الفصل السادس عشر

51 4 0
                                    

شعر بقلبه يتوقف عن الخفقان عند وصل حروفها المتعثرة لوعيه ... سألها و هو يقول بقلق واضح :
_ قتلته !!...ما الأمر ياسمين ؟؟ ما الذي حدث معكِ
بأنفاس متقطعة و كلمات متناثرة قالت لاهثة :
_ قتلتهُ ...قتلتهُ ... أقسم بأنني أردت إخافتهُ فقط ليبتعد عني .. و لكنه ...
قاطعها زياد بحزم و هو يقول :
_ من الذي قتلتهِ ياسمين ؟؟
_ ناجي القاسم ...قتلته ..أطلقت النار عليهِ
_ياسمين أرجوكِ ان تهدأي قليلاً ... يجب ان أفهم كل شيء حتى اتمكن من التصرف
بصوت مرتجف و بتركيز أكثر قالت :
_ ناجي ..طلب مني الحضور إلى البنك بسبب خلل في برنامج الحماية ... قال أن كلمة السر الجديدة التي أدخلها لم تفعل بالشكل المطلوب ... توجهت إلى البنك حتى اعالج المشكلة ...و رغم أن اليوم هو السبت و البنوك مغلقة و الموظفين بإجازة ... فقد أدخلني رجل الأمن إلى البنك .. إلى مكتب ناجي .... لكن فور دخولي لمكتبه قام بإغلاق الباب .... و بدأ ... بــببـ
عادت تبكي بشدة و قد أسودت الدنيا في وجهه زياد و صور مرعبة ترتسم امامه ... أكملت ياسمين وهي تشهق باكية :
_ بدأ بمغازلتي بطريقة مقرفة ... حاول للل.... لمسي و تـقــ ....تقبيلي ...تمكنت من دفعه بعيداً ... و لكنه أخفى المفتاح في جيبه ... حاول التعدي علي مرة ثانية .. أخرجت المسدس من حقيبتي ... و هددته إن عاود الإقتراب مني فسوف أقتله ... لكنه سخر مني و هو يقترب .... عندما حاول سحب المسدس من يدي ضغطت الزناد و .. و قتتت ..قتلته
تنفس زياد الصعداء و قد اطمئن أن الوغد لم يمسها بسوء .... قال لها بهدوء و ثقة:
_ اسمعيني جيداً ... إبقي مكانك لا تتحركي ... سأكون معك بعد قليل
قال وهو و يبعد الهاتف عن فمه :
_ مهاب اتصل بحمزة و سامر أريدهما هنا بلمح البصر... أمجد ..اتصل بحازم .... أطلب منه أن يلاقينا في الشارع الفرعي بجانب البنك و اطلب منه ارتداء اللون الأسود
عاد يخاطب ياسمين و هو يتجه إلى الباب مشيراً لمهاب و أمجد حتى يلحقوا به سريعاً
_ثقي بي ياسمين سوف تحل الأمور ... و ذلك الحقير يستحق القتل
أجابته باكية و هي تشهق ببكاء صامت :
_ أثق بك زياد .. أرجوك أسرع أنا خائفة .. خائفة للغاية
_ لا تخافي حبيبتي .. اجلسي في مكان يحجب عنكِ رؤية جسده القذر
_ حسناً
قال زياد و هو يركب سيارته :
_ سوف أغلق الخط الآن تماسكي أرجوكِ
توجهت للمكتب جلست أسفله مختبئة من جسد ناجي و هي تهمس بخفوت:
_ أرجوك زياد ...أسرع ... أسرع
ضمت ساقيها لصدرها و هي تهز نفسها للأمام و الخلف و ذكرى الأسبوع الماضي تعود لترصف الصور أمامها
أربع أيام مرت على الحرب الإلكترونية الطاحنة تناوبت و حمزة على صدّ الهجمات المكثفة و تغطية أي ثغرات يحاول القراصنة التسلل من خلالها ... حازم و سامر قدما مساعدة كبيرة و دعم كبير لعمل ياسمين و حمزة ...
و فجأة توقف كل شيء .... حدق الأربعة بالشاشات أمامهم .. قال حمزة وهو يدقق بالأرقام المتدفقة أمامه :
_ ما الذي حدث !!! هل توقف جميع القراصنة عن العمل في وقت واحد
قالت ياسمين و هي تبحث بين الأرقام :
_ هذا ما يبدو ... لكن لماذا ؟؟ هل استسلموا !!!
قطبت ياسمين جبينها مفكرة و هي تقول :
_ حمزة أدخل إلى كاميرات المراقبة الآن أمام باب الخزنة ....
ظهرت الصورة أمامها وناجي يقف مع شخص آخر أمام الخزنة ... يبدو جسداً انثوياً ... لا يظهر من وجهه شيء وهي تلبس قبعة تخفي كل شعرها و نظارات ضخمة ... ترفع ياقة قميصها ... و من خلفها يقف رجلان ضخمان يلبسان بزة سوداء و نظارات تخفي نصف وجهيهما
دخل ناجي الخزنة و حيداً فتح أحد الأدراج التي تحتوي على لوحة الكترونية ...
انتقل حمزة للكاميرات المثبتة داخل الخزنة ... سأل زياد الذي يراقب ما يحدث منذ البداية :
_ ما الذي يفعله ؟؟
قالت ياسمين و هي تمسك هاتفها :
_ سوف يوقف نظام الحماية من خلال هذه اللوحة ..
_ لماذا ؟؟
قال حمزة و هو يحدق بالشاشة أمامه :
_ يريد أن يسمح للواقفة في الخارج بالدخول ..لا تنسى أن الأرضية مبرجمة لتحمل وزنه هو فقط.... إن كان شخص آخر سيدخل دون أن تنفجر الخزنة فيجب إيقاف النظام جزئياً و هذه هي وظيفة اللوحة الإلكترونية المثبتة داخل الدرج
أرسلت الساعة التي ترتديها ياسمين نبضاً كهربائياً ينبه بحدوث إيقاف للبرنامج .. اتصلت بناجي سريعاً كما تقتضي الإجراءات الأمنية المتفق عليها
_ مرحباً سيد ناجي ..أنت قمت بإيقاف نظام الحماية .. حسناً كما تشاء .... إلى اللقاء ....
قال حمزة و هو يضرب لوحة المفاتيح ..لقد أوقف ناجي الكاميرات الداخلية و لكن لازلت أتحكم بقدرتنا على التجسس
عاد الجميع يدقق بالشاشة و قد دخلت الغريبة إلى الخزنة ..أخرج ناجي من جيبة رمز أسود على شكل حرف أكس بحجم الكف ....أخرج أحد الأدراج بشكل كامل وضعه أرضاً .. أخذ الرمز و أقحمه بالفجوة ... تحرك الحائط بالكامل بشكل جانبي ... دخل ناجي و الغريبة من خلال الفجوة و بقي الضخمان في الخارج .. عاد الحائط لمكانه طبيعياً
خيم الصمت على الجميع ..محدقين بالشاشات أمامهم ..قال أمجد قاطعاً الصمت :
_ أشعر بأنني دخلت أحد روايات دان براون ...رمز أكس .. و غرفة مخفية خلف خزن حديدية ...
بقي الصمت مخيماً و العيون تترقب و هي مثبتة على الشاشة ... دلك حازم رأسه بقوة و قد تمكن منه الصداع ... نهض و ابتعد قليلاً و هو يخرج علبة المهدائات يبتلع منها بضع حبات .... دخل المطبخ يشرب الماء و هو يتكيء على الطاولة في المنتصف ...
_ ما قصة هذه الحبوب التي تبتلعها طوال الوقت؟؟
شتم نفسه في سرهِ ... نظر لياسمين التي تحدق به قلقة ..قال و هو يرسم إبتسامة مزيفة على شفتيه و هو يقول :
_ إنها مجرد مسكنات لوجع الرأس ..لا تقلقي
أراد أن يتجاوزها لكنها وقفت بطريقه و هي تعقد ساعديها :
_ لا تكذب يا حازم .. أعرف ماهية هذه الحبوب جيداً ... لقد عشت عليها لفترة بعد الــ ...الحادثة ... و أنت تتناولها بكثرة... يدك ترتعش طول الوقت .... و تبدو تائهاً و لست بوعيك و صفاء ذهنك الذي أعرفهُ جيداً
ضحك و هو يدس يده بجيبه قائلاً :
_ لم أعلم أنكِ تراقبين تحركاتي بدقة
هزت رأسها بغضب و هي تقول :
_ قد لا يكون من في الخارج قد انتبهوا بعد و لكن إدمانك لن يبقى سراً لفترة طويلة
قال مستنكراً :
_ إدمان ؟!!
_ حازم .. أرجوا أن تعالج الأمر ..
مرر حازم يده بشعره غاضباً و هو يقول :
_ و لما تهتمين ياسمين ؟؟ لا شيء يجمعنا ..لقد تخليت عني
قالت و قد اجتمعت الدموع بعينيها :
_ أنت والد طفلي ... و إن لم تعالج نفسك سريعاً فلن أسمح لك بالإقتراب منه
اشتعل الغضب بعينيه و هو يقترب منها سريعاً :
_ ياسمين .... لا تمتحني صبري بالكاد أتمالك نفسي و أنتِ أمامي زوجة رجل آخر يستبيح قربك و لمسك... لا تضغطي علي أكثر
قالت و هي تتراجع بضع خطوات للخالف و هي ترمقه بنظرت عطف و شفقة .. و قد تسللت الدموع لخدها :
_ حازم أرجوك ...أتوسل إليك لا تؤذي نفسك أكثر .. من أجل يزن ..
أرادت الخروج و هي تمسح دموعها لكنها اصطدمت بجوز عيون تشتعل غضباً .. تجاوزته سريعاً و هي تعود لمكانها أمام الحاسب دون أن تنظر إليه .... كان حازم لا يزال واقفاً محدقاً بالفراغ ... أراد أن يتقدم منه ليفهم ما حدث بينه و بين ياسمين .. وما سبب بكائها .... لكن صوت حمزة و هو ينبهه لخروج ناجي و الغريبة من الغرفة السرية جعلته يعود سريعاً محدقاً بالشاشة يحاول استشفاف دليلٍ ما ...أو خيط يساعده ..
كانت تلك الغريبة تحمل ظرفاً مغلق و هي تنسحب دون أن تلتفت لناجي الذي أعاد الدرج الموضوع على الأرض مكانه ..غادرت و غادر ناجي و هو يعيد تفعيل نظام الحماية و يغلق الخزنة ....
قالت ياسمين و هي تضرب المفاتيح من جديد :
_ قد يعود القراصنة الآن لمحاولتهم
عاد الجميع لعملهم و قف زياد مع مهاب و أمجد ....قال مهاب :
_ و الآن ماذا ؟؟ إن تمكنا من اقتحام الخزنة ...كيف سندخل إلى الغرفة السرية ؟؟كيف سنحصل على الرمز الذي يفتحها ؟؟
قال زياد و هو ينظر لحازم الجالس إلى جانب ياسمين يعمل معها بصورة طبيعية :
_ لنتأكد من أن ناجي قد اطمئن للبرنامج و من بعدها سوف ندرس خطوتنا التالية
تقدم ناحية ياسمين و هو يهمس لها :
_ أريد أن أتحدث معكِ
خفق قلبها بشدة وقد علمت أنه لن يترك موضوع حازم يمر بهدوء ..لحقت بهِ إلى غرفة النوم تحت أنظار حازم المحترق من الداخل و قلبه يخفق بقوة تكاد تقتله ....
دخلت ياسمين خلفه و هي تغلق الباب .... هدر قلبها عنيفاً و زياد يطوقها بين ذراعيه مستنداً على الحائط و هو يحرقها بعيونه ...قال بصوت أجش :
_ ما الذي يحدث معك و حازم ؟؟ لما كنت تبكين في المطبخ و لما لحقت به بداية الأمر ؟
نظرت لصدره المضطرب بأنفاسه و هي تقول متلعثمة :
_ أرجوك زياد أنت تخيفني للغاية
ضرب الحائط بجانبها و هو يقول بعصبية واضحة :
_ ياسمين ... تكلمي الآن قبل أن أفقد أعصابي
نظرت إليهِ بحزن و هي تقول :
_ هل تشك بإخلاصي لك ؟؟
صدم من ردها ..أطبق على كتفيها :
_ لا أيتها الحمقاء ...خفت أن يكون قد تسبب بإيذائك ... و قد شعرت بـبـ ...
ابتسمت من وسط دموعها و هي تقول :
_ بالغيرة؟؟ تغار علي زياد !!
ضربها بخفه على رأسها و هو يقول :
_ ثقي بنفسك قليلاً و بحبِ لكِ و توقفي عن التشكيك بنفسك
ضحكت بنعومة و هي تقول :
_ حازم لم يقم بإيذائي هو أمر يتعلق به هو ... لا يمكن أن أبوح بهِ دون إذنه .. لا تنسى أنه سيبقى أب ابني ... سيبقى جزءاً من حياتي
ظهر الضيق على وجهه و هي يعتق كتفيها .... أسرعت تطوق رقبته تضمه قائلة :
_ أنا أحبك زياد ... أنت حياتي كلها
ضمها لصدره بقوة و هو يقول لها هامساً :
_ متى سنعود لشهر عسلنا ..لقد تم إنهائه بسرعة
طبعت على شفتيهِ قبلة سريعة و هي تقول :
_ يجب أن نعود إلى العمل زياد ....
أسند جبيبنه على جبينها و هو يقول :
_ أنتِ قاسية ياسمينتي
بعد 24 ساعة و قد هدأت الأمور ..اتفق الجميع على العودة إلى حياتهم الطبيعية .. و خاصة ياسمين و حازم خوفاً من أن يكون ناجي قد وضع مراقبة ما عليهما ... بقي حمزة في المنزل الآمن يراقب الأوضاع من خلال اقتحامه الكاميرات و للسيطرة على أي محاولة اختراق جديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
في الوقت الحالي ...
لحقت سعاد بأماني إلى المطبخ تساعدها بإعداد الطعام و هي تسترق النظر لسامر الغاضب و الصامت منذ أسبوع دون أن يعطيها سبباً .... و ليليان الجالسة قريباً منه لا تتوقف عن البكاء المكتوم .. قالت بحيرة :
_ ما خطب سامر و ليليان ؟؟
هزت أماني رأسها بأسى و هي تحرك ما في القدر بهدوء :
_ منذ قررت ليليان الرحيل و بعد ذلك الشجار انقلب حالهما ... لا اعلم ما الذي قالته لسامر لتجعله متشنجاً فاقد الصبر ... و تلك المجنونة لازالت تصر على السفر بعد عدة أيام و فوق كل هذا ... لا علم لحمزة بكل هذا بسبب سفره الغبي و المفاجيء
أمسكت سعاد الملعقة من يد اماني ... تكمل عنها الطهو :
_ عليكِ أن تهدأي عزيزتي .. .لو لم يكن الأمر مهماً للغاية لما غادر هكذا
قالت أماني و هي تضع يدهاعلى صدرها متألمة :
_ لم يمضى على خروجه من المشفى سوا بضع أيام عليهِ أن يرتاح ... أخشى عليه من انتكاسة تؤذيه
_ لا حبيبتي لا تقلقي سيكون بخير .. اهتمي بنفسك و بالملاك الصغير كم أشتاق لمقابلته و اللعب معه
ضحكت أماني و هي تلمس بطنها :
_ و أنا أكاد أموت شوقاً لرؤيته .... أتمنى أن نفرح بخبر حملك قريباً
ظلل الحزن نظرت سعاد و هي تقول :
_ لا أعلم إن كان ذلك سيحدث لم أعد صغيرة ..... أخشى أن الوقت قد فات
شهقت أماني و هي تشد سعاد من ذراعها :
_ من يسمعك يظنك قد بلغت الستين .. مازلت صغيرة و المجال أمامك مفتوح .... فقط ثقِ بالله
في الخارج وقف سامر غير قادر على تحمل وجوده مع ليليان وحيداً ... يرغب بصفعها حتى تستفيق من أوهامها ... جلس على أرجوحة الشرفة يتنفس بعض الهواء النقي مغلقاً عينيه يحاول الحصول على بعض الهدوء...
_ سامر ....
شعر بصوتها كصاعقة كهربائية اشعلت الغضب بصدره ... فتح عينيه ينظر إليها و هي واقفة على باب الشرفة تفرك كفيها بتوتر :
_ سامر أرجوك أن تسمعني و توقف عن تجاهلي
بسخرية لاذعة أجابها :
_ ما الأمر هل بقي لديك أمور مجنونة و حمقاء تريدين مشاركتي بها
تقدمت منه و قد تسارعت دموعها بالتساقط :
_ توقف عن السخرية مني و من مشاعري ...
أشاح سامر بنظره عنها و هو يقول :
_ أنتِ لا تفهمين شيئاً ... متخبطة بمشاعرك و قراراتك ... عمري ضعف عمرك أيتها الحمقاء ....
جلست إلى جانبه و هي تقول متوسلة :
_ و منذ متى كان العمر عائقاً يقف بين الرجل و المرأة إذا تحابا؟؟
وضع يده على جبينه و هو يهز رأسه :
_ حب ؟؟ ليليان .. انا رجل متزوج .. مغرم بزوجتي منذ سنوات طويلة ... و لا يمكن أن أفكر بالزواج من ثانية ... لقد اعتزلت النساء و قت رحيل سعاد عن حياتي ... و لن أدخل أخرى على قلبي و قد اجتمعت معها بالنهاية
أسندت ليليان و جهها بين كفيها و هي تشهق بالبكاء :
_ لهذا يجب أن أعود لحياتي القديمة .. لا أريد أن أتعلق بك أكثر ..الأمر يؤلمني للغاية
وقف سامر فجاة و هو يسحب ليليان من ذراعها يهزها و هو يصرخ :
_ أفيقي أيتها الغبية ... أخرجي هذه الأوهام من رأسك الصغير هذا ... أنت تبحثين عن روح حذيفة داخلي ... كلمة الحب بالمعنى الذي تعيدينه على مسامعي بعيدة عن الحقيقة التي تتصورينها .... أنا ربيت أخاك الأكبر كابن لي و أنتِ لا تختلفين عنه... و أنت ِ لن تغادري هذه البلاد شأتِ أم أبيتِ ... هل تفهمين ؟؟
دفعها على الأرجوحة و هو يخرج منادياً سعاد .... تفاجأ بوقوفها أمام باب الشرفة و الدموع قد أغرقت عينيها....اقترب منها يهمس باسمها ...قالت و هي تبتعد عنه :
_ الطعام جاهز
أسرعت إلى المطبخ و هي تمسح دموعها و سامر يضرب كفاً بكف :
_ هذا ما كان ينقصني الآن !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
شاحنة صغيرة مغلقة نوع ( نيسان ) تقف في زقاق خلفي على بعد شارع واحد عن بنك الإستثمار ... تقدم حازم منها و هو يتأكد من رقم تسجيلها .... طرق الباب الخلفي بطريقة متفق عليها ... فتح الباب تقدم سريعاً مغلقاً الباب خلفه ... للحظة تسمر مكانه و هو يراقب زياد و مهاب يلبسون الأسود يضعون سمعات دقيقة في أذانهم ... و أسلحتهم مثبته خلف ظهورهم ..
تقدم مهاب منه و هو يثبت له السماعة في إذنه قائلاً :
_ هذا لتتمكن من التواصل معانا في حال افترقنا ... ستسمع كل شئ يدور بيننا و لكن إن أردت التحدث إضغط على السماعه بإصبعك
تقدم زياد منه و هو يناوله مسدساً من طراز Fn-571 و هو يقول :
_أذكر أنك تجيد استعمال الأسلحة
تناوله منه و هو يضعه خلف ظهره قائلاً :
_ ما الذي يحدث ....؟
قال مهاب و هو يعطيهِ قناعاً أسوداً :
_ سنقتحم خزنة البنك ... الآن ....
عقد حاجبيه و هو يقول مستنكراً :
_ الآن ...في وسط النهار!! ... و ناجي متواجد في مكتبه مع ياسمين تعمل على حلّ مشكلة في النظام !!!
نظر إليه زياد و هو يقول :
_ لقد قتلته
_ من قتل من ..؟؟
قال مهاب و هو يلبس قناعهالذي يظهر عينيه و فمه فقط :
_ ياسمين قتلت ناجي القاسم و هي في الداخل معه
تسارعت أنفاس حازم و هو يقول :
_ هذه مصيبة .. كارثة
قال زياد بثقة :
_ لا تقلق سنحل كل شيء
في هذه اللحظة تعالت صوت الطرقات المتفق عليها ... دخل أمجد مرتدياً قناعه ... قال سريعاً :
_ لقد قمت بتخدير رجال الأمن المناوبين على الكاميرات من خلال فتحات التهوية و قمت بتقيدهم خوفاً من استيقاظ أحدهم.. لكن بقي رجال الأمن الذين يتنقلون بممرات البنك و أمام الخزنة
قال زياد بإقتضاب و هو يضع يده على السماعة و هو يقول :
_ جيد أمجد ... المجند 5 هل تسمعني ؟؟
_ أسمعك جيداً مجند 1
_ سوف ندخل من الباب الخلفي ...سنحاول اقتحامه ... هل حددت مكان كاميرات المراقبة ؟؟
_ لقد فعلت ... هل تريد مني إيقافها ؟
_ لا ... دعها تعمل بصورة طبيعية ... أريد أن نظهر بكامل أناقتنا ...
همس حازم لأمجد و هو يقول متسائلاً :
_ مجند ؟؟ لما ؟؟ لماذا ؟؟
أجابه و هو يتفقد سلاحه :
_ لا يجب أن نستعمل أسمائنا الحقيقي أثناء المهمة قد تكون شبكة الإتصالات مخترقة .... زياد المجند واحد .. مهاب ... 2 ... أنا 3 ... أنت 4 .. حمزة 5 .... سامر 6 .. ألتزم بهذه الأسماء عند تكلمك من خلال السماعة
التفت زياد للرجال المنتظرين أوامره :
_ لننطلق ..... حازم ابقى بيني و بين مهاب .... أمجد ستحرسنا من الخلف ... على بركة الله
خرج الرجال من الشاحنة المغلقة بالترتيب الذي قرره زياد.. يحملون حقائب ظهر ... متوجهين مباشرة للباب الخلفي ... أخرج زياد من حقيبتهِ جهازاً بشاشة الكترونية ... قام بإيصاله مع لوحة المفاتيح المثبتة بجانب الباب الخلفي... وضع يده على السماعة و هو يقول لحمزة :
_ لقد قمت بإيصال الجهاز أيها المجند 5
_ دقيقة واحدة ...
حل الصمت على الجميع ...أصوات القلوب مسموعة و الأنفاس الحذرة تتناسق بدخولها و خروجها على إيقاع واحد ..كما لو أنهم أصبحوا رجلاً واحد
_المجند 1 .. لقد حصلت عليها ..... 4997429824
قام زياد بإدخال الأرقام و من ثم خلع قفازه بعناية ...طبع بصمة إصبعه المغطى بقفاز شفاف ملتصق بكفه متوحداً معه .... فتح الباب بسهولة ... قال حازم هامساً لأمجد "
_ بصمة من هذه ؟؟
أجابه بهدوء :
_ رجل الأمن الذي تم تعينه من قبل شركتك لمراقبة الخزنة
سار الأربعة بشكل متتابع و حذر جاء صوت حمزة محذراً :
_ تراجعوا رجل أمن يتقدم ناحيتكم .... تراجعوا الآن
تراجع الأربعة بحركة سريعة مختبئين بأحد الممرات .. بقوا في أماكنهم كما التماثيل يحبسون النفس ...تحركوا مع وصل إشارة من حمزة بأن الوضع أصبح آمناً
قال زياد و هو يضع يده على السماعة في إذنه :
_ المجند ستة ... قم بدورك الآن
أسرع سامر يتصل بياسمين المتكومة خلف مكتب ناجي و قد أصبح تنفسها بطيء للغاية .... و قلبها ينبض بخفوت تكاد تفقد الوعي ... أيقظها صوت الهاتف من ذهولها ... ردت بصوت مرتجف و قد جائها صوت سامر مهدئاً :
_ ياسمين ....لا تقلقي ستكون الأمور بخير .. أريدك أن تخرجي من المكتب باتجاه الخزنة و أنت هادئة ..تصرفي بطبيعية .. سيقطع زياد طريقك و يقوم بتخديرك .... لا تخافي .. قاوميه باعتدال ... هل تفهمين ؟؟
أخذت ياسمين نفساً عميقاً ملئت صدرها به و هي تمسح دموعها و تعدل من مظهرها:
_ حســ ..حسناً .. سأفعل
وقفت و هي تحاول تجنب النظر لجسد ناجي ...فتحت الباب سريعاً تهرب من روح ناجي التي تحوم حولها ..سارت تحاول إخفاء إرتجافها ... تفاجأت بيد تطبق على فمها و صوت هامس يقول :
_ لا تخافي ياسمين .. ستكونين بخير
غابت عن الوعي سريعاً بين يديه .. وضعها بهدوء على الأرض أشار لمهاب و أمجد بالتحرك لمكتب ناجي سريعاً ... وضع ياسمين على الأرض بلطف .. اصطدمت عيناه بأزرار قميصها المقطوعة و قد ظهر جزء كبير من صدرها .. شعر بالدماء تغلي بعروقه ... تمنى أن يكون ناجي حياً ليقوم بقتله .. أغلق أزرار سترتها سريعاً و هو ينهض متجهاً نحو الخزنة مع حازم الذاهل من كل ما يحدث ... وضع زياد يده على السماعه و هو يقول من بين أسنانه :
_ المجند2 .. في مكتب الوغد يوجد ثلاث أزرار بيضاء صغيره إحرص على إحضارها
جاءه الرد مقتضباً :
_ عُلم ..
دخل مهاب و أمجد مكتب ناجي القاسم و شرعا بالعمل سريعاً... التقط مهاب مسدس ياسمين الملقى على الأرض و دسه بجيبه ... و بدأ البحث عن الأزرار و هو يشتم ناجي في سره ....أسرع امجد للخزنة الحديدية يفحصها و يحدد نوعها قال و هو يخلع حقيبة ظهره ... نحتاج بصمة هذا الوغد و كلمة السر ...
قام مهاب بجر جسد ناجي ناحية الخزنة و قام أمجد بتوصيل اللوحة الألكترونية .. ببضع أسلاك و هو ينادي حمزة :
_ المجند خمسة ... أحتاج كلمة السر
بعد بضع ثواني جاءه الرد.. أدخل كلمة السر ... رفع جسد ناجي .. طابعاً بصمة إبهامه و انفتحت الخزنة و بدأ بالبحث
عاد مهاب يجر جسد ناجي بعيداً .. أخرج من حقيبته علبه معدنية تحتوي على مادة تشبهُ الصلصال ... أمسك كف ناجي و وضعها في اللعلبه و هو يضغط برفق و بعد دقيقة ..أخرج كفه ..تناول زجاجة تحتوي مادة شفافة من حقيبته ...صبها على طبعت كف ناجي و أغلق العلبة و هو يضعها بحرص شديد داخل حقيبته
توجه لأمجد و هو يسأل :
_ هل عثرت عليهِ ؟؟
قال أمجد بغضب و هياج :
_ لا .. لا .. ليس هنا ... كل عملنا يعتمد عليه .. و لكن ..
قاطعه مهاب و هو يقول بهدوء :
_ عليك أن تهدأ يارجل .. لقد أصبحت عصبياً للغاية مؤخراً
تأفأف أمجد وهو يمسك بمصباح صغير يفحص جدران الخزنة قائلاً :
_ عمل الشهور مهدد بالإنهيار و أنت تحافظ على برود اعصابك ..
رفع مهاب حاجباً و هو يقول متسائلاً :
_ما الأمر يا أمجد لطالما كنت هادئاً ... لكنك في الفترة الأخيرة ..تبدو...غريباً !!!
حدق أمجد به و هو يقول ساخراً :
_ لا تبالغ ... و توقف عن لعبة الطبيب النفسي .. لا تليق بك
بدأ مهاب بفحص الخزنة و هو يقول :
_ أكاد أقسم أن هناك فتاة خلف كل هذا
التزم أمجد الصمت و هو يشد على أسنانه
قال مهاب و هو يطلق ضحكة صغيرة :
_ يالله .. هناك فتاة حقاً !!! الوحش وقع صريع الهوى
قال أمجد و هو يعود لفحص الخزنة :
_ توقف عن العبث و التزم بعملك
ضحك مهاب و هو يقول:
_ سأصمت الآن ولكن أحتاج لتفاصيل بعد الانتهاء من كل هذا
همس أمجد بصوت سمعه مهاب جيداً :
_ وغد
قال مهاب بجدية و هو يشير لباطن الخزنة :
_ أنظر للمنتصف ... هناك لوحه إلكترونية صغيرة ....
دقق أمجد بها و هو يقول :
_ بصمة... بصمة ناجي ؟؟!!
قال مهاب و هو يحمل جسد ناجي من جديد
_ هذا الوغد مفيد و هو ميت أكثر من كونه حياً
أمسك امجد إبهامه و ضغط على اللوحة ... صدر صوت طرقعة خفيفة ... لينفصل عن الخزنة جزء على شكل حرف أكس ... أمسكه أمجد سريعاً و هو يقلبه ..لبجد الرمز الأسود أكس .. أخرجه من القالب المعدني و هو يقول :
_ نجحنا .... لنلحق بباقي الفريق
وقف مهاب و هو يفحص الغرفة بدقة .. اقترب من التمثال الصغير الموضوع على رف زجاجي و قد انتبه للمعان خفي في عينه ..أمسكه بين يديه و و انفصلت القاعدة بسهولة .. لتنزلق كميرا صغيرة بين يديه ... كانت على وضع التسجيل ... أوقف مهاب التصوير و هو يقول :
_ ذلك الوغد ... كان سيصور اعتداءه على ياسمين ..
قال أمجد و هو يدس الرمز أكس في جيبه :
_ حقير و سافل يستحق القتل حقاً
خرج الإثنان يتجهان للخزنة الكبيرة أسفل البنك ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت سلام أمام الموقد تطهو الطعام شاردة ... تفكر بحال قصي الغريب ... يبدو مشتتاً .. ضائعاً .. حزيناً بطريقة مؤلمة ... سألته مرة تلو المرة عن السبب ...لكنه كان يتهرب من الإجابة بشتى الطرق ...
_ حوريتي تطهو الطعام بنفسها .. و ما فائدة الطباخ الذي وضعته بخدمتك
أخرجها صوته من دوامة أفكارها .. قالت دون أن تلتقت إليه :
_ لقد شعرت بالملل ...
تقدم قصي ناحيتها و هو يقول :
_ ألن ترحبي بعودتي سلام
تركت الملعقة الخشبية .. تقدمت نحوه طبعت على خده قبلة باردة ... أرادت الإبتعاد عنه ..لكنه طوق خصرها و هو يقول :
_ ما الأمر سلام !!! لما هذه المعاملة الباردة حبيبتي ...
حاولت تحرير نفسها عبثاً و هي تقول غاضبة :
_ أرجوك أتركني ...
_ سلام!!!!
تركها لتعود إلى القدر ... تحرك الطعام عبثاً و دون داعي .. تساقطت دموعها بصمت ... احتار قصي بسبب كل هذا ... تقدم ناحيتها و وقف إلى جانبها و هو يقول بحنان :
_ أرجوكِ أن تتكلمي معي .. لن أحتمل صمتك و دموعك أكثر ...
هزت سلام رأسها و و هي ترد مختنقة :
_ انت لا تثق بي
قال مستنكراً :
_ ماذا ....؟؟ من أين جئت بهذه الفكرة الغبية
قالت و هي تلقي الملعقة من يدها بغضب .. تنظر إليه و لهيب عينيها الزرقاء يشتعل :
_ منذ أن عدنا من باريس و قد إنقلب حالك .. دائم الشرود و التفكير ..تبدو محتاراً و ضائعاً و حزيناً .. سألتك ألف مرة مما تشكو ؟؟ ما الذي حدث لك ؟؟ .. لكنك تلتزم الصمت .. لا تشاركني بشيء .. أنا زوجتك قصي .... يجب أن أكون معك في حزنك و همومك كما فرحك و سعادتك
شد على كفيه حتى كاد العظم أن يبرز من تحت جلده ... كم يتمنى أن يخبرها بكل شيء ...أن يلقى بهمومه و أسراره أمامها .. قد يتحرر من قيوده ... و لكن أسراره ليست بأسرار .. هي كوارث و مصائب .. و قيوده من نار تلجمه و تقيده دون أن يتمكن من الصراخ و هو يحترق بها ... هل يخبرها بأن والده الحقيقي مات و ترك في نفسه فراغاً و ضياع ... هل يخبرها بأنه قاتل دولي محترف ...اتخذ الإنتقام في حياته مسلكاً و درباً ... هو لا يستطيع ... من المستحيل .. لا بدّ أنه سيفقدها و يخسرها للأبد
قاطعه صوت سلام المحتج و المختنق و هي تقول :
_ ها أنت قد عدت لشرودك و ضياعك بعيداً عني
دلك جبينه بقوة و هو يقول لها :
_ رفقاً بي يا سلام .. لا تضغطي علي أكثر
قالت سلام و هي تضع يدها على صدرها :
_ أضغط عليك ؟؟ أنا يا قصي ...
خرجت من المطبخ سريعاً و قصي يخلع سترته و ربطة عنقة ... يلقى بهما على أرض المطبخ بغضب و هو يهمس لنفسه :
_ ما الذي تفعله أيها الأحمق ستخسرها بتصرفاتك .. لا ذنب لها بتعقيداتك و دهاليزك
أسرع يخرج من المطبخ و توجه لمكتبه و أخرج هدية اشتراها لها منذ زمن ... منذ أن خرجت معه أول مرة إلى ذلك المطعم
بحث عنها في أرجاء القصر ....وجدها تجلس في الحديقة على الأرجوحة المعلقة على الشجرة الضخمة ... وقف خلفها و هو يخرج الكمان من علبته الخشبية ... تقدم نحوها و هو يرى دموعها تتسلل من عينيها بحزن آلمه ... قال بحنان بالغ :
_ حوريتي و سلام قلبي .... لا تغضبي مني ... و لا تبكي .. أكره أن أكون سبباً بانسكاب هذه الدموع .... اسمعيني .. هناك بعض المشاكل في ..... في العمل .. لا أريد أن أدخلها معي إلى المنزل ....لا أريد أن تزعجك
قالت سلام و هي تحدق به :
_ لكنك تفعل ذلك فعلاً
رفعها قصي بيدٍ واحدة عن الأرجوحة و هو يحتل مكانها ... جعلها تجلس على فخذه و هو يتمسك بالكمان بيده الثانية
_ هيا يا سلام .. لم أعهدك قاسية علي هكذا ...
قطبت جبينها و قد تنبهت للكمان
_ عزفك الساحر على كمانك لن يصلح الأمر هذه المرة
قال قصي و هو يضع الكمان على قدميها :
_ هذا ليس كماني.. هذا لكِ اشتريته لك منذ زمن .. لقد وعدت بتعليمك
بدأت مقاومة سلام تضعف قليلاً وهي تقول :
_ لازلت تذكر ؟.؟
ضحك بخفة و هو يقول :
_ بالطبع .. أنا لا أنسى أي شيء يتعلق بك حوريتي
تمسكت برقبته و هي تقول :
_ أرجوك قصي .. لا تبعدني عنك هكذا .... لقد خفت أن تكون نادماً على زواجك بي
وضع قصي الكمان أرضاً و هو يثبت سلام
_نادماً !!! سلام ... أنتِ أمنيتي التي ظننتهُ بعيدة كما نجوم السماء .. و لكنك نزلتي و سكنتي قلبي ... آخر ما أريده أن تبتعدي عني ... أنتِ روحي و سلامي و نبض القلب
ابتسمت له سلام برقة و هي تمرر أصابعها في شعره و هي تقول :
_ وأنا أحبك أكثر من نفسي أريد أن أكون معك في كل حياتك ...
أراد أن يقترب منها يقبل شفتيها و لكنها ابتعدت و هي تقول :
_ ألن تعلمني العزف ؟؟
ضحك بقوة و هو يقول لها بصوت أجش :
_ لا .. الآن سأعلمك فنون جديدة بالعشق .. فمن الواجب علي مصالحتك بطريقتي الخاصة جداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف زياد و حازم يراقبان رجلي الأمن أمام الخزنة ... أشار زياد لحازم بالبقاء مكانه دون حراك .. و في جزء من ثانية واحدة ... لم يعلم حازم متى تحرك زياد و نزل كالصاعقة على رأسي رجلي الأمن الذان لم يشعرا به يهبط على رأسيهما ... و فقدا الوعي فوراً .. نادى زياد حازم و طلب منه تقيدهما بالاصفاد الموجودة في حقيبة ظهره ...
بدأ زياد بفحص اللوحة الإلكترونية ... ثبت الجهاز الصغير و هو يخاطب حمزة قائلاً :
_ كلمة السر مجند خمسة
_ عُلم
ساد الصمت و لم يقطعه سوا وصول مهاب و أمجد .. خلع مهاب فور وصوله حقيبة ظهره و أخرج العلبة التي طبع فيها كف ناجي القاسم .... تناولها زياد ... و سكب في القالب سائلاً شفافاً ... و من ثم و بعد أن أزل الطبعه الأولى على كفه .. وضع كفه داخل القالب و ضغط برفق ... و بعد دقيقة أخرج كفه الذي تلون بالأزرق الفاتح و أنتظر قليلاً قبل أن يخرج علبة رذاذ رش منها على كفه ليتحول اللون شفافاً غير ظاهر
طبع زياد بصمة الكف على الشاشة و عاد يخاطب حمزة قائلاً :
_ لقد تأخرت ...
_ الأمر ليس سهلاً كما كلمات سر التي اقتحمناها في البداية
صمت زياد و هو يلبس قفازه حتى يحافظ على بصمة كف ناجي و بعد دقيقة وصل صوت سامر و هو يقول :
_ رجل أمن عثر على ياسمين و يحاول إيقاظها
قال زياد بحزم واضح :
_ الآن .. كلمة السر
قال حمزة و هو يسرع بضرب لوحة المفاتيح :
_ برنامج ياسمين ليس عادياً حتى مع الثغرات التي تم ـ....
قاطعه زياد و هو يقول مشدداً على كل حرف مانعاً حمزة من الخوض بالتفاصيل على الهواء :
_ كلمة السر ... الآن
بعد ثواني قليلة قال حمزة و هو يتنهد بأرتياح :
_   2251985
أدخل زياد كلمة السر سريعاً و قد وصله شتم حازم و سبه لناجي ..
سأله أمجد و هو يمسك ذراعه :
_ ما الأمر ؟؟
قال حازم و هو يحاول أن بضبط أعصابه :
_ الحقير .. هذا الرقم... تاريخ ميلاد ياسمين ..يبدو أنه مهوس بها .. كان يترصدها تحت نظري دون أن أنتبه له
اشتعلت النار في صدر زياد و هو يفتح باب الحزنة ... لما لم تقل شيئاً ؟؟.. لما التزمت الصمت ؟؟.. و كيف لحازم أن يعرفها أكثر منه ؟؟... هو لايعلم عنها الكثير و لكنها تعلم عنه كل شيء ...
كبت مشاعره و هو يخرج من حقيبته ( قوس و نشاب مسدس ) مثبت بطرفه حبل غليظ .... و في منتصفه زند اطلاق كالذي تحتوية المسدسات ... نام على ظهره أمام باب الخزنة مدققاً بسقف الخزنة الترابي .... و بدقة أصاب النقطة التي يريدها .. قال و هو يتأكد من ثبات السهم .. أمجد .. أريدك أن تحرس الممر جيداً .. لا أريد أن أتفاجأ برجل أمن يطلق الإنذار قبل انتهائنا ..نسق مع حمزة و سامر .. أخرج أمجد رمز الأكس و ناوله لمهاب و هو ينطلق لتنفيذ الأوامر ...
أخذ زياد نفساً عميقاً و هو يتعلق بالحبل المثبت في سقط الخزنة و دفع نفسه بقوة و أخذ يتأرجح لثانية و لكن و بحركة واحده ثبت قدميه على حائط الخزنة ... لف الحبل حول ساعده ليثبت نفسه و بفمه خلع القفاز ... استخدم بصمة الإبهام لفتح درج معين .. و استجاب سريعاً .. لتظهر لوحة الكترونية على شكل كف .... طبع كفه الذي يلبس فيه بصمات ناجي ... بقي الصمت سيد الموقف ..قطعه صوت حمزة و هو يقول :
_ لقد تم إيقاف النظام جزئياً ..يمكنك النزول على الأرض بأمان
أفلت زياد الحبل و هو يشير لمهاب و حازم بالدخول ... تقدم من جارور آخر و طبع بصمة الإبهام الخاصة بناجي انفتح الجارور بسلاسة ..أخرجه بشكل كامل ... تناول الرمز أكس من مهاب و انحنى ليرى أن جزء من الحائط الحجري محفور في وسطه الرمز أكس .. أقحم الرمز الذي تناوله من مهاب ليتحرك الحائط بشكل جانبي ... دخل زياد سريعاً و تبعه حازم و بقي مهاب في الخارج يراقب الوضع ... ما إن دخلا حتى صدر صوت تشويش قوي دفعهما لإخراج السماعات سريعاً ...
قال زياد هو يتأمل الغرفة البدائية ذات الجدران الترابية باستثناء الحائط الأمامي .. يشبة جدران الخزنة من الخارج ... يحتوي على أدراج مرصوصة جنباً إلى جنب ... والشيء الوحيدالذي تحتويه الغرفة آلة تصوير إلكترونية ...قال زياد و هو يدقق بالغرفة :
_ حازم أريدك أن تفحص خط المتفجرات الذي تم مده لداخل الغرفة يوجد في حقيبتك مصباح كهربائي
بدأ حازم العمل و هو يدقق بالخط المسحوب من الخارج قال و هو يتأكد من استنتاجته :
_ لقد تم سحب جزء بسيط من الخط الخارجي .. سيكون تأثير التفجير في الداخل محدود للغاية ... سوف تنهار الأجزاء الترابية فقط .... لن تتأثر الخزنة ذاتها لن تمس ....سوف تطمر فقط
ابتسم زياد ساخراً و هو يقول :
_ و بذلك وبعد أن تهدأ الأمور بعد أي محاولة اقتحام و حدوث التفجير يبقى ما يخفون سالماً و آمناً ... يزيلون الأنقاض و يستعيدون كل شيء
هز حازم رأسه موافقاً و هو يقول :
_ حتى هذه الخزن فهي مضاد للحريق من المستحيل أن تمس
دخل مهاب سريعاً و هو يقول :
_ لقد أسقط أمجد رجل أمن مرّ من هنا ... يجب أن نسرع
تقدم زياد من احد الخزن و قام بطبع بصمة ناجي ...انزلق الجارور ..قام زياد بتناول أول ملف ... عقد حاجبه و قد بدأ يدرك ماهية الأمر ..ألقى الملف أرضاً و تناول ثاني و ثالث .. نفس النتيجة ...فتح جارور ثاني ثالث و رابع .. نفس النتيجة ..
سأله حازم و قد لاحظ ردّ فعله العصبي :
_ زياد ما الأمر ؟؟
قال بغضب و هو يستمر بفحص الملفات التي تساقطت منها بعض الصور و السي دي و الفلاش ميمري :
_ هذه الأوراق تدين العالم بأكمله و لكن ليس المنظمة أكس
_ كيف ؟؟
_ هذه أوراق و وثائق و مستندات و صور أصلية تدين الكثيرين ... فضائح سياسية و اقتصادية و جنسية ... فساد و سرقات و أسرار مخزية تدين رجال سياسة و اقتصاد و إعلامين و رياضين و حتى فنانين و أناس عادين .... هؤلاء الأوغاد يحكمون سيطرتهم عل العالم بأكمله
قال حازم بتردد :
_ و الآن ماذا ؟؟ ما الذي حققناه بعد كل هذا ؟؟
نظر زياد حوله و هو يقول :
_ سنقوم بما كنا نحاول تجنبه ..... تفجير المكان ... المنظمة ستخسر رأس مالها .... هل يمكنك مدّ خط التفجير حتى يدمر هذا المكان
قال حازم سريعاً و واثقاً :
_ الآن ... لا... مستحيل .. أحتاج لمواد و أدوات لا تتواجد معي
قال زياد و هو يزفر :
_ توقعت هذا
دخل مهاب و هو يقول :
_ بعد عشر دقائق سوف يتم تبديل طاقم رجال الأمن .. لا وقت لدينا
بدأ زياد بسحب الأجرار و هو يناولها لحازم و هو يقول :
_ لنضعها على أرضية الخزنة الخارجية ..
وقف مهاب بالخارج يستلم الجوارير و يفرغها على ارض الخزنة و خلال دقائق قصيرة كانت كل الأوراق منتشرة في كل مكان ... أراد زياد الخروج و لكن حازم استوقفه و هو يتوجه لآلة التصوير و هو يقول :
_ تلك الغريبة التي دخلت الغرفة مع ناجي قبل أيام ... لا بد أنها أخذت صورة شيء ما ... يمكنني أن أستخرج من الذاكرة أخر ما تم تصويره
_ افعل هذا
سريعاً قام حازم بسحب مجموعة أوراق دسها بجيبه و هو يخرج من المكان ..قال زياد و هو يسحب الرمز من مكانه :
_ الجميع للخارج الآن .. انتظروني في المنزل الآمن ..
قال مهاب محتجاً :
_ و أنت ؟؟... تعلم ما أن يتم تفعل النظام سوف تنفجر الخزنة من ثقل وزن الأوراق و الأجرار ...
قال حازم مأكداً على كلام مهاب :
_ هذا صحيح خلال خمس ثواني من تفعيل النظام ..سينفجر المكان بسبب فرق الوزن الذي سوف تستشعره الحساسات على الأرضية
فتح زياد الجارور الذي يحتوي على اللوحة الألكترونية و تمسك بالحبل المتدلي من السقف وهو يثبت قدمه على الحائط أمامه :
_ الآن إلى الخارج ...سنلتقي بالمنزل الأمن
همّ حازم بالإعتراض لولا قيام مهاب بشده من ذراعه إلى الخارج و هو يقول :
_ لن ينفع الإعتراض معه
_ و لكنه قد يقتل نفسه ... الإنفجار الذي سوف يحدث سيقضي عليه
اطمئن زياد لابتعاد رفاقه من المكان ..ثبت أقدامه على الحائط باحكام و هو يضم جسده لساقيه بقوة .. طبع بصمة ناجي على لوحة المفاتيح مدخلاً الرقم السري و في اللحظة التي ضغط على كلمة موافق ... دفع جسده إلى الخارج كطلقة رصاص مع صدور صوت إنذار قوي ملأ أرجاء البنك بأكملهِ في اللحظة التي وصل جسده للبوابة ... إنفجر المكان دافعاً جسد زياد بعنف و قوة نحو الحائط .. اصطدم ظهره بقسوة ... انقطعت أنفاسه للحظات .. وقف متألماً و هو يراقب النيران التي اشتعلت تلتهم كل شيء ... و رغم الألم الذي عصف بكل خلايا جسده .... أسرع للخارج ... و توجه لسيارته التي تركها قريباً من البنك و هو يسلك طريقاً داخلياً بين المباني ... تخلص من القناع الذي يلبسه و عندما وصل لسيارته ... بدل ملابسه و هو يحاول جاهداً كبت آهات ألمه ..مقاوماً غيبوبة تلح عليه باصرار
أسرع بالعودة إلى البنك و قد تم اخلاؤه من المتواجدين و قد بدأت سيارات الشرطة بالوصول ... بحث بعينيه عن ياسمين .. و جدها تجلس على الرصيف المقابل للبنك ذاهلة و قد شحب وجهها للغاية ... أسرع إليها و ما إن وصل حتى جلس القرفصاء أمامها و هو يقول قلقاً :
_ ياسمين .... هل أنتِ بخير ؟؟
حدقت به و قد تجمعت الدموع في عينيها .. ألقت بنفسها على صدره و هي تقول بصوتاً مبحوح :
_ رباه ..رباه ... ظننتك بالداخل .. خفت أن تكون ..
_ شششش .. . أنا بخير .. الجميع بخير ... لنذهب الآن من هنا
وقفت و هي تتكيء على ذراعه و هي تقول :
_ ناجي
_ لا تتكلمي بالموضوع أنتِ خرجت من المكتب و هو حي ..هل فهمتي
هزت رأسها موافقة .. استوقفهم شابٌ من رجال الشرطة و هو يقول :
_ عفواً سيدة ياسمين نحتاج منكِ التوجه لقسم الشرطة لأخذ أقوالك
قال زياد بحزم :
_ سأقوم بإيصالها
قال الشرطي الشاب ساخراً :
_ لا تتعب نفسك سنقوم بنقلها بسيارة الشرطة
رفع زياد حاجبه و هو يقاوم رغبة عارمة بلكمه و تحطيم وجهه ..
_ قلت لك سوف أقوم بإيصالها بنفسي
زفر الضابط بنفاذ صبر و هو يقول :
_ اسمع يا هذا لا تجبرني على إعتقالك و .....
جاء صوت أحد الضباط الكبار الذين وصل للتو هادراً و هو يصرخ :
_ أنت أيها الأحمق .. تعتقل من ..؟؟
أدى التحية العسكرية باحترام شديد هو يقول :
_ سيدي العقيد عماد
تقدم منه و هو يقول بغضب :
_ إن الذي يقف أمامك هو العقيد زياد طارق .... أعتذر منه الآن
قال الضابط مرتجفاً :
_ أعتذر سيدي العقيد ..لم أكن أعلم
قال زياد و قد أشفق على حاله :
_ لا .. لا بأس كنت تقوم بواجبك و لكن عليك أن تتحدث للناس بتواضع أكثر
تصافح رأفت وزياد و بعد تجاوز الكلام الرسمي قال رأفت :
_ خذ السيدة إلى مركز الشرطة و سوف أكون بانتظارك هناك لأخذ أقوالها بنفسي ..
_ أقدر مساعدتك كثيراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل زياد و ياسمين المنزل الآمن و قف الجميع باستقبالهم و هم يسألون عن حالهم .. كان حازم يدقق بوجه ياسمين الشاحب للغاية و قلبه يكاد ينخلع من مكانه قلقاً و قهراً من عدم انتباهه لناجي و قذارته ... جلس الفريق بأكمله و هم يقيمون الموقف و ياسمين ترخي رأسها على كتف زياد منهكة ..متعبة و مرتجفة .. قال سامر متسائلاً :
_ لما لم تحتفظ بالأوراق ؟؟ .. كان من الممكن فضح الكثير و إدانتهم ..
_ لأنني لست واثقاً من كونها أدلة حقيقية أو أنها مجرد تلفيق و مكائد تم إيقاع أصحابها بها ... و من ثم إطلاق هكذا أمر دون حساب قد يدمر دول و منظمات ... و كوننا أتلفنا كل هذا فإن المنظمة أكس فقدت رأس مالها .. متأكد أن الأمر سيضعفهم و يفقدهم قوتهم
ناول حازم زياد الأوراق التي سحبها من آلة التصوير .. فتحها زياد ..ليجد مجموعة من معلومات عن اسم واحد " لوكاس أل هانسن "
قال حمزة :
_ لوكاس آل هسن !!! مبعوث الدول الأوربية للسلام في الشرق الأوسط ..نروجي الجنسية
قال حازم و هو يسترق النظر لياسمين الذاهلة على العالم :
_ هذا صحيح .. التركيز عليه هذه الايام كبير مع اقتراب موعد إجتماع مجلس الأمن بعد أسبوعين من الآن ... يريد طرح فكرة تدويل القدس من جديد
علق حمزة على كلامه :
_ هذا صحيح .. كل فترة يظهر شخص ما و يعيد طرح هذه الفكرة المخزية لينشغل العالم عن الفظائع التي ترتكب بالأقصى و محاولات الإقتحام و التدمير الممنهج في القدس القديمة
وقف حازم و هي يقول :
_ لقد تلقى تهديدات بالإغتيال من منظمات جهادية إن أصر على طرح هذه الفكرة
قال حمزة بغضب و هو يقول :
_ منظمات تدعي أنها جهادية و تتخفى بعباءة الإسلام
وقف زياد وهو يقول منهنياً هذه النقاش العقيم و الذي قد يستمر لساعات :
_ ما قصة هذه الصورة المرفقة
قال حمزة و هو يدقق بالصورة المخزية لفتاة يافعة تمارس الرذيلة بحضن رجل يكبرها بأعوام كثيرة :
_ هذه ابنة لوكاس آل هسن .. و هذا الرجل معها رجل سياسية نروجي من الحزب المعارض هو من أشد أعداء الحزب الحاكم و يحمل الكثير من العداء للوكاس شخصياً
قال زياد و هو يراجع المعلومات في الأوراق أمامه :
_ يبدو أن اجتماع مجلس الأمن القادم لن يكون عادياً .... سيحدث شيء ... قد تقوم المنظمة باغتياله تنفيذاً لطلب جهة ما
قال حمزة واثقاً :
_ هذا صحيح و لكنهم سوف يقومون بإلصاق الأمر بأحد الجهات الفلسطينية ... يريدون قلب العالم عليهم .. لا بد أنهم ينون القيام بعملية عسكرية واسعة في فلسطين أو يخططون لإغتيال شخصية مهمة و محاربة لهم ... شخصية تحظى بحماية دولية ... يريدون إغتيال لوكاس حتى يقوموا بتبرير أي عملية مستقبلية .. قد يقومون بهدم المسجد الأقصى ....
حبس الجميع أنفاسهم و خفقت القلوب بشدة ... قال زياد و هو يقف من مكانه:
_ يبدو أن الفريق سينتقل بعمله إلى نيويورك حيث مبنى مجلس الأمم المتحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
_ حمقى و أغبياء ...... لا يحيط بي سوى الحمقى و الأغبياء
تقدمت جودي من والدها ترجوه أن يهدأ
_ أرجوك أبي .. لا يجب أن تنفعل هكذا .. لتوك تجاوزت أزمة قلبية خطيرة
نظر إليها بوجه محتقن يقطر غضباً و قسوة :
_ الخطأ خطأك .... طلبت منك أن تتاكدي من أمر ياسمين ... و لكنك مجرد فتاة بلهاء لا فائدة منها ..... تلك الملعونة تحالفت مع زوجها الذي أوقعنا في الفخ كالأغبياء ... و دمر ما جمعته على مر سنوات طويلة
نظرت جودي إلى الأرض و هي تقول هامسة :
_ و ما دخل ياسمين بكل هذا ...لقد تم تخد ......
قاطعها و هو يصرخ :
_ حمقاء و غبية ... لو أنك تملكين ذرة من ذكاء لعلمت أنها تعمل معهم .. راقبي شريط التسجيل ... لقد خدرها زوجها حتى يبعد عنها الشبهات
_ كيف علمت ؟؟
_ لأنه ستر ما انكشف من جسدها ... لا بد أن ناجي تعدى عليها زير النساء الخسيس .. و لا أستبعد أن ياسمين هي من قامت بقتله ... أنظري ... بعد أن وضعها زياد برفق على الأرض .. أغلق سترتها ليسترها
حدقت به غير مصدقة ... و الدها محق بكل كلمة ... كيف لم تنتبه ... متى حدث كل هذا ... أكمل و الدها و هو يضع يده على صدره :
_ كل شيء ينهار ببطء بسببكم .. يبدو أني لم أعد قادراً على السيطرة على الأمور ..لقد خسرنا كثيراً في فترة قصيرة ... قُتل اثنين من المدراء الخمسة ... و قد أصبح أكبر مخازن الأسلحة في يد الشرطة الإيطالية .. و الأن أُحرق مجهود 40 عاماً بضرب واحدة ... على قصي أن يستلم الأمور بسرعة قبل أن ينهار كل شيء ...عليه أن ينجح في مهمة إغتيال لوكاس آل هسن ... أسبوعين و مصير المنظمة و شبحها سوف يحسم الأمور
قالت جودي بحنق و هي تحاول كتم أمتعاضها :
_ أبي .. عليك أن ترتاح الآن .. لا يجب أن تنهك نفسك أكثر
تابع كلامه كما لو أنه لم يسمع ما قالته جودي
_ و هناك امر آخر عليه القيام به ... يجب أن يقوم بتصفية العقيد زياد .. عليهِ أن يقتل أخاه
حدقت جودي بوالدها و هي تقول :
_ لا أظنه سيفعل ذلك
ضحك ساخراً رغم الألم في صدره :
_ عندها سأقتلهُ و أخاهُ بيدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضعت رأسها على الوسادة تنشد النوم ... لكن صورة ناجي و هو ينهار أمامها ميتاً تنهك تفكيرها ... لقد قتلته ... هي السبب بخسارة إنسان لروحه ... كيف يمكن أن تعيش مع ذنبٍ كهذا ... هي أرادت فقط أن تهدده ليبتعد و يتركها و شأنها .. لكنه مات
لم تدرك ان دموعها غسلت وجهها إلا بعد أن مسحت يده الدافئة وجهها ... نظرت إليهِ و هي ترتجف قليلاً ..تحاول التماسك و عدم الإنهيار ... قال و هو يبعد خصل شعرها الملتصقة بوجهها بسبب الدموع :
_ هو يستحق الموت ... لقد كان عليكِ أن تدافعي عن نفسكِ .. لهذا دربتك على استعمال السلاح ... هو وغد و حقير .. و إن لم تكوني قتلته لكنت فعلت بنفسي صدقيني ...
قالت و دوموعها تنهمر أكثر و أكثر :
_ لقد قتلته ... قتلته زياد ... هذا ذنب ثقيل على صدري
ضمها لصدره و هو يقول لها :
_ ذلك ليس بذنب حبيبتي ... لقد دافعت عن نفسك ... تجاوزي الأمر ..لقد قتلت شخصاً قاتل و مجرم و معتدي ...
كلماته لم تزدها سوا ألماً و حزناً بكت على صدره طويلاً حتى تعبت و نامت .. و لكن ناجي لاحقها في أحلامها لتستحيل لكوابيس تعذبها
في صباح اليوم التالي استيقظت .. لم تجد زياد إلى جانبها .. توجهت لغرفة يزن .. وجدته نائماً بعمق يحسد عليهِ ...قبلت خده و هي تعبث بشعره الناعم ... سمعت صوت الباب يفتح ... خرجت بهدوء لتقف أمام زياد بصدمة حقيقة .. لم تتصور أن ترى العقيد يدخل المنزل و بيده باقة من زهور الياسمين البيضاء و بيده الثانية يحمل علبه من محل مجوهرات ...
تحولت صدمتها لضحكة تجاهد لكبتها و زياد يتقدم منها قائلاً :
_ كل عام و أنتِ بخير ياسمينتي
عندها انفجرت ضاحكة امام زياد الذي رفع حاجبه ينظر إليها باستغراب .. اقتربت ياسمين منه و هي تقول :
_ انا آسفة ..آسفة ...لكن لم أتصور أن السيد العقيد زياد .... من الرجال الذين يشترون الورود لزوجاتهم
ابتسم لها و هو يقول :
_ ستتعلمين الكثير عني ...
مدت يدها لتأخذ ورود الياسمين منه و لكنه أبعدها و هو يقول :
_ عليكِ أن تدفعي ثمنها في البداية
_ ماذا ؟؟
سحبها من خصرها و هو يغرقها بقبلة طويلة مليئة بالشغف و الشوق و الحب ... ابتعد عنها قليلاً و قد احمر خديها و اضطربت أنفاسها و هي تنظر لصدره هرباً من عينيه
_ لم أكن أعلم أن عيد ميلادك كان في الأسبوع الماضي .. لما لم تخبريني؟
ابتسمت بقليل من الحزن وهي تقول :
_ صدقني كنت قد نسيت ... لولا حضور سعاد المفاجيء لمكان عملي تحمل هديتها و كعك عيد الميلاد لما تذكرت
رفع زياد وجهها لتلتقي عيونهما و لتهدر القلوب بنغم جديد يزداد ارتفاعاً :
_ أعدك في العام القادم لن أنسى .. اتفقنا.؟! و الآن أسمحي لي بأن أقدم هديتي
فتح كيس المجوهرات ليخرج علبة مخملية حمراء .. فتحها و أخرج منها سلسلة ذهبية تحمل قلادة على شكل زهرة الياسمين ..قالت ياسمين و هي تتأمل جمال القلادة :
_ رائعة ... رائعة ... إنها جميلة للغاية .. أشكرك من أعماق قلبي زياد
ابتسم لها بحنان و هو يقترب منها .. يضع القلادة في عنقها و أنفاسه الساخنة تلفحها ... نظرت لعينيه ممتنة و سعيدة ... لم تشعر بأنها مميزة و مهمة منذ زمن قد طال .. هل يعقل أنها ستجد راحة قلبها و روحها أخيراً ؟؟
اقتربت من زياد و هي تطبع قبلة ناعمة على خد زياد و هي تهمس له :
_ أحبك ...أعشقك سيدي العقيد ... شكراً لك .. هذا أجمل عيد ميلاد قد عشته
ضمها لصدره بقوة و هو يقول :
_ ستكون كل أعيادنا جميلة بإذن الله و الآن أريد مكافئتي
قطبت جبينها و هي تقول له :
_ اطلب ما تشاء ..أنا طوع أمرك
_ لا تنسي أنك وافقتي قبل أن أقول شيئاً
اقترب منها و هو يهمس لها بكلمات جعلت خديها يشتعلان ناراً .... ابتعدت عنه خطوة واحدة و هي تعض على شفتها توتراً .. قال زياد بمشاكسة :
_ ماذا ؟؟ لقد وافقت
قالت و هي تهرب منه لغرفتها :
_ انت وقح .... ابتعد عني
لحق بها و هو يأسرها بين ذراعيه :
_ لن أفعل ما حييت ياسمين .. لن أبتعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
أسرع أمجد يستقبلُ أمهُ التي دخلت المحل الرئيسي حيث الأدارة التي يتولى أمجد أمرها ..
_ أمي ..سعيداً بحضورك إلى العاصمة ... أخيراً قررت إدارة الفرع الرئيسي
ضحكت و هي تقبلهُ قائلة :
_ أنا سأكون في صالة العرض ... أجيد التعامل مع الزبائن اما الأمور الأدارية فهي كلها لك
_ أنا سأنفذ كل ما تأمريني به يا غالية
قالت أمهُ و هي تنظر إليهِ بمكر :
_ هناك أمر واحد .. لقد وظفت فتاة لتكون مساعدتي
أبتسم أمجد بتوتر و قد علم ان والدتهُ تخطط لأمر ما :
_ كما تشائين .. هل هي هنا ؟؟
_ أجل .. طلبت منها أن تنتظر في مكتبك .. أذهب إليها و كن لطيفاً معها الفتاة في حمايتي
أرادت الأنصراف لصالة العرض الرئيسية لكن أمجد أستوقفها :
_ أمي .. ما الذي يحدث ..من هي هذه الفتاة ؟؟
أبتسمت بحنان وهي تقول :
_يبدوا أن قلبك يهمس بإسمها في هذهِ اللحظة
أغلق عينيهِ و هو يبتلع ريقه قائلاً بصوت مختنق :
_ نورا !!
قالت والدته بجدية :
_ أسمعني يا أمجد ..الفتاة قدمت إلي و أخبرتني بكل شئ فعلته معها
نظر إليها أمجد غير مصدق و هو يقول :
_ كل شئ ..
_ بأستثناء سبب هروبها من منزلها .. لكنها أخبرتني بعلمك بالسبب ... رفضت إخباري كون الأمر يمس عائلتها أكثر منها
_ أمي .. أرجوك ..أسمعيني
_ أسمعني أنت .. نورا التي تعرفنا عليها قبل فترة كانت فتاة جيدة و لكن ضائعة .. لكن التي قابلتها بالأمس فهي فتاة رائعة تعرف طريقها جيداً ... تحبك و الأهم أنت تحبها ...
_ أرجوك أمي توقفي
قالت و قد تسللت الدموع من عينيها :
_ أمجد.. لقد تغيرت كثيراً منذ أن عادت نورا لبيت أهلها .... أختلف حالك و طبعك ... أنت تحبها و بجنون
صمت أمجد أمام المواجهة الصريحة مع مشاعره ..قالت أمه و هي تمسد خده
_ أذهب إليها الأن ... عاملها كموظفة عادية في البداية ..أعطها فرصة
دخل أمجد مكتبه و قد شعر بروحه تُرد إليهِ فور رؤيتها و لكن الأمر يبقى مؤلماً و قلبه مع كل خفقه يجرحهُ بشدة
وقفت نورا تنظر إليهِ بشوق و لهفه ..سيطرت عليها سريعاً ..تقدم أمجد منها و هو يقول :
_ نورا .. هل شرحت لي سبب ما تقومين به ؟
قالت ببساطة تخالف الأعاصير التي تجتاح قلبها :
_ أحبك
حدق أمجد بها و هو لم يعتد منها هذهِ الصراحة في مشاعرها .. عقد ساعديه و هو يقول :
_ نورا .. أنا لا أستطيع تجاوز ما قمت به في السابق
نظرت إلى الأرض و هي تفرك كفيها بتوتر :
_ أعلم .. و لكن أصبح بعدك صعباً للغاية .... لم اعد أحتمل ... سأعمل مع أمك و أسترق النظر إليك و أدعوا الله كل يوم أن تغفر لي خطأي و تعيدني للسكن في حصون قلبك
كم يشهر بالضعف أمامها ..يرغب بالإسراع إليها وضمها لصدره و رمي كل شئ خلفه .. لكن لازال الأمر صعباً للغاية ... عاد يلبس عباءة القسوة و هو يقول لها :
_ من الأفضل لك أن ترحلي نورا ... لا أضمن تصرفاتي بوجودك
أبتسمت بنعومة هزت قلبه ..قالت و هي تمسك حقيبتها و دمعه وحيدة حرقته :
_ أفعل ما تشاء ...عاقبني و أقسى علي حتى ترضى .. سأتحمل منك كل شئ ...
همت باإنصراف من المكتب و هي تقول :
_ سأذهب للخالة هالة .. سأبدأ العمل معها اليوم
أمسك ساعدها يوقفها مكانها ... قربه إليه يحاصر خصرها بين كفيه ... أقترب منها يريد أن يتناول شفتيها ..لكن كف نورا التي صفعته كانت الأسبق .. داست قدمه تبتعد عنه و هي ترتجف بقوة .. و أنفاسها تسابق قلبها في سرعتها حدقت به غير مصدقة و هي تقول مرتعشة باكية :
_ أياك أن تقلل من إحترامي مرة أخرى ... أنا لست فتاة رخيصة لتتوقع مني تسليمي نفسي لك .... لقد أخطأت مره و هذا لا يعني بأني أصبحت ساقطة
صدمتها أبتسامته التي أمتزجت مع الحنان الدافق بعينه و هو يقول واضعاً يده على خده :
_ هذهِ الصفعة منحتني أملاً بحياة حقيقية معكِ .. لقد منحتني الكثير لأفكر فيه ... لو انك بادلتني القبلة لأشبعت رغبتي المجنونة بكِ و من بعدها طويت صفحتي معكِ للأبد...
قالت و هيب تلهث :
_ أنت مجنون
_ سأخرج الأن من المكتب .. تمالكي نفسكِ قليلاً ... أهلاً بكِ معنا ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
نظر للعاقدة حاجبيها بغضب طفولي و هو يقول لها :
_ كريستينا ...لايليق بك الغضب ...... سوف يتجعد وجهك و تصبحين عجوزاً
نظرت إليه تكاد تقتله بنظراتها متجاهلة كلماته قائلة :
_ و هذه صورة لابنة لوكاس آل هسن في وضع مخلّ ..يمكنك الأستفادة منها
قال قصي و هو ينظر للصورة :
_ يمكن أن نستخدمها كوسيلة لإخراجه من الإجتماع في الأسبوع القادم و بهذا نستطيع إبعاده عن رجال الأمن و الحراسة و جعله مكشوفاً لنقوم بإغتياله
هزت كريستيا رأسها موافقة و هي تقول :
_ لقد رتبت أمور سفري ..... سأدخل الولايات المتحدة بشخصية مختلفة و انت ؟
ضحك قصى بسخرية :
_ سأدخل بصفتي قصي جمال ... سأحضر الإجتماعات بصفة رسمية ..لست بحاجة للتخفي .... هل قمت بالحجز في المناطق التي حددتها
_ فعلت لا تقلق كل شيء جاهز و منظم كما طلبت
_ و بالنسبة للمتفجرات
_ جاهزة سيد قصي
قال قصي و هو يقف ينظر إليه بإشفاق :
_ لننتهي من هذا الأمر سريعاً ... و أتمنى منكِ بعد هذه المهمة أن تطلبي العمل مع شخص أخر كريستينا
وقفت و قد شعرت بالنار تحرق أحشائها تقول ياكية و قد أنهار قناع برودها :
_ لا ... أرجوك لا تفعل ... سوف تقتلني فوق الموت الذي أعيشه لا تحرمني قربك قصى
أقترب منها و هو يمسح دموعها :
_ كريستسنا .. من اجلك فقط ...أريدك ان تبتعدي ..أركِ تذبلين أمامي كل يوم .. يجب أن تبتعدي لتستعيدي نفسك... لا أمل بي .. أنا مخلص لزوجتي
خرج و تركها صامتة ... ترتجف كلهيب شمعة توشك على الإنطفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أسبوع.....
وقف العالم ذاهلاً من الأنباء التي تبث من قلب نيورك ...
" اغتيال مبعوث دول الإتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط لوكاس آل هسن و تفجير مبنى الأمم المتحدة في نيويورك مخلفاً مئات القتلى و الجرحى و قد تبنت حركة قدس الأقداس الجهادية هذه العملية الأرهابية "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
وقف العالم ذاهلاً أمام الأنباء التي تبث من قلب نيويورك ...
" اغتيال مبعوث دول الإتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط لوكاس آل هسن و تفجير مبنى الأمم المتحدة في نيويورك مخلفاً مئات القتلى و الجرحى و قد تبنت حركة قدس الأقداس الجهادية هذه العملية الأرهابية "
تسمر حمزة امام التلفاز يكاد يخترق شاشتهُ ليصل لمكان الحدث حيث رفاقه ... شعر بأنفاسه تذوي داخل صدره مختنقاً ... مذعوراً ...وجلاً ... إنهم هناك من أجل التصدي للمنظمة أكس و معرفة سبب ملاحقتهم للوكاس ... لن يحتمل أن يقع مكروه لواحد منهم ... لقد اجتمعوا في الشهور الماضية على هدف نبيل ... أصبح فكرهم واحد ... حتى نبض قلوبهم دقتها توحدت .... أنفاسهم أصبحت أنفاس رجل واحد ....
اقتربت منه اماني وقد تنبهت لشحوبهِ المفاجيء و هي تقول قلقة :
_ حمزة هل أنت بخير ؟ .... هل تشعر بألم ما ؟؟
قال بصوت ذاهل و هو يستمر بالتحديق بألسنة اللهب السوداء التي تتراقص من مبنى الأمم المتحدة :
_ كارثة ..مصيبة .. حفظهم الله من كل سوء .... يا رب سلم ..يا رب سلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملأ صوت ضحكتهِ الخشنة أرجاء غرفته داخل قصره في أستراليا و هو يراقب شاشة التلفاز ممدداً على سريرهِ و الأجهزة الطبية تحيط بهِ من كل جانب:
_ لقد فعلها قصي ... عاد الشبح ليضرب بقوتهِ المعهودة ....هل رأيت يا جودي .. لقد نفذ المهمة بنجاح باهر ... لقد ضمنت رسالتي له تنفيذ المهمة بنجاح مبهر
عقدت جودي ساعديها و هي تقول :
_ إيزابيلا أبي .... إسمي هو إيزابيلا ..جودي انتهت ..ماتت بتقديم استقالتها في شركة حازم و سفرها المزعوم
عاد لضحكتهِ الخبيثة و هو يقول :
_ لا تحزني ايزي ... لا بدّ أن نجاح قصي يغيظك... لكن صدقيني .. لو كنتِ تصلحين لإدارة المنظمة لسلمتك الأمر بسرور..
من بين أسنانها قالت و هي تغادر الغرفة :
_ ستندم أبي على اختيارك ..صدقني قصي تغير كثيراً .... سلام غيرته ... الشبح يحتضر مع كل ثانية
قال بهدوء و هو يسترخي بفراشه مغلقاً عينيه بإنهاك :
_ سلام أصبحت ورقتي الرابحة الأن ..... قصي لا يمكن أن يتغير ... هو و الشبح شخصية واحدة ... لن يفترقا ... سيبقى قصي بحاجة للشبح لتأكيد سيطرته و سطوته ... و القتل هو الطريق الذي اختاره منذ طفولته لتحقيق هذا ....حتى لو ابتعد لبعض الوقت مع أول عقبة في حياته سيحتاج لإثبات قدرتهِ و قوته ... مهما احتدم الصراع داخله ..... الشبح سينتصر و يحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف أمجد في وجهها و هو يقول بحزم :
_ لن تخرجي من هنا ياسمين .. هذه الأوامر ....لقد كان زياد واضحاً بتعليماته
حدقت به بعينين محمرتين و وجه شاحب و هي ترتجف قائلة :
_ زياد .. زياد قد يكون تأذى من ذلك الإنفجار ..أرجوك أمجد ...
تقدم حازم منها و هو يقول لها متوتراً :
_ ياسمين سيكون بخير ...لا بدّ أنه بطريقهِ إلا هنا
قالت بهستيريا و هي تحاول تجاوز أمجد :
_ لقد كان في وسط مرآب المبنى وقت التفجير ... لقد كان هناك ... أتركني أذهب إليه ..ابتعد عن طريقي
صرخ أمجد و هو يمسك بكتفيها يهزها بقوة :
_ ياسمين .... تمالكي أعصابك ..... بخروجك ستزين الأمور سوءاً .... إن تم إلقاء القبض عليكِ سوف تضعين بلادنا بموقف محرج ..لا تنسي أنك دخلت الولايات المتحدة بشخصية زائفة ... هذه أوامر زياد
انهارت ياسمين أرضاً هي تشهق باكية :
_ لقد قُتل ... رحل و تركني للأبد ... رحل زياد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
_ مغلق ... مغلق
صرخت بهذه الكلمة وهي تلقي بهاتفها وقت دخول زوجها بسام مسرعاً للغرفة و هو يقول :
_ صراخ جهاد يملأ المنزل .. ما الأمر سلمى ؟؟
قالت ذاهلة و هي تنظر لبسام الذي حمل جهاد و هو يهدئه بلطف :
_ ريتاج
_ ما بالها ؟؟
_ قبل ساعة تحدثت معي لتطمئن على حال جهاد ..... لقد كانت متواجدة في مبنى الأمم المتحدة ..
حدق بها بسام بقلق و هو يقول :
_ في المبنى الذي تم تفجيره ؟؟
امتلأت عيناها بالدموع و هي تقول متألمة :
_ أخشى أن يكون قد أصابها مكروه .. أشعر بالخوف عليها ..؟؟ أصرت على الذهاب مع النشطاء الفلسطينين ليقفوا بوجه القرار المرتقب ...
جلس بسام إلى جانبها و هو يقول لها :
_ ستكون بخير .. بإذن الله
قالت بلوعة و هي تقف بعصبية :
_ هاتفها مغلق ...؟؟
_ من الطبيعي و بعد حدوث إنفجار بهذا الحجم أن تتعطل الاتصالات
زادت حدة بكائها و هي تشهق بحزن :
_ لقد كتبت وصيتها قبل سفرها ..
_ وصية ؟؟
_ نعم ... لقد تركت جهاد تحت وصايتنا في حال حدث لها مكروه .. يبدو انها كانت تشعر بأن خطباً ما سيقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عليك أن تخبرنا بكل ما تعرفه عن زياد و فريقه ؟؟
إلتزم الصمت و هو يحدق بركن بعيد يقلب الأمر بكل جوانبه ...عاد صوت الرجل العسكري يهدر قائلاً :
_ تكلم ... يجب أن عرف بكل تفصيل مهما كان صغيراً ..ما حدث بنيويورك أمر خطير .. نريد أن نعلم ما هي علاقة العقيد زياد بكل هذا
قال بحزم و هو ينظر للرجل العسكري بتحدي :
_أنا لا أعلم شيئاً
زفر العسكري بحنق وهو يضرب الطاولة بعنف :
_ زياد و فريقه بخطر حقيقي .. ستحاكمون جميعاً بمحكمة أمن الدولة كإرهابين ... هل تفهم ذلك ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أسبوعين من الأحداث.....
نظر زياد للكدمة الكبيرة التي تغطي ظهره و جزء من خاصرته من جراء اصطدامهِ بالحائط وقت حدوث الإنفجار .... حاول تجاهل الألم و لكنه يزداد بشكل غريب ....
دخلت ياسمين الغرفة و قد عاد قلقها يشتعل من مظهر إصابته :
_ زياد يجب أن تراجع طبيباً .... يبدو الأمر خطيراً
ابتسم لها يطمئنها قائلاً :
_ لا تقلقي إنها مجرد رضة ستزول قريباً
تأملت صدره و قد تفرقت عليه أثار إصابات مختلفة .. اقتربت منه و هي تقول بألم:
_ كنت اعلم أن عملك خطير و لكن لم ادرك حجم هذه الخطورة إلا بعد رؤيتي لجسدك ... كم معركة خضت بحياتك لتتلقى كل هذهِ الضربات ؟
تناول قميصه و هو يقول مشاكساً يحاول التخفيف عنها :
_ ألا يعجبك مظهر جسدي يا أميرة ؟!
شهقت و هي تبتعد عنه قائلة :
_ لا فائدة تُرجى منك .... وقح!
أمسك معصمها قبل ابتعادها ... حاصرها بين ذراعيه و هو يهمس لها بصوته الأجش :
_ أجيبيني .... ألا يعجبك مظهر جسدي المثكل بالجراح ؟؟
تضرج و جهها بحمرة أصبح يعشقها و يتعمد إحداثها .. قالت بنعومة و هي تمرر أصابعها على موضع ندبة قديمة :
_ يعجبني و يأسرني هو و الروح التي تسكنه .. يذكرني بأني أحببت رجلاً جعل حياته رخيصة في سبيل الوطن .... و هذا يخيفني زياد ..... أخشى عليك من هذه الحياة المرعبة رغم شرفها و ..
اختنقت الكلمات في صدرها و هي تلقي بنفسها على صدره ليضمها بحنان و رقة .... يمرر أصابعه بشعرها ....
_ لا تخافي ياسمين ... عُمر الإنسان مكتوب و مقدر ... لا يمكن تقديمه أو تأخيره و أسمى أمنياتي أن أموت في سبيل الله و الوطن .. واقفاً أحارب أعداءه ... أطمح لشهادة تقربني من جنة الخلود والفردوس الأعلى
نظرت إليهِ بعيون امتلأت بالدموع .... للمرة الأولى تستشعر قوة إيمانه و يقينه .... شعرت بحبه يكبر داخل قلبها أكثر و أكثر في وقت ظنت انها بلغت معه أسمى درجات العشق ... هو رجلٌ يخفي بداخلهِ الكثير .... رغم برودهِ الظاهر وقسوته.. فهو يمتلك رقة و عذوبة تذيب أقسى القلوب
اقتربت من شفتيهِ تذيقهُ قبلة بطعم جديد .... طعم الحب و الوعد والعهد ...بأن تبقى إلى جانبه تسانده بحياتهِ حتى أخر العمر
ابتعدت عنهُ قليلاً و هي تهمس له بعذوبة :
_ أحبك ...
أبعد بعض الخصل المتمردة على وجهها و هو يبتسم لها بعذوبة ... جعلت قلبها يهدر بقوة ... نظرت لصدره و هي تلمس موضع إصابة قديمة قرب قلبه قائلة :
_ ما سبب هذه الندبة ؟؟
قال زياد و هو يعود بذاكرته لأيام صعبة و لكن كم كان راضياً عن عمله و نفسه :
_ هذهِ رصاصة اخترقت صدري و لمست جدار القلب ... أطلقها علي ضابط في الموساد الإسرائيلي
نظرت إليه بذعر و هي ترتجف كما لو أن الحادث وقع للتو ...ضمها لصدرهِ و هو يقول لها مطمئناً :
_ لا تخافي لقد حدث ذلك منذ عشر سنوات .... دخلت مع المخابرات في حرب كان من المبكر علي خوضها ... لكن أنا لست نادماً بعد النتيجة التي حققناها وقتها.
مرت عليهما بضع دقائق على هذه الحال ... قطعها زياد و هو يقول لها بحنان:
_ كنت أفكر بأن أصطحبك و يزن لمدينة الألعاب ما رأيك ؟؟
ابتسمت تهز رأسها موافقة رغم أن قلبها يحذر من خطر يقترب ..... و بسرعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
شعر بالهواء ينسحب من غرفة مكتبهِ وقت ظهور اسم ليليان على شاشة هاتفه .... ألقى القلم من يده بضجر و هو يقف يردّ على إتصالها :
_ ما الذي تريدينه الان ليليان ..؟؟لقد سئمت من إتصالاتك و رسائلك المقرفة
قالت و هي تتنهد بغنج :
_ أريد التحدث معك دون غضب و عصبية
قال بفظاظة و حدة :
_ إن كنتِ تريدين إعادة الأسطوانة القديمة فقد مللت منها و لم ....
قاطعته و هي ترجوه قائلة :
_ أرجوك .. أريد أن أفهم فقط .. لما لا أعجبك ... لما ترفضني بهذه الطريقة القاسية ... ؟؟
قال بنفاذ صبر و هو يدلك رأسه :
_ اسمعيني ليليان سأحضر اليوم لمنزل حمزة .. يجب أن ننهي هذا الموضوع للأبد ... لم اعد أحتمل هذه الترهات
قالت بدلال و رقة :
_ أعدك بأنك لن تندم على حضورك بانتظارك حبيبي
أغلق الخط بوجهها.. النار تحرق صدره ... شعر بالمطارق تدق رأسه بقسوة و عنف .. لم يعد لديه صبر أو قوة لمواجهة كل هذا يريد أن ينهار بضعف و لو لمرة بعد كل هذه السنين من الحروب و المسؤوليات
توجه لمكتب سعاد .. دخل دون أن يطرق الباب حدقت سعاد بهِ مستغرابة ... و قد ارتبكت لدخوله المفاجيء مع و جود أحد الموظفات... وقف أمام الباب و هو يقول :
_ أنا آسف لم أعلم أنك مشغولة سأعود بعد قليل
رأت ذلك الغضب مع الحزن و الهموم الثقيلة التي تنهكه تتمازج في عينيه ... قالت و هي تنظر للموظفة :
_لا لقد انتهينا .. يمكنكِ الإنصراف ...شكراً لكِ
تجاوزت الموظفة سامر و هي تغلق الباب بهدوء .... أسرعت سعاد لسامر و هي تقول بقلق :
_ ما الأمر سامر .. هل حدث شيء ؟؟
نظر إليها بضياع و تشتت و هو يهز رأسه بأسى غير قادر على الكلام ... نظر إلى الأرض و هو يخرج نفساً مشتعلاً ... رفعت سعاد رأسه بيدها و هي تقول له بحنان :
_حبيبي لا ينظر إلى الأرض أبداً ... مهما كانت همومه و مشاكله ... يبقى رأسه مرفوعاً شامخاً
ابتسم متألماً و هو يمرر أصابعها على وجهه :
_ حبيبي !! اشتقت لهذه الكلمة منكِ بدلاً من المقاطعة الظالمة التي أوقعتها علي
تراجعت خطوة للخلف و هي تضم نفسها قائلة :
_ أنا ...لما اقصد مقاطعتك و لكن ...ما سمعته من ليليان أثار الرعب بنفسي
طوق و جهها بيديه و هو يقول بحزن :
_ إن كنتِ تشكين للحظة واحدة بأنني سأوافق على طلب تلك المجنونة فأنتِ أكثر جنوناً منها
ابتسمت و دموعها تسيل على كفي سامر :
_ ليس هذا ما يخيفني ..أخشى أن أقنعك بالموافقة على طلبها
ضمها لصدره بقوة يكاد يسحقها داخل اضلعه :
_ لا ... لا ..هذهِ المرة سنتصرف بأنانية ... لقد عشنا من أجل الآخرين سنين طويلة .... حرمنا من بعضنا وتألمنا ..و كل هذا يهون ما دمت ملكي و أنا ملكك ... لن نسمح لأي كائن كان بالدخول بيننا ... هل تفهمين سعاد ... سنسعد بحياتنا .. نحن نستحق هذا ....
قالت و هي تطوق رقبته باكية :
_ هذا صحيح .... سنعيش هذهِ المرة لأنفسنا فقط .... سامر .... أنت لي أنا فقط .... لي انا ...
ابتعد عنها قليلاً و هو يمسح دموعها و شبح ابتسامة يرتسم على وجهه المنهك ... قالت سعاد و هي تريح رأسها على صدره :
_ و ما الذي ستفعله بموضوع ليليان ؟؟
أطلق نفساً مضطرباً و هو يقول بيأس :
_ كنت أريد إبقاء حمزة خارج الموضوع لا يزال محتاجاً للراحة و الهدوء ... و لكن يجب أن يعلم و يتصرف مع أخته ... هذا الأمر أصبح خارج قدرتي ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
رأت ياسمين جانباً جديداً من زياد و هو يتنقل مع يزن بين الألعاب ضاحكاً مستمتعاً ... يتعامل معه بروعة و حنان ... يركض جانبهُ في المساحات المفتوحة من الحديقة .... يحمله على كتفهِ و هو يسألهُ عما يريد أن يفعله... تصرف كأب حقيقي محب وعطوف
في نهاية اليوم جلس يزن على أرض الحديقة الخضراء و قد نال منه التعب يصارع رغبته بالنوم حتى يستمر باللعب ... جلست ياسمين إلى جانبه و هي تطعمه و إلى جانبها زياد يتأمل يزن بهدوء و سكينة
وقف يزن و قد دبت فيه الطاقة فجأة و هو يصرخ :
_ ألعاب ... ألعاب
وقف زياد و هو يضحك قائلاً :
_ حسناً أيها البطل لنستكمل جولتنا و نرى من سيسقط الأخر من التعب
ارتفع صوت هاتف زياد برنين أعاده لأرض الواقع ليتبدل لون عينيه بطريقة تحفظها ياسمين جيداً .... ابتعد قليلاً عنها و هو يرد على الهاتف بعد أن ملأ صدره بالهواء .... حملت ياسمين يزن و هي تنادي المربية التي كانت تتمشى قريباً منهم ... طلبت منها أن تأخذه لتشتري له الماء و العصير ... عادت تنظر لزياد الذي ارتفع صوته قليلاً و هو يحرك يده بعصبية واضحة ..لينهي المكالمة و يجلس متثاقلاً على أحد المقاعد الخشبية
تقدمت منه بقلق و جلست إلى جانبهِ وهي تقول :
_ هل انت بخير ؟؟
حاول جاهداً أن يرسم على شفتيهِ إبتسامة زائفة و هو يقول :
_ بخير لا تقلقي .. أين يزن ؟؟
قالت و هي تمسك كفه برفق :
_ أرسلته مع المربية لشراء الماء و العصير
أراد الوقوف و هو يقول :
_لنلحق بهما
شدت على كفهِ ليعود إلى الجلوس و هي تقول :
_ هل حدث شيء مع دلال ؟؟
نظر إليها و هو يرفع حاجبه مستغرباً :
_ كيف عرفتي أن للأمر علاقة بدلال ؟؟
ابتسمت بحزن و هي تقول :
_ عندما تتحدث عن دلال أو تفكر فيها تصبح عيناك زرقاوين كصفيحة البحر
_ ماذا ؟؟!!
_ ألم تكن تعلم ذلك ؟؟
هز رأسه نافياً الأمر .... حدقت ياسمين بعينيه أكثر و هي تقول :
_ عندما تغضب يتحول لون عينينك للأسود و عندما تكون سعيداً هاديء البال يتمازج اللون الأزرق و الأخضر بلمعان نقي و صافي ... و عندما تكون في وسط العمل تصبح عيناك جامدة قاسية لا حياة فيها
شدّ على كفها و هو يبتسم لها بحنان :
_ و عندما أكون معك أنتِ ؟؟
نظرت إليهِ بألم و هي تبتسم بشفتين مرتجفتين :
_ تصبح خضراء مع بعض النقاط الزرقاء المتمردة
كم شعر بالألم من كلماتها ... لازالت ياسمين تشعر بالخوف من علاقتهما ... لم تصل لمرحلة الأمن و الإيمان بحبه و صدق مشاعره ... هي أكثر من يعلم مكان دلال بقلبه و فكره ... و لا يمكن أن ينكر الأمر ...
قالت ياسمين تنتشله من أفكاره و هي تبتسم له و الدموع على صفيحة عينيها تأبى الإنكسار :
_ زياد سأصل للوني الخاص ... سأحارب الدنيا من أجله
لمس خدها و هو يقول بثقة :
_ أنا أحبك ياسمين ... صدقي الأمر أرجوكِ
_ أنا أصدقك زياد ... أصدقك و لكن لازال حبي في قلبك برعم صغير ... يحتاج للكثير من العناية و الإهتمام حتى ينمو و تتفتح أزهاره
_ ياسمين!!!
قالت باهتمام و هي تسأله :
_ و الآن أخبرني ما الأمر ؟؟
أشاح بوجهه بعيداً عنها حتى لا ترى مقدار الصراع الذي يخوضه داخل قلبه و هو يقول شابكاً كفيه :
_ الإتصال كان من مجد ... أخ دلال الأكبر في أمريكا ... أبلغني بأن دلال ستقوم بإجراء عملية ...عملية خطيرة قد تم طرحها بالسابق لمعالجة مشكلة بصرها ... و قد رفضتها وقتها لأنها تشكل خطراً على حياتها و على قدراتها الحركية و الحسية الأخرى ....
مررت ياسمين يدها على ظهره تبثه بعض الهدوء و قد اختنق صوته قليلاً و هو يكمل :
_ طلب مني إقناعها بالعدول عن الأمر و قد تم تحديد موعد العملية بعد خمسة أيام
قالت ياسمين بهدوء و ثقة :
_ تحدث إليها و إن لزم الأمر اذهب لأمريكا .. أنت بالأساس ستغادر بعد أسبوع لنيويورك .... قدم الأمر قليلاً
هز رأسه رافضاً و هو يقول :
_ لا أدري إن كنت أصلح شخص لهكذا أمر ... هي الآن تكرهني و تعتبرني سبب كل ما حدث معها ..لا يمكن لومها على هذا الأمر.. أنا السبب ... أنا
عقدت ياسمين حاجبيها و هي تفكر بالأمر و قد تسارعت أنفاسها و دق قلبها ... قالت و هي تحاول تمالك أعصابها و دموعها :
_ زياد هناك أمر يجب أن اخبرك بهِ ...
نظر إليها بإهتمام و هو يشجعها على الكلام
_ في اليوم الذي سافرت دلال بهِ و قبل وصولك إليها ...قامت بمهاتفتي و هي تنتظر في المطار ...
قال زياد بتوجس :
_ هذا صحيح لقد أخبرتني انها اتصلت بكِ توصيك بالإهتمام بي
هزت ياسمين رأسها موافقة و قد فقدت السيطرة على دموعها و هي تقول :
_ يومها حاولت إقناعها بالبقاء و عدم تركك ... لقد كنتَ تمرُ بمرحلة صعبة و رحيل دلال كان سيزيد من تعقيد الأمور ... أخبرتها بأنك تحبها هي فقط و لا ترى غيرها من النساء ... قلت لها بأنك لا تحس بوجودي و و ...
عندها أنهارت بالبكاء متناسية بأنها تجلس في مكان عام .... كان زياد يستمع إليها و قد شعر بأن الدنيا تدور من حوله..عادت ياسمين و هي تقول زارعة وجهها بين كفيها :
_ لقد أخبرتها بأنك لم تقربني .. لم تلمسني كزوجة لك ... و أنك مخلص لها ..هي فقط تتملك قلبك .. أقسم لك بأني أخبرتها بذلك حتى أدفعها للبقاء .. لم أتصور أن يكون ردّ فعلها معاكساً و تطلب الطلاق منك حتى تتحرر منها ...أنا آسفة ... آسفة
أزاح زياد كفيها عن وجهها و هو يقول متألماً :
_ لا .. لا تعتذري ياسمين .. لا تفعلي ... لما قمت بجرح أنوثتك و كبرياءك بهذا الشكل ...لقد أسأت لنفسك كثيراً
قالت و هي تمسح دموعها تتهرب من عينيه :
_ من أجلك فعلت ذلك ... فقط من أجلك
اقترب منها يقبل جبينها برفق و هو يدفعها للوقوف قائلاً :
_ لنذهب الآن ... يزن ينتظرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عليكِ أن تقومي بتنفيذ كل شيء كما قلت لكِ تماماً .. لن أقبل أي خطأ .. هل هذا واضح ؟؟
قالت و هي تجمع الأوراق أمامها و تغلق الحاسب المحمول بهدوء :
_ لا تقلق ... عندما تصل نيويورك سيكون كل شيء جاهزاً ... الشقة و المتفجرات و السيارت ... كل شيء سيكون منظماً ..
أجاب و هو ينهض من مكانه :
_ أتمنى ذلك ... لننتهي من هذه المهمة ...
وقفت أمامه و هي تقترب منه :
_ أثق بأنك ستنجح و ستضع بصمتك الخاصة كالشبح و تصبح أحد المدراء الخمسة
تجاهلها و هو يبتعد عنها قائلاً :
_ سنرى ما سيحدث بعد هذه العملية
قالت بحماسة و هي تعود لتقف أمامه :
_ صدقني يا قصي سوف تتغير حياتك كثيراً بعد هذه المهمة
قال متوجساً و هو يحاول الدخول في أعماق أفكارها :
_ ما الذي تقصدينه كريستينا ؟؟
اضطربت قليلاً و هي تتهرب من عينيه مبتعدة قائلة :
_ أنا لا أقصد شيئاً معيناً
أمسك معصمها و هو يشدها قريباً منه قائلاً بصوت بث الخوف في نفسها :
_ كريستينا ... يراودني شعور ما بأنك لست مجرد عضوة عادية بالمنظمة ... هل تخفين عني شيئاً ما ؟ ... تكلمي عزيزتي
ارتجفت حدقتا عينيها و هي تقول متلعثمة تحاول فك معصمها من حصار كفه :
_ أنا لا أخفي شيئاً اتركني ..أنت تألمني
ضغط على يدها أكثر و هو يقربها أكثر حتى شعرت بأنفاسه على وجهها
_ لقد خدعتني مرة كريستينا و لن أقبل منك أي غدر أو خديعة هل تفهمين ؟؟
هزت رأسها موافقة بذعر و هو يحررها مبتعداً ..قالت و هي تحاول تدارك ضعف ثقته بها :
_ هناك أمر ما ..لقد طلبوا مني إبلاغك به بعد إنتهاءك من مهمة نيويورك
نظر إليها متسائلاً و هو يدس يده بجيبه .... قالت و هي تعود تحمل حقيبتها و أوراقها :
_ سيتم تكليفك بتصفية شخص ما قبل تسليمك منصبك الجديد بالمنظمة
_ من ؟؟
_ العقيد زياد طارق ... لقد كان السبب بانهيار فرع المنظمة في إيطاليا و مقتل ناجي القاسم ... اثنان من المدراء الخمسة
تصلب قصي في مكانهِ دون أن يتحرك أو يظهر أي تعبير ..فقط عيناه اسودتا بشكل مرعب و مخيف ... أكملت كريستينا و هي تتجه للباب حتى تغادر :
_ سيكون الأمر سهلاً ...لا تقلق ... أراك في نيويورك .. وداعاً
أغلقت الباب خلفها و بخروجها انهار قصي أرضاً و هو يستجدي نسمة هواء تسعف صدره ... سكن الرعب كل خلايا جسده .... ضرب مؤخرة رأسه بالحائط مرة تلو المرة و قد أتسعت عيناه على أخرهما هو يهمس مرتجفاً :
_ وقت الحساب قد حان يا قصي ... وقت الحساب قد حان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
فتحت ليليان الباب لسامر بلهفة .... تلبس ثوباً رقيقاً يظهر عنقها و نحرها ... بالكاد يغطي فخذيها ... لتبدو جذابة وأنثوية بشكل فذّ .. و رائحة عطرها تخطف الأنفاس مما أثار بنفس سامر الإشمئزاز و الغضب
دخل تاركاً الباب مفتوحاً قليلاً يتجاهلها :
_ أين حمزة ؟.. يفترض أن يكون قد عاد من مراجعته في المشفى
وقفت بمواجهته مباشرة تتمايل بإغواء ...تحاول يائسة الإيقاع به ... نظر لعينيها مباشرة و هو يقول لها بصوت مختنق :
_ تحبين لعب الكِبار يا صغيرة
عضت شفتها بإغواء و هي تقول :
_ دعني أثبت لك بأني لست صغيرة لهذه الدرجة
ضحك بحنق و هو يقترب منها بشكل خطير .... شعرت ليليان بانها تسجل انتصارها أخيراً.... لكن و عندما رات تلك النيران تشتعل في عينيهِ العسلية ... تراجعت خطوة للوراء .... و قد بدأت خلايا جسدها بالإرتعاش ... أرادت الإبتعاد أكثر و لكنها شهقت عندما أطبق سامر على كتفيها بقوة و هو يلفحها بأنفاسه الساخنة .. دفعها نحو الحائط بقسوة دون أن يتركها و هو يغرز أصابعه في شعرها بقسوة ألمتها ... همس بالقرب من شفتيها المرتعشتان :
_ و الآن أيتها الكبيرة الفاتنة ... أريني ما أنت قادرة عليه ....
ارتفع صدرها و هبط بوتيرة سريعة و الدموع تحتشد بعينيها ذعراً و رعباً .... قلبها يكاد يحطم ضلوعها و هو يخفق سريعاً .. حاولت دفعه بكفيها بعيداً عنها و لكن عبثاً ... قالت بصوت مرتجف و تتوسل :
_ أرجوك ابتعد يا سامر .... أنت ترعبني
قال و هو يهمس بجانب أذنها بقسوة :
_ أخرجي تلك الأفكار السوداء من رأسك ... أنتِ لن تقدري علي ...
تركها بقسوة و هو يقف أمام الشرفة محاولاً السيطرة على الغضب الذي يعصف بصدره و بقيت هي مكانها تتكيء على الحائط تنظر إليه بحزن باكية .... و بعد دقيقة .... تقدمت ناحيته و هي تقول :
_ أعلم بأن ما فعلته الآن يخالف طبيعتك سامر ... أنا لم أعد أحتمل قربك البعيد ... طائرتي ستقلع بعد يومين لا تقف بطريقي أرجوك
نظر إليها سامر بيأس وهو يقول :
_ ليليان أرجوك .. ارحميني و ارحمي نفسك من هذا الجنون
اقتربت و هي تضع كفيها على صدره تتشبث به
_ أحبك سامر ... أحبك بجنون
قال سامر و هو يبعدها عنه :
_ و انا أحب سعاد ...
_ ما حاجتك لتلك العجوز
جاء صوت حمزة هادراً جعل قلبها يفوت دقة من دقاته ..
_ ليليان ... هل فقدت عقلك ؟؟ كيف تجروئين على هكذا أمر
تقدم بعد أن سمع الجزء الأخير من حديثهما و قد شعر بأن الدنيا تدور به
نظرت إليه بتعالي و هي تقول بواقحة جالسة على الأريكة :
_ هل تحقق معي ؟؟ لا دخل لك بحياتي
اقترب منها سريعاً و هو يشدها من من ذراعها يجبرها على الوقوف و هو يقول شاداً على أسنانه :
_ ما دمتِ قد عدت إلى هنا و أخترتِ العيش في كنف العائلة فأنا أملك كل الحق بالتدخل و إيقاف جنونك
سحبت ذراعها بقوة و هي تصرخ غاضية :
_ لقد تداركت الأمر و لن أبقى في هذه البلاد الرجعية المتخلفة للحظة واحدة ... كانت أمي محقة بكل كلمة قالتها عن هذه البلاد
صرخ حمزة و هو يشد على كفهِ بقوة تكاد تحطم عِظامه :
_ ليليان ... الزمي حدودك ..
_ أنت الزم حدودك معي ... إبتعد عن طريقي الآن
كان سامر يراقب الوضع و انفعالات حمزة محاولاً قدر الإمكان عدم التدخل و لكن طريقة سير الأمور تسوء مع كل لحظة ..
وقف حمزة بوجه ليليان محذراً :
_ اسمعيني و سأقولها مرة واحدة .. فكرة السفر انسيها و توقفي عن ملاحقة سامر .... لن أسمح لكِ بالتسبب في أذية الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي في هذه الحياة
حدقت ليليان بسامر و هي تقول بمرارة و حقد :
_ هو مجرد شخص غبي يتمسك بتلك القبيحة..
قطع كلماتها صفعة حمزة الغاضبة تكاد تسقطها أرضاً و هو يقول لاهثاً :
_ اصمتي و لا تتكلمي عنه بهذه الطريقة
أسرع سامر يبعد حمزة عن ليليان و هو يقول غاضباً متألماً :
_ لما ضربتها يا حمزة ... لما ضربتها .. هل فقدت عقلك ؟؟
قال حمزة لاهثاً و هو يدلك رأسه بقوة :
_ لن أسمح لها أو لغيرها بالإساءة إليك ... هذه الفتاة تحتاج لتعلم التهذيب و الحدود ...
صرخت ليليان و هي تندفع لغرفتها مغلقة الباب ورائها بعنف :
_ أكرهكم جميعاً .. أكرهكم
أراد حمزة اللحاق بها و الشرر يقدح من عينيه ... لكن سامر قام بدفعه يصدّ تقدمهِ قائلاً:
_ لقد أفسدت الأمر كله حمزة .. لو علمت أنك ستتصرف بهذه الطريقة لما قلت لك شيئاً و تركتها تعود لأمريكا
إنهار حمزة على المقعد القابع خلفه و هو يقول مختنقاً :
_ أنا أعتذر منك لم أقصد أن أتصرف بهذا الشكل و لكن لا أفهم تلك الفتاة .... كيف لها أن تطاردك بهذه الطريقة و تهدد بعودتها لتلك البلاد الملعونة .... فاقدة للأخلاق ..
قاطعه سامر وهو يقول بحزم :
_ أنت تتكلم عن أختك ... الله فقط يعلم ما شكل الحياة التي عاشتها في الغربة وحيدة دون عائلة أو سند .. عليك أن تحتويها و تقنعها باللين و لا تنسى أن مقتل حذيفة قد أثر عليها
مرر حمزة أصابعهُ بين خصل شعره بتوتر و هو يقول :
_ أعلم كل هذا و لكن عدما اتصلت بي و أخبرتني بتصرفاتها لم أتصور أن الأمر بهذه الخطورة
إنفتح باب غرفة ليليان ... خرجت تجر حقيبتها باكية .... أسرع حمزة إليها و هو يقول :
_ ما الذي تفعلينه الآن ؟؟
قالت باكية مرتجفة :
_ ابتعد عن طريقي حمزة ... سأخرج من حياتكم كما دخلتها
حاول حمزة تمالك أعصابهِ و هو يقول :
_ ليليان أرجوك أن تهدأي .. أعتذر منكِ ...ما كان علي صفعك ..سامحيني
_ أريد الرحيل من هنا
_ لا ...
_ حمزة دعني و شأني ..لا سلطة لك علي ... سأتصل بالسفارة الأمريكية لا تنسى أنا مواطنة أمريكية و سأخبرهم أنك تحتجزني هنا رغماً عني
أمسك حمزة حقيبة ليليان و هو يدفعها بعيداً :
_ هيا يا ليليان اتصلي بالسفارة .. هيا ...
اقترب سامر منه و هو يقول :
_ حمزة إهدأ أتوسل إليك
توجه إلى ليليان وهو يقول لها بروية :
_ و أنتِ أرجوكِ أن تفكري قليلاً بقرار سفرك... من أجلك و من أجل حمزة ...
حدقت بعينيه و هي تمسح دموعها التائهة قائلة :
_ من أجلك أنت فقط ياسامر سأفعل
دخلت لغرفتها وسط صمت فرض وجوده على الرجلين .. يقفان عاجزين عن حلّ هذهِ المعضلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على شاطيء البحر يقف يلقي بهمومه الثقيلة و الشمس تغيب راسمة بقايا شعاعها في الأفق و صوت الأمواج الهادئة تعزف سمفونية الرحيل...
جاءه صوت غريمه يشق الصمت مطلقاً إشارة البداية لمواجهة جديدة :
_ لما طلبت مقابلتي في هذا المكان ..؟؟
إلتفت إليهِ وهو يبتسم ساخراً يدس يده بجيبه
_ ألن تلقي التحية على أخيك الأكبر ؟؟
قال زياد ببرود و هو يقوم بدس يديه بجيبه بتلقائية :
_ لا وقت لدي لهذا الهذر و الهذيان
ابتسم قصي و هو يقول بهدوء ينظر إلى البحر :
_كما تشاء لندخل إلى صلب الموضوع ... المنظمة أكس اكتشفت أمرك و أصدرت قراراً بتصفيتك
رفع زياد حاجباً و هو يحدق بقصي و قد تجمدت تعابير وجهه .... تابع قصي قائلاً:
_ إنهم يعلمون أنك وراء ما حدث مع رجلهم في روما و أنك وراء ما حدث مع ناجي القاسم ....يبدوا أن قرار وقفك عن العمل كان غطاءً فاشلاً للتتحرك بحرية أثناء حربك مع المنظمة
تقدم زياد ليقف إلى جانب قصي محدقاً بالبحر و هو يقول بصوت خالٍ من المشاعر:
_ و هل اختارت المنظمة الشبح بنفسه ليقوم بهذه المهمة ؟
عض قصي شفته بقسوة محاولاً السيطرة على اضطرابه و صراعه العنيف مع نفسه:
_ أرجوك أن تبتعد عن طريقهم سأحاول ثنيهم عن قرارهم
_ و لما تهتم .... نفذ أوامرهم و انتهي من أمري ... أقتلني يا أخي
صرخ قصي بقوة جعلت زياد يستحضر مشاعر مزقته طويلاً
_ زيااااااااااد ... لا تستفزني هذا الأمر خطير و لا يحتمل لامبالاتك و سخريتك
أمسك زياد يتلابيب قميص قصي و هو يصرخ بألم :
_ اسمعني جيداً ... دور الأخ الأكبر القلق الذي تحاول لعبهُ لا يصلح لك .. أنت مجرد شخص حاقد ... قاتل ... لا تمتلك قلباً أو أي مشاعر ...قمت بإفساد حياتي .... حولتها لجحيم لا يطاق ... لو تسلل الهدوء لأحد أيامي تجد طريقاً لتقلب الأمور على رأسي ...
نظر قصي لعيني زياد السوداء وقد اشتعلت بحقد و غلّ جعل قلبه يرتجف ... يشعر بالخوف ... لا خوفاً على نفسه و حياته و حريته ..بل خوفاً من انعدام الأمل بأن يعيش إلى جانبه كأخٍ حقيقي ...تابع زياد و قد فقد بروده و هدوءه :
_ أنت ... أنت السب بما حدث مع دلال ..... قتلت طفلي جنيناً لم يبصر النور .... سرقت ضوء عيون حبيبتي و أي أمل بأن تكون أماً لأطفالي ... لقد هجرتني بسببك .... و كدت أن تقتل ياسمين ... لازالت أثار شق معصميها بارزة تذكرها بتلك الأيام المرعبة التي قضتها في خيالاتها و كوابيسها المروعة
التزم قصي الصمت و وجوهُ كتمثالٍ من الشمع و قد تراخت ذراعاه إلى جانبه مستسلماً لثورة زياد و غضبه ... هذا الصمت الذي جعل غضب زياد يزداد أكثر و أكثر :
_ تكلم أيها الوغد .. دافع عن نفسك ...قل شيئاً ... قدم لي تبريراً و لو كان سخيفاً يثنيني عن قتلك و خنقك بيدي
قال قصي بصوتٍ مختنق :
_ لا أملك أي تبرير يا زياد ... أنت محق لو كان قتلي يريحك فافعل
دفع زياد قصي إلى الأمام و هو يكيل له لكمة على فكهِ ... تمالك قصي نفسه من السقوط ليقف أمام زياد الذي عاود هجومه يلقيهِ وسط مياه البحر و هو فوقه يلكمه بشكل متتابع و هو يقول :
_ ياليتك انتقمت مني وحدي بعيداً عن دلال و ياسمين ... لكنت وجدت لك العذر بدلاً من رغبتي بتحطيم وجهك و كل عظامك
أمسك قصي بقبضة زياد بقوة و هو يدفعه بقدمه ليسقط على ظهره وسط المياه ... أسرع يثبته و يمنعه من الحركة :
_ هذا ليس وقت الشجار زياد حياتك بخطر حقيقي
قام زياد بدفعه بقوة و هو يقلبه على ظهره قائلاً :
_ اصمت بالله عليك و توقف عن ترديد هذا الكلام الفارغ كأنك تهتم
استجمع قصي قوته و هو يركله في صدره بأقصى طاقته ليسقط بعيداً عنه و سط المياة الباردة
وقف الإثنان بنفس الوقت يحدقان ببعضهما و قد ثقلت ثيابهما بالمياه و تسارعت أنفاسهما و خفقات قلبيهما ..قال زياد بهمس بث الرعب بنفس قصي :
_ سلام يا قصي
قال من بين أسنانهِ محذراً :
_ ما بال سلام الآن ؟؟
_ لما أدخلتها إلى حياتك القذرة .. ستعرضها للسوء و الأذى
_ سأقتل أي شخص يحاول الإقتراب منها
ضحكة ساخرة أطلقها زياد و هو يخرج من وسط المياه إلى الشاطيء قائلاً :
_ القتل هو جوابك على كل شيء ... رائع
لحق به قصي و هو يمسح وجهه من المياه المالحة قائلاً :
_ زياد توقف أعدك بأن نستكمل هذا الشجار حتى يقضى أحدنا على الأخر و لكن الآن عليكَ أن نجد حلاً لمشكلتك
_ أنت مشكلتي الوحيدة في الحياة
هزّ قصي رأسه بنفاذ صبر و هو يقول ساخراً :
_ يبدو بأنك تحتاج لضربة على رأسك تجعلك تفهم خطورة الوضع
عندها اندفع قصي كالثور الهائج يطيح بزياد أرضاً لينخرط الإثنان بقتال لا يمكن حسمه لمصلحة أحدهما خوفاً غير معلن على الأخر... لينهارا في النهاية على رمال الشاطيء يجاهدان لالتقاط أنفاسهما يتعرقان بغزارة و زياد يعاني من آلام مضاعفة في خاصرته
ارتفع صوت هاتف قصي برنة خاصة يعرف صاحبتها ... قال و هو يخرج الهاتف من جيبه :
_ يبدو أن هذا الهاتف يستحق ثمنه .. لقد نجى من مياه البحر
تجاهله زياد وهو يجلس ينفض الرمال عن شعره
_ أهلا سلام ...لما تصرخين... من هم ...
وقف قصي سريعاً و هو يتجه لسيارته و زياد يتبعه
_ اسمعني حبيبتي ... احبسي نفسك بغرفتك ...سأصل ... ألو .. سلااااااااااااااااام
نظر إلى الهاتف بذعر و قد وصل سيارته .. أخرج مفتاحه يحاول عبثاً إدخاله في مكانه ... سأله زياد بحزم :
_ ما الذي يحدث معها ؟؟
أجابه ذاهلاً مرتعداً :
_ لقد اقتحم منزلي رجال مسلحون
قال زياد و هو يسحب مفاتيح السيارة من يدّ قصي :
_ لنذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل مهاب مكتب القائد الأعلى للأركان مؤدياً التحية العسكرية باحترام شديد و هو يقول بعسكرية:
_ المقدم مهاب بخدمتك سيدي الفريق أول ركن
_ إسترح مقدم مهاب ..تفضل بالجلوس
جلس مهاب و هو يفكر بسر طلب هذا اللقاء المفاجيء ... ينتظر من قائد الأركان البدأ بالكلام و هذا ما حدث
_ مقدم مهاب ..لا بد أنك تتسائل عن سر هذا الاجتماع
_ فعلاً سيدي الفريق أول
_ اسمعني جيداً أنت تقوم بعمل رائع بمركزك الحالي و أرى أنه يجب أن تتحمل مسؤوليات أكبر و أكثر صلاحية و فاعلية طبعاً بعد ترقيتك
ابتسم مهاب برسمية و هو يقول :
_ أشكر ثقتك سيدي الفريق أول
_ و لكن هناك مهمة خاصة يجب ان تقوم بها ..
_ بأمرك سيدي الفريق أول
_ أريدك أن تكون ضمن طاقم الحرسة الخاص الذي سيرافق رئيس الوزراء إلى نيويورك الأسبوع القادم
قال مهاب كاتماً أي تعبير على هذا الطلب الغريب في هذا الوقت :
_ في خدمتكم سيدي الفريق أول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
دخل زياد بالسيارة القصر متجاوزاً البوابة المفتوحة و قد استقر جسد رجال الحراسة على الأرض بين قتلى و فاقدين الوعي ... أسرع يقطع المسافة المتبقية و هو يسترق النظر للجالس إلى جانبهِ جامد الملاح ..مسود العيون .... متصلب الجسد ... يسمع نبض قلبهِ هادراً ... هو في مكانه الآن ... يعيش الحالة التي تسبب بها وقت إيقاعهِ الأذى بدلال و ياسمين ... يشعر زياد بالضيق بسبب مشاعرهِ في هذهِ اللحظة ... هل هو غبي ليهتم بقصي و يفكر بمدى الألم و الخوف الذي يشعر به ؟؟ .... ما هو إلا مجرم سيسقطه و يقدمه للعدالة مهما كان الثمن ...
وصل إلى الباب الرئيسي ليجد حراسه أرضاً.... كان الباب مفتوحاً على مصراعيه ... دخل قصي يصرخ منادياً سلام بذعر و هو يرى رجاله متساقطين في أماكن مختلفة و آثار صراع عنيف و تدمير شمل المكان
أخرج زياد مسدسه المخفي تحت قميصه و هو يلحق بأخيه إلى الطابق الأعلى منادياً سلام بلوعه و ألم... وجدّ باب غرفة النوم مغلقاً ... ضربه بقوة يصرخ :
_ سلاااااااااااااام ..... أنا قصي ...... افتحي الباب .... سلااااام .. أرجوكِ أن تردي علي
لم يتلق رداً و الذعر قد تملكه و هو يدفع الباب بكتفه بكل قوة ....
_ توقف قصي
نظر إلى زياد بألم و رجاء و توسل
_ قصي تراجع إلى الخلف
نفذّ طلبه و زياد يطلق النار على قفل الباب ... دفع قصي الباب سريعاً ليدخل إلى الغرفة و قد قلبت رأساً على عقب و نوافذ الشرفة قد حُطمت تماماً و الزجاج ملأ المكان و ..سلام ...كانت على الفراش ساكنة بشكل مخيف و قد نامت على بطنها و شعرها قد غطى وجهها و لون أحمر قد تخالط مع لونه الذهبي
بجزع تقدم قصي ناحيتها جلس على الفراش و بيد مرتجفة أمسكها يديرها ناحيته ليصطدم بالجرح في رأسها ... اضطربت أنفاسه و اختنق الكلام في صدرهِ, أخذ يزيح خصل شعرها الملتصقة بوجهها يناجيها :
_ سلام .... أرجوك .... لا تتركيني حبيبتي ... سلااااااااااااام .... سلاااااااام
وقف زياد قريباً منه واضعاً يده على صدغهِ غير قادر على فعل شيء ... للحظات فقد تركيزه و قدرته السليمة على التصرف ... لكنه سرعان ما عاد للواقع و قد لاحظ حركة صدر سلام كانت تتنفس بصورة طبيعية لكن منظر جرح رأسها شتت انتباهه و أخيه .. اقترب من سلام يمسك معصمها وقلبه يتفطر على قصي المنهار الباكي ... نبضها طبيعي تماماً .... نظر لذراعيها لم يجد أثراً لحقنة ما .... أزاح شعرها عن رقبتها ليجد أثراً واضحاً لأصابع محترفة ضغطت بقوة على وريد معين مما تسبب في فقدانها الوعي ... تأمل جرح رأسها كان سطحياً و لا يمكن أن يشكل خطراً حقيقياً ... تنفس الصعداء و هو يهز قصي من كتفه قائلاً :
_ إنها بخير قصي .... أنظر إلي ...... قصي
لم يستجب له كما لو كان فاقداً للوعي رغم يقظته يهلوس بكلمات غير مفهومة :
_ سلام ... لا ترحلي ... أمي .... سلام ...لا
شعر زياد بنصل سكين محترقة تخترق قلبهُ بقسوة ... عاد يصرخ بقصي :
_ قصي .... أفق ... سلام بخير ... إنها بخير ... أخي
حدق به وجلاً ... متوجساً .. متوسلاً ... قال زياد سريعاً :
_ أنظر لجرحها إنه سطحي .... و إلى رقبتها قام أحدهم بإفقادها الوعي ... و صدرها حركة تنفسها طبيعية ...
أسرع لطاولة الزينة يتناول زجاجة عطر ... لكنه تجمد أمام الصورة التي تم تعليقها على المرآة ... سحبها بغضب و هو يعود لسلام .... يرش العطر بالقرب من أنفها لتستيقظ مذعورة
_ ابتعدو ... ما الذي تريدونه ... قصي ... قصي
ضمها قصي لصدره و هو يقول :
_ حبيبتي ...أنا هنا ... أنتِ بخير .... بخير
قال زياد و هو يخرج من الغرفة مغلقاً الباب ورائه :
_ سأتصل بالشرطة و الإسعاف
بعد بضع دقائق كان القصر ممتليء برجال الشرطة و الأطباء ... قتل ثلاث من رجال الأمن و منهم من هو مصاب بجروح خطيرة و متوسطة ... تحول القصر إلى ساحة لمعركة كبرى لم يبقى فيهِ شيء على حاله
خرج قصي من غرفة سلام بعد معالجة جرح رأسها و حقنها بمهدأ لترتاح ... وجدّ زياد ينتظر خارجاً أمام الغرفة ... يحدق ببطاقة بريدية في يده ... اقترب منه و هو يقول له :
_ ستكون بخير لازالت تعاني من أثار الصدمة
مدّ زياد البطاقة لقصي و هو يقول له بجمود :
_ لقد ترك لك رفاقك رسالة
أمسك قصي البطاقة البريدية .. كانت تحمل منظراً لمدينة نيويورك و قد رسم في وسط الصورة شعار أكس ... بغضب مزق الصورة لأشلاء وهو يسب بصوت خافت واضعاً يده على جبينه و زياد يقف بجانبه عاقداً ساعديه ...قال بتصلب و حزم :
_ لن يكون حضورك للإجتماع القادم في مبنى الأمم المتحدة عادياً .. أليس كذلك ؟؟
_ لا أعلم عما تتحدث
_ أتحدث عن لوكاس ألن هنسن
ابتسم قصى بصفراوية و قد أدرك علم زياد بما هو قادم :
_ لا أعلم عما تتحدث .... و نصيحة لك ابتعد عن طريق المنظمة ...
قال زياد و هو يتركه خلفه يخوض صراعاً قاسياً:
_ لن أرحمك قصي كل ما أحتاجه دليل واحد يدينك و عندها سوف أسلمك بيدي لحبل المقصلة لتلقى جزاءك العادل
قال قصى و هو يستند على الحائط :
_ راجع الطبيب زياد أنت تتألم من أصابة ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
فتحت عينيها بثاقل تتلمس الضمادة التي تغطى جرح رأسها لتجد نفسها نائمة كطفلة صغيرة في أحضانه و هو ينظر إليها بقلق .... قالت و هي تمرر يدها على خدهِ الخشن :
_ لما لم تنم حتى الآن حبيبي ؟؟
بصوت منهك مجروح قال و هو يمرر أصابعه بين خصل شعرها الذهبي :
_ لا تشغلي بالكِ حوريتي نامي وارتاحي
أرادت أن تنزل من حضنه لكنه تمسك بها يضمها لصدره بقوة و هو يهمس لها :
_ إلى أين لن أتركك سلام
ضحكت بنعومة و هي تشير للساعة :
_ لقد تأخر الوقت يجب أن ترتاح قصي .. أنا بخير لا تقلق علي .. ما دمت هنا إلى جانبي فأنا بخير
انحنى يقبلها على رأسها فوق الضمادة ينظر إليها بخوف و قلق لم يتمكن من لجمه داخله .... قالت سلام و هي تريح رأسها على صدره :
_ أرجوك حبيبي لا تخف .. هؤلاء اللصوص لن يعودوا مرة ثانية إلى المنزل .... اطمئن ... أنت لم تنم منذ يومين ..
شعر قصي بقلبه يتفجر لأشلاء داخل صدره ... ياليت الأمر يقف عند لصوص يبحثون عن مكسب أو مغنم ... كانت الرسالة واضحة للغاية.. المنظمة تسيطر عليه و على حياته و قد وصلوا لنقطة ضعفه ..بل نقطتي ضعف .. زوجته و أخوه ...
قاطعه صوت سلام الباكي و هي تقول متألمة :
_ أرجوك قصي .. الرجال الذين قتلوا.. يجب أن ترعى عوائلهم ... لقد قتلوا و هم يدافعون عن القصر ...
ابتسم لها و هو يمرر أصابعه على وجهها يمسح دموعها :
_ لا تقلقي سأتكفل بهم.... أعدك ملاكي
زادت حدة بكائها أكثر و قصي يبعثر قبلاتها المطمئنة على وجهها و رأسها و شفتيها قالت و هي تشهق بنعومة :
_ وقت مهاجمة اللصوص للمنزل لم أفكر بشيء سواك أنت ..أصبحتُ أخشى الموت لأنه سيبعدني عنك
لم يتمكن من الكلام و الرد و هو من يتنشق رائحة الموت في كل خطوة من خطوات حياته و هو الآن يحوم حوله يزعق بوعيد يشلّ قلبه رعباً
نظر لسلام وقد استرخت على صدره نائمة و دموعها لازالت تتسلل من عينيها ... و مرت الليلة ثقيلة على قصي و هو يراقب أنفاسها بجزع يكاد يقضي عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
جلس الفريق حول الطاولة داخل المنزل الأمن .... يستمعون بتركيز عالي لكل كلمة ينطق بها زياد بحزم و و وضوح... وقف حمزة و هو يقوم متذمراً غاضباً :
_ أريد الذهاب معك في هذهِ المهمة .... لما تقصيني بهذا الشكل ؟؟
قال زياد بشدة و هو يقلب الأوراق بين يديه :
_ يجب أن ترتاح يا حمزة .. ياسمين ستكون متواجدة معي و إن احتجنا لمساعدتك سنتصل بك ...
_ يجب أن أذهب أنا و تبقى ياسمين هنا بأمان
قال سامر و هو يدفع حمزة للجلوس :
_الطبيب منعك من السفر بشكل واضح ... عليك أن تهدأ و ترتاح
قال زياد قاطعاً هذا الحديث :
_ كما قلت مهاب سيدخل الولايات المتحدة بشخصيته الحقيقية لقد رتبت هذا الأمر سابقاً مع رئيس هيئة الأركان ....
قال مهاب و هو ينظر لزياد بعتاب :
_ كان يمكنك تحذيري أولاً قبل هذا اللقاء المفاجيء
_ أردت أن يكون الأمر طبيعياً مقدم مهاب ... أحتاجك بالداخل لتراقب لوكاس و تخبرني بتحركاته من موقعك .... لا تتجاوز حدود مهمة الحراسة الشخصية ... مهما حدث لا تدخل بأي شكل في أعمال الفريق
_ حاضر سيدي العقيد .. و هذه قائمة أسماء الوفد الذي سيرافق رئيس الوزراء .... بينهم اسم يهمك
نظر زياد إلى القائمة و التقط اسم قصي بينهم ... تمنى في داخله أن لا يصطدم معه بعراك يضطر لحسمه برصاصة
أكمل زياد مبتلعاً مشاعره و هو ينظر لأمجد و حازم و ياسمين :
_أنا سأسافر الليلة و أنتم الثلاثة ستدخلون الولايات المتحدة وفق الخطة التي ناقشناها سابقاً حسب الايام المحددة لكل منكم .... كل منكم تسلم الأوراق و الجوازات التي أعدها سامر ...التزموا بكل حرف بحذر شديد و احفظوا العناوين التي سنلتقي بها بالإضافة لطرق التنكر و مواعيد السفر ..... هل من سؤال أو استفسار ؟؟
ساد الصمت لثواني ليقطعه زياد قائلاً :
_ اسمعوني جيداً .. مهما حصل و تحت أي ظرف ..... لا يمكن ان تنكشف شخصية أي منكم ... و في حال تعقدت الأمور و تم إلقاء القبض على أحدنا ...لا تذكروا اسم دولتنا في الأمر ... أنتم تتصرفون بشكل منفرد ... و يمنع عليكم التدخل للإنقاذ ... لا تظهروا أنفسكم حتى لو كان أحدنا يصارع الموت ... لا تقتربوا نهائياً مهما كان الثمن هل هذا واضح للجميع ؟؟ ......ياسمين و حازم .. أنتما الأثنين .. في حال نشب صراع أو عراك .... لا تفكرا سوا بالإنسحاب و الإبتعاد ... لا تنخرطا في أي قتال بأي شكل
تطلع زياد إلى الوجوده المتعلقة به و هو يقول :
_ أريد من الجميع أن يتذكروا بأن ما نقوم به هو عمل نقصد به رضى الله و تحقيق مصلحة الوطن و البشرية ... نحن لا نقوم بذلك لمصلحة شخصية أو لتحقيق انتقام ... إن كانت نواياكم تتجه لأمور أخرى أو إن كنتم تشعرون بالتردد أو التشكيك بهذا العمل.. انسحبوا الآن في هذه اللحظة
صمت لدقيقة و هو يقرأ الوجوه التي تعلقت به تظهر عزماً و عهداً بالسير على الطريق متحدين و مخلصين النوايا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل المنزل و هو يدلك رقبتهُ بإرهاق متجاهلاً ألم خاصرته ..... لقد أنجز الكثير من العمل في فترة قصيرة و الآن عليهِ أن يدخل في رحلة طويلة ملتوية غير مباشرة إلى الولايات المتحدة متخذاً أكثر من صفة و إسم ... نظر لساعته التي أشارت لمنتصف الليل .. بقي ثلاث ساعات لانطلاق رحلته إلى المغرب بحجة بحثهِ عن صديق قديم إنقطعت أخباره ...
كانت ياسمين نائمة على الأريكة جالسة تسند رأسها على ركبتيها تضم ساقيها بقوة .. كم تبدو هشة و رقيقة ... سهلة الكسر ... عصف بصدره خوفٌ لايعرف له تفسير أو تبرير ...لم يخشى فراقها ؟؟ سيلتقها بعد أيام قليلة في أمريكا .... صوتٌ يدوي داخل صدره يحذره من تركها ورائه ....
حقيبته قد حزمت بانتظار رحيله .... نظرَ مرة أخرى لساعته ..نصف ساعة و سيصل مهاب ليقله إلى المطار
إقترب منها بهدوء يجلس إلى جانبها يخشى خدش سكينتها ... مرت دقائق و هو يجول في تفاصيل وجهها يريد أن يحفظه .. يحفره بذاكرته ... يوشمه في قلبه ... و ذلك الصوت لازال يأبى تركه .. لا تتركها ... ابقى معها
فتحت عينيها ببطء لتبتسم بهدوء .. تمد يدها تلمس وجهه بأطراف أصابعها :
_ لقد تأخرت
أمسك كفها يلثمها وهو يبتسم لها بهدوء ينافي عواصف الخوف في نفسه ...
_ أعتذر منك لكن التحضيرات أخذت مني وقتاً طويلاً
_ متى ستغادر ؟؟
_ في أي لحظة سيصل مهاب
ارتجفت شفتها كما قلبها و روحها ... لتنتقل رعشتها لكل جسدها و الخوف الذي حاولت طوال الأيام الماضية حبسه في قلبها تمرد و فضح نفسه ....
_ ياسمين أنتِ ترتجفين بشدة هل أنت محمومة ؟؟
وضع كفه على جبينها و جده بارداً كلوح ثلج ... ضمها لصدره ليبث الدفء لجسدها و لكن ارتجافها كان يزداد مع كل ثانية تمر تعلن قرب الوداع
_ حبيبتي .. ما الأمر أخبريني .. ما الذي يزعجك بهذه الطريقة ؟؟
نظرت إليهِ و هي ترسم على شفتيها بسمة مرتجفة و الدموع تهدد بالإنكسار على وجهها الشاحب
_ لا تقلق زياد ..لكن انا ..أنا بخير .. بخير
_ ياسمين إن كانت مسألة ذهابي إلى دلال ...
قاطعته سريعاً و هي تقول متلعثمة:
_ لا .. لا ... ليست دلال ... أثق بأنك لن تظلمني بهذا الأمر و لن تظلمها ...
_ إذاً ما بالك ترتعدين خوفاً بين يدي ؟؟
بللت شفتيها الجافتين و هي تقول :
_ انا آسفة ...لم أقصد أن أتسبب بتوترك قبل سفرك
أحاط وجهها بين كفيه و هو يقول :
_ لا تعتذري ياسمين .. أريد فقط الإطمئنان عليك
_ لا أعلم زياد ...صوت في داخلي يصرخ بكل قوته ...بأن ... انني ...
انفجرت باكية بقوة و هي تتمسك بقميصه ... أراد أن يطمئنها و يطيب بالها و لكن ذات الصوت يخبره بأنه يودعها للمرة الأخيرة
ارتفع صوت هاتفه ليظهر اسم مهاب معلناً وقت الرحيل .... نهض زياد سريعاً ينتشل نفسه من مشاعره الغير مبررة ...
_ سأدخل إلى يزن
تقدم ببطء في غرفته المظلمة .. انحنى يقبل جبينه و هو يمرر أصابعه في شعره الناعم قائلاً:
_ أراك قريباً أيها الرجل الصغير
خرج ليجد ياسمين واقفة بجانب الباب الرئيسي تضم نفسها و دموعها تجود بإنسكابها المؤلم .... تقدم ناحيتها و هو يغمرها بنظرة مطمئنة و حنونة ... حمل حقيبته .... قبل جبينها و فتح الباب يريد الخروج و لكن قدماه تسمرت مكانها .. لم يستطع أن يخطو إلى الخارج ..عاد ينظر إلى ياسمين المبتسمة من وسط دموعها ... ترك الحقيبة تسقط أرضاً مسرعاً إليها يضمها لصدره بقوة ... متناولاً شفتيها بقبلة عاصفة و قوية .. يحاول الإرتواء منها ممراً أصابعه بشعرها الفجري و هي تتمسك به بقوة تريد أن تبقى و يبقى في هذه اللحظة للأبد ... لكنه ابتعد ... أخذ حقيبته .... و رحل
انهارت بالبكاء أرضاً ترتجف كورقة خريف تستقبل عواصف الشتاء الباردة ... و كلمات تردد صداها في قلبها ... هذا هو الوداع الأخير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
جالسة بين أوراق عملها تسترق النظر لطفلها النائم بسكينة تحاول الإنتهاء قبل استيقاظه ... رنين هاتفها جعلها تسرع بالإجابة خوفاً من استيقاظه ...
_ مرحباً .... أهلاً أستاذ وليد ... الأخبار !! .. سأفتح التلفاز الآن
تعلقت عيناها بصورته و مقدمة الأخبار تعلن خبر استشهاده" و قد قامت قوات الإحتلال الغاشم باغتيال المقاوم الفلسطيني علي ... بغارة استهدفت منزله .. الشهيد تمكن منذ شهور من كسر سجنه الإداري و الهرب ليظهر بشكل مفاجيء في قطاع غزة لينضم للفصائل الفلسطينية المسلحة "
دموعها غسلت وجهها دون أن تدرك ذلك و هي تحدق بالشاشة تتأمل صورة وجهه ..رفاقه يحملونه على أكتافهم و قد لف علم فلسطين جسده .. وجهه مضيءٌ كالقمر و ابتسامة زينت شفتيه تبشر بنصر قريب... يرددون من حوله الهتفات و التهاليل
" ياشهيد ارتاح ارتاح ..نحن راح انكمل الكفاح.... قسما قسما يا شهيد .... عن اهدافك ما بنحيد... الله أكبر .... الله أكبر "
عادت تتحدث مع الاستاذ و ليد و هي تقول بعزم :
_ سأكون معكم في نيويورك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت لمكتبها تحزم أغراضها و تسلم العمل الذي التزمت به وقت عملها بشركة حازم ... لم تنتبه لتلك التي دخلت بسبب شرودها عن العالم تفكر بالذي سافر و تركها في حالة من الخوف و الرعب و الاشتياق
تقدمت سيرين منها تتمايل لتثبت أنوثتها و جمال جسدها الذي أحيط بثياب رقيقة تظهر أكثر مما تخفي ...
_ ستتركين العمل في الشركة ؟
ابتلعت ياسمين رجفتها و صدمتها بدخولها المفاجئ و هي تقول ساخرة :
_ سأترك لك المكان حتى ترتاحي عزيزتي
قالت سيرين بصوت مرتجف يهدد بالبكاء:
_ و هل ستتركين قلب حازم هنا أم أنك ستحتفظين به ؟
تجمدت أصابع ياسمين و توقفت عن تنظيم الأوراق و هي تحدق بسيرين التي امتلأت عيناها بالدموع متسائلة :
_ أنت تحبينه حقاً .. أليس كذلك ؟
عقدت ساعديها بحركة دفاعية و هي تحاول جاهدة كبت بكائها :
_ أحبه !!! أنا أعشقه .. أتنفسه في كل لحظة ... توقفت حياتي عند أمل بأن يلتفت إلي ... لكنه لا يراني ... حاولت جاهدة الإهتمام بمظهري .... غيرت طريقة لباسي من أجله و طريقة كلامي .. لكن بقيت لا مرئية بالنسبة له .. هو لا يرى غيرك أنتِ
تنهدت ياسمين بحرقة و هي تقول بعطف :
_ صدقيني أتمنى أن يجد حازم حباً جديداً يملأ أيامه دون ألم أو إهانة .... هو يستحق ذلك ....يمتلك عواطف و مشاعر دافئة تبحث عن حضن دافيء يتلقاها ... لكن صدقيني الأسلوب الذي تتبعينه لن يصلح معه ...
ضمت سيرين نفسها و قد شعرت بأنها عارية أمام كلماتها و هي تقول مرتجفة :
_ أخبريني أرجوك ما الذي يريده و سأقدمه له
تقدمت ياسمين ناحيتها ... و هي تقول بحنان :
_ فقط كوني انتِ .. دعيه يرى حقيقتك دون زيف أو تمثيل ... لا أقول أنه سوف يقع يحبك و لكنك على الأقل لن تخسري ذاتك كما فعلت لفترة طويلة من حياتي
رددت سيرين بضياع و هي تحدق بعيني ياسمين :
_ أكون أنا ... فقط أنا بهذه البساطة
ابتسمت لها ياسمين مشجعة.. بادلتها سيرين الإبتسامة و هي تخرج من المكتب تمسح دموعها:
_ شكراً لكِ ....
عادت ياسمين لعملها و قد انتهت تقريباً .... جمعت ما تريد أخذه معها و أبقت ما يخص الشركة مع ملاحظات توضح كل شيء ..... أخذت نفساً عميقاً و هي تمر بعينيها على كل ركن تودعه ... توجهت ناحية الباب ... و في اللحظة التي مدت يدها لتفتحه دفعه حازم لتتراجع هي بضع خطوات إلى الخلف لتصدم بنظرة من حازم .... نظرة حفرت بذاكرتها ... نظرة أشعلت بقلبها فتيل الخطر .... تمالكت نفسها و هي تقول له بهدوء :
_ كنت سأمر عليك قبل انصرافي
استمر بالتحديق بها و هو يخوض بقلبه صراعاً صعباً و مؤلماً حدّ الموت.. نظرت ياسمين إلى الباب المفتوح و هي تقول :
_ لقد أنهيت العمل الذي وقعت عقده و صنفت ...
قاطعها و هو يقول بصوت منهك ... مجروح :
_ لا ترحلي
تمسك بأوراقها و حقيبتها بقوة و هي تقول بصوت خفيض :
_ كنت تعلم ان الأمر مؤقت ... من أجل المهمة فقط
اقترب خطوة واحدة و هو يقول متوسلاً :
_ أرجوكِ لا ترحلي .... هل تعرضت لك طوال فترت وجودك في الشركة ؟
تسارعت أنفاسها و هي تحدق بالباب :
_ لا ....لم تفعل ولكن
قاطعها و هو يقول بلوعة :
_ إذاً لا ترحلي .... أبقي معي .... لا تحرميني من تلك اللحظات القصيرة التي أسرقها من الزمن حتى أكون بقربك ... لا تقتلي بقايا روحي برحيلك و بعدك
تجنبت النظر لعينيه و هي تتجه ناحية الباب تقول متلعثمة :
_ لن يكون الأمر منصفاً لك .....وجودي بقربك لن يساعدك لتتجاوز مشاعرك إتجاهي يجب أن أغادر الآن
تراجع حازم يسبقها مغلقاً الباب بعنف و هو يقول مرتجفاً محمر العينين :
_ من قال أني أريد تجاوزك ... انا لن أحب من النساء غيرك ...... ياسمين لم أعد أحتمل ... قناع البرود الذي أرتديه أصبح ثقيلاً .. أكاد أجن و أنتِ على ذمة رجل آخر .. أنتِ كنت و ستبقين لي .... ملكي وحدي ... هل تفهمين ؟؟
انكمشت على نفسها مرتجفة و ذكرى ماضيهما معاً تعود لتتذكر كل إهانة ..كل ضربة .... كل ركلة ... يقف الآن أمامها بنفس همجيته و قسوته و تملكه و غيرته
نظرت إليه بقسوة و هي تقول له بحزم لم يعتده منها :
_ حازم .. أنا إمرأة متزوجة الآن ... كل ما تقوله لا فائدة ترجى منه ... لقد انتهينا ..إفهم الأمر .. من المستحيل أن نجتمع مجدداً
أرادت أن تتجاوزه و تخرج لكنه أسرع يطبق على كتفيها كمصيدة محكمة يتفرس ملامحها المرتعشة .... توقف عند شفتيها و عطشه لها يزداد ...كم يرغب بالإرتواء منها حتى يثمل و يغيب عن قسوة الواقع
أدركت ياسمين معنى نظراته ..قالت متوسلة و هي تحاول جاهدة التحرر من قبضته :
_ أرجوك حازم لا تفعل .... لا تقضي على علاقتنا الهادئة و المسالمة من أجل يزن ... أتوسل إليك
_ هادئة!!! عن أي هدوء تتحدثين و عواصف حبك تجتاحني ليل نهار ... لقد تعبت ... تعبت ياسمين .. أنا أحبك بصدق و أنت تمضين بحياتك كما لو لم أكن فيها يوماً
دموعها خذلتها و هي تحاول التسلح بالقوة و مازالت تحاول تحرير نفسها
_ حازم اتركني الآن .... أتركني
_ أبداً
أطبق على شفتيها اللتان ضمتهما بإحكام .. لم تجد سوا أظافرها سلاحاً تغزه في رقبته و كتفه دون رحمة ... و هي تحاول جاهدة دفعه
شعور الألم جعله يعود لوعيه ليبتعد عنها و هو يلهث شاتماً .. يلمس رقبته .. و يرى نقاط الدم على أصابعه :
_ ما الذي فعلته ايتها الغبية
من دون وعي رفع يده يريد أن يصفعها لكنه توقف بمنتصف الطريق و قد عاد لوعيه قليلاً يشعر بالصدمة و التقزز من نفسه يهمس بأسفه ... سقطت ياسمين أرضاً تفرغ كل ما في معدتها ..و من ثم أخذت تمسح شفتيها بعنف حتى سال الدم منهما و هي تقول بغضب :
_ همجي ... حقير ... وغد
اقترب منها و هو يقول بضياع :
_ انا آسف ياسمين ... لم أقصد
وقفت على قدميها رغم ارتجافها و هي تقول بحقد و غلّ :
_ دائماً ما كنت آسفاً .. دائماً كان عذرك بأنك لم تقصد ... أنت شخص مريض تحتاج لعلاج ... ابتعد عن حياتي حازم .... أكرهك .. أكرهك
أسرعت بالخروج من المكتب دون أن يتعرض لها و هويسقط بظلام لا قرار له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ما أن وصل الولايات المتحدة تخلص من تنكره المتقن و اكتفى بقبعة رياضية و شارب مزيف مرتدياً بنطال جينز و قميص قطني أزرق... توجه لشقة مجد عن طريق المواصلات العامة .... قلبه يخفق بقوة تكاد تحطم قفصه الصدري مستشعراً وجود خطئاً ما ...
لم يتلقى رداً على طرقاته على باب شقته ... اتصل بمجد و كانت كل ثانية يقضيها بالإنتظار تمزق روحه بعنف
أخيراً أجاب مجد و قد بدى صوته منهكاً و متعباً للغاية
_ أهلاً زياد
_ مجد أنا أمام شقتك الآن
أجابه متعثراً بكلماته :
_ الحمد لله على سلامتك ... لكن انا في المشفى لقد قامت دلال بإجراء العملية أمس
شعر زياد بصاعقة تضربه ليرتجف قلبه
_ لماذا ؟ موعد عمليتها في الغد
_ لقد علمت بأمر اتصالي بك و قامت بتقديم الموعد حتى تسبق حضورك
_ الغبية !!! حمقاء
_ زياد ..دلال ...
قال بحسم و غضب و ذعر :
_ ما الذي حدث معها ..؟؟ هل تأذت تكلم مجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشبحWhere stories live. Discover now