الفصل الثالث عشر

48 4 0
                                    

جلس على الكرسي الهزاز بجانب سرير طفلهِ الأميري .... يتنشق رائحته الطفولية العذبة .... ينظر لزوايا غرفتهِ الباردة ..... يعيش ذكرياتهِ معه عسى أن يحظى ببعض الدفء و السكينة .... هنا كان يلعب و يقفز .. و هناك كان يملأ المنزل بكلامه المبعثر ...لا يعرف الهدوء حتى في نومه .... و أمامه صورتها لا تزال تعلن بسخرية مؤلمة .... خسرتني بسبب غباءك و عنفك و ظلمك.... قتلت مشاعر الحب في قلبي ... و جعلت من نفسك ألد الأعداء ... ظلمت طفلاً لن يعرف الإستقرار والسكينة في حياته ..ممزق بين أبيه وأمه ينظر الى كوب قهوته التركية يتخيلها تقدمه له كما اعتادت .. تطبع على خده قبلة تعلن فيها عن حبها له هو فقط ... حب لم يحترمه و يحفظه ... إنها الآن زوجة رجل آخر يتملكها .... لم يعد حبيبها ... ليس له حق التفكير فيها ... شعر بسكين تطعن قلبه و هو يتخيل تفاصيلها الحبيبة ... شعرها الأسود الطويل الناعم المعطر برائحة الياسمين متناثر بإغواء على وسادة رجل آخر ... عيناها الواسعتين بسوادِ الليل تنادي لعشقٍ يشبع القلب بالحب و الغرام .... بشرتها الذهبية تعلن عن نعومة تذوب أقسى الرجال ... فاتنة بكلامها و همساتها و حتى وقت بكائها
صوت جرس الباب أخرجه من أفكاره الخائنة .. وضع كوب القهوة على أقرب منضدة... و مع اقترابه من الباب سمع صوتاً يعرفه و يشتاقه .. مع أنه صوت بكائه ولكنه صوته .... قلبه سبقه إليه ... فتح الباب سريعاً .. ليجد يزن متعلق برقبة المربية المرتجفة
تبدل فرحه لخوف و هو يتناول يزن الذي زاد من حدة بكائه و هو يتعلق برقبة والده قائلاً بشجن يدمي القلب :
_ ماما .... ماما
شعر حازم بقلبهِ ينتزع من مكانهِ وقد أدرك أن سوءاً قد وقع لياسمينة قلبه .... حتى الأطفال يستطيعون معرفة السوء عند وقوعه .. نظر الى المربية المرتجفة ليسألها بصوت لم يستطع إخفاء الرعب الذي سكنه :
_ ما الذي حدث لياسمين ...؟؟ ما بال يزن ؟
بكلمات متقطعة و مرتجفة أخبرته عن الحال التي وصلت إليها ياسمين و تصرفاتها البعيدة عن التعقل و المنطق ..كان يستمع إليها و هو لا يصدق أن ياسمين هي المعنية بهذا الحديث ...
_ من بقي معها في المنزل .؟؟
قالت وقد غلبتها الدموع :
_ لا أحد
قال بغضب وهو يجاهد بسؤالهِ :
_ و زياد ... زوجها ؟؟
هزت رأسها بالنفي ... زفر بغضب و هو يمرر يده في خصل شعرهِ ...طلب من المربية أن تأخذ يزن للداخل حتى يهدأ ..صارع نفسه طويلاً ... ليس لديه الحق بالذهاب إليها حتى يطمئن عليها ... لكنها في خطر ...قلبه يحدثه بذلك ....
رفع هاتفه ليتحدث إليها ..من غيرها تستطيع أن تطمئنه و لو قليلاً
_ مرحبا سعاد ... أنا حازم .... جيد بأنك تذكرين صوتي .... لقد ....عادت المربية مع يزن إلى منزلي و هي ترتجف خوفاً على حال ياسمين .... يبدو انها ليست بخير .... لا زياد ليس عندها هي وحيدة في المنزل .... سأنتظر
مرت الثواني قاتلة و هو ينتظر اتصال سعاد بياسمين ... شعر بأنفاسه تختنق ...فك أزرار قميصه العلوية عسى أن يصبح دخول الهواء ميسراً ....جاء صوتها قلقاً و هي تخبره بأن ياسمين لا ترد على هاتفها
_ كم تحتاجين من وقت حتى تصلي إليها ؟؟...... ساعة ؟؟ انت خارج العاصمة ....سوف أذهب إليها ...لن أحتاج لأكثر من عشر دقائق .... و مالذي تريدنه؟؟ هل ابقى في مكاني جامداً و هي تتعرض للخطر ..... حاولي الإتصال بزوجها المحترم ..الى اللقاء
أسرع الى سيارته ضارباً بكل شيء عرض الحائط .... يشعر بوخز يتآكل قلبه قلقاً عليها ... هي ليست بخير .... ليست بخير أبداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
