الخاتمة

89 10 1
                                    

توقف الزمن ... لم تعد مواقيت البشر تعنيه....لا يعلم كم مرّ من الوقت .... ساعات .. أيام ... شهور ... حقيقة واحدة يدركها ... لقد رحلت و تركته وحيداً في الدنيا ...كئيباً ...مظلم النفس ..كسيرَ الروح ...بسببهِ ماتت ... قُتلت ... خسر طفله معها ... الأيام دارت دورتها ... سقته من ذات الكأس التي تجرعها زياد بسببه ... كانت الأيام الأولى رهيبة و قاتلة ... انهار أمام قصره ... حمله رجال ريكاردو و ضعوه في إحدى سيارتهم ... نقله لقصرا آخر و أحضر له طبيباً عالج جروحه .. لقد قاومه ..أراد الموت ...أصبح يصرخ و يضرب كل شخص يقترب منه بجنون ... حاول رجال ريكاردو السيطره عليه و لكنه في كل مره كان ينتفض و يصرعهم أرضاً ... استعملوا بالنهاية مسدساً مخدراً ... اسقطه أرضاً ليغيب عن الوعي غارقاً في السواد وصوت سلام المحتضرة يضطربه بقسوة ... أصبح الوقت يمر عليه بذات الرتابة ... قبل زوال مفعول المخدر ..يتم حقنه بآخر ليبقى خاضعاً لتصرفاتهم و إرادتهم ... نقله مر ثانية لأستراليا في رحلة طويلة و هو مخدر ... استقر بغرفة داخل قصر مهيب وسط الجبال ... يبقى مقيداً لدعامة سريره و محلول التغذية متصل بوريده يبقيه على قيد الحياة ... و إيزابيلا تدخل غرفته وقت قرب زوال مفعول المخدر ... لتحقنه بجرعه جديدة ليغيب عن العالم .. ولكن الألم يبقى رفيقه ينهش روحه و قلبه ......يعذبه و بجلده بسياط من نار
دخلت إيزي غرفة قصى الفاخرة و المترفة و معها حقنتها المعتادة ... تبتسم بمكر و حقد ... لا تفهم لما يبقيه والدها في هذه الحال ....لا هو ميت و لا حي .... نظرت لوجهه وقد طال شعر ذقنه بهمجيه.... و رغم شحوبه و ذبوله ....كان يبدو وسيماً و رجولياً لحدّ مخيف .... مدت يدها تريد لمس شعرات لحيته تستجيب لإغراء تفرضه وسامته
فتح عينيه فجأة و هو يحرقها بنظرته .. تراجعت مرتجفة تسقط الحقنه من يدها و أنفاسها تختنق بصدرها خوفاً و رعباً... رغم أن جسده ساكن و يديه مقيدة بسلاسل لدعامة السرير.... لكن بنظرة واحده أثار الذعر بنفسها ....
ابتسامة ساخرة انسلت من شفتيه و هو يغمض عينيه متجاهلاً وجودها ... ابتلعت ريقها و هي تتناول الحقنة المخدرة عن الأرض تحاول كبح ارتجافها ... أرادت الإقتراب منه حتى تحقنه و تنتهي ... ما كان قصى ليمنعها فحالة الوعي تعني مزيداً من الجراح و الألم ...
صوت ريكاردو جاء من الخلف يأمرها بالتوقف و عدم حقنه و الخروج ... فتح قصي عينيه و هو يرصد اقترابه و خروج إيزي من الغرفة ... أشاح بوجهه للناحية الثانية يغلق عينيه رافضاً أي إتصال مع العالم الخاجي ... قال ريكاردو و هو يفك قيود قصي قائلاً :
_ لقد أتعبتني معك يا فتى .... حيرتني ... خيبت أملي بك ...منذ ستة شهور و أنت على هذه الحال
التزم قصي الصمت متجاهلاً وجوده و قد ارتخت يديه لجانبه دون أن تظهر عليه أي علامة على الحياة ... جلس يكاردو إلى جانبه و هو يقول :
_ و ماذا بعد يا قصي ؟؟ إلى متى ستعيش بهذه الطريقة ؟؟ تمالك نفسك بحق الله .. أنت الشبح
بقى قصي معتصماً بسكوته يحاول الهروب لعالمه الخاص البعيد ... وقف ريكاردو يذرع الغرفة ذهاباً و إياباً دون هدف يحترق غضباً و المنظمة تنهار شيئاً فشيئاً و هو يصارع الموت دون أن يترك أمرها لشخصاً يستحقها ....قال حانقاً :
_ قصي ... لقد تحملت منك الكثير ...لو قام أي شخصاً آخرى بتصرف واحد مما فعلته لكنت اقتلعت قلبه من مكانه و سحقته تحت قدمي و لكن .... ظننت أنك مختلف ...مميز ....كم كنت مخطئاً!!
قال قصي بصوت أجش وهو يفرج عن جزء ضئيل من عينيه :
_اقتلني و أرح نفسك معلمي
صرخ ريكاردو غاضباً يضرب مزهرية ثمينة على الطاولة قريبه منه لتتحطم لأشلاء:
_ أحمق و غبي ... مغرور و متكبر ... أتظن أني لن أفعل ... حتى و إن كنت قصي الفتى الذي ربيته على يدي
أنفلتت ضحكة مدوية من قصى دون أن يحرك جسده تحت أنظار ريكاردو ... لكنها قطعها سريعاً و هو يقول كأفعى سامة :
_ أنت لم تربي سوى الشر في نفسي .. أوهمتني أن القتل طريقة للسيطرة والتحكم بكل شئ و لكن كم كنت كاذباً و مخادعاً و كم كنت أنا واهماً أحمقاً .... استغللت جراحي و طوعتني بين يدك .... و لم أكسب شيئاً سوى خسارة نفسي ومن أحب
اقترب ريكاردو منه و هو يشير له بسبابته :
_ أنت قتلت والدك البولوجي و والدك بالتبني دون أي تدخل مني ... لا تنسى ...ما دمت قتلت مرة من تلقاء نفسك فستفعله ثانية و ثالثة و عاشرة ... القتل إدماااااان ... أنا فقط علمتك كيف تقتل بإحتراف دون أن تترك أثراً غبياً دون أن تقع ....
أغمض قصي عينيه دون أن يلتفت لكلماته غير قادر على الإعتراض .... زفر ريكاردو بقهر و هو يمرر يده بشعره الأشيب ...يحاول السيطرة على أعصابه :
_ قصي ....أنا لا أفهمك .. و خاصه بعد أن اكتشفت خدعتك ... أنت لم تقتل زياد زيفت موته أمامي فقط حتى ينجو !!!
انتفض قصي من مكانه ..يقف على قدميه كما الطود ... يتقدم من ريكاردو و عينيه تشتعل بنار الغضب و الوعيد :
_ لا تقترب منه ..أحذرك ريكاردو
ابتسم ريكاردو و هو يقول :
_ إهدأ ... ما دمت مطيعاً ... فلن أقترب منه ..رغم الأذى الذي تسبب به للمنظمة لكن .... إكراماً لك سأتركه و شأنه
انهار قصى على السرير و هو يشبك كفيه بتوتر يهز رأسه :
_ ما الذي تريده مني ؟؟ أنا أصبحت معطوباً .. لا أصلح لشيء ... متى ستفهم ذلك وتريح نفسك
_ قصي .... يا قصي ...لطالما كنت مختلفاً عن كل شخص عرفته بحياتي ... فيك شيء يشدني بقوة... قناعة أتمسك بها ... أنت الوحيد الذي تصلح لأن تكون خلفاً لي
رفع قصي رأسه ناحية ريكاردو يحدق به غير مصدق ..قال ريكاردو و هي يجلس أمامه :
_ أنت فقط .... من تصلح لتكون مستر إكس الجديد ...لكنك تحتاج لبعض التأهيل و التذكير بمعنى أن تكن قوياً و مسيطراً ... معنى أن تكون الشبح ..فقط أحتاج لإبعادك عن ماضيك ..عن قصي ... لأنه شخص ضعيف تقوده المشاعر ...
زفر قصي وهو يحك ذقنه بكفه ... بفكر بعمق ..يقلب الأمور ... علم ريكاردو أن قصي بدأ يستجيب له ..لطالما علم مفاتيحه ... هو تواق للسيطرة على كل شئ ..... و رغم ذلك فلن يثق به مباشرة سيعرضه لاختبارات متلاحقة ليستحق مكانه .... هو لم يعلم بأن قصي قد تغير و تفكيره اختلف
وقف قصي و هو يقول بتوتر مدروس :
_ لا أعلم ... أنا ...أنا ...لا ...لا
وقف ريكاردو يضع يده على كتفه و هو يقول بثقة :
_ اتركني أقودك بالطريق من جديد .... أنا معلمك يا فتى
نظر قصى لعيني ريكاردو بضعف و استسلام و هو يقول :
_ حسناً و لكن أرجوك ...ابتعد عن زياد
ضحكة قصيرة أطلقها ريكاردو و هو يقول :
_ لا تقلق بعد مدة ستعود أنت و تقتله بنفسك و الآن أريد منك أن تتعرف على شخص ...
_ من ؟؟
_ شخص أظنه سيكون يدك اليمنى ... لكن تحتاج لبعض الإقناع و أنت قادر على ذلك .. قبل ذلك أريد منك أن تحلق ذقنك و تغير ملابسك بعد حمام طويل تحتاجه و بعدها ستقابلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
دخل المنزل يلقي بحقيبة سفره بغضب .... توجه لغرفة مكتبه يرمي بجسده المنهك على الكرسي العريض يغطي عينيه بساعده يطلق زفرات حارقة ... مجهود آخر ضاع دون فائدة ... لم يعثر عليهما .... كما لو أنهما كانا خيالاً و اندثر ... ستة أشهر و هو يذرع العالم يتبع خيوطاً واهنه لتنقطع أمام سيف الواقع المرّ
في ذلك اليوم و قبل ستة شهور قيد جسده على الأرض الصلبة .... لم يتمكن من إنقاذ أخيه و هو يساق لمصيرٍ مجهول بعد أن فُجع بزوجته ... شعور العجز و القهر يرافقه منذ ذلك اليوم ... لم يتمكن من منح قصي سوى دموع زادت من انكساره ... و لولا وصول مهاب في الوقت المناسب لكان فقد حياته بسبب تفتح جروحه و نزفها و الحريق الذي شب بالقصر بسبب رجال المدعو ريكاردو ... و لكن نزف قلبه كان أشد و هو يستمع لدلائل براءة قصى و الثمن الذي دفعه لانسحابه من المهمة
صوت دلال المشتاق التي دخلت المنزل و رأت الحقيبة الملقاة أخرجه من لجة أفكاره .... وقف يستقبلها و هي تلقي بنفسها على صدره تطوق رقبته ..تقبل وجهه تتأمل ملامحه الذابلة ...
_ حمداً لله على سلامتك حبيبي ..اشتقت لك ..
احتوى وجهها بين كفيه و هو يزيح خصل شعرها المبعثرة عن عينها
_ و أنا اشتقت لك دلال ....
وضعت يديها على صدره وقد استشعرت الألم و الحزن بصوته و هي تسأله :
_ لا شيء جديد ؟؟
هزّ رأسه بلا و هو يجلس على كرسيه ....يسحبها لتجلس في حضنه قائلاً :
_ أصبحت على يقين بأن أحدهم يقوم بتزييف الأدلة التي أعثر عليها حتى أبتعد عن المكان الحقيقي الذي تتواجد فيه ياسمين
_ لا تقلق ..أثق بأنك ستعثر عليها ..... لكن أرجوك .... عليك أن تهتم بنفسك ... تبدو منهكاً و متعباً ....سأتصل بالطبيب لتقوم بمراجعتك المتأخرة
أغلق عينيه و هو يسترخي على ظهر مقعده :
_ أنا بخير ....لا داعي لمزيد من المراجعات لقد أصبح الأمر مزعجاً
نهضت دلال و هي تتناول الهاتف عن المكتب :
_ أنا لم أكن أسألك عن رأيك .... ستذهب شئت أم أبيت
وقف زياد و هو يضحك بخفوت :
_ سأذهب لزيارة يزن ...اشتقت لذلك الفتى
قالت دلال و هي تطلب رقم الطبيب :
_ أحضره معك ..أنا أيضاً اشتقت له
مال زياد على وجه دلال يطبع على شفتيها قبله ناعمة و هو يقول :
_ شكراً لك دلال ... لولا تواجدك بجانبي ..
وضعت يدها على فمه و هي تقول له بحنان :
_ لا تفعل .... هذا ما كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل ....
طبع قبلة على جبينها و هو يودعها ليتجه صوب منزل سامر ... ما إن وصل و استقبله سامر يحمد الله على سلامته حتى انقض يزن عليه يعانقه و يقبله و يقدم له تقريرا عما فعله بالفترة التي غاب فيها عنه و زياد يستمع له بسعادة و اهتمام ....
خرجت سعاد من المطبخ لتقول بحزم وهي تضع يدها على خصرها :
_ زياااااد ..لا تحمل يزن ستؤذي نفسك وزنه ثقيل عليك
أنزله زياد و هو يقول بهدوء :
_ أنا بخير سعاد لا تقلقي
تقدمت منه سعاد تصافحه و هي تقول بعتاب :
_ اهتم بنفسك أكثر .... تبدو متعباً للغاية
جلس زياد بجانب سامر و يزن يحشر نفسه ببينهما واضعاً يده على فخذ زياد كما لو كان يخشى مغادرته
سألته سعاد و هي تضم يديها بقلق :
_ هل من أخبار جديد ؟
تنهد زياد بألم و هو يتجنب نظراتها المكسورة :
_ آسف ...لا جديد
قالت سعاد بخفوت :
_ لا بأس ... أنت تبذل قصارى جهدك
دخلت سريعاً للمطبخ تتذرع بإعداد القهوة تداري دمعتها التي لم تجف منذ استيقاظها من كبوتها و نجاتها من الموت و هي تبحث بعينيها عنها .... ترى الوجوم على الوجوه التي تحيطها و والدها مكسور ..غارق في بحور ندم الماضي ...
وضع سامر يده على كتف زياد و هو يقول مشجعاً :
_ ستعثر عليها ....لا تقلق زياد ..
تنهد زياد بحرقة و هو يقول :
_ لا أعلم سامر ..أصبحت لا أعلم حقاً ..هناك من يحاول إبعادي عن الطريق الصحيح و لكن هذا يؤكد لي أنها على قيد الحياة
التزم الرجلان الصمت و يزن يقلب بصره بينهما بحزن .... يعلم أن هناك أمراً غير عادي ... و وجوه اختفت من حياته فجأة ... يشتاق لها و لكنه لا يستطيع أن يخبرهم بذلك ...
ابتسم زياد ليزن و هو يبعثر شعره بطريقة أغاظته ليغطي رأسه مقطباً جبينه باعتراض و هو يقول شعري ! ....
دخلت سعاد و هي تقدم القهوة لهما و قد ظهرت آثار البكاء على عينيها ..لم يكن هناك من شيء يقال في هكذا وضع .. قال زياد يستأذن سعاد :
_ هل يمكن أن أصطحب يزن معي ليومين أو ثلاثة ؟؟
ابتسمت سعاد راضية و هي تقف قائلة بنبرة حزينة :
_ بالطبع ..لا مانع ..لقد أشتاق لك و لدلال كثيراً ... تعال يا يزن لنحضرك لذهاب مع العم زياد
قفز سريعاً يسبقها لغرفته ... و صورة حازم تتراقص أمام عيني زياد ... ألم لا نهاية له يطعن قلبه ... و ذنب يثقل كاهله يكاد يكسره .... كان من واجبه أن يحافظ على سلامة أعضاء فريقه .. هو القائد .. كان عليه أن يدفع حياته ثمناً لحمايتهم و سلامتهم
أخرج نفسه من عواصف أفكاره و هو يسأل سامر :
_ كيف حال حمزة؟؟
ضحكة حانية أطلقها سامر و هو يقول بسعادة مجروحة :
_ مشغول مع حذيفة الصغير ...يكاد لا يفارقه ... طفل رائع و جميل ... أدخل بعضاً من الفرح لحياتنا ....
_ هذا رائع ... سأزوره قريباً إن شاء الله ... و ما أخبار ليليان ؟؟
_ لازلت في المشفى تتلقى العلاج .. ترفض مقابلتنا جميعاً باستثناء أماني و حذيفة الصغير ... طلب الطبيب منا احترام رغباتها حتى تقرر هي العودة لحياتنا
قفز يزن فجأة و هو يصرخ :
_ لنذهب .. لنذهب عم زياد ...
وقف زياد و هو يحمله قائلاً :
_ لنذهب أيها الصغير ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
أخذ حماماً طويلاً يحاول نفض همومه و أوجاعه يائساً ... حلق ذقنه الخشنة لتنكشف ملامح وجهه الذي حفر عليه الألم أخاديد عميقة ... فكرة واحد تضرب قلبه المحطم .... لقد أصبح زياد ورقة ضغط عليه من ريكاردو .... الهرب لن ينفعه ..فقد فشل الأمر مع سلام ... تمكن من القبض عليها لتموت بين ذراعيه.... لازلت رائحة دمائها عالقة به يستشعرها دائماً ... ظن نفسه قادراً على حمايتها .... و لكن كم كان مخطئاً !!! يجب أن يدمر المنظمة حتى يتحرر منها و يبقى زياد سالماً بعيداَ عن رحى حروب العصابات الطاحنة
خرج من حمام الغرفة المترفة يحيط خصره بمنشفة طويلة .... وقف أمام النافذة يقدر وضعه... مكان مثالي لهذا القصر ... يقع على قمة جبل و تحيطه به غابات كثيفة ... من المستحيل الهرب من هذا المكان ...لو استطاع التخلص من الحراسة و تجاوز المنحدرات الحادة .... ستكون الوحوش الضارية بانتظار أن تنهش لحمه ....
زفر بحنق و هو يتوجه لخزانة الثياب ليصدم برؤية ثيابه معلقة أمامه .... سترة معينة التقطتها عيناه ليسحبها سريعاً يبحث في الجيب الداخلي و قد وجدها هناك .... صورته مع سلام على جسر الفنون بجانب قفلهما الخاص .... وقت عودتهما لباريس في رحلة شهر العسل ....اختطف الصورة من يد سلام و هي تنظم صور الزفاف و رحلة شهر العسل في الألبوم متجاهلاً تذمرها .... بأصابع مرتجفة لمس صورة وجهها ..لتتساقط دموعه ملتاعة و مشتاقة و صوت أنفاس احتضارها يصك أذنيه .... انهار أرضاً و هو يهمس لنفسه كطفل مفجوع :
_ فقدت قدرتي على القتال .... أريد الاستسلام فقط ... لن أحتمل المزيد
صراخ من الخارج أثار انتباه ليبتلع مشاعره و هو يرتدي ملابسه سريعاً ...يفتح باب غرفته بسهولة و قد خشى أن يكون موصداً ..تتبع مصدر أصوات الصراخ التي تشده بقوة.... أسرع بخطواته ليجد رجلاً ضخماً يحيط بجسدها النحيل و هي تقاومه بقوة لن تؤثر على هذا الحائط البشري و إيزي تقف أمامها و هي تبتسم ساخرة :
_ متى سوف تتوقفين عن محاولات هربك البائسة؟؟ .. عليك الاستسلام قبل التسبب بمقتلك أيتها الحمقاء ...
ردت عليها و قد احمر وجهها بشدة و هي تصرخ :
_ أيتها الحقيرة البائسة ....خائنة و مخادعة
أشرت إيزي بسبابتها مهدده :
_ أغلقي فمك قبل أن أقص لسانك الطويل
_ دعيني أرحل من هنا .. ما الذي تريدونه مني ..؟؟ اتركوني و شأني ...
اقتربت إيزابيلا منها و هي تبتسم بخبث ممسكة بإحدى خصل شعرها المتناثرة :
_ عزيزتي هل تشعرين بالضعف دون وجود زياد أو الأحمق حازم للدفاع عنك
شعرت ياسمين بالغضب يتفجر في صدرها ..... حاولت التحرر من قبضة الحارس و لكن لم تجد سلاحا سوى أسنانها لتطبق على يد إيزي الممسكة بخصلة شعرها .. ارتدت إيزي وهي تصرخ و تشتم ..عادت تتقدم ترفع يدها تريد صفعها ... ولكن صوت هزّ أركان القصر جعلها تتجمد مكانها :
_ إياكِ إيزي .... سأقتلك أن لمستها ...
حدقت إيزي بوجه قصي المحتقن و هي تتراجع للخلف مرتجفة و ياسمين تحدق به غير مصدقة و قد عُقد لسانها و تحررت دموع عينيها .. اقترب قصى من الحارس و هو يقول مهدداً :
_ اتركها قبل أن أكسر ذراعك
لم يستجب الحارس و هو ينظر لقصي ببلاهة ... قبض قصي على ذراع الحارس بقوة و هو يلويها خلف ظهره بحركة فجائية ..و قد تحررت ياسمين مختبئة خلف قصي .. حاول الحارس الهرب من قبضته و لكن قصي قيده بهذه الحركة مجبراً جسده الضخم على الانهيار أرضاً و هو يقول :
_ لا تلمسها مجدداً .. و إن فعلت فتكسير عظام جسدك كلها لن تكفيني
دفعه قصي بعيداً و قد ارتفع صوت صراخه كثور ضخم ... التفت قصي لياسمين و هو يقول لها بحنان :
_ أنتِ بخير ؟؟
أجابته بدموع تتلاحق على وجنتيها تعلن عن حزن و خوف و ألم ... جاء صوت ريكاردو من خلفه ينتزعه من لجة مشاعره لينظر إليه ببرود
_ أحسنت يا قصى ...لقد بدأت بإثبات سيطرتك و قوتك
شعر قصى بياسمين تتشبث به كطوق نجاة ..
_ ما الذي تفعله ياسمين هنا ...؟؟ ما الذي تريده منها
ابتسم ريكاردو و هو ينظر للحارس الذي يمسك بيده من الألم ...قائلاً بحزم
_ أطلب من الجميع الحضور إلى هنا خلال دقيقة واحدة
و فعلاً أجتمع أكثر 200 شخص حول ريكاردو من كل الجنسيات يتطلعون له بإحترام مصدره الخوف فقط ... و قف ريكاردو على أعلى درجات السلم ليتمكن الجميع من رؤيته طالباً من قصي الوقف إلى جانبه ... أستجاب له ممسكاً بكف ياسمين بقوة يخشى عليها من هذا الوكر ... قال ريكاردو بصوتا قوي يتحدث الإنجليزية :
_ اسمعوني جيداً ... من اليوم .. السيد قصي سيكون له الكلمة العليا في القصر .. أوامره تنفذ من فورها مهما كانت ... سيكون وريث مملكتي ... هو سيدكم و قائدكم
نظر ريكاردو لقصي محذراً ...
_ كلمة واحدة قد تبطل أوامره.. كلمتي أنا فقط ... وبعض الممنوعات التي سأعلن عنها لأصحابها
حافظ قصي على قناع البرود رغم احتراقه من الداخل .... أمر ريكاردو الجميع بالانصراف و هو يتوجه لمكتبه و قصي يتبعه و لازال يتمسك بياسمين ...قال ريكاردو و هو يجلس على المقعد الوثير يتحدث باللغة الإسبانية حتى لا تتمكن ياسمين من فهمه :
_ تعلم ما قصدته بالممنوعات .... لا يمكنك مغادرة القصر حتى تصبح جاهزاً ... ستحتاج لوقتاً طويل لتعود كما كنت و تتعلم معنى أن تكون المستر إكس .. و تذكر وجودك هنا بكفه و حياة زياد بكفه ثانية
قال قصى بعدم اهتمام لكلامه :
_ ما الذي تفعله ياسمين هنا ؟؟
_ دعها تذهب لغرفتها و سنتحدث
نظر قصي لياسمين و هو يمسح بيده على رأسها بحنان يقول هامساً :
_ اذهبي الأن لغرفتك .. سألحق بكِ ..لا تقلقي .. سأعيدك لزياد لو كلفني الأمر حياتي
هزت رأسها موافقه و هي تمسح دموعها منسحبه لغرفتها ....
_ و الآن أخبرني .. ما الذي تريده منها ؟؟
وقف ريكاردو و هو يشعل سيجاره الكوبي الفاخر ... ينفث دخانه
_ لتسعد بكونها على قيد الحياة .... كان هدفي بالبداية .... قتلها جزاء ما ارتكبته بحق المنظمة و قتلها ناجي القاسم و فقدان المنظمة لمستندات و وثائق مهمة و ثمينة .... و بنفس الوقت سأعاقب زياد بموتها ... ولكن ..فكرت بالأمر قليلاً ..هذه الفتاة عبقرية و ستكون مكسباً لنا .. وقد تكون يدك اليمنى و مساعدتك في طريق إعادة المنظمة للحياة بعد الضربات التي وجهت لنا ....
كان قصي يستمع له ونيران تأكل صدره و قلبه ... و هو يشعر بالعجز و قلة الحيلة .... و فكرة تدمير المنظمة من الداخل تسيطر عليه كحل وحيد لإنقاذ زياد و زوجته الآن ....
_ قصي .. ياسمين هي حبيبتك الاولى ..صحيح ؟؟
حدق قصى بريكاردو دون أن يتكلم و قد أثارت هذه الكلمات في نفسه الذعر
_ لا تنظر إلي هكذا ..لا تعلم قد تعود المياه لمجاريها
قال قصي من بين أسنانه و هو يشد على كفه بحنق
_ ياسمين الآن زوجة أخي ...
ضحك ريكاردو و هو يعض طرف السيجارة
_ و ما الذي يعنيه ذلك؟؟ هي لن تعود إليه أبداً
لجم قصى غضبه و هو يقول بصوت مختنق
_ دعني أتحدث إليها ..سأقنعها بالعمل معنا ... معك حق أثق بها و بقدرتها
_ افعل ... لقد أثارت الشغب في القصر منذ دخولها إليه ... ستثير جنوني و جنون باقي رجال القصر ... جمالها فوق الاحتمال ... لو كنت بصحتي ...
قاطعه قصى و هو يقول بغضب و قد اشتعلت النيران في عينيه
_ توقف .. ياسمين ستكون لي وحدي فقط.... واضح ؟؟
_ كنت واثقاً من قولك هذا ؟؟
_ ستنتقل اليوم لغرفتي
_ كما تشاء سيد قصي
خرج قصي دون أن يزيد كلمة و قلبه يخفق بشدة .. ستنهش ياسمين وجهه بأظافرها ..سأل أحد الحراس عن غرفتها و توجه إليها و هو يفكر و يرتب الأمور .. دخل لغرفتها ليجدها واقفه على الشرفة .. اقترب منها و هو يناديها بهدوء ... التفتت إليه و هي تنظر إليه بضياع و ضعف
_ ياسمين ...
تقدمت ناحيته و هي تقول باكية :
_ ما الذي يحدث هنا يا قصي ؟؟ علي العودة ... أريد أن أطمئن على زياد و سعاد و يزن
نظر قصى حوله في الشرفة ليجد كاميرا مثبتة بمكان خفي ... تجاوز ياسمين و هو يقفز على الحافة و ياسمين تشهق خوفاً ...انتزع الكاميرا و ألقى بها من علو لتتحطم على الأرض ...قفز إلى جانب ياسمين التي ارتجفت و هي تقول :
_ في غرفتي ؟؟ كاميرات ؟؟
تنهد قصى و هو يقول لها بعطف :
_ عليكِ أن تهدئي .ثورات الغضب و الجنون و التوتر لن تصلح بهذا الموقف ..عليك أن تتعاملي مع الجميع ببرود و حرص
قالت ياسمين و هي تنظر حولها بقلة حيلة
_ لا أريد البقاء هنا
أمسك قصى بكتفيها و هو ينظر لعينيها مباشرة :
_ ياسمين ... الهروب من هنا سينتهي بموتنا و ذلك الريكاردو يهدد بقتل زياد في حال عصيت أوامره .... أن أردت أن تنقذيه و تنقذي نفسك عليك أن تساعديني لتدميرهم ..علينا أن نلعب لعبتهم و نتظاهر بانتمائنا لهم ... ستكون عملية طويلة و صعبة .. لكن لا حلّ آخر هل تفهمين ؟؟
تجمدت ياسمين مكانها و هي تحدق بعمق عيني قصي و هي ترى عيني حبيبها فيهما .. تثق به رغم كل ما حدث منه ..لقد أنقذ زياد و قدم له أمر لايقدر بثمن هزت رأسها موافقة و هي تمسح دموعها ... قالقصي بتردد و هو يترك كتفيها
_ هناك أمر آخر ... عليك أن تنتقلي للعيش معي في غرفتي
ضحكت ياسمين و هي تستند على حافة الشرفة
_ كيف لك أن تمزح بهكذا وقت !!!
نظراته إليها جعلتها تدرك أنه لا يمزح أبداً ..صرخت بقوة :
_ هل جننت من المستحيل أن أوافق ...
قاطعها و هو يضع يده على فمها قائلاً
_ لقد اتفقنا لا جنون لا غضب .... أفعل ذلك لحمايتك ..أعدك أني لن أقترب منك ... أنت زوجة أخي و صديقة سلام
نطق اسم سلام و صوته يرتجف بشدة ... ابتعد عن ياسمين يخفى انفعالته .. نظرت ياسمين إليه بإشفاق و هي تقول هامسة
_ لقد أخبرتني جودي ..اممم أقصد إيزابيلا بما حدث لسلام و هي تشمت بي .. تمنيت أن تكون كاذبة
هز قصي رأسه بأسى و هو يقول بصوت مختنق :
_ لقد ماتت بين يدي ... رصاصة واحد اخترقت صدري لتستقر بصدرها هي ... لم أتمكن من حمايتها
اتكئ على الحائط غير عابئٍ بالدموع التي ذرفها أمام ياسمين .. اقتربت منه و هي ترفع نفسها على أطراف أصابعها تمسح دموعه و هي تقول له بحنان
_ سننتقم منهم ...سنقضي عليهم ..سأفعل كل ما تطلب
أمسك كفها و هو يقول لها :
_ الانتقام لن يعيدها ياسمين ... أرجوك لا تفكري بهذه الطريقة لا تلوثي نفسك الطاهرة ابقي أنتِ كما أنتِ حتى تعودي لزياد كما كنتِ اتفقنا ؟؟
ابتسمت بألم و هي تهز رأسها موافقة ..أخذ قصى نفساً عميقاً و هو يدس يديه بجيبه قائلاً :
_ و لا تقلقي سوف أتقصى عن زياد و سعاد و يزن ... علينا أن نبدأ عملنا ...بهدووووووء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
بعد سنتين
نزل أمجد من مكتبهِ لصالة العرض حيث تقف أمه و هي تضع يدها على رأسها متذمرة ... اقترب منها و هو يقول بقلق :
_ ما الأمر أماه ؟؟ تبدين منزعجة ؟؟
_ منذ رحيل نورا و كل العمل يقع على كاهلي ... يبدو أنها كانت تقوم بكل شيء دون أن أشعر بذلك ... و لكن المحل الجديد يحتاجها و هي تستحق أن تستلم إدارة الفرع لوحدها و خاصة أن فكرة إنشاء محل للملابس المحجبات فكرتها
أحاط كتفيها و هو يقول :
_ يمكنك أن تعيني مساعدة جديدة حبيبتي
زفرت بضيق تلكزه في صدره قائلة :
_ لا .. لا .... لن أجد مثلها .. و أنت إلى متى سوف تنتظر قبل الزواج منها لقد مللت منكما
بتوتر مرر أصابعه بخصل شعره :
_ هي من ترفض ذلك ... و أصبحت تتجنب مقابلتي ... و التحدث إلي
_ لا تستسلم بني .... لا تضيعها من بين يديك ..لن تجد السعادة مع أخرى قلبي يحدثني بذلك ... هي كل مستقبلك
قال أمجد و قد كسى الحزن صوته :
_ ما حدث لسلام جعلها مكسورة أمي ... لقد ضاعت روح نورا مع موتها ... أحاول أن أساعدها على العودة و لكنها تبعدني بقسوة تجرح قلبي
أمسك أمه ذراعه و هي تقول :
_ نورا تحتاج لبعض الشدة لتخرج من قوقعتها ..ساعدها .. أذهب الآن إليها بني... و إن لم تفلح هذه المرة بإقناعها سأقوم بتزوجها لابن خالتك فهو يبحث عن عروس
صرخ أمجد بطريقة جعلت رواد المحل يسترقون النظر بفضول
_ أمي !!! ما الذي تقولينه ؟؟
تركته و هي تبتعد قائلة
_ لقد أنذرتك يا فتى ..تصرف
نظر أمجد لأمه بغيظ و هو يسرع خارجاً لا يرى ابتسامة أمه الماكرة و هي تهمس:
_ انطلق و احصل على عروسك يا حبيب أمك
وصل أمجد لفرع المحل الجديد ... هبط من السيارة و هو ينظر لساعته و قد تنبه أن موعد الإغلاق قد حان .... اقترب من الواجهة الزجاجية .... ليجد نورا تقف وسط المحل و حيدة تبدو غارقة بالتفكير و هي تركز نظرها على أحد واجهات العرض .... دخل المحل ببطء و هو يفكر بما يريد قوله و قلبه يسبقه لمعشوقته
نظرت إليه نورا بدهشة و قد ارتبكت دفاعتها و اهتزت أسوارها من حضوره المفاجئ ... اقترب أمجد منها سريعاً و هو يقول دون مقدمات :
_ حددي موعد الزفاف نورا ..... الأن
استعادت برودها و هي تتحدث له برسمية خنقته في السنوات الأخيرة ...
_ سيد أمجد لقد انتهيا من هذا الموضوع قلت لك لا أريد الزواج بك أو بغيرك
أمسك ذراعها يشدها إليه متجاهلاً شهقتها و اعتراضها قائلاً بشجن:
_ لماذا ؟؟ لماذا تعذبين نفسك و تعذبين معك ..هذا يكفي
انهمرت دموعها فجأة و هي تقول مختنقة:
_ أنت تعلم السبب .. تعلم جيداً ..سلام
_ لااااا...دائماً تقولين اسمها و تنهارين بالبكاء لأتركك حتى لا أزيد من شدة الأمر عليكِ ... سلام ماتت منذ سنتين لكنك لازلت حية نورا
حاولت أن تتحرر منذ ذراعه المطبقة عليها بقوة و هي تقول بعصبية :
_ لا يحق لي أن أبقى حية ... كان يجب أن أموت قبلها . بسببي حدث لها كل هذا ... بسبب غلطتي مع حاتم توالت الأمور عليها بهذه الطريقة الظالمة ..تريد الزواج بي أمجد !!!!... أخشى على نفسي من السعادة معك.... أنا لا أستحق هذا ... و قد أستمر بمزاجي الكئيب و أدمر لك حياتك معي قبل أن تبدأ ..أفهمت الأن ؟؟
حدق بها و قلبه يخفق بعنف ... لم يتصور أن أحمالها ثقيلة لهذا الحدّ ... شدها لصدره يضمها بقوة و هو يقول مرتجفاً :
_ لا يا نورا ..لا ياصغيرتي.. ما حدث مع سلام لا علاقة له بما فعلته مع حاتم ...انفصالها عنه كان مجرد مسألة وقت فقط ... لقد ظهرت حقيقته بعد موته .... هل نسيت الكوارث التي طفت للسطح.. شخصاا فاسد و قذر .. كانت ستتركه عاجلاً أم أجلاً ... و أما ما حدث لها في القصر فلا علاقة لك به أيتها المجنونة هل تفهمين ..؟؟
توقفت عن مقاومته و هي تريح رأسها على صدره تذرف دموع الندم الممزوجة بالحزن و الألم ... و الراحة و الهدوء لا تجدان طريقهما لقلبها المنهك ضمها لصدره أكثر و هو يقول لها بحنان :
_ نورا يا حبيبة القلب و الروح .. حياتنا لن تكون بطولها سعيدة ستمر علينا أيام تعذبنا بماضينا ... دعينا نكون معاً نواجهها و نقهرها حتى نحصل على سعادتنا ... فراقك صعب و قاتل نورا ..لم أعد أحتمل ... ارحميني ...
ابتعدت عنه قليلاً و هي تبحر في عينيه اللتين تحملان من القوة التي تجعلها واثقة بأنه قادر على مساعدتها لتجاوز جراحاتها و ذنوبها ... هو يعلم كل ما يتعلق بها .... حسناتها .... سيئاتها .... كل حركتها و سكناتها .. و الأهم ... هي تحبه ... تعشقه ... و تخشى خسارته
همست برقة جعلته يذوب شوقاً و غراماً :
_ أحبك أمجد .. أحبك ...و أريدك أقرب من نفسي إلي
ابتسم بسعادة ..أراد أن يضم وجهها بين كفيه و لكنها ابتعدت و هي تقول بحزم :
_ لا تقترب مني ثانية قبل زواجنا ..واضح ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
نظر بغضب للحارس الذي اقتحم مكتبه فجأة دون استئذان داخل القصر في استراليا و هو يقول :
_ سيد قصي عليك أن تحضر حالاً السيدة ياسمين ستقتل الأنسة إيزابيلا
هب واقفاً يلحق بالحارس الذي خرج لحديقة القصر ليجد ياسمين تقبع فوق إيزابيلا ..... تحمل سكيناً تضعه فوق رقبتها تضغط دون خوف و نظرة مجنونة ترتسم في عينيها و شعرها الغجري متناثر بغوغائية و الحرس حولهما لا يجرؤون على الاقتراب فالأولى ابنة رئيسهم ريكاردو و الثانية حبيبة رئيسهم القادم
أسرع قصي يرفع ياسمين من خصرها و هي تقاومه كفهد وقع بالأسر تصرخ:
_ اتركني قصي ..لقد همَّت بقتلي بهذه السكين ..لقد شعرت بها تتسلل خلفي كالأفعى الرقطاء
وقفت إيزابيلا ترتجف و جرح صغير في رقبتها ينزف قليلاً :
_ لا تصدقها .. إنها كاذبة
حاولت ياسمين التخلص من قبضة قصي و هي تصرخ :
_ اتركني قصي .. اتركني ... سأقتلك أيتها الوضيعة
صرخ قصي بقوة يأمر الحرس بالتفرق و تركِه وحيداً مع المجنونتين ...سحب السكين من يد ياسمين و هو يشعر بالندم لتعليمها فنون قتال الشوارع طوال الليالي التي قضياها في غرفة النوم وحيدين .... لم يعلم أنها قد تكون بهذه الشراسة ..كل ما أراده أن تكون قادرة عن الدفاع عن نفسها فقط و لكنه صدم بالقدرات الهجومية التي تحررت منها ..همس بجانب أذنها و هو يقول بحزم :
_ اهدأي الأن ياسمين ...
استجابت له و هي تهدر بأنفاسها تنظر بحقد لإيزي المذعورة ... اقترب قصي منها و هو يقول ببرود زاد من خوفها و ارتجافها :
_ تكلمي ... لما أردتِ قتلها ؟؟
قالت بصوت فضح كذبها :
_ أنا لم أرد قتلها
أمسك قصى بذراعها يدفعها لجذع شجرة كبيرة و هو يصرخ باسمها محذراً :
_ إيزابيلا .. لا أمتلك الصبر
نظرت إليه و هي ترتعد كورقة شجر وسط عواصف الشتاء :
_ أبي .. أبي أمرني بذلك
لم يستطع إخفاء صدمته و هو يحرر ذراعها ..ثانية واحدة من التفكير جعلته يعيد ترتيب أوراقه ... هو الآن يمتلك مفاتيح المنظمة كاملة ... يعلم عن كل فرد فيها و أسراره .. يمتلك خطط لإسقاطهم جميعاً ... ساعدته ياسمين كثيراً بترتيب الأمور ..جعلته يقطع وعداً أن لا يلجأ للقتل إلا إن كان الحل الأخير ... و لكن ما يقيده هو وجوده بهذا القصر و ولاء الحراس لريكاردو ... و هو لن يستحق هذا الولاء سوى بموته .... ترك إيزي و هو يمسك بكف ياسمين يسرع لغرفتهما ... يغلق الباب يذرع الغرفة و هي تراقبه ... اعتادت أن تحترم لحظات صمته التي يتبعها قرار مهم و كبير ....توقف عن الحركة و هو يزفر بضيق .... توجه حيث المنضدة ..يخرج درجاً و بضربة واحدةانفتح الدرج الداخلي ... أخرج مسدساً و ياسمين تحدق به بتوتر ... تقدم ناحيتها و هو يقول بحزم:
_ أمسكي هذا و أغلقي باب الغرفة ..لا تفتح لأي شخص غيري
أراد الخروج من الغرفة ..لكن ياسمين وقفت بمواجهته و هي تقول بقلق :
_ ما الذي تفعله قصي ؟؟
نظر إليها وهو يضع يده على خدها :
_ ساعة الصفر قد حانت
تجاوزها و هو يقول بحزم :
_ أغلقي الباب
استجابت لأوامره و هي تنهار جالسه خلف الباب تضم ساقيها لصدرها مرتجفة ... لقد تعبت حقاً من هذه الحياة ... تقضي الليالي تبكي شوقاً ليزن الذي تصر الأيام على إبعاده عنها .. لم تهنأ بقربه و دفئه ... و زوجاً عشقته و كسبت قلبه بعد حرب طويلة ليسكن الصقيع قلبها ... دموعها عذبت قصي و جرحته و هو يجد نفسه عاجزاً عن كسر هذا الحصار .. في كل ليلة يسحب كرسياً لجانبها و يجلس يحدثها و يبعد تفكيرها عن أحباب تشتاق لهم حتى تغفو
تقدم قصي ناحية غرفة ريكاردو وقد دخل دون عتراض رجال الحراسة .. كان ممدداً بسريره الطبي مقيداً بأجهزة طبية تساعده على التنفس و مراقب النبض و الضغط بالإضافة لمصل يمر من خلاله الدواء ... هو على هذا الوضع منذ أكثر من عام ... متمسك بالحياة بطريقة مغيظة ...
اقترب قصي منه يقف بجانب رأسه قائلاً :
_ لما طلبت من إيزي قتل ياسمين ؟؟
نظر ريكاردو له بضعف و هو يقول :
_ يبدو أنها لم تنجح ... غبية
_ لمااااذا ؟؟
أجابه بصوت خفيض مرتجف :
_ لأنها تثير الشغب و المشاكل في كل مره تكتشف قيامنا بأمر يخالف مبادئها ... ضميرها لم يمت ... هي لا تصلح للبقاء معك ...ستضرك ..
ابتسم قصى ساخراً و هو يقترب من مراقب الضغط و دقات القلب.. يطفئه بضغطه واحدة ... مغلقاً أيضاً جهاز التنفس تحت أنظار ريكاردو الزائغة ..
_ ريكاردو أنت تسبب لي أكبر ضرر... لذلك قررت إخراجك من المعادلة و هذه المنظمة التي تكاد أن تقتل نفسك من أجلها ستنتهي على يد تلميذك المجد
حاول ريكاردو الوصول لجرس المناداة و أنفاسه تذوي داخل صدره .. لكن قصي أبعده عن مرمى يده و هو يقول :
_ حاولت تركك تموت بصورة طبيعية و لكنك تمسك بالحياة بيدك و أسنانك بصورة بائسة ...
مدّ ريكاردو يده لقصي مرتجفاً يصارع الموت ..يحاول النطق و لكنه لم يستطع أصبح الأمر فوق طاقته و الاختناق يطبق على صدره .. و حشرجة مخيفة تشقّ رئَتَيه المنهكتين وقد نخرها المرض
قال قصي و هو يجلس على المقعد القريب منه :
_ لو أنك تركت ياسمين و شأنها لانتظرت موتك بصبر ... لن أسمح لك بإيذاء شخصٍآخر يخصني و أخي
ازرقت شفتي ريكاردو و جسده بدأ يستكين و لكن عينيه بقيت مفتوحه لأقصى حدّ .. وقف قصي يضع سبابته على عنقه يتأكد من أن نبضه قد توقف ... اقترب من مراقب الضغط و القلب ..فتحه ليصدح بإنذار مخيف جعل طاقم ريكاردو الطبي يقتحمون الغرفة يقومون بإجراء الفحوصات لتلتمع عيني الطيب قائلاً :
_ من قام بإغلاق جهــ ...
كتم كلماته و قد رأى التهديد واضحاً بعيني قصى .. الرئيس الجديد و الوريث لمملكة مستر إكس ..قال بصوتٍ مرتجفٍ لمساعديه :
_ أعلنوا وفاة السيد ريكاردو بهذه الساعة .. لقد توقعنا وفاته بأي لحظة
وقف الحرس بالخارج يتطلعون لسيدهم الجديد ... ينتظرون أوامره ... غير قادرين على الحركة بدون شخص يخبرهم بكل خطوة عليهم القيام بها
دخلت إيزي الغرفة سريعاً و هي تصرخ تنادي أباها تبكي على صدره ... نهضت فجأة تهجم على قصي و هي تصرخ :
_ أنت قتلته ... قتلته أيها الحقير .... سأقتلك ...سأمزقك بأسناني
أطبق على كتفيها بقوة و هو ينظر لعينيها مباشرة يثير عواصف الخوف و الرعب بنفسها :
_ أين هي كرستينا إيزي ؟؟ أين هي أختك ؟؟
ابيضت شفتيها بشدة و هي تحاول الفكاك من أسره و لكنه زاد من الضغط عليها حتى بدأت الألم ينخر عظامها ... هزها بشدة و هو يقول بغلظه :
_ تكلمي الأن
انهارت بالبكاء و هي بالكاد تقف على قدميها :
_ لا أعلم تماماً و لكنها عادت لروما بأمر: من والدي ... لا أحد يعلم مكانها تماماً
تركها تنهار أرضاً و هو يصرخ بالحرس الواقفين
_ سوف نقوم بالإنتقال للقصر الجديد ... احتجزوا الانسة إيزابيلا .. لا تتركوها تغيب عن أعينكم ... و هذا القصر أحرقوه بكل ما فيه لا أريد أن يبقى أي شيء خلفنا
انطلق الحراس بكل اتجاه مع موظفي القصر يطبّقون خطة الإخلاء ... و أحدهم يمسك بإيزابيلا و قد فقدت سطوتها بعد موت والدها
توجه قصي لياسمين و هو يناديها من الخارج أن تفتح الباب ...
دخل الغرفة و هو يقول :
_ سنرحل من هنا ياسمين ... ستعودين لحياتك الطبيعية ..سترجعين لزياد و يزن
بدأ بجمع بعض من الأغراض التي يريدها و ياسمين تقف متجمدة في وسط الغرفة ...
تنبه لها.. نادها و هو يستمر بعمله ..لكنها لم تستجب ..اقترب منها و هو يقول:
_ ما الأمر ياسمين ؟؟ ما بالك ؟؟ لما تقفين هكذا ؟؟
انهمرت دموعها فجأة بطريقة جعلت قصي يجزع يحيط كتفيها :
_ ياسمين !!!!!
_ هل قتلته بسببي أنا ....
مسح دموعها بحزم و هو يقول :
_ ياسمين ..لم أملك خياراً آخر في هذه المرحلة ... كان يجب أن يموت ... هذه اللحظة التي كنا ننتظرها منذ سنتين... لقد انتهى الأمر
أمسكت بكفه و هي تقول بحزن :
_ و أنت ؟؟ ستدمر المنظمة ؟؟ و ماذا بعد ذلك ؟؟
ارتبك قليلاً من سؤالها و لكنه قال بأسى :
_ لا حياة لي بدون سلام .. ما يبقيني على قيد الحياة خوفي عليك و زياد من المنظمة
صرخت بلوعة و هي تذرف دموع الخوف :
_ ما الذي تقصده قصب ؟؟ هل ستقتل نفسك
ابتسم بألم و هو يضمها لصدره بحنان أخوي قائلاً :
_ ليبقى الأمر سراً ..لا تخبري زياد بشيء أتوسل إليكِ ... لقد كنتِ صوت الضمير لي في هذه الفترة لولاكِ لفقدت آدميتي و عاد الشبح ليسحق قصى
ابتعدت عنه و هي تقول بحزم :
_ أريد أن أعلم وقت تنفيذك المهمة الأخير ...
قال مستنكراً و هو يحاول فهمه مقصدها :
_ماذا؟؟ لماذا ؟.؟
_ لا تناقشني
تنهد بألم و هو يمرر يده على رأسه يرفع خصل شعره المتناثرة على جبينه :
_ سأترك بطاقة الشبح الأخيرة و عليها اسم سلام
التزمت الصمت و هي تنظر إليه تودعه بعينيها .... قال و هو يمسك كفها :
_ هيا يا ياسمين عودي لحياتك مرتاحة و مطمئنة .... أنت و زياد معاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدمت لبوابة الخروج من المطار تجر حقيبتها الصغيرة ..تبحث عنه بعينيها و قد أصبح حضوره لتوديعها و تستقبالها أمراً مسلماً به بعد كل رحلة
لم يبالي برفضها و تذمرها .... ليعود في كل مرة يرسم ابتسامته الواثقة يقف أمام سيارته ينتظرها ... رفضت الزواج به مره تلو المرة و هو يبقى على صبره و تمسكه بها مردداً في كل مره :
_ أنت لي يا خضراء العينين المشاكسة ...
مهاب رجلاً رائع ..يحسن التعامل معها و مع جهاد الذي تعلق به لحدّ كبير و مخيف على نفس ريتاج ...ماذا لو يأس منها و ابتعد ؟؟ ... كيف ستعود حياتهما طبيعية ...
بحثت عنه بعينيها طويلاً ..لكنه لم تجده ..دبّ القلق بنفسها و هي تصعد لسيارة الأجرة تمسك بهاتفها تتصل به مترددة .. لم يصلها رد منه .. ربما يكون في مهمة خارج البلاد ... منذ انضمامه لشعبة الإنتربول بجانب اللواء زياد و ترقيته لرتبة عقيد لم يعد يجد الكثير من الوقت الحر ...
وصلت لمنزل سلمى ليستقبلها جهاد راكضاً و هي تقول له بحنان :
_ ملاكي الصغير ..تأخرت عليك هذه المرة آسفة يا قلب أمك
ضحكت سلمى و هي تضم صديقتها :
_ أنتِ تبالغين ريتاج ..لقد غبتِ أربعة أيام فقط
قالت و هي تمرغ وجهها بشعر جهاد تتنفسه بحب :
_ شعرت أنها أربع سنوات
_ تعالي و تناولي طعام الغداء لقد حضرت لك طبقك المفضل "القدرة"
_الله على رائحة البلاد
جلست ريتاج و هي تضع جهاد على قدمها يعبث بحجابها يحاول سحبه كضمانة على عدم معاودة خروجها
قالت ريتاج بتردد و هي تحاول إخفاء مشاعرها :
_ هل .. أقصد ..اممممم مهاب ..
قاطعتها سلمى و هي تضع يدها على صدرها بحركة مسرحية :
_ أخيراً سألتِ عن العاشق المتيم
قالت بغيظ و هي تقطب جبينها :
_ سلمى توقفي عن هذا العبث
_ ريتاج عليك أن تتوقفي عن المراوغة قبل أن ينسلّ من بين يديك و يبقى السراب فقط
_ أرجوكِ.. أنا أخبرته بعدم موافقتي على الزواج ..
قاطعته سلمى ثانية و هي تعقد ساعديها:
_ مهاب في المشفى تعرض لإصابة أثناء التدريبات التي كان يقوم بها لبعض الضباط الجدد في شعبة الإنتربول
وقفت جزعة و هي تقول بلوعة :
_ هل تأذى ؟؟ هل هو بخير .. ماذا ...
أمسك سلمى بكف ريتاج تربت عليها بحنان :
_ لا تقلقي حبيبتي ... إصابة طفيفة في ذراعه التي كسرت في حادثة نيويورك .... احتاج لإجراء عملية بسيطة بعد أن سقط عليها ثانية
تجمعت الدموع بعينيها و هي تحمل حقيبتها تريد الذهاب إليه .. أوقفتها سلمى و هي تناولها مفاتيح سيارتها قائلة :
_ توقف عن المماطلة و اعترفي لنفسك و له بحقيقة مشاعرك ..العمر لا يتحمل أن نضيعه ريتاج
هزت رأسها موافقة و هي تقبِّلُ جهاد تغادر مسابقة الزمن وصلت المشفى تسرع لمقابلته و قلبها يرتعش داخل صدرها ...أرادت أن تسأل بالاستعلامات عن غرفته لكنها رأت زياد يقف أمام قسم المحاسبة أسرعت إليه و كلها لهفة لم تعد بقادرة على إخفائها :
_ زياد .. كيف حاله ؟؟ هل هو بخير ؟؟
ضحك زياد و هو يرى انفعالاتها غير المسبوقة و هي تعذب صديقه طوال السنتين الأخيرتين :
_ لا تقلقي ريتاج هو بخير .. أقوم بإجراءات الخروج الآن ..عليه فقط أن يرتاح لبضعة أيام و سيعود بعدها للعمل بشكل اعتيادي
زفرت بارتياح و هي تقول بعتاب :
_ أنت و هو .. متى سوف تكتفيان من هذه الحياة المرعبة
أجابها ببساطه و هو يرفع كتفيه :
_ أبداً لن نتوقف ... مثلك تماماً
هزت رأسها بقلة حيلة و هي تقول :
_ أين هو الآن ؟؟
_ في الطابق الثاني الغرفة23
صعدت إليه سريعاً فتحت الباب بهدوء لتجده نائماً بعمق و الإرهاق قد ظهر بوضوح على وجهه ... اقتربت منه حتى أصبحت بجانبه تنظر لذراعه المصابة ... و ذكريات ما فعله وقت الحادثة رغم كسر ذراعه تثير مشاعر غريبة بنفسها ... بسبب ما فعله من أجلها و حملها زادت إصابته سوءاً ...
بيد مرتجفة لمست جبيرته بحزن و دموعها تنهمر صامته .... تفاجأت به يسحبها لصدره بيده السليمة يقربها لوجهه المبتسم قائلاً بهمس:
_ و تقولين بأنك لا تحملين أي مشاعر تجاهي يا خضراء العينين ..المشاكسة
رتجف جسدها و هي تنهار بالبكاء على صدره تكتم صراخها تحت دهشة مهاب الذي لم يقصد سوى ممازحتها استوى بجلسته يضع يده على رأسها قائلاً بقلق :
_ ريتاج أنا بخير ..صدقيني ..سأخرج اليوم من المشفى ... لما كل هذا البكاء الآن
رفعت نفسها و هي تشهق تمسح دموعها :
_ أحمق و غبي ..لما لم تنتبه ..كيف تعرض نفسك لخطر كهذا كدت أموت رعباً عندما لم أجدك بالمطار أمامي
ضحك بخفة و هو يقول مشاكساً :
_ لو كنت أعلم بأن الأمر سيجعلك تبكين على صدري لقمت برمي نفسي منذ زمن
ضربته على كتفه بحقيبتها و هي تقول بغيظ :
_ مجنون ... لا تطاق أنت يا مهاب
أمسك يدها و هو يحدق بها بطريقة أربكتها و جعلتها تحاول الفكاك منه :
_ لكنكِ تحبين هذا المجنون و الأحمق ... صحيح ؟؟
طرفت بأهدابها ببطء و هي تهرب من نظراته قائلة بتوتر :
_ أنا أحبك مهاب و لكن لازال فراس ..
قاطعها و هو يضع سبابته على شفتيها :
_ شششششش ... أعلم أن فراس رحمه الله سيبقى جزءاً من حياتك و جهاد ... لن أنكر الأمر أبداً و لن أمنعك من ذكره رغم النار التي ستحرق صدري ... الماضي له و الحاضر لي أنا ..هل تفهمين حبيبتي ؟؟
هزت رأسها موافقة بخجل و هي تبتعد عنه قليلاً ... قال مهاب يرخي رأسه على قائمة السرير يتأمل ملامحها :
_ كم تبدين لذيذة أيتها الخجلة خضراء العينين المشاكسة
عضت ريتاج شفتيها بغيظ و هي تصرخ :
_ وقح ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
وقف زياد أمام منزله الجديد بالقرب من مدرسة المكفوفين الخاصة التي أنشأها مع دلال... يحدق بالمنزل الثاني الذي قام ببنائهقريبا من منزله و هو يهمس بخفوت :
_ ستعود صاحبتك قريباً لتبعث الحياة فيك ... قلبي يحدثني بأنها ستعود
دخل منزله و هو ينادي على دلال لترد عليه من غرفة المعيشة.. وجدها تفترش الأرض ترسم لوحة ما ..سألها بذهول :
_ ما الذي تفعلينه دلال ؟؟
قالت و هي تقف تقبله دون أن تلمسه بسبب الألوان التي لوثت أصابعها :
_ أُحضرُ لعيد ميلاد يزن السادس بعد يومين .. أخيراً تمكنت من إقناع سعاد بذلك فهي مشغولة مع التوأم الجديد ... سأقيم الحفل بحديقة منزل ياسمين ..ما رأيك ؟
ابتسم زياد و هو يقبلها على شفتيها عميقاً يشكرها على وقفتها معه في السنوات الأخيرة متحملة تقلب مزاجه و سفره المستمر بحثاً عن ياسمين
ضحكت دلال بخفة و هي تعود لعملها قائلة :
_ لقد زارني اليوم بعض أولياء الطلبة يطالبون بفتح صفوف للمرحلة الإعدادية بالمدرسة ما رأيك ؟؟
جلس زياد إلى جانبها يراقب ما تفعله :
_ أنتِ صاحبة القرار حبيبتي ؟؟ يوجد مساحه كافية للتوسعة إن أردتِ
توقفت عن العمل و هي تقول مفكرة :
_ أتفهَّم حاجة الطلاب الصغار لمكان خاص يستوعب احتياجاتهم في مراحل الحياة الأولى.. يحضرهم لمواجهة العالم الخارجي رغم مشاكلهم ..لكن عليهم أن ينخرطوا في الحياة العامة بعيداً عن عالمهم المحمي
قال زياد و هو يريح رأسه للخلف :
_ معك حق دلال ..عليهم أن يواجهوا العالم
عادت لعملها و زياد يتأملها بحب ... لقد عادت دلال ... عادت حقاً .... تلك المقاتلة القوية و الواثقة التي أحبها عادت إليه .. تقف بجانبه و تسانده بعمله و بحثه عن ياسمين ... تدير المدرسة ببراعة و ترعى يزن كفردٍ من العائلة غير غافلة عن تذكيره بأمه
نظرت دلال لعيون زياد الزرقاء بشدة و هي تقول بخجل :
_ لما تحدق بي هكذا ؟؟
ضحك زياد و هو يضمها لصدره بقوة غير عابئ بالألوان التي لوثت قميصه و هو يقول :
_ لا شيء ..فقط أحبك              
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في يوم عيد الميلاد
كانت حديقة المنزل مزينة و مبهجة ..يتراكض فيها الأطفال و يزن يتنقل بينهم بسعادة تحت أنظار دلال و سعاد ...قالت سعاد و هي تبتسم بسعادة :
_ شكراً لكِ دلال ...لم أرى يزين بهذه السعادة قبلاً
_ لا داعي .. لا تشكريني .. كيف حال التوأم ... هل يتعبانك ؟؟
_ إنهما لا ينامان أبداً يقضيان الليل بالبكاء ... أكاد أفقد عقلي .. و الآن هما ينامان بعمق وسط هذاالضجيج
ضحكت دلال و هي تعيد ترتيب الطاولة بعد أن عاث بها الأشقياء فساداً:
_ كان الله في عونك ...
صرخ الأطفال فجأة مع دخول زياد و سامر يحملان قالب الحلوى الكبير على شكل سيارة سباق يتقافزون حولهما .... أسرعت دلال تساعدهما و تشعل الشموع ليغني الجميع أغنية الميلاد و زياد يحمل يزن و دلال تتمسك بذراعه الحرةترخي رأسها على كتفه و سعاد تقف بجانبهما
كان الجميع غافلاً عن تلك التي تراقب الجميع ... تخشى الاقتراب و كسر جمال لوحة السعادة تلك ... دموعها ملئت وجهها و تساقطت ... يبدون بخير... سعداء ... لا مكان لها بينهم .... لما تدخل و تفسد عليهم فرحتهم و تعيد قلب أمور حياتهم بعد استقرارها ... اختبأت خلف شجرة ضخمة تراقبهم من بعيد ..يبدو أن حياتها ستصبح على هذه الشاكلة ...ستبقى ذكرى خفية .. انهارت أقدامها لتجلس أرضاً مستندة على الشجرة ..تكابد لوعة و ألم و ضياع
وقف يراقبها داخل سيارته و قد توقع الأمر ..لقد سيطر الجبن عليها ... كان من المفترض أن يكون وداعهما بمطار سيدني هو الأخير و لكن أمراً ما دفعه للحاق بها و متابعة تحركاتها حتى تصل لمنزلها سالمة ... إن كانت ياسمين غير قادرة على التقدم ليخرج زوجها إليها
أرسل مع أحد الأطفال بطاقته الخاصة ... ستجعل زياد يهب للخارج حتماً ... و قد كان محقاً فور استلام زياد البطاقة ... قلبه فوت دقة ... أنفاسه تسارعت بشكل مجنون .... خرج من المنزل سريعاً وقف يتلفت حوله ...
أين هو ؟؟ لما يرسل بطاقة الشبح الأن .. ؟؟ قصي على قيد الحياة !!! لقد بحث عن أي أثر له طوال السنتين و نصف الأخيرة دون جدوى ... ظهور البطاقة الآن أشعل فتيل الأمل بنفسه و لكن الشارع الخالي جعل هذا الأمل ينطفئ سريعاً ... ابتسم قصى لرؤية زياد من بعيد كم يتمنى أن يقترب منه و يشاركه احتفاله ..يتحدث إليه كأخ عادي يبث همومه له و يستمع لكلماته و لكن كل هذه مجرد أمنيات
بقى زياد واقفاً يدقق بكل ما يحيطه ... السكون خيم على الحي مع اقتراب وقت الغروب .....قلب البطاقة بيده و هو يزفر ... أراد الانسحاب عائداً للحفل ... لكنه رآها هناك تقف و هي تستند على جذع الشجرة تتعثر بخطواتها ... تسير بالإتجاه المعاكس للمنزل ...لا يمكن أن يخطئ صاحبة الشعر الغجري و إن غابت عنه ألف سنة ...
أسرع إليها دون تفكير يمسك ذراعها يدير إليه لاهثاً محترقاً شوقاً و ألماً ...يدقق بملامحها و هي متجمدة في مكانها تهمس باسمه بخفوت فجر براكين طال كبتها ليسحبها لصدره يضمها بقوة يمرر يده على ظهرها يتأكد من تواجدها يحاول صهرها بين أضلعه و هي تستمر بالهمس باسمه تتمسك به.. احتوى وجهها بين كفيه يبعد خصلات شعرها يريد أن يراها جيداً و قد غلبته دمعه :
_ أنتِ بخير ..؟؟ صحيح ؟؟
هزت رأسها تبتسم من وسط دموعها تمسح دمعته ..سألها و هو يخلل يده في سواد شعرها الذي اشتاق إليه شادا إياه بخفة جعلتها تتأوه وهي تضع يده على صدره تتأوه من الألم :
_ هل كنت تهربين من هنا ؟؟!!!
عضت شفتيها و هي تقول بحزن :
_ خشيت أن أعكر صفاء نفوسكم ...لقد بدوتم سعداء ....خفت أن ....
قاطعها بقبلة ملتهبة و متفجر يبث أشواقاً و يعاقبها على أفكارها الغريبة غير مكترث لحقيقة وجوده في الشارع وسط حي تسكنه عائلات محافظة ... يتلمس شعرها الذي افترشه كوسادة يعشقها في ليالِ الهيام القليلة التي اختطفت منه بلمح البصر
كان قصي يراقب الموقف من بعيد و هو يقول ضارباً جبينه:
_ مجنونان ..ستثيرون فضيحة وسط الشارع ... يا خسارة سيدي اللواء
ضحك بقوة و هو ينطلق بسيارته يواجه الطريق الذي اختاره ... يتمنى السعادة لأخيه و عائلته
أطرقت ياسمين رