئاً و لونتي أيامي
ضحكت دلال و هي تبتعد عنه تمسح دموعها و هي تقول :
_ و الآن ما رأيك بهذا المهد ؟؟؟
قال زياد و هو يحاول نفض الإنفعالات و المشاعر عنه :
_ لا .... سوف أصنع مهد أبني بيدي ..
قالت دلال محتجة :
_ ابن .؟؟
ضحك زياد و هو يضمها لصدره :
_ ابن أو بنت ...المهم أنه طفلنا ... أنا و أنتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل المطار و بعين ثاقبة التقطها تجلس على إحدى المقاعد أمام بوابة المسافرين إلى الولايات المتحدة .... كانت تتمسك بعصاها البيضاء .... منذ متى تستعمل العصى .. ألم يكن هو سندها و متكئها !!! متى تخلت عنه !!!
حتى في شهور الفراق السابقة كان يأخد مكان سائقها كلما استطاع .. يوصلها حيث تريد دون أن تعلم .... ينتظرها حتى تنتهي ... يحاول اسكات أنين أشواقه و عشقه الجريح ... يعلم بأنها تشعر بوجوده و لكنها تختار الصمت كما هو ... و الآن استبدلته بعصى !!!
اقترب منها ... كانت الدموع لا تزال رطبة على خديها .... أطلق نفساً ساخناً على ألمها و حزنها .... جلس إلى جانبها و هو ينظر أمامه .... التفتت إليه و هي تتنشق عطره بشوق... قالت بصوت مختنق :
_ زياد .... انت هنا ؟؟
أغمض عينيه و هو يحاول ضبط إيقاع قلبه المتسارع ....
_ ما الذي تفعلينه هنا دلال ؟؟
أشاحت بوجهها بعيداً و هي تحاول التظاهر بالحزم :
_ سوف أذهب عند أخي " مجد " في الولايات المتحدة
شبك زياد كفيه محاولاً التسلح بالهدوء :
_ و أنا يا دلال ... ليس لي أي مكان في حياتك ؟؟ ... تسافرين دون إخباري أو التشاور معي
_ أنت الذي اخترت مقاطعتي و عقابي
قال بصوت يفيض حناناً جعل قلبها يخفق سريعاً :
_ دلال .... أنا لم أقصد عقابك بالإبتعاد عنكِ
أغمضت عينيها و هي تضغط على جبهتها بسبابتها :
_ أعلم زياد .. أردت أن أفكر بحياتي و نفسي و مستقبلي بعيداً عنك ...أحفظك أكثر من نفسك
_ إن كنت تحفظيني ما كنت اخترتي الرحيل عني دلال ... كنت اقتربتي أكثر و حطمت تلك الحواجز التي رفعتها بيننا
أخذ صدرها يعلو و يهبط سريعاً و هي تشد على عصاها بقوة :
_ زياد ... أنا ...أنا لا أستطيع الإستمرار هكذا نحن نجرح بعضنا بشدة
نظر إليها و ناقوس الخطر يدق بقلبه:
_ ماالذي تقصدينه بهذا الكلام ؟؟
ابتلعت ريقها و حسمت قرارها قائلة بصوت مرتجف:
_ أريد الطلاق
شعر زياد بالنار تشتعل في صدره .... كما لو أنه تلقى رصاصة في صدره اخترقت قلبه و فجرته لأشلاء محترقة... شعر بالضباب يحيطه من كل جانب .... فرك كفيه بعصبية و هو يشد على أسنانه حتى كاد أن يكسر أضراسه ... نهض و هو يمسك ذراع دلال يسحبها خلفه ..لم يلتفت لاحتجاجها و هي تناديه متوسلة أن يتوقف
وصل لغرفة أمن المطار ... أمره الضابط المسؤول بأن يترك الغرفة ... استجاب الضابط سريعاً دون نقاش فهو العقيد زياد لا يمكن تجاهل اوامره ...
حرر ذراع دلال التي أحاطت نفسها تجاهد كبح جماح دموعها ....وقف زياد أمامها و هو يقول ببرود :
_ ما الذي تفعلينه دلال ؟؟ تردين قتل كل شيء بيننا !!
أغاظها بروده في هكذا موقف ... قالت بقوة و هي ترفع رأسها بشموخ :
_ أريد الطلاق زياد لم اعد أطيق الحياة معك
ارتجفت من قوة كفيه اللتانِ أطبقتا على ذراعيها و صوته المرعب اخترق حصون دفعاتها :
_ لقد جننت حتماً ... فقدت عقلك دلال ... كيف تفكرين بأمر كهذا ؟؟
اشتعل الغضب داخلها أكثر حاولت سحب نفسها من بين ذراعيه و هي تقول مهتاجة :
_ أكرهك زياد .... اكرهك ... لم اعد أحتملك ... أنت السبب ... أنت المذنب بكل شيء ... بسببك فقدت طفلي و بصري و نفسي .... أكرهك و لا أريدك ..
صرخ في وجهها والدماء تكاد تتفجر من رأسه :
_ دلاااااااااااال .... اصمتي ....اصمتي
صرخت بدورها و هي تضرب صدره بقوة باكية :
_ لا ..لا... لاااااااااااااا ... حاولت إقناع نفسي بأن لا ذنب لك بما حدث معي و لكن كنت مخطئة .. يكفيك تحطيماً لحياتي .... لم يعد في قلبي متسعاً لجروح قسوتك و أنانيتك .... أكرهك على قدر ما أحببتك .... طلقنيييييييي
حرر ذراعيها يتراجع كما الملسوع .... لا يصدق أن هذه الكلمات تخرج من فم محبوبته ... إلتزم الصمت أمام هيجانها عسى أن تهدأ و تتراجع عن كلماتها واضعاً يده على صدره ... يشعر بألم قاتل يذبحه ببطء ... لكنها بدلاً من هذا عادت تصرخ:
_إن لم تطلقني الآن زياد سوف أوكل محامياً ليرفع قضية خلع لأتخلص منك و من حياتك البائسة ..إن كنت رجلاً ....
_ أنت طالق يا دلال ...طالق
قاطعها بحزم قائلاً تلك الكلمة ببرود قتله ... لينقطع العهد الذي جمعهما .... أطلقت دلال نفساً مرتاحاً و هي تقول لاهثة :
_ شكراً لك ..
_ ابتسم زياد بألم و هو يقول :
_شكراً!!! اتمنى أن تجدي سعادتك بعيداً عني
فتح باب الغرفة بهدوء ... بقي واقفاً لدقائق غير قادر على الحراك .... جلست دلال منهارة على أحد المقاعد ... سمع صوت شهقات بكاءها و نحيبها و هي تغطي فمها تنادى اسمه بشجن و ألم ...التفت زياد يراقب انهيارها بصمت ..تمنى أن يسرع إليها ..يضمها .. يغرقها بحبه ...يحملها إلى منزلهما .. و لكنها تكرهه الآن!!! أصبح شخصاً ثقيلاً على حياتها
ارتفع صوت الإعلان في المطار ينادي ركاب رحلة الولايات المتحدة .. نهضت دلال تلمس طريقها متعثرة ..تمسح عينيها و أنفها .... أسرع إليها مقلداً صوت ضابط الأمن :
_ سوف أوصلك للبوابة سيدتي
هززت رأسها موافقة ... تمسكت بذراعه تتنشق ذرات عطره للمرة الأخيرة .... لا يمكن أن تخطيء حبيبها و لو كان بين ألف رجل ... بكل خطوة سكين تطعن صدريهما ... وداع صامت يقتلهما ...دموع حبيسة ... قلوب تحتضر لفراق قد أزف ... روحان تتصارعان للرحيل ...
وصل إلى البوابة طلب من المضيفة مساعداتها ... تركته و ابتعدت دون أن تلتفت ..سوف تضعف إن لم تسرع بالرحيل ... دخلت الطائرة و رحلت ... فقط رحلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسرعت لقسم الإستعلامات في المطار تسأل عن رقم بوابة المغادرين للولايات المتحدة ... ركضت حيث أشارت موظفة الإستقبال .. بحثت عنها بين الوجوه الكثيرة .... لم تجدها .. نظرت للوحة الإلكترونية المعلقة ... طائرة الولايات المتحدة .... غادرت ... لقد تأخرت ... لا بد أن الأمر سيكسر قلب زياد .. لن يحتمل بعدها ....وضعت يدها على رأسها تحاول منعه من الإنفجار
أرادت المغادرة و العودة لمقر الشركة ... لكنها رأته هناك ..يجلس منحني الظهر ...شارداً غير واعٍ لمن حوله ... وضعت يدها على صدرها تمنع قلبها من الإنفلات ... لقد غادرت المجنونة تركته حقاً ...لقد دمرته ...
تقدمت نحوه و تلك المكالمة الغريبة تترد في ذهنها
كانت في مكتبها تدرس طلبات العملاء ... شعرت بالإحباط لعدم و جود طلب مقدم باسم ناجي القاسم .... تمنت أن يبدأ العمل في تلك المهمة بدلاً من القلق و التوتر و الإنتظار الذي يسيطر عليها ... ارتفع صوت هاتفها المحمول باتصال من رقم غير محفوظ لديها :
_ مرحباً ...
جاءها صوت أنثوي متررد بنبرته :
_ عذراً على الإزعاج ... أنتِ ياسمين ؟؟
_ نعم تفضلي ....كيف يمكن أن أساعدك ؟
_ أنا ....أنا دلال
قالت ياسمين و هي تضرب لوحة المفاتيح مسندة الهاتف على كتفها :
_ دلال؟؟
_دلال زوجة زياد
تجمدت أصابعها كما كل خلايا جسدها .... أسرعت تمسك الهاتف قبل سقوطه ...قالت بصوت خافت:
_ أهلاً ... دددد ...دلال
ساد الصمت المزعج بين طرفي الخط ... أمسكت ياسمين القلم تخربش على ورقة بيضاء أمامها تفرغ توترها ....بعد دقيقة طويلة سمعت دلال تتنهد قائلة :
_ ياسمين .... أريد أن أطلب منك أمراً
ردت ياسمين سريعاً :
_بالطبع
_سامحيني
_ أسامحك ؟؟
_ بسببي تعرضت لذلك الحادث و كدت ....
قاطعتها ياسمين و هي تقول :
_ أرجوكِ انسي الأمر ... انتهى .. لا ذنب لك بكل ما حدث
علمت دلال أن زياد لم يخبر ياسمين بأمر التمثلية السخيفة ....قالت و هي تلتقط دموعها :
_ اعتني به ياسمين ...
_ماذا ؟؟
علمت ياسمين أن دلال تبكي بصمت :
_ اعتني بهِ ...أرجوكِ ..حياته صعبة للغاية ... يحتاج للعناية و الحب و الحنان حتى يحقق التوازن في نفسه ...
شعرت ياسمين بنفسها تائهة و غير قادرة على فهم كلماتها ...سألتها و قد أدركت أن هناك امراً غير طبيعي ....
_ لما تطلبين مني أمراً كهذا ؟؟ ما الذي سيحدث معكِ ؟؟
_ سوف أرحل عن البلاد لفترة غير محددة إلى الولايات المتحدة ....
_ هل أخبرت زياد ؟؟
ضحكت دلال بمرارة :
_ لا تقلقي في أي لحظة سوف يصل إلى هنا ... تعلمين بأن جواسيسه يحيطون بي؟
قالت ياسمين و هي تعتصر القلم بيديها :
_ما الذي تفعلينه دلال ؟؟
_ سوف أبتعد قليلاً فقط ....
خرجت الكلمات من ياسمين كنصل سكين حاد يشق صدرها
_ زياد يحتاجك دلال هو يحبك كثيراً لا تتركيه الآن ...ليس الآن
جاءها صوت دلال ضائعاً :
_ يحبني!!
شعرت ياسمين بالغضب منها .... كيف تشكك بحب زياد و هي من يتحمل عذاب بعد قلبه وروحه عنها .... تسمعه ينادي اسمها بنومه يختلس النظر لصورتها
_ زياد لا يحب غيركِ أنتِ
لا تعلم لما تفوهت بهذه الكلمات الجارحة لأنوثتها و كبريائها ... تخبر ضرتها بأن رجلنا لا يحبني بل يحبك أنتِ !!!
_ ما الذي تقولينه ....؟؟
قالت ياسمين وهي تتوقف عن خربشاتها و قد وجدت نفسها و بدون وعي قد رسمت اسم زياد .... رمت القلم و هي تدلك جبينها بقوة توازن الأمر... تعلم بأن الحياة بينها و بين زياد لن تستمر مهما حاولت .... هو لا يرى سواها ... دلال فقط
_ دلال أرجوكِ عودي لمنزلك و أصلحي الأمر معه ... بُعدك سيزيد من تعقيد الأمور .... صدقيني زياد يمر بمرحلة صعبة في حياته و بعدك سيزيد من هذا التعقيد
_ أنت موجودة و سوف تهتمين به
وقفت ياسمين تضرب المكتب أمامها لتصرخ باكية و قد زاد الموقف من ألمها و جروحها :
_ أنا لا شيء بالنسبة له ...لا شيء .. لست سوى عبء يثقل كاهله ... يريد حمايتي و الحفاظ على سلامتي ...فقط .... ليس أكثر .. إنه لا يراني كزوجة و حبيبة .... هو لا يرى غيرك أنتِ
جاءها رد دلال جامداً و بارداً
_ انتِ تكذبين
_ و لما أكذب بأمر كهذا أنا أخبرك بأن الرجل الذي أعشقه لم يقترب مني... هو لم يلمسني كما لو كنت امرأة غريبة عنه مصابة بمرض معدي
ساد الصمت بينهما و ياسمين تذرف دموعها صامتة .. ما كان يجب أن تقول كل هذا .... لقد قتلت أنوثتها و أزهقت كبريائه من أجله ....تخشى عليه من ابتعاد دلال .... لن تسمح لدلال بالمغادرة و ترك زياد و هو وسط دوامة خطيرة ... و إن كان على حساب كرامتها وقلبها
_ياسمين .... لا تقلقي ... سوف يكون لكِ بالكامل ...سوف أغادر بعد قليل و لكن دون رجعة ... اهتمي بزياد ... أحبيهِ كما يستحق
أغلقت دلال الخط وياسمين تنظر للهاتف غير مصدقة ... يكون لكِ بالكامل ... ما الذي ستفعله تلك المجنونة ؟؟... اعادت ضرب رقم هاتف دلال مرة تلو المرة و لكنها لم تجب .. حملت أغراضها و أسرعت إلى المطار لتوقفها و إن أضطرت سوف تقيدها .... من اجل زياد فقط .. من أجله هو فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست إلى جانب زياد الذي اخفى وجهه بين كفيه ... وضعت يدها على كتفه دون ان تجد بين الكلمات ما يسعفه ...رفع رأسه ينظر إليها و عيناه تنطقان بحزن ثقيل .... دموع تلمع فوق حدقتيهِ تأبى الإنكسار... بكت عنه و هي تهمس له :
_ لما سمحت لها بالرحيل ؟؟
أغلق عينيه بقوة و هو يدلك رقبته :
_ هي من اختارت الفراق
قالت ياسمين وهي تمسك كفه بعطف :
_ لا تقلق سوف تعود .. أنت و هي لكما قدر واحد
سحب كفه رافضاً عطفها و شفقتها قائلاً :
_ لقد انتهى الأمر .... لقد ... طلقتها
شهقت ياسمين و هي تضم يدها إلى صدرها :
_ ماذا ؟؟ لما فعلت أمراً كهذا ؟؟
_ هي من اختارت
_ و أنت وافقتها ؟؟ كان عليك أن تراعي وضعها و تتحمل كلماتها مهما كانت
التزم الصمت و هو يقف بتثاقل و الألم يحفر في ملامح وجهه ... دس كفيه بجيبه يسير نحو بوابة الخروج بمشيه ثابتة لا تفضح إرتجاف روحه و قلبه.... يشعر بالبرد يجمد أطرافه ... و الألم يحبس انفاسه .... سارت ياسمين إلى جانبه غير قادرة على لجم دموعها ... وصل إلى سيارته ..ألقى المفاتيح لياسمين التي تلقتها و هي تراقبه يدور حول السيارة ليقف أمام باب الراكب ...أسرعت تجلس في مقعد السائق ....استقر إلى جانبها يلقي بثقله على المقعد كما لو أن الوقوف أنهكه ....أدارت المحرك و انطلقت غير قادرة على سؤاله عن الوجة التي يريدها .... غطى زياد عينيه بذراعه مسنداً رأسه ....التفتت ياسمين إليه بعد فترة و قد رأت تلك الدمعة الخائنة تنحدر على خده الخشن .... مسحها بحزم و قوة مانعاً الأخريات من التمرد عليه ....
عادت تنظر امامها عاجزة عن مواساته .... و دمعته تحرقها ....علا صوت هاتفهِ شعر به كمدفع يضرب دماغه المنهك ... أراد إطفائه .... لكن الرقم الذي ظهر كان من الخارج .... رد بصوت أجش مختنق :
_ نعم ... من ؟؟ ... سامر ؟؟
استوى بجلسته و قد عاد الحزم و الهدوء لملامحه المتعبة :
_ اهدأ .... أرجوك أنا لا أفهم شيئاً .... حسناً .. حسناً ... لا تقلق سأعثر عليه و أتصل بك .... في أمان الله
قالت ياسمين بقلق :
_ ما الأمر هل حدث مكروه لسعاد ؟؟
أجاب زياد سريعاً و هو يضرب رقماً :
_ لا .. لكن حمزة تعرض لحادث
زاد شحوب ياسمين و هي تلهج بالدعاء و الاستغفار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بعد ثلاث أسابيع ....
على المقعد الخشبي في حديقة الورد متلفحة بشال الكشمير .... جلست تبحث عن أمان ضاع في لمحة بصر ... تحدق في الفراغ و جمال ما يحيطها بدى باهتاً فاقداً الحياة ... شعرت برطوبة تبلل وجهها....تلمست خدها لتجد أن دموعها جادت في إعلان انكسارها ... ... متى سوف تجف هذه الدموع البائسة... متى سوف يتوقف الألم .... متى سوف تعود لحياتها الطبيعية ... رفعت يدها تتأمل خاتم خطوبتها ... حاولت نزعه من يدها مراراً ..لكن كلماته تمنعها .... " إياكِ أن تخلع الخاتم من يدك سلام " ....
لمعت شاشة هاتفها باسمه .. ارتجف جسدها كما قلبها ...ألقت به جانباً و هي تناجي نفسها .... متى سوف تفهم يا قصي ؟؟ .... لقد قضيت على ما كان بيننا ... اغتلت الحب في قلبي ... لقد وعدتني ان لا تجرحني.... و لكنك مجرد شخص مخادع ... لا أريد أن أسمع صوتك أو أن أراك ...
أغلقت عينها و هي تطلق آه مكلومة حرقت صدرها
_ آآآآآآآآآآه يا سلام ... أنت لا تجدين الكذب حتى على نفسك .... أشتاق لك حبيبي .... روحي تحلق بالفراغ تبحث عنك ... قلبي يرتجف برداً من دونك ... لكن كيف يمكن أن أنسى ما فعلته بصديقة عمري ؟؟ كيف ؟؟
دق الهاتف معلناً عن وصول رسالة... بلهفة و شوق التهمت الحروف بعينيها...
" حوريتي ... أشتاقك حد الجنون ... قلبي يموت ببعدك ... روحي تحتضر ... حبيبتي ارحميني .... سامحيني ...أنا أموت في اليوم ألف مرة ... أنت هوائي و نبض القلب .... أحبك ... حفل زفافنا بعد ثلاث أيام حوريتي ... ثلاث أيام .... سأقف في نهاية الممشى منتظراً ظهورك ... لن أستسلم سلامي .. و إن قررت عدم الحضور فأنتِ بذلك توقعين شهادة وفاتي بدم قلبي المجروح ... سأسير لموتي مبتسماً لأنني عرفتك و أحببتك ..."
عاد جسدها يرتجف لذكرى تلك الليلة الماطرة حيث ذاقة طعم قبلتها الأولى معه بطعم المطر ...
بعد أن باغتها بتلك المشاعر المشتعلة قال لها هامساً و هو يزح الخصل المبتلة عن عينيها :
_ يجب أن أخبرك بأمر ما .... أتمنى أن تسامحيني سلام
نظرت إليه تحدق بعمق عينيه تراقب تقلب ألوانه بين الأخضر و الأزرق
_ سلام .... تذكرين عندما سألتني في ذلك اليوم ....إن كنت أحببت قبلاً .... و اخبرتك عنها ... حبي الأول ... قلت لك بأن دمرتها و أذيتها كثيراً
تراجت سلام خطوة للوراء و هي تستشعر بقرب الخطر
_ لما تتحدث الان عنها قصي ؟؟
نظر إلى السماء و هو يمرر أصابعه بشعره المبتل ..لينحنى بعدها ملتقطاً المظلة عن الأرض ... تقدم نحو سلام يمنع الامطار عنها ...قال بصوت مرتجف
_ تلك المرأة .... هي صديقتك ... ياسمين
أغلقت عينيها و هي تهز رأسها غير قادرة على استيعاب ما قال ...عادت تنظر إليه غير مصدقة :
_ ماالذي قلته الآن ؟؟
اقترب منها يريد ضمها لصدره و هو يهمس باسمها .... لكنها أبعدت يده عنها و هي تتراجع إلى الوراء تنظر إليه ..و لاول مرة يراها غاضبة منه هو بل هي حاقدة!!!
_ لا تلمسني قصي ..لا تلمسني .. أنت ...أنت من دمر ياسمين !!! لا أصدق ..لا أصدق
كان قصي يكبت في نفسه غضباً و قهراً من نفسه و من ياسمين التي جرته لهكذا مواجهة ..كان عليه أن يقتلها و ينتهي ولكنه لم يستطع ... وجد نفسه عاجزاً عن انتزاع روحها في ذلك الزقاق المظلم .... كل ما فكر فيه وقتها أنها زوجة زياد ... زوجة أخيه !!
_ سلام أسمعيني ...
قاطعته سلام و هي تحاول جاهد كبت صراخها
_ أنت أسمعني جيداً ... بسببك دخلت ياسمين المشفى تعاني من مرض في قلبها ... اقتربت من الموت ... أسمعت عن مرض القلب المفطور ؟؟ لقد أصبتها به ... لقد كسرت قلبها حقاً ... أمضت شهوراً طويلة تحاول أن تعود لطبيعتها و لولا ظهور حازم في حياتها لكان الله أعلم بحالها
نظر إليها قصي غير مصدق ..لم يعلم أن الأمر أثر عليها لهذه الدرجة ...اتكأ على الحائط و هو يتذكر غيابها الطويل عن العمل في تلك الفترة ..ظنها تتهرب من مواجهته فقط ....
وقفت سلام أمامه و دموعها تختلط مع حبات المطر .. لمع البرق بالسماء ليرى قصي اشتعال عينيها الزرقاء
_ لماذا أرسلت تلك الصورة لحازم ؟؟ مالذي كنت تريده منها بعد أن هجرتها ؟؟ حرمتها من ابنها بفعلتك و دفعت بحازم لتطليقها ....
ماالإجابة التي يمكن أن يقدمها لها لترضيها ... لأول مرة يجد نفسه معقود اللسان غير قادر على الكلام ..
_ تكلم قصى أجبني ...أجبني
ضربته على صدره ...و هي تصرخ فيه حتى يتكلم .... لكنه تلقى ضرباتها بصمت و برود ... توقفت سلام و هي تلهث تعباً و ألماً ...قالت بخفوت :
_ لا أريد أن أراك بعد اليوم ...لقد انتهينا قصي ...انتهينا
أرادت تركه و الدخول لمنزلها ....لكنه أمسك ذراعها و هو يقول بخشونة :
_ قلت لكِ ألف مرة ... لا تفكري بالإنفصال عني
حاولت سحب ذراعها من قبضته و هي تقول بثبات :
_ أنا لا أفكر ..... لقد فعلت و انتهينا ...اتركني ....اتركني
سحبها قصي لصدره و هي تقاومه بعنف .... ضمها بقوة و هو يهمس لها :
_ أحبك سلام .... لن أسمح لكِ بالإنفصال عني حوريتي .... أحبك
تركها خلفه و انسحب يمشي مع المطر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
أغلقت شاشة الحاسب المحمول بقوة و هي تقف غاضبة تشد على كفها بغيض :
_ ما الأمر قصي ؟؟ لم أرك بهذه الحال من قبل .. لديك مهمة أقل ما يقال عنها أنها خطرة ... انت لم تستمع لحرفٍ مما قلته لك ...
قال بنفاذ صبر وهو يلقي بجسده على الأريكة :
_ لا ترفعي صوتك كريستينا ...لن أتحمل صراخك الآن
أخذت تذرع الغرفة ذهاباً و أياباً و هي تتكلم بسرعة خارقة :
_ لقد اقترب موعد الجلسة المنتظرة و أنت سارح في خيالاتك .. لقد جمعت لك المعلومات التي طلبتها عن ألن هنسن و المبنى الذي سوف تقام فيه الجلسة ..لكنك لم تستمع إلي ... و ماذا بعد ؟؟ تريد أن تقضي على نفسك !!! لن ترحمك المنظمة في حال أخفقت قصي ... سوف يقومون بتصفيتك في الحال ... هل تفهم ؟؟
نام قصى على الأريكة ....حاجباً عينيه بذراعه متجاهلاً صراخ كريستينا ..لا يملك القوة على المجادلة ... يشعر بالألم يعتصر قلبه و روحه ... ترفض مقابلته ..لا ترد على اتصالاته و رسائله .... لقد فقد رغبته في الحياة و إن كانت المنظمة تريد تصفيته حقاً فلتفعل ... لن يقاوم الأمر .. لا معنى لوجوده بدونها
شعر بكرستينا تجلس إلى جانبه ... أخذت تمرر كفها المرتجف على وجهه الخشن الذي لم يحلقه منذ مدة ...يبدو وسيماً لحد مخيف بخشونته و رجولته و ذلك اللمعان الحزين الممزوج في عينيه بين الأزرق و الأخضر زاد من همجيته الجاذبة ...
تركها تبث بعض الدفء إليه بحركتها الناعمة ... شعر بأنفاسها تقترب من وجهه تنثر قبلات رقيقة على وجهه .... تسارعت أنفاسه و خفقات قلبه لحد مجنون ... يفتقد ذلك التواصل الإنساني و روحه تعيش ببرود ...
أخذت كريستينا تتجرأ أكثر و قد استسلم للمساتها و قبلاتها ... بدأت تفك أزرار قميصه و هي تسرع لتناول شفتيه بقبلة طويلة لم يمانعها ... شعر بلمساتها على صدره حيث خافقه ينادي معشوقته برجاء و خوف و حزن .... ذعر من نفسه ... فتح عينيه و هو ينهض دافعاً كريستينا بخشونة ... وقف مبتعداً يغلق أزرار قميصه قائلاً بخشونة :
_ كريستينا ..أخرجي حالاً من هنا ...
لم تستجب له و قد لحقت به تلقي بنفسها على ظهره :
_ لا قصي .... لن اتركك و أنت على هذه الحال .. دعني أحبك كما كنت أفعل .... أنا أحبك قصي .... كريستينا تحبك
إرتجف قلبه من كلماتها ... تذكره بتلك الناعمة و هي تهمس له بخجل "أحبك قصي " ....ابتعد عن كريستينا الباكية و هو يقول لها بهدوء و عطف :
_ كريستينا ... لا مكان لك في قلبي أو حياتي ..أرجوك إرحلي الآن .. ليس من صالحك البقاء الآن
اقتربت منه و عيناها تنضح بعواطف صادقة :
_ لا أطلب منك أن تحبني أو أن تتعهد بالارتباط بي .... فقط أريد أن أكون بقربك .. ليس أكثر ... لا تعذبني أتوسل إليك لقد تعبت من بعدك و جفاءك
مرر قصي أصابعه في شعره و هو يغلق عينيه يستحضر صورة سلام ... و طعم قبلتها العذرية ... لن يسقط ضحية لإغواء و حب كريستينا .. سيخلص لها حتى و إن قررت الرحيل عن حياته للأبد
حمل سترته و خرج من المنزل متجاهلاً توسل كريستينا و بكاءها .... هرب منها و من نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسط المكتب الواسع ..حيث الفخامة و الثراء تنطق من كل قطعة و تحفة ... وقف يدخن سيجاره الكوبي الفاخر .... مرتدياً بدلته الحريرية تحمل توقع المصمم العالمي فالنتينو
_ ما أخبار مهمة ألن هنسن ؟؟
_ لا شيء حتى الآن ...كرستينا تجمع معلومات عنه و عن المبنى الذي سيقام فيه اجتماع الهيئة العامة في نيويورك ...
كست الحيرة ملامح وجهه التى حفر عليه الزمن سنين طويلة
_ مالذي يفعله قصي ؟؟ لما هذا التراخي الغريب
_ قلت لك سيدي ...قصي ليس أهلاً لهذه المهمة و خاصة بعد أن قام بقتل ماجدة
_ و من قال أنه قتل ماجدة .. ؟؟
_ مستر أكس ؟؟!!!
قال بتسلية حقيقية و هو يجلس على مقعد مكتبه :
_ التحقيقات حسمت سبب موتها ... و القتل لم يكن السبب
_ لكنك تعلم أنه من قام بقتلها بطريقته
أسند رأسه الأشيب على ظهر كرسي الجلد الفاخر مبتسماً بفخر حقيقي :
_ لأول مره يقوم قصي بالقتل النظيف ....يظهر كحادثة ... بقي خارج الصورة .... لم يتفاخر بعمله كما اعتاد .. قصي قد نضج و أصبح يخاف على حياته و هذا ما كان ينقصه حتى يكون جديراً بهذا الأرث
_ انه يفكر بقلبه بدلاً من عقله منذ أن تعرف على سلام
_ سوف يوازن الأمور ....أثق بذلك
_ عن إذنك سيدي سوف أرحل الآن لا يجب أن أتأخر أكثر ...؟
بحزم نادى اسمها لتتجمد يدها على مقبض الباب :
_ جوووووووووودي ...
التفتت إليه و هي تعقد ساعديها ... قال بغضب و حزم :
_ توقفي عن خوض هذا الصراع مع نفسك ... أخبرتك ألف مرة ... أنا لن أسلمك رئاسة المنظمة ...لن تعيشي مختبئة لآخر عمرك كما فعلت انا ... أريد لك حياة طبيعية
ضحكت بسخرية و هي تتقدم ناحية مستر أكس
_ طبيعية !!! فات الأوان أبي ... لقد أدخلتني هذا الوكر و أصبحت المنظمة جزءاً مني... احترفت العيش بعباءة جودي الموظفة البسيطة ... أحمل اسماً و جنسية و ديانة لا أنتمى إليها .... أنادك بسيدي بدلاً من أبي .... هذه حياتي و لا أمانع تغير جلدي مرة ثانية و ثالثة
_ لا تناديني بأبي في هذا المكان ... نحن لسنا في القصر الكبير
انحنت باحترام بالغ و هي تقول :
_ عذراً سيدي .. يجب أن أرحل الآن .... هل تأمرني بشيء ... سيدي
عاد لبروده و هو يقول :
_هل أبلغتي ناجي القاسم بالتحرك ؟
_ لقد فعلت
_أبقي عينيك مفتوحة على ياسمين نحن نتعامل مع زوجة العقيد زياد ... أرصدي رد فعلها عند طرح اسم ناجي القاسم .... و إذا تبادر لديك أدنى شك ... أقتلي المهمة ....
_ سأفعل
_ جودي كوني حذرة .. لقد دخلت الشركة منذ البداية من أجل هذا المشروع .. لكن غباء حازم عطل الأمر
_ تقصد تصرف قصي الأهوج
_ جودي ...هذا يكفي ..يمكنك الرحيل الآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لطالما كان العمل نقطة قوتها و تميزها.... إن بدأت بمشروع تقصى العالم من حولها .. تعيش مع الأرقام و المنظومات و المصفوفات .... تسكنُ جروحها و مخوفها .... تختفي هشاشتها و ضعفها... تصبح المسيطرة و القوية
لكنه الوحيد الذي تمكن من التسلل لخلوتها ... صورة وجهه تقتحم وعيها وتلك الدمعة الخائنة تحرق قلبها .... لقد اختفى .... لم تسمع منه شيئاً منذ ثلاث أسابيع ...آخِر ما سمعته منه في المشفى" سوف أرحل لفترة ..لا تقلقي " ... رحيل دلال و ما حدث لحمزة جعله يكبر فوق عمره أضعافاً ....
ضربت خدها بنعومة تحث نفسها على التركيز و الهدوء ... ما إن بدأت تنسجم في عملها حتى قطع صوت الهاتف الداخلي للمكتب تركيزها .... زفرت بضيق و هي تجيب بنزق :
_ نعم ...
_ مهندسة ياسمين .. هناك سيدة تدعى .. سلام .. تطلب مقابلتك ؟
وقفت ياسمين و هي تقول سريعاً :
_ سوف أحضر حالاً
توجهت حيث استقبال الشركة و كلمات سلام الأخيرة في المشفى ....تضربها كسياط مشتعلة:
_ لقد أخبرني قصي بكل شيء و قد تركته ... أتمنى أن تكوني حققت انتقامك من حبيبك الأول ... هنيئاً لك جرحهُ و جرحي
لم تسمع منها شيئاً منذ ذلك اليوم الأسود و قد تجاهلت سلام اتصلاتها و رسائلها ...لم تصدق عينيها و هي تراها واقفة في ردهة الإستقبال تحدق حيث موطيء قدميها .... الألم و الضياع يسطران وجودهما بقسوة على صفحة وجهها الشاحب ... نادتها ياسمين بهمس خافت :
_ سلام ....
رفعت سلام عيناها الدامعتان و هي تستجدي منها الغوث و المساعدة ... أمسكت ياسمين سلام من ذراعها و هي تقودها ناحية مكتبها صامتتين .... أغلقت ياسمين باب المكتب و هي تشير لسلام بالجلوس .... جلست ياسمين أمامها تبحث بين معاجم الكلمات عما يساعدها لبدأ الحديث
لكن سلام بدأت الحديث قائلة بوجوم :
_ كيف حال أماني ؟؟
أجابتها ياسمين سريعاً :
_ لقد كنت عندها البارحة ... تبدو متماسكة رغم الظروف التي تمر بها ... كان الله بعونها
قالت سلام و هي تمرر أصابعها على حقيبتها بتوتر واضح :
_ سوف أزورها اليوم ..لقد قصرت بحقها كثيراً
_ لا بأس هي تتفهم وضعك
عاد الصمت المزعج بينهما يتسلل ببطء قاتل ... العيون ترفض المواجهة الصريحة ... انفلتت شهقة بكاء من سلام أجبرت ياسمين على النظر إلى وجهها الغارق بالدموع ... همست متألمة على حال صديقتها :
_ سلام ...
نهضت سلام سريعاً ... لتجلس أرضاً امام ياسمين مسندة رأسها على حضنها تفرغ دموع ألمها و قهرها.... سارعت ياسمين تمسد رأسها بحنان و عطف قائلة :
_ ما الأمر سلام؟؟
_ سامحيني ياسمين أرجوك سامحيني لم أقصد ما قلته لك في ذلك اليوم
_ لا بأس سلام لست غاضبة منك و لكن .... أشعر بالخوف عليكِ
ارتفع صوت بكاء سلام و هي تقول بشجن مؤلم :
_ أعلم ياسمين ... أعلم ... لكن أنا .... انا أحبه .. أحبه كثيراً ... أعشقه و أشعر بروحي ضائعة من دونه ... بعده يؤلمني .. يقتلني ... لا أصدق بأنه شخص خائن و مخادع ... لقد أنقذني من دوامة كانت تسحبني للموت .... أعاد الروح و الدفء لحياتي .... و الآن و هو بعيد عني أشعر بالبرد و الضياع
جلست ياسمين أرضاً و هي تضم سلام لصدرها ... تشاركها دموعها و ألمها ...
_ سلام .... سأكون معكِ بأي قرار تتخذينه .. سأقف إلى جانبك و أدعمك ...حتى و إن أردت إتمام هذا الزواج
رفعت سلام رأسها و هي تنظر لياسمين ممتنة
_ أعلم بأنك لن تتخلي عني .... و لكن لا يمكن أن أعود إليه ..صورتك في المشفى بعد أن هجرك لا تفارق خيالي كدت أن تموتي بسببه .... حرمك زوجك و ابنك
ابتسمت ياسمين بألم و هي تقول :
_ يبدو أن قصي لم يحبني كفاية حتى يتمسك بي و لكنه يحبك أنتِ
_ لقد أحبك ياسمين ... قال أنك حبه الأول
_ ما دام قد تخلي عني فذلك لم يكن حباً
_ ياسمين !!!
نهضت ياسمين و هي تساعد سلام على الوقوف :
_ سلام حين تتخذين قرارك أخرجيني من حساباتك .. فكري بعقلك قبل قلبك ... و سوف أكون إلى جانبك حبيبتي
تعالت طرقات على باب المكتب لتدخل جودي المكتب سريعاً كما اعتادت ... لتقول متأسفة و هي ترى الفتاتين تمسحان دموعهما :
_ عفواً لم أعرف أن عندكِ ضيوف سوف أعود بوقت لاحق
قالت سلام سريعاً و هي تلتقط حقيبتها :
_ لا ..لا بأس سوف أرحل الآن ...سأزور أماني و أقضى اليوم عندها
قالت ياسمين و هي تسير معها لباب المكتب :
_ قد ألحق بك
غادرت سلام .. لترمي ياسمين نفسها على أقرب مقعد و هي تضم كفيها مفكرة تحدق بالفراغ
جلست جودي إلى جانبها و هي تضع يدها على كتفها :
_ هل أنتِ بخير ..
هزت ياسمين رأسها شاردة :
_ أنا بخير .... لكن .... ما عدت أعرف الخطأ من الصواب
_ ماذا ؟؟
وقفت ياسمين تدور حول مكتبها لتجلس على كرسي مكتبها الدوار
_ لا عليكِ .. يجب ان اعود لعملي
_ حسناً ... جئت لأبلغك بأمر زبون جديد .. لكنه طلب مقابلتك مع السيد حازم
قالت ياسمين و هي تضرب لوحة المفاتيح امامها :
_ لماذا ؟؟
_ لا أعلم ... لكنه شخص مهم للغاية
_ حقاً ؟؟
قالت جودي و هي تدقق في كل خلية في وجهه ياسمين:
_ نعم ناجي القاسم صاحب بنك الإستثمار
استمرت ياسمين بضرب لوحة المفاتيح بطريقة طبيعية و لكن لو أن جودي رأت نتيجة ما طبعته ياسمين لعلمت بأنها قد بلغت ذروة درجة توترها ... حافظت ياسمين على هدوء و جهها وقد استعدت لسماع اسم ناجي القاسم بأي لحظة ... بل كانت تنتظر هذا الأمر بفارغ الصبر
_ بنك الإستثمار ...؟؟ في العادة يكون للبنوك فريق تقني خاص .. ما الذي يريده منا ؟؟
هزت جودي كتفها بلا مبالاة
_ لا أعلم ... هل أرتب للقاء مشترك مع السيد حازم ؟؟
_ قالت ياسمين دون أن ترفع عينيها عن شاشة الحاسب :
_ لا مانع لدي .. تحدثي لحازم
_ بالطبع
غادرت جودي المكتب .... لتضع ياسمين يدها على صدرها تتنفس سريعاً لتلحق بدقات قلبها ...
_ أين أنت يا زياد ؟؟ أحتاجك الآن أكثر من أي وقت ...أين أنت ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على صوت سعاد فتحت عينيها المرهقتان و هالة سوداء أحطات بهما ... وجهها شاحب يقطر تعباً وأرقاً... كل عظمة في جسدها تصرخ ألماً و تعباً ... قلبها يخفق دون نظام
_ أماني لما تنامين على الأريكة ؟؟ .... أدخلي إلى غرفة النوم حتى ترتاحي
نهضت وهي تحرك رقبتها بإجهاد قائلة بصوت مبحوح :
_ انا بخير ... لا داعي
_ كما تشائين عزيزتي .... لقد حضرت الطعام ما رأيكِ ؟
_ لا ... لا رغبة لدي ... أشعر بأن معدتي كموقد مشتعل و الطعام يزيد من اشتعالها
جلست سعاد إلى جانبها و هي تمرر يدها على ظهرها بحنان :
_ حبيبتي لن ينصلح الحال هكذا سوف تنهارين في النهاية عليك أن تتغذي و أن تنامي جيداً .. لا تنسي .... أنتِ حامل ...
أسندت رأسها بين كفيها تحاول السيطرة على الدوار الذي عصف برأسها و هي تقول بضعف :
_ هل اتصل سامر ؟
_ لقد اتصل منذ قليل حتى يطمئن عليكِ
_ هل من أخبار جديدة ؟؟
_ لا حبيبتي
نهضت اماني تحاول السير بثبات و سعاد تمسك بيدها ...قالت :
_ علي أن أستعد للذهاب
_ أماني !! عليك أن ترتاحي ... ثلاث أسابيع مضت و أنت لم تغادري المشفى
_ انا بخير سعاد ... لولا إصرار سامر لما تحركت من جانبه
_ حبيبتي حمزة يحتاجك قوية إلى جانبه و انتِ تهملين نفسك و طفلك ... من أجلهِ عليكِ الإهتمام بصحتك قليلاً
تنهدت بحرقة و ألم و هي تقول باكية :
_ الأمر ليس بيدي سعاد .... لا أصدق بأنه غارق في غيبوبة منذ ثلاث أسابيع ....ظننت أن إجراء العملية سوف يخرجه منها و لكنه لم يستيقظ يبحر في عالم الظلام وحيداً
ضمتها سعاد لصدرها و هي تقول لها مطمئنة :
_ إنه أمر مؤقت حبيبتي ... سوف يستيقظ قريباً ... لقد سمعتِ الطبيبة فاطمة ... لقد قام الورم بالضغط على جذع الدماغ و احدث نزفاً مما أدخله في الغيبوبة .. الحادث لم يضره ...لكنه يحتاج لبعض الوقت فقط .... توكلي على الله
_ و نعم بالله ...الحمد لله على كل حال
دخل سامر المنزل و هو يبتسم لرؤية حبيبته تغمر أخته بحنان و عطف ... نظرت إليه أماني بقلق و هي تقول مرتجفة :
_ هل حدث شيء ؟؟
أجابها سريعاً و هو يضمها لصدره قائلاً :
_ لاصغيرتي هو بخير .... أعني لم يتغير شيء ... لكن وصلت اليوم نتيجة تحليل الورم ...
نظرت إليه أماني بعيون قلقه دامعة ..قال و هو يمسح الدموع عن وجهها الذابل:
_ لا تقلقي .. الورم حميد ... لن يعود بإذن الله .... لهذا جئت إلى هنا ... أردت أن أخبرك بهذا الأمر
أغلقت عينها بارتياح و هي تقول :
_ الحمد لله .. الحمد لله .. أريد الذهاب إلى المشفى
قال سامر بحزم :
_ لا .. عليكِ أن تنامي و ترتاحي و من ثم سوف أخذكِ إلى المشفى
_ لكن ..
_ لن أسمع منكِ أي معارضة و الآن إلى غرفة النوم
اقتربت سعاد منها و هي تقول :
_ هيا عزيزتي ... سوف أساعدك
دخلت أماني مستسلمة إلى غرفة النوم التي أعدتها سعاد لإقامتها و ياسمين في أي وقت .. لقد ظنت أنها لن تستعملها أبداً هي لن تخرج من منزلها .. لكن كان للقدر كلمة أخرى
ألقى سامر بجسده على الأريكة يحاول الإسترخاء قليلاً ... خرجت سعاد من عند اماني و هي تنظر لوجهه المنهك و المثقل بالهموم ... جلست إلى جانبه ساعدته ليضع رأسه على حضنها .. بدأت بتدليك رأسه بنعومة حتى يسترخي قليلاً و هي تقول :
_ كان الله معك حبيبي
ابتسم و هي ينظر لوجهها الهاديء :
_ هو معي .. فقد أرسلك لي لتكوني معي في أصعب أيام حياتي ... أنتِ سندي سعاد
_ و سوف أكون معك دائماً و أبداً
قال و هو يلف خصل شعرها المتناثرة حول وجهها على إصبعه :
_ سوف أعوضك عن هذه الأيام حبيبتي
انحنت على وجهه تقبل شفتيه بنعومة و حب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم سوف تجتمع مع ناجي القاسم ... هنا يبدأ دورها بهذه المهمة الغريبة ... لم تتصور أنها ستخوض عالم الإستخبارات بهذه الطريقة ... هي الآن في الصف الاول للمواجهة .. لن تعمل خلف شاشة حاسوبها فقط .. عليها أن تحسب حركاتها و كلماتها و حتى عدد دقات قلبها و أنفاسها
وحيدة تقف أمام الواجهة الزجاجية لغرفة الإجتماعات داخل مكتب حازم .... تراقب ازدحام الشارع كما أفكارها ... ذلك الغائب و صورة تلك الدمعة الخائنة تحرق روحها ... كم تحتاج لتواجده في هذه اللحظات الحرجة و المخيفة... لكان بث في نفسها بعض القوة و الثقة ... تشعر بأنها تلقي بنفسها في بحر متلاطم الأمواج دون مرساة أو قارب للنجاة
أغمضت عينيها بقوة و هي تسخر من نفسها ... تعلق حاجتها إليه على شماعة المهمة ... كم تشتاق لوجوده الخجول في حياتها .... تتوق للمسة عابرة من يده الدافئة ... ضحكته التلقائية التي يطلق لها العنان مع يزن ... تقلب الألوان في عينيه حسب مزاجه .. صوت أنفاسه نائماً على الأريكة بجانبها ... تحبه .... تعشقهُ .... و مهما حاولت إقصاء هذه المشاعر .. تهزمها ..تثور عليها ... لترفع رايات الإستسلام على سفوح هواه المستحيل
_ ما الذي تفعلينه هنا ؟؟
التفتت لصاحبة الصوت الأنثوي لتجدها أمامها بثوبها الأحمر الضيق القصير مكشوف الكتفين ... تعقد ساعديها و عيناها العسلية تتقد غضباً ...
تقدمت ياسمين حيث الطاولة المستديرة للإجتماعات و جلست واضعة ساقاً فوق ساق ....
_ و ما شأنك أنت مهندسة سيرين ؟
زمت شفتيها بحنق و هي تقول :
_ هذا مكتب حازم و هو لا يسمح لأي كائنٍ كان بدخوله دون وجوده
فتحت ياسمين حاسبها المحمول متجاهلة النظر إليها قائلة
_ فليحاسبني السيد حازم ... أنتِ لا تتدخلي
تقدمت سيرين سريعاً حيث الطاولة المستديرة تضربها بكفيها غاضبة
_ ما الذي تريدنه من حازم ؟؟ أتركيه و شأنه
وقفت ياسمين و هي تنحني باتجاه سيرين ترمقها بنظرات متوعدة:
_ أنا امرأة متزوجة .. توقفي عن هذا التفكير المريض و لتفهمي أن حازم لا ينجذب للفتيات الرخيصات
صرخت سيرين غاضبة و هي تتجه لمكتب حازم :
_ الرخيصة من تسعى وراء رجل و هي على ذمة آخر
قالت ياسمين وهي تشد على أسنانها :
_ سوف أقطع لك لسانك القذر هذا
فتحت سيرين أحد أدراج مكتب حازم لتخرج صورة منه ... تقدمت حيث الطاولة المستديرة و هي تقول بهستيرية ملقية بها اتجاه ياسمين :
_ و ما الذي تفعله هذه الصورة عنده .... لما يتعلق بها و يقضي ساعات طويلة يحدق بها
تناولت ياسمين الصورة و هي ترتجف غضباً ... تجمدت عينيها عليها ... شذّ قلبها بدقاته ... انها صورتها ... تذكرها جيداً .... التقطها حازم في اليوم الذي احتفل بعيد ميلادها ... كانت ترفضه و تصده خوفاً على قلبها من جرح جديد ... لكنه اجبرها يومها على الإبتسام له و منحه الثقة تذكر كلمات حازم يومها جيداً :
" سأعيش عمري على ذكرى ابتسامتك هذه ... و سوف أسعى لبقائها مرتسمة على شفتيك ما حييت .. لكن امنحيني فرصة لأحبك كما تستحقين "
لقد التقط هذه الصورة حتى يحفظ ذكرى يوم استسلام ياسمين لقلبه و حبه
_ ما الأمر لما لاتردين ؟؟ ما الذي تفعله هذه الصورة في درج مكتبه ؟؟!!...
نظرت إليها ياسمين ببرود و هي تعيد الصورة حيث كانت بهدوء ... لتعود و تجلس امام حاسوبها متجاهلة وجود سيرين الثائرة التي ضربت الأرض بكعب حذائها الدقيق .... خرجت تحترق و تتلوى ألماً و قهراً و هي تهذر بكلمات غير مفهومة
ما ان خرجت سيرين حتى سمحت ياسمين لنفسها بإطلاق هواء صدرها المحبوس مسندة رأسها على كفيها
_ لماذا يا حازم ؟؟.. لماذا ؟؟
لحظتها دخل حازم المكتب تاركاً الباب خلفه مفتوحاً كما اعتاد عند تواجدهما معها في مكان واحد منفردين ...
_ صباح الخير ياسمين
حاولت تمالك مشاعرها و إضطرابها و هي تقول برسمية :
_ صباح الخير سيد حازم
ترك حازم الأوراق التي بيده و هو ينظر إليها متسائلاً :
_ سيد ؟؟ منذ متى ياسمين ؟؟
التزمت الصمت و هي تحدق بشاشة الحاسوب تبحث عن لا شيء بين الملفات ...
تقدم حازم منها و هو يجلس على الكرسي بجانبها
_ ياسمين هل ارتكبت خطئاً ما ؟؟
نظرت إليه و هو تجاهد للإبتسام :
_ لا ...لا ... أنا فقط متوترة قليلاً
ابتسم بحنان و هو يقول :
_ لا تقلقي ياسمين سأكون معك خطوة بخطوة
جلس حازم خلف مكتبه يتشاغل بالملفات أمامه محاولاً تجنب النظر لياسمين ... مرت دقيقة .... اثنتان .. و الامر يصبح أصعب عليهِ .... يريد ان يلتهم تفاصيلها .... يرصد حركاتها و سكناتها ... يستمع لدقات قلبها ... وصل لحدود صبره ... فتح درج مكتبه ليتناول علبة دواء شفافة... ابتلع قرصين سريعاً .... أصبحت هذه الحبوب سبيله للهدوء و ضبط النفس بوجودها .... كان في البداية يتناول حبة واحدة في اليوم و من ثم حبتين .. ثلاثة .. و الآن أصبح عاجزاً عن حصر عدد الحبوب المهدئة التي يتجرعها يومياً ..لقد أدمنها فعلاً .. كما أدمن ياسمين ... ما الذي يمكن ان يفعله و قلبه لا يرى من النساء سواها ... يضغط على نفسه و على اعصابه يذكر نفسه بانها زوجة رجل آخر و لكن أفكاره الخائنة تجبره على استحضار رائحة عطرها و شعرها و همسها و كلامها و ضحكاتها و ملمس جلدها و طعم شفتيها
قطع صوت هاتف مكتبه أفكاره ... ليرد سريعاً فاراً من نفسه :
_ نعم .. نعم ....في الإنتظار
وقف وهو يرتدي سترته و يتأكد من وضع ربطة عنقه
_ لقد وصل ناجي القاسم و جودي سوف تستقبله في الأسفل
ابتلعت ياسمين ريقها بصعوبة ... ملأت رئتيها بالهواء و أطلقت كل توترها خارجاً لترسم ابتسامة واثقة على شفتيها .... من أجل زياد يجب أن تنجح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ سيد أمجد ... الأنسة نورا تطلب مقابلتك
ألقى أمجد القلم من يده بانفعال و هو يقول مستغرباً:
- نورا ؟؟
أجابه مدير مكتبه و هو يقول بمسرحية :
- تبدو غاضبة للغاية
وقف أمجد و هو يدس يده في جيبه قائلاً :
- أدخلها و أوقف كل الإتصالات في هذا الوقت
خرج مساعده و هو يقول :
- كان الله في عونك تبدو لي مستعدة للقتل
دخلت نورا و عيناها تنذر بالشر و هي تلهث لإلتقاط أنفاسها .. ما إن رأته حتى رفعت سبابتها بإتجاهه
-أنت .. أنت نظر إليها أمجد بلامبالاة و هو يقول ساخراً :
- ماذا ..؟؟ هل أكل القط لسانك
قالت ثائرة و هي تلقي بحقيبتها أرضاً : - لقد طردت من عملي بسببك أمجد
- بسببي ؟؟
_ نعم .... بسببك أنت ... لقد جعلتني أعيد عملي على دفاترك عشرات المرات بحجج واهية حتى ظن المدير بأنني فاشلة في عملي و قام اليوم بطردي
إرتجفت شفتاه قليلاً و هو يراها لأول مرة في هذه الحال ,اقترب منها بضع خطوات دون أن يتكلم ... عيناها تهدران كأمواج بحر عاتية تغرقه فيها أكثر و أكثر ...يريد أن يكرهها و يمقتها و لكن قلبه يرفض هذه المعادلة و يفرض عليه عشقها
_ هل رضيت الآن سيد أمجد ؟.... هل بُردت النار في صدرك ؟؟ هل حققت انتقامك ... ام مازال لديك المزيد !!! .... هيا .... ما الذي تنتظره باشر في الأمر ..ما رأيك أن تقوم بضربي الان قد ترتاح أكثر
اشتعل الغضب في صدره و هو يقول لها :
-نورا ؟؟ هل جننتِ توقفي عن هذا الكلام الفارغ تحررت الدموع من عينيها و هي تسحق كفيها من شدة الضغط عليهما
_ لماذا ؟؟ أنا أسلم لك نفسي طائعة لتفعل ما تريده
اقترب منها حتى شعر بأنفاسها الساخنة تلفح صدره
-نورا ... أنا أرغب في قتلك حقاً من شدة حبي لك ... لا أستطيع أن اخرجك مني تملكتني و هذا الأمر يحطمني
نظرت إليه بألم و هي تشهق ببكائها تضع يدها على حلقها تشعر بالإختناق
-انا أستحق الموت ... أستحقه ... أرغب بالموت إن كان في الأمر راحة لك و لسلام و معتصم
أراد أن يضمها و يغمرها بصدره و هو يراقب انهيارها .... لكنه منع نفسه من الإنسياق في الأمر
_ نورا .. ما الأمر ؟؟ لا أظن أن طردك من العمل السبب في هذا الإنفجار
ازدادت حدة بكائها و هي تتكيء على الحائط ,قالت بصوت مختنق :
_ أختي سلام .... الرقيقة و البريئة ... حياتها تسير من سيء لأسوء .... هي محطمة ... تعيش معنا كظل بلا روح ... معتصم كسرت الهموم ظهره و هو يراقب انهيارها المستمر وقد كبر فوق عمره سنين عديدة .... و انت .... أنت يا أمجد تتحول لإنسان آخر ... خسرت نفسك و طيبتك ... و كل هذا بسببي أنا ... أنا المذنبة فقط....أستحق كل ما يحدث لي و أكثر
مرر أمجد أصابعه في شعره مضطرباً و هو يستمع لكلماتها القاتلة ..لم يتصور أنها تعذب نفسها بهذه الأفكار و هو لم يساعدها ...بل زاد من سوء الأمر على نفسها ... نظرت نورا لأمجد و هي تضرب و جهها تريد أن تشعر بالألم أكثر
- امجد أرجوك عاقبني أكثر و أكثر ... أنا مذنبة بكل شيء ... عاقبني كما تشاء قطع
أمجد المسافة بينهما ليحتويها بصدره سريعاً قائلاً :
_ توقفي نورا ... أرجوكِ أنت تذبحين قلبي ... أنا ....آسف عما فعلته بكِ .... أحبك نورا ... أحبك أكثر من نفسي و لكن ... لكن ....
سحبت نورا نفسها من بين يديه و قلبها يدق كما الطبل في صدرها .. حملت حقيبتها و هي تقول بانهاك :
_ ما كان يجب أن أحضر إليك ... أنا آسفة أمجد ... آسفة على كل شيء
وقف في طريقها و هو يقول:
- لا تذهبي نورا
_ أمجد ... أنت لن تنسى ماضيّ الأسود الذي كتبته بيدي .. أنا لا أستحق فرصة ثانية في هذه الحياة .... أنا لا أستحق حبك و قلبك ... انسى وجودي و لا تخسر نفسك أكثر عد كما كنت ... أرجوك
خرجت و قد تركته يصارع عواصف نفسه و قلبه ... هي محقة يجب أن يخرجها منه و من قلبه و لكن عندها قد يخسر روحه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صعدت برفقته لداخل المصعد الخاص بالضيوف و كبار الشخصيات و هي تبتسم برسمية ... ما إن أغلق باب المصعد حتى بادر بسؤالها :
_ هل تأكدتِ من خلو غرفة الإجتماعات من أي كاميرات أو أجهزة مراقبة
أجابته جودي و هي تعدل نظاراتها الطبية :
_ لا تقلق الغرفة نظيفة و قد زرعت جهازاً للتشويش حتى نطمئن أكثر
التزم الصمت حتى وصل المصعد لوجهته .. تقدم في البداية و تبعته جودي ترشده للطريق ... دخلا مكتب حازم الذي أسرع لاستقباله و من خلفه ياسمين ... تجاوز ناجي القاسم الخمسين من عمره ... متوسط الطول ... نحيف ...أصلع ... عيناه تلمعان بالمكر و دهاء مخيف ...
قالت جودي و هي تقدم الموجدين :
_ السيد ناجي القاسم .. السيد حازم و المهندسة ياسمين ..
جلس الجميع إلى طاولة الإجتماعات بعد مغادرة جودي و بعد تجاوز الرسميات قال حازم :
_ ما الذي يمكن ان نقدمه لك سيد ناجي ؟؟
نظر ناجي إلى ياسمين و نصف ابتسامة ماكرة تطرق شفتيه
_ لا بد أن المهندسة ياسمين تعرف ما الذي أريده تماماَ
ابتسمت ياسمين بتوتر و هي تقول :
_ عفوا؟؟
شبك ناجي كفيه على الطاولة منحنياً للأمام و هو ينظر لياسمين في عمق عينيها
_ مهندسة ياسمين ... لابد أن خبر طلبي الغريب قد وصلك و أنتِ من كبار المبرمجين في بلادنا
ضحكة قصيرة صدرت من ياسمين و هي تبادل ناجي النظرة المدققة :
_ سيد ناجي تريد أن ندخل في صلب الموضوع مباشرة ... حسناً ... اسمح لي أن أقول بأن طلبك مجنون
_ ولكنه ليس بمستحيل
قال حازم و هو يمسك القلم امامه :
_ سيد ناجي .. إن ما تطلبه أمر خطير للغاية ...ربط نظام الحماية بمنظومة متفجرات قد يؤدي لنتيجة لا ترغبها أبداً
تراجع ناجي في جلسته و هو يحك حاجبه قائلاً :
_ مهندس حازم ... أنت خبير في هذا المجال ...اعلم بأن الكل يراك في صورة رجل الأعمال و السياسة و لكنك مهندس نابغة في عالم المتفجرات و عملك على الحدود في فك الألغام متطوعاً يدل على شغفك و تعلقك بهذا العالم
نظر حازم بإعجاب لذلك الرجل الغريب ... تذكر كلمات زياد في آخر اجتماع و هو يوجهه حديثه له و لياسمين
" تذكرا ... ناجي القاسم لن يحضر إليكما إلا بعد أن يعلم كل كبيرة وصغيرة عنكما و سوف يحاول إقناعكما بالموافقة من خلال الضغط عليكما بأمور حقيقية و موجودة .... لا تضطرب و لا تغضب "
قال حازم بهدوء:
_ سيد ناجي أنا لا أشكك بقدراتي و لكن هذا الأمر قد يقتل ...
قاطعه ناجي و هو يقول بحزم :
_ قد يقتل لصاً
صمت حازم وهو يتظاهر بهزيمته ...قالت ياسمين بغضب مصطنع :\
_ و إن كان لصاً ... هذا لا يبرر قتله
وقفت و هي تكمل :
_ اعتذر منك سيد ناجي و لكن لا يمكن أن أضع يدي في هكذا أمر
همت بالمغادرة لولا قول ناجي الذي جمدها مكانها :
_ ما أخبار طلب القرض الذي تقدمت به للحصول على تمويل سكني دون كفالة زوجك؟؟
نظرت إليه بقسوة و هي تقول :
_ لما تتدخل بأمرٍ كهذا ؟؟
وقف ناجي و هو يضع كفه بجيبه :
_ سيدة ياسمين لنكن واضحين أنا احتاج هذا البرنامج و انتِ تحتاجين النقود لشراء المنزل .... انتِ تمتلكين البرنامج و انا املك المال الذي سيمكنك من شراء المنزل دون قروض أو أقساط
شدت ياسمين على كفها بغضب حقيقي و هي تعود للجلوس مكانها تحت أنظار حازم الحائر ... لما تحتاج إلى منزل خاص و لما ترفض كفالة زياد ... ؟؟ ما الذي يحدث معها ؟؟
قاطع صوت ناجي الحاد أفكاره و هو يقول :
_ و انت سيد حازم أعلم أن والدك قطع ماله عنك بسبب انسحابك من حزبه و الشركة الان ترنح تحت تهديد الإفلاس
نظرت ياسمين إلى حازم بصدمة و هو يشعر بنفسه محاصراً ... لقد تمكن منه حقاً
قال ناجي و هو يبتسم منتصراً :
_ سوف أعطيكما فرصة للتفكير ...بالإذن
استوقفته ياسمين و هي تقول :
_ سيد ناجي انا موافقة ...
نظرت لحازم مشجعة ليقول في النهاية :
_ وانا موافق
فتح ناجي باب المكتب و هو يقول :
_ سوف انتظر زيارتكما للبنك لتطلعا على حقيقة الوضع و سوف اجهز مخططات البنك و كل ما تحتاجانه
خرج مغلقاً الباب ورائه .. تاركاً حازم و ياسمين في حالة من الذهول و الانزعاج .. شعرا بنفسيهما مكشوفين امام ناجي
حل الصمت بينهما لدقائق مشدودة مدمرة للأعصاب ... توجه حازم لمكتبه ليجلس مسنداً رأسه على المقعد و هو يقلب الأمر
أسندت ياسمين رأسها على كفيها و هي تحاول استجماع قوتها لكن صوت حازم المميز ببحته الرجولية أثار الإضطراب بنفسها
_ ما حاجتك للمنزل ياسمين ... لما ترفضين كفالة زياد لكِ .. ما الذي يحدث معكِ؟
رفعت رأسها و هي تقول بهدوء مخادع :
_ أنا بخير .... لا تقلق .... أردت منزلاً خاصاً .... هذا هو الأمر فقط
وقف حازم ليقترب منها و هي تلحقه بنظراتها :
_ ياسمين ..أرجوكِ أخبريني هل يقوم زياد بإيذائك
قالت سريعاً وهي تقف لتجمع أغراضها :
_ لا .... أرجوك حازم انسى الأمر .... أنت أخر شخص يحق له التحدث بالأمر
_ ياسمين إن كنت تعانين من أي مشكلة ؟؟ أرجوكِ أخبريني
قالت بغضب و قد اقتربت من حد البكاء:
_ حازم هذا يكفي .. أتوسل إليك
تشاغلت بالحاسوب امامها و هي تضرب لوحة المفاتيح بقوة .... كان حازم يقف خلفها ....أراد أن يضع يده على رأسها حتى يبث الهدوء في نفسها ..لكن يده تجمدت على بعد سنتمترات قليلة .... حرك يده على طول شعرها دون أن يلمسها فعلاً .... و قلبه يخفق باشتعال ... دس يديه بجيبه وهو يبتلع ريقه بصعوبة ....استدار لينظر للشارع المزدحم من خلال الواجهة الزجاجية و الأفكار تصرعه ... و أمل خائن يزهر له مع ياسمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصبح شاطيء أجمل مكان في الدنيا للإحتفال بزفاف ملكي راقي ... تناثرت الطاولات المستديرة المغطاة بمفارش بيضاء مطرزة بإسمين " قصي& سلام " .... في منتصف الطاولة حوض ماء صغير و أنيق تطفو بوسطه زهور بيضاء و شمعة ... تم تنظيم الصحون و الأكواب بدقة و إحترافية و قد نقش عليها إسمي العروسين و بطاقة صغيرة عليها أسماء المدعوين
أمام الطاولات شيد مسرح واسع وضع عليه طاولة مزينة بزهور بيضاء... ليتم كتب الكتاب أمام الجميع و من ثم سوف ترفع لتحتل الفرقة الموسيقي المكان و ما بين المسرح و الطاولات تم إنشاء ساحة الرقص الخشبية المحاطة بكاشفة ضوء و على الجانب الآخر من الشاطيء تم تشيد خيمة بيضاء كبيرة لتقديم الطعام و الحلويات من كل الأصناف و الأنواع ..عربية و شرقية ...و تم تشيد خيميتين صغيرتين واحدة للعريس و الثانية للعروس .... كان العاملين على الزفاف يتحركون كما النحل في أنحاء المكان
وقف قصي في خيمة سلام ينظر لفستان الزفاف الأبيض المعلق .... كم يبدو كئيباً بدون صاحبته .... لقد اختاره بنفسه ... كان اسم التصميم ما شده له في البداية " حورية البحر " ... سوف يجعل سلام تظهر كالحورية الساحرة .... لكنها لم تحضر حتى الآن ... لم تحضر ... قلبه يخفق ببطء مؤلم ... إن لم تظهر في هذا اليوم سوف يتوقف قلبه عن الخفقان ...
دخلت أمه و دموع القهر تلمع في عينيها :
_ قصي أرجوك ..يجب أن تعلن عن إلغاء الزفاف ... لم يبقى على موعده سوى ساعتين فقط ... و قد قالت سلام أنها لن تحضر ... بني ..سوف يكون من المخزي لنا حضور رئيس الوزراء و الوزراء والسفراء و الصحافة دون وجود عروس
تنهد قصى قائلاً بهمس :
_ سوف تأتي .... اليوم سوف أتزوج بسلام .... أنا متأكد
دخل منظم الحفل ليقول بتوتر :
_ سيد قصي... مصففة الشعر و المكياج تهم بالمغادر ... تقول حتى لو أن العروس جاءت الآن ...
قاطعه قصي غاضباً :
_ إمنعها من التحرك .... سوف تحضر العروس قريباً
ارتجف منظم الحفل و هو ينسحب قائلاً :
_ حاضر ..حاضر
خرجت أمه و هي تحترق على حال ابنها .... اقترب قصي من فستان الزفاف ضمه لصدره و هو يقول بحرقة و الدموع تتجمع في طرف عينيه لتعكس حزنه و ألمه :
_أرجوك سلام .... لا تتركيني ... سأموت من دونك حبيبتي ... لقد تطورت فيكِ .... يا سلام قلبي .. تعالي حوريتي .... أنا أنتظرك .... اليوم ستتوحد روحينا للأبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشبحWhere stories live. Discover now