تحدث زياد مع رجال الأمن لبعض الوقت .... ليصعد بعدها الى غرفة نومهِ حيث كانت دلال تجلس بتوتر لم تعرفه قبلاً .... إنها تحاول خداع العقيد زياد
ارتفع صوت هاتف زياد الذي تركه في غرفة النوم ... أسرعت إليه دلال تريد إسكاته ..لن تسمح بخروجه من المنزل .... اخطأت بضغط زر الإجابة بدلاً من الرفض ... ليصل إليها صوت نسائي قلق .. تناديه باسمه مجرداً..... لا بد أنها ياسمين .... أسرعت لتغلقه بشكل نهائي .... لتضعه بهدوء حيث كان
دخل زياد الغرفة ... أسرعت تلقي بنفسها على صدره و هي تستنشق عطره .... تمسكت به كطفلة ..إنه لها ..لها وحدها ... جفلت عندما تنبهت لجموده و ابتعاده عنها قليلاً و هو يقول ببرود مخيف :
_ كتفك مجروح
قالت بصوت خافت و هي تتلمس موضع الجرح :
_ لم أشعر بهِ .... لا أعلم سبب حدوث ذلك
صدرت منه ضحكة ساخرة :
_ حقاً و لكن أنا أعلم
أمسك معصمها يسحبها خلفه نحو الشرفة ...فتح بابها و هو يضع يدها على قطعة الخشب الناتئة الملوثة بالدماء قائلاً من بين أسنانه :
_ هذا السبب دلال .. هذه الشظية جرحت كتفك و أنت تدفعين الباب ... و في المرة القادمة إن كنت تردين إيهامي بحدوث اقتحام للمنزل ....أعيدي المفتاح الى قفله بالداخل حتى أجد صعوبة باكتشاف الأمر
دخل غاضباً .... تبعته دلال بخطى مضطربة توشك قدميها على الإنهيار ... كيف فكرت بأنها قادرة على خداعه؟؟ ... أنسيت بأنه القادر على جعل أقسى المجرمين ينهارون بالإعترف أمامه .. لكنها لم تحتمل بعده عنها .. كيف تخيلت نفسها قادرة على مشاركتهِ مع أخرى... ليست نادمة على ما فعلت .. المهم أنه هنا معها و ان صب جام غضبه عليها ..فذلك أفضل ألف مرة من بقاءهِ مع تلك الدخيلة
كان زياد ينظر إليها بغضب هادر ...لقد جعلت الرعب في قلبه يأخده لأبشع التصورات ... يكفيهِ ما يحدث بحياته حتى يضاف إليهِ تصرفات حمقاء غير مبررة ... قال بصوت بارد جعلها ترتجف حتى النخاع :
_ لماذا أطلقت أجهزة الإنذار دلال ..... ما الهدف من هكذا تصرف أحمق عديم المسؤولية ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة ..تجلس على حافة السرير و هي تقول :
_ أردت أن تأتي ..لقد تأخرت كثيراً عندها..
صرخ قائلاً بغضب هادر :
_ أخبرتكِ بأنها مريضة للغاية ... أخبرتك بأنها تحتاجني لأبقى الى جانبها ... إنها زوجتي دلال لها حقٌ علي ... زوجتي التي ارتبطت بها تحت إصرارك الأحمق والغبي .... أقضي أغلب وقتي معك تاركاً المسكينة وحيدة لأيام طويلة... حياتها انقلبت رأساً على عقب بسببي دون أن أكون بجانبها كما يجب و هي الآن تمر بظروف صعبة للغاية
توقف عن الصراخ و هو يراقب دموعها الصامتة تنسكب سريعاً .... زفر بغضب محاولاً السيطرة على أعصابه عاد ليقول بصوتٍ لازال يحمل من الغضب الكثير :
_ لقد ظننت أنك في خطر يا دلال .... ظننت بأني سأخسرك... كدت أموت رعباً و صورة ذلك الوغد تحاصرني... أنا لا أفهمك .... لا أفهم ..لم أتصور بأنك قادرة على القيام بهكذا أمر
وقفت دلال و هي تصرخ من وسط دموعها بغضب :
_ توقف ...توقف زياد .. بالله عليكِ لا ترميني بسهام قسوتك ..لن أحتمل أكثر .... أعلم بأن ما قمت به خاطيء للغاية ولكن يجب أن تفهم أني قمت بذلك لأني احبك ... أعلم بأنني ضغطت عليك لتتزوجها ... اعلم بأني غبية و حمقاء و لكن ندمي الآن لا معنى له .... انا أحبك زياد و أكاد أجن من فكرة مطارحتك الغرام مع أخرى تحبها و تهمس لها بكلمات لطالما كانت حصرية لي أنا .... أنا فقط ...
ارتدت خطوة الى الخلف عندما شعرت بأنفاسه قريبة منها للغاية .... لكنه حاصرها و هو يضمها من خصرها إليه و هو يقول هامساً :
_ لما لم تحاربي من أجلي منذ البداية دلال لما الآن!!
ضمت وجهه بكفيها و هي تتلمس تفاصيله التي تعشقها :
_لا زياد .... سوف ابقى احارب من اجلك حتى آخر يوم..سامحني زياد ....اعلم اني ارتكبت امراً فظيعاً انا اسفة ... كان علي أن أكون أكثر تعقلاً
أراد أن يبتعد عنها ..لكنها بادرت بتقبيله بشغف و تملك.... حاول أن يوقفها لكنها تعلم تاثيرها عليه...أمامها يختفي العقيد ...ليبقى طفلها العنيد .... ذوبت قسوته بأنوثتها الناعمة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ابتعد عن طريقي ياهذا ..كيف تمنعني من الدخول ؟؟
_سيد حازم أنت ممنوع من الدخول...اتمنى منك أن تغادر المكان قبل أن أتصل بالشرطة ليقوموا باعتقالك
قال حازم و هو يحاول السيطرة على غضبه بمجهود خرافي متطلعاً لصاحب الجسد الضخم بصورة مفرطة ومرعبة :
_ حسنا لن أدخل لكن تفقدها على الأقل .... لن يسامحك زياد إن حدث لها مكروه و أنت تقف مكانك.... سأبقى هنا برفقة صديقك هذا .... لكن اذهب و اطمئن عليها
تبادل رجلا الأمن النظرات الحذرة ليقول الضخم أخيراً :
_ ابقى هنا لا تتحرك و إلا فإن صديقي هذا لن يتردد بإطلاق النار على رأسك و تفجيره
وضع رجل الأمن الثاني يده على المسدس المعلق على خصرهِ مأكداً على كلام زميله بنظرة متوعدة
رفع حازم يديه و هو يتراجع بضع خطوات مستسلماً .... عقد ساعديه و هو يركز ناظره لمدخل المنزل منتظراً فرجاً يريح قلبه الملتهب .... انتظر ظهور ذاك الضخم و لكنه تأخر كثيراً ... أم أن الرعب يجعل للثواني تأثيراً مخيفاً على النفس ... أوشك على تجاوز رجل الأمن الذي يحدق به محذراً حتى و إن كانت النتيجة أن يرديهِ قتيلاً في ساعتها ..أصبح الوقوف في مكانهِ أمراً مستحيل التنفيذ ..شعر بالنيران تحرق قدميهِ .... ارتفع الصوت المضطرب للحارس الضخم من خلال اللاسلكي الذي يحمله زميله
_ تعال بسرعة هناك خطب ما ..اسرع
تحرك رجل الأمن ومن خلفه حازم يركضان سريعاً... دلفا الى الشقة .. و قد وجدا الرجل الضخم يدفع باب غرفة النوم بكل ثقله و هو ينادي:
_ سيدة ياسمين .... افتحي الباب سيدتي
أسرع الرجل الثاني يساعده بدفع الباب دون جدوى ...كان ثقيلاً يصعب تحريكه .... صرخ حازم و هو يضع يده على صدره يمنع قلبه من الإنفلات ...
_ استعمل مسدسك لكسر القفل
أشهر الأول مسدسه سريعاً مطلقاً النار على القفل الذي تفجر لقطع صغيرة مصدراً صوتاً مرعباً يصم الأذن ... أسرع الحارسان بالدخول للغرفة ليتجمدا بوجوم ينبيء بوقوع كارثة ... أيقن حازم بأن الأسوء قد وقع فعلاً ... تجاوز الجسدين المتصلبين بخطوات مرتجفة... ليجدها غارقة ببركة من الدماء الغريبة ... معصميها منحورين بشكل بشع ...شعر بروحه تصارعهُ للخروج و دوار عنيف يكاد يطيح به .... أنفاسهُ اختنقت بصدرهِ .... قلبه تسارع بشكل مجنون ... انتفض جسده بألم .. لا يمكن أن تكون تلك ياسمينة قلبه .... ذاك الجسد المتكوم بضعف فاقد الحياة ... ليس بجسد حبيبته .... هذا الشعر الاسود الملوث بالدماء ليس شعرها العطر... هذهِ أخرى ... لا يمكن أن تموت هكذا .... لا يعقل أن تكون هذهِ نهايتها ... اقترب ببطء و انحنى على جسدها يبحث عن أمل في الحياة و دمعة مقهورة فرت من سجن عينيه ... لمس وجهها وجده بارداً كلوح الثلج ... سرت بجسدهِ رعشة مرعبة .... وضع سبابته على نبض رقبتها ليجد نبضاً ضعيف يكاد يخبو .... انفلتت منه آه مكلومة... كما لو أن الحياة عادت لجسده ... قبل جبينها هامساً ...
_ حبيبتي
أسرع يقف ينظر حوله بإضطراب .... ليصرخ بالرجلين المتجمدين وهما يودعان مستقبلهما في العمل :
_ أريد علبة الاسعاف سريعاً ...يجب أن نوقف النزف قبل نقلها الى المشفى
أسرع أحدهما يبحث ليعود بعلبة الإسعافات الأولية .... ضغط حازم الجرح في يد ياسمين اليمنى بينما قام رجل الأمن بربط الجرح الثاني رفع جسدها المتهالك بين ذراع يه و أسرع بها لسيارته ... وقلبه يهتف بلوعة :
_ لا تزال على قيد الحياة .. ياسمين لم تمت ...لم تمت
أسرع الرجلان خلفه ... حاول أحدهما الإتصال بزياد لكنه وجد هاتفه مغلقاً ... اتصل برجل الأمن المسؤول عن حماية دلال .. و أخبره بما حدث ..أراد أن يأخذ ياسمين من بين ذراعي حازم الذي صرخ فيه بقسوة :
_ لو كنت تحرص على عملك لما حدث لها هذا
وضعها في سيارته الخاصة في الكرسي الأمامي و هو يثبت جسدها الهش بحزام الأمان و هو يقول لها :
_ كوني بخير أرجوكِ تماسكي حبيبتي ...تماسكي باللهِ عليكِ
ركب معه رجل الأمن و انطلق للمشفى يدعو الله أن ينقذ من أحب و عشق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في دوامة عشق تسحبه بلطف و أنوثة ساحرة .... يذوب مع لمساتها أكثر و أكثر .... لكن غضبه منها عاده يتقد ... و صورة ياسمين وقت وجدها مرتجفة على أرض غرفة المعيشة تضرب وعيه و ضميره .... يجب أن يعود إليها ... يخشى أن تعاود هلوساتها الغريبة الهجوم ...
سحب نفسه من بين ذراعيها و هو يقول بصوت أجش مبحوح :
_ أنا آسف دلال يجب أن أغادر الآن
شعرت دلال بطعنة أصابت قلبها قالت بصوت غلبهُ الحزن :
_ زياد .... لا تتركني من أجلها
زم شفتيه بقوة و هو يخلل أصابعه بشعرهِ .... قال و هو يحاول السيطرة على أعصابه التي أصبحت دائماً تحت الإختبار و الضغط دون رحمة و لا راحة :
_ دلال ..أخبرتك لألف مرة ...ياسمين مريضة للغاية .... قد تؤذي نفسها ... هل تفهمين ؟؟ ....
أشاحت بوجهها بعيداً عنه و هي تصارع دموعها لتبقى حبيسة عينيها الزرقاء ... اقترب زياد منها يقبل جبينها قائلاً :
_ سأتصل بكِ حبيبتي
ارتفع صوت جرس باب منزله .. أخذ هاتفه و دسه بجيبه ...نزل يجيب على طرقات الباب التي تعالت أكثر و أكثر ... لكن دلال لم تستسلم تبعته تريد إيقافه ...فتح زياد الباب ليجد رجل الأمن المضطرب يقف أمامه يبتلع ريقهُ بصعوبة ..قال زياد بحزم :
_ ما الأمر ؟؟ تكلم
أخذ الحارس نفساً عميقاً و هو يقول :
_ سيدي العقيد ..هاتفك مغلق ...
أخرج زياد هاتفه من جيبه ليجد مغلق فعلاً .... نظر لدلال التي كان وجهها يصرخ بانها مذنبة .. زفر بغضب و هو يعاود تشغيلهُ قائلاً :
_ ما الذي يحدث ؟؟
قال رجل الأمن و هو يزداد إضطراباً :
_ لقد عثر شهاب على السيدة ياسمين في شقتها وقد شقت معصميها بقطعة زجاج
قال زياد بصوت مرعب :
_ ماذا ؟؟ هل ماتت ؟؟
_ لا أعلم سيدي ... هو يتوجه بها الى مشفى وسط المدينة
انهارت دلال على الأرض و هي تغطي فمها تكتم شهقاتها الملتاعة و المتألمة.... نظر إليها زياد ببرود اخترق قلبها حتى و إن عجزت عن رؤيته... كم تشعر بالذنب و الندم لفعلتها .... لم تظن للحظة بأن حالتها خطرة لهذا الحد .. تقتل نفسها!!!!
خرج زياد .... تبعته دلال و هي تنهض مرتجفة و هي تقول متوسلة :
_ خذني معك زياد ..أرجوك
قال دون أن يلتفت إليها :
_ لقد قمت اليوم بما يكفي دلال
أسرع لسيارتهِ ليتركها غارقة بداومة حزن و ذنب فظيع ... هي السبب بما حدث !!! ياسمين كانت تحتاج زياد إلى جانبها و هي بكل أنانية جعلته يأتي إليها بعبث طفولي ... رحمتك يا الله .. لن تحتمل ذنباً كهذا .. احفظ لها حياتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
على كرسي المشفى البارد ....جلس منحني الظهر .... يزرع وجهه بين كفيه ....الدماء تلوث قميصه و يديه .... شاحب الوجه ... فاقد لعلامات الحياة .. يغرق بمناجاة ربهِ ليحفظها و يحميها .... لقد مرّ الوقت طويلاً منذ أن أخذها الأطباء من بين يديهِ ... لتغيب عن عينيهِ داخل تلك الغرفة الخضراء اللعينة وصوت الطبيب يصدح بأن مؤشراتها الحيوية ضعيفة ...
سمع صوت الحارس يشرح ما حدث و عن دورهِ في كل ما حصل ... لم يتمكن من رفع رأسهِ ....لقد أصبحت الهموم ثقيلة للغاية ... جاءه صوت زياد الجامد و هو يجلس بجانبه :
_ كيف علمت حازم ؟؟
نظر إليهِ بطرف عينيهِ وهو يرفع نفسهُ بصعوبة بالغة ...قال بوجوم :
_ و هل يهم هذا الآن ؟؟
_ أخبرني حازم
تنهد بألم و هو يغمض عينيه قائلاً بآلية :
_ المربية جاءت مع يزن لمنزلي ... أخبرتني عن حال ياسمين و أنها كانت فاقدة السيطرة على نفسها و بحالة غير طبيعية ... اتصلت بسعاد و التي كما يبدو لا تعلم بشيء مما يدور معها... و التي بدورها حاولت الاتصال بك و لكن هاتفك كان مغلقاً ... ذهبت لمنزلك ...و قد أخبرك رجل الأمن بالباقي .. لم أقصد التطفل على حياتك ... لكن ....
قال زياد و هو يقاطعه ببرود مخيف :
_ شكراً لك
وقف و هو يبتعد عنه ليستند على الحائط المقابل له عاقداً ساعديه بجمود يماثل الصخر ... مشاعره المدفونة في أعماقه تقطعهُ بصمت ... يبدو أنه سيكون السبب بتدمير كل ما يحيطه... كان عليه قتلهُ ضارباً القانون بعرض الحائط .... كان عليه أن يطلق النار على رأسه في روسيا ما إن قابله ... ذلك الوغد سيذوق العذاب على يديه ... لن يرحمه ... و إن كان أخاه .. سوف ينتقم ... لقد حان دوره الأن
_ سيدي العقيد
التفت لصاحب الصوت و هو ينظر إليه بجمود :
_ سوف أدخل الآن لأطمئن على حال زوجتك
أراد أن يتركه ويدخل لولا أن زياد أوقفه :
_ هل ظهرت نتيجة تحاليل عينة الدم التي أخذتها اليوم ؟
تجمدت خلايا الدكتور رأفت للحظات ... أخذ نفساً عميقاً نافضاً التوتر الذي ضرب قلبه و كيانه ليقول وهو يهز رأسه :
_ من المؤكد أن مادة غريبة غزت جسد السيدة ياسمين و تسببت بتلك الهلاوس و الأوهام
جاء صوت حازم من الخلف خشناً جاف :
_ أي مادة ؟؟
نظر إليه رأفت سريعاً و عاد يخاطب زياد :
_ لم نتمكن من التعرف عليها ... مادة غريبة غير معروفة .. قد أرسلت النتيجة للأطباء حول العالم و قد جاء الجواب واحداً .. لا أحد يعرف حقيقة هذه المادة التي غيرت طبيعة دم السيدة ياسمين وقادتها لتلك الهلاوس الغريبة و الضعف العام الذي أرهق جسدها .. يبدو أن ذلك الشبح استعمل مادة مجهولة تم تصنيعها من قبل المنظمة و حقنها بها وقت خطفها
قال حازم برعب حقيقي :
_ ما الذي يقوله هذا الرجل ؟؟ خطف ؟؟ الشبح...؟؟
قال زياد باقتضاب متجاهلاً حازم :
_ و الحل دكتور ؟
_ في حال تم إنقاذ حياتها من محاولة الإنتحار فقد أجمعت و زملائي على فكرة واحدة ... تغير الدم ... تنظيف جسدها منه
قال حازم بفزع :
_ ماذا ؟؟ تريدون سحب دمائها
نظر إليه رأفت و هو يقول :
_ و سوف نعوضها بدماء نظيفة .. قد يساعدها ذلك
_ قد ؟؟ تريدون إجراء التجارب عليها
_ هذا الحل الوحيد يا سيد
قال زياد حتى ينهي هذا النقاش :
_ أرجوك دكتور... أدخل إليها وابذل أقصى جهدك لإنقاذها ... أرجوك ... أتوسل إليك
صدرت منه هذه الكلمات بألم و رجاء كان أقسى من جموده و بروده على نفس الطبيب ... لكنه عاد للدخول الى قوقعته الباردة و هو يغلق عينيه مستنداً الى حائط المشفى تاركاً الطبيب يصارع الزمن و المجهول
اشتعل حازم غاضباً مما سمعه لم يرحمه و هو يصرخ بقهر :
_ أنت السبب ... أنت السبب ....كيف تسمح لمشاكل عملك أن تدخل بيتك و تقضي على زوجتك .؟؟ كيف سمحت لذلك المجرم بوضع يديه القذرة عليها ليقتلها بوحشية دون ذنب منها سوى أنها زوجتك
فتح زياد عينيه لينظر إليهِ بسواد عينيهِ ...لم يشعر حازم بنفسهِ وهو يلكمه على فكهِ بقوة مفرغاً شحنة غضبه .. علم زياد من حركة جسد حازم بأنه سوف يلكمه ..لكنه لم يوقفه .... أراد عقاباً يقع عليهِ في الحال ... لم يتحرك جسده من مكانه ... بقى ثابتاً رغم قوة الضربة .... أراد حازم أن يقوم بلكمهِ ثانية و هو يهدر بأنفاسهِ المشتعلة ...لكن زياد هذه المرة أمسك قبضته بكفه لتشتعل مواجهة بالعيون تطحن العظم و المشاعر ... لمح حازم الألم الذي يجول في عيني زياد ... ألم لمسه و جعله يتراجع ليهبط بثقله على كرسي المشفى زارعاً وجهه بين كفيهِ بألم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أين هي ؟؟ أين ياسمين .؟؟
فتح زياد عينيهِ ببطء ليجد سعاد أمامه تجاهد لالتقاط أنفاسها ... شاحبة مفزوعة و بجانبها سامر يحيط كتفيها ... نظر إليها بخواء فاقد القدرة على الرد أو الكلام ...
صرخت بهستيريا :
_ تكلم مالذي حدث مع أختي ... أين هي ؟؟؟
أسرع حازم إليها ليقول لها بهدوء محاولاً مساعدة زياد من هذا الهجوم :
_ سعاد ... أهدئي هي مع الأطباء الآن ... انفعالك لن يساعدها .. هي تحتاجك الآن ..
قال سامر و هو يضمها لصدره :
_ معه حق حبيبتي .. علينا أن نتماسك و ندعو لها ...
قالت سعاد من وسط دموعها بصوت مجروح :
_ انتحار !!! ياسمين !! لا أصدق .. لا يمكن أن تقوم بأمراً كهذا .. لا يمكن .... يا رب .... لم تصر الأيام على صفعها بقسوة .. ظننت أن زواجها من زياد سيحررها من دائرة الأحزان .... لكن علمت بأن هناك خطب ما ..هي لا تشكو أو تتكلم ..لكن علمت بانها تعيسة و مدمرة ..... لكنها لم تقل شيئاً ..لم تقل
قال سامر بلوعة على حال حبيبة العمر :
_ سعاد حبيبتي ..أرجوكِ أن تتماسكي من أجل ياسمين ....
قالت كما لو أصبحت تهذي بدون وعي :
_ ما الذي سأقوله لأبي عد عودته من سفره..ابنتك الصغرى لحقت بأمها ... ابنتك قتلت نفسها
غرقت في بكاء يقطع القلب على صدر سامر الذي أحاطها بين ذراعيه يريد أن يحميها من الألم ... ولكن كان هذا أمراً مُستحيلاً ..انهارت قدماها ...ساعدها سامر على الجلوس و هي لا تزال متمسك بهِ تبحث عن أمن ضاع بلمحة البصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
دخلت المنزل بعد أن أنهت مناوبة طويلة أرهقتها ... توجهت لغرفتها تريد أن تأخذ حماماً طويلاً و تخلد الى النوم قبل عودة حمزة من عمله ... لكنها تفاجأت به نائم في سريره .. اقتربت منه بهدوء و هي تتطلع لوجههِ الشاحب المصفر... مدت يدها تريد أن تتحسس جبينه ... فتح عينيه ببطء و هو يبتسم بخفوت ..بادلته الإبتسامة و هي تجلس بجانبه تعبث بخصل شعره و هي تقول بحنان و حب :
_ ما الأمر حبيبي ... لما أنت نائم حتى هذا الوقت المتأخر
قال حمزة و هو يمسك كفها ...طابعاً قبلة عميقة على باطنه :
_ لقد ذهبت الى العمل لبعض الوقت و عدت لأرتاح قليلاً فقط
قالت بقلق و لهفة :
_ هل تشعر بالتعب حبيبي.؟؟ هل يؤلمك شيء
ضحك بخفة و هو يستوي بجلسته :
_ لا تقلقي أنا بخير يا أميرتي
قالت أماني بخوف لم تتمكن من مدارته :
_ حمزة عليك مراجعة الطبيب ثانية ..أنت لا تتحسن أبداً
قال و هو يسحبها لصدره ...يضمها بقوة يتنشق رائحتها ... يصارع لظهور صوته طبيعياً :
_ انا بخير حبيبتي .... بخير
نامت على صدره و هي تشعر بالخوف ... خوف يتغلغل كل يوم في صدرها أكثر و أكثر ... تشعر بحمزة ينسل من بين أصابعها بهدوء مرعب ... ما الذي يحدث معهُ؟؟ إنه أمر يتجاوز الارهاق العادي ... تحدثت لطبيبه و لكنه قال بأن عليها ان تتحدث لزوجها هو صاحب الشأن و أن عليه احترام سرية المريض ...عيناه كانت تنطق بصراخ يصم الأذن زوجك بخطر ....
قال حمزة و هو يرفع اماني عن صدره برفق :
_ سأتحدث مع سامر ..لأعتذر عن الذهاب الى الشركة و بعد أن ترتاحي سنخرج أنا و انتِ .... ما رأيكِ أميرتي
هزت رأسها موافقة و هي تبتسم بهدوء ... نهضت تريد الاستعداد للحمام و لكن كلمات حمزة جعلت كل أعصاب جسدها ترتعد
_ المشفى ...؟؟ مالذي تقوله ؟؟ انتحار ؟؟ لا أصدق .... مالذي يدفعها للقيام بهكذا أمر .. حسناً ...حسناً سوف أحضر حالاً
قالت أماني بصوت مرتجف :
_ من الذي انتحر ؟؟
قال حمزة و هو يخلع ملابسه سريعاً :
_ ياسمين
شهقت بقوة و هي تضرب صدرها :
_ ياسمين!!! لا يمكن
جلست على حافة السرير و هي تحاول استيعاب الأمر ...نظرت لحمزة و هي تقول بصوت مختنق :
_ هل .... هل ممـ ..ماتت؟؟
قال بسرعة و هو ينهي ارتداء ملابسه :
_ لا ..لا ..أدعي الله لها
_ سوف أتي معك
_ أماني .... لا داعي لذلك
قالت و هي تكبح دموعها شاعرة بألم يطحن قلبها :
_ حمزة ياسمين صديقتي .. لكن يبدو أني اهملتها و سلام ..لا أعلم لما فرقتنا الأيام هكذا ... انتحار ؟؟
قال حمزة و هو يقبل جبين أماني :
_ حسناً هيا تعالي حبيبتي ... هي الآن تحتاج لتواجد الجميع حولها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتلعت ريقها بصعوبة... وقفت تواجه البحر و هي تقول :
_ هناك أمرُ آخر ..ذلك المقال أعاد إلي مشاعر دفنتها عميقاً ... في ذلك اليوم ....ذلك الشبح ... إنه ...إنه يذكرني بك ... نفس النظرات .... نفس اللمسات ... لقد كان يحميني من حاتم و من نفسه ... في بعض الأحيان أحلم بكما معاً كما لو كنتما نفس الشخص هل أنت .... أنت هو ؟؟ أنت قتلت حاتم من أجلي
للحظة سرت ارتعاشة باردة في جسد الشبح وقد وجد نفسهُ مكشوفاً أمام حبيبته الهشة الرقيقة .... استحال لون عينيه للسواد .... لقد تراكمت أخطاءه ... فقد حذره تماماً وقت قتلهِ حاتم ... ترك مشاعرهُ تقودهُ في انتقامهِ ... كان عليهِ تحكيم عقلهِ قبل إيقاع العقاب عليهِ
اقترب من سلام ببطء و هي لا تزال مولية ظهرها له ... كانت أنفاسه تتقاذف الحمم المشتعلة .... قبض على خصرها بقوة أجفلتها و هو يشدها لصدره هامساً بأذنها :
_ و إن كنت فعلت .... لو كنت أنا من قتل ذلك الوغد ؟؟
شعرت ببرد يديه ينخر عظامها .. لمسته مختلفة ... شعرت بالفزع منه و لأول مرة منذ أن عرفته .... أرادت أن تسحب نفسها من بين يديه ...لكنه زاد من قوة إطباقه بطريقه جمدت الدم بعروقها ....شعرت بأنفاسه الساخنة قريبة من رقبتها و هو يهمس بطريقة لم تعرفه منه :
_ ما الأمر يا سلام ... لم تجيبيني هل تعتقدين بأني الشبح ؟؟
هزت رأسها سريعاً و هي تقول مرتجفة :
_ لا ..لا .... لا أظن بأنك الشبح ...لكن ....أنا ...
قال قصي و هو يقاطعها ببروده :
_ لكن تعتقدين بأني قتلت حاتم .... هل تشعرين بالحزن عليه ؟
انتقل جموده وبروده لجسد سلام لتقول بصوت فقد الحياة و الإحساس :
_ يستحق الموت ...يستحقه ألف مرة .... إن كنت أنت من قتله أو أياً كان فأنا ممتنة له من كل قلبي ..
شعر قصي برغبة عارمة تجتاحه ليعترف لها بكل شيء... لكنه كبل رغباته بقوة و هو يديرها ناحيته و قد عاد الصفاء لعينيه و السكينة لصوته :
_ حبيبتي ... يرعبني أن تفكري بي كقاتل محترف ... و لكن صدقيني لو وقعت يدي على ذاك المختل لكنت قتله لأجلك أنتِ فقط دون ندم
طرفت سلام بعينيها سريعاً و هي تحاول استيعاب ما حدث .... لقد تغير من النقيض للنقيض خلال ثواني .... لكنها صدقته ...حتى و إن كان عقلها يلح بشكه ... لكن قلبها أسكت هذا الشك ... هو أنبل انسان
ابتسم قصي لها برقة و هو لا يزال متمسك بخصرها ... تأمل ملامحها الناعمة الجذابة ...عيناها الزرقاء الصافية تنافس زرقة البحر خلفها ... بشرتها بيضاء ناعمة تذوب قلبه ..... أنف دقيق مرسوم بإبداع ... شفتان تشبهان الكرز الأحمر .... آآآآه كم يشتاق لتلك الشفاه يريد أن يتذوقهما .... سيطرت هذه الرغبة على مشاعره .... بدأ يقترب منها ببطء ...أدركت سلام غايته أدرات وجهها بسرعة لتستقر القبلة على خدها ... ابتسم و هو يهمس لها :
_ لخدك طعم أحلى من السكر حوريتي
ابتسمت بخجل و هي تدفن رأسها في صدره القوي ... قال قصي:
_ سلام ... حوريتي ...أنا أحبك و أنا على استعداد لتدمير العالم من أجل عينيكِ
رفعت رأسها و هي تقول بدلال كاد أن يفقده آخر ذرات صبره :
_ و أنا أحبك قصي ...حقاً أحبك .. معك فقط أنسى خوفي و ذكرياتي السوداء ....لقد عدت للحياة بفضلك
قال وهو يبتعد عنها خوفاً عليها من نفسه و رغباته التي يكبتها منذ شهور
_ لنذهب معاً لمكان ما نقضي فيه وقتنا سوياً ..
هزت رأسها موافقة بسعادة و هي تتمسك بذراعه لأول مرة .... مبتسمة بفرحة حقيقي ....
قالت و هي تركب السيارة لجانبهِ و هي تقول :
_ قصي أريد أن أستعيد حياتي السابقة ... أريد أن أعود الى عملي و أريد أن تعود علاقتي مع صديقاتي كالسابق
قال قصي و هو يمسك كفها :
_ و أنا ؟؟ هل سيكون لي مكان في كل هذا ؟؟
ضحكت برقة جعلت خافقه يتسارع بفرح حقيقي:
_ أنت كل حياتي
التفت إليها و هو يبحر في عينيها .... هل يعقل أن يكتب له الحب الحقيقي ؟؟ .... هل سيكون له الفرصة بعيش حياة طبيعية معها ؟؟
_ قصي انظر أمامك و أنت تقود
_ من الصعب أن لا أنظر إليكِ حوريتي
قالت و هي تحاول الهرب من سحره :
_ سأتحدث مع أماني ...ستقتلني إن لم أخبرها بخبر خطوبتي
_ مرحبا اماني ...كيف حالك .... بخير ... أنا بخير حقاً ... مابال صوتك ....لا ..أنتِ تبكين ....مالذي حدث .. لا تكذبي يا أماني ..أحفظك جيداً .. .تكلمي أكاد أموت رعباً .... ماذا ؟؟ انتحار ؟؟ لايمكن .....لكن لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ .... يالله ...في أي مشفى ؟؟ سوف أحضر حالاً
قالت سلام بذعر و هي تتمسك بذراع قصي :
_ أرجوك خذني الى المشفى .... أرجوك
قال و هو يحيط كتفها :
_اهدئي سوف نذهب معاً لا تقلقي .... لكن من هي التي حاولت الإنتحار ؟؟
من وسط الدموع التي غمرتها و هي تجاهد لالتقاط أنفاسها :
_ صديقتي ياسمين .... لا أصدق .. لا يمكن
ضرب اسم ياسمين قلبه بعنف ... لا يعقل ...مجرد مصادفة .... هل هي رسالة ما يجب أن تصله ؟؟ ليست ياسمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصمت المخيف المُترقب أطبق بفكيهِ على أصحاب القلوب المرتجفة و المبتهلة.... لا يقطعهُ سوى شهقات بكاء مكتوم و مكلوم من صدور ذبحها الألم .... ما إن وصلت سلام المشفى برفقة قصي حتى تسارعت دموعها بالإنسكاب و هي تدرك واقعية الوضع و خطورته .... كل الوجوه تقطر بألم و ذعر مرعب.. أسرعت لسعاد تعانقها و تشاركها حزنها و خوفها ... تركت ذاك الرجل الواثق بنفسه خلفها يتقدم بخطى ثابتة ناحية أخيه الواقف كما تمثال الحجر لا حياة فيه .... يطبق جفنيهِ بقوة ... كم يشبهُ حاله الآن ذلك اليوم الذي كان فيهِ يقف خارج غرفة العمليات ينتظر أخباراً عن دلال ... يبدو أن القدر يدفعهُ ليرى نتيجة ما فعلهُ بهِ ..لكن الإختلاف هذه المرة بنفسهِ هو .. كم شعر بالتشفي وقتها و لذة طعم الإنتقام ... أما الآن فهو يشعر بأمر مختلف لا يستطيع و صفه .... لماذا ...؟؟ لأن ضحيتهُ هذهِ المرة هي ياسمين أول من جعلت قلبه ينبض ؟؟ أم لأنها زوجة أخيه الذي أشعرهُ بطعم الإنتماء لعائلة ما ؟؟ أم لأنه يرى انهيار سلام أمامه على صديقتها ؟؟
وقف أمام زياد و هو يقول بصوت هاديء كما لو أنه يخشي إزعاج عزلته الباردة ...
_ العقيد زياد
فتح زياد عينيهِ ببطء و هو يطالع القادم بوقتٍ غريب .... للحظة توقف قلب قصي عن الخفقان و هو يرصد سواد عيني زياد ... هالهُ مقدار الألم الذي أطل من عينيه ... أليس هذا ما أراده ؟؟ .... ألم يخطط للأمر بهدوء و إصرار و هو يعرف النتائج ؟؟ ... هو من توجه بنفسه للعالم المجنون الذي يعمل في صفوف المنظمة... هو من طلب منه تصنيع هذا الxxxx القاتل ... ما باله يشعر بالندم الآن ... يجب أن يكون جذلاً منتصراً .... قال و هو يبتلع مشاعره المضطربة :
_ أنا آسف لما حدث لزوجتك سيدي
قال زياد و هو يركز نظره على قصي الواثق و المتزن امامه :
_ لا أظن أن الرئاسة قد أرسلتك هذهِ المرة سيد قصي
قال قصي و هو يهز رأسه :
_ لا ...هذه المرة جئت برفقة خطيبتي ...صديقة زوجتك
_ خطيب ؟؟من ؟؟ سلام
هز قصي رأسهُ بالموافقة و هو يعلم بأنه يضع أمام زياد أول خيوط الشك ...ضيق زياد نظراته و هو يقلب أمراً في رأسه .... فكر قصي لو أن زياد دقق أكثر سوف ينكشف كل شيء أمامه .... قال زياد و هو يقوم وقفته ليصبح بمواجهة قصي نداً لند:
_ بيدو اننا نجتمع دوماً بظروف صعبة و غريبة
قال قصي بهدوء يحسد عليه :
_ معك حق حضرة العقيد ... في المرة الأولى التقينا في المشفى وقت حادثة السيدة دلال و الثانية كانت وسط معركة لإنقاذ السيدة ياسمين من يد حازم ... و الآن هذا
قال زياد بصوته البارد كما الجليد :
_ نسيت اللقاء الأول سيد قصي .... في مأتم والدك .. يوم الحادث الذي وقع لوالدي
قال قصي و هو يرفع زاوية فمه بإعجاب :
_ اعذرني ....لقد نسيت
أجابه زياد بسخرية لم يخفيها :
_ لا أظنك من النوع الذي ينسى سيد قصي
خرج الدكتور رأفت بوجه لا يبشر بخير أبداً ... وقف قصي إلى جانب زياد.... تحلق الجميع حوله دون أن يجرؤ أحد على السؤال .... قال و هو يبلل شفتيه محاولاً إيصال الأمر بأقل ضرر ممكن:
_ لقد تمكنا من إيقاف نزف شراينها التي قطعت ... و بدأنا بعملية تغير الدم فعلاً و لكن المشكلة هي بأن الدم الجديد فور وصوله لجسدها يستحيل لدماء ملوثة بتلك المادة الغريبة
قال سامر و هو يضغط على أسنانه :
_ استمر بالمحاولة أيها الطبيب
زفر الطبيب العالق وسط هذه الجموع المترقبة :
_ لم يعد بالإمكان القيام بذلك
قالت سعاد بغضب يكاد يفجر كل من حولها :
_ لماذا ؟؟ عليك أن تستمر بالمحاولة
قال الدكتور رأفت كما لو انه يريد ان يلقي بثقل الأمر و ينتهي :
_ وظائف جسد السيدة ياسمين أصبحت ضعيفة للغاية و هي تستمر بالتراجع
قال زياد بحزم مخيف :
_ و ما الذي يعنيه هذا الكلام ؟؟
_ السيدة ياسمين تحتضر .. إنها مسألة وقت و سوف تفارق الحياة ... تلك المادة تقضي عليها ... أنا آسف .... آسف للغاية .. أظن أنه من الأفضل أن تقوموا بتوديعها .. سوف نقوم بنقلها الى غرفة عادية بعد قليل .... هي غارقة في غيبوبة و لكن .... قد تسمعكم
دخل الى غرفة العمليات تاركاً فسحة للقلوب و العقول أن تستوعب الصدمة ... وضعت سعاد يدهاعلى صدرها تستجدي بعضاً من الهواء ... لكن بدلاً من ذلك صدر منها صوت حشرجة مخيفة ... لتنهار بعدها بغيبوبة تبعدها عن الواقع المؤلم ... حملها سامر و هو يصرخ ينادي ممرضات المشفى اللواتي أسرعن بنقلها لإحدى الغرف ...

الشبحWhere stories live. Discover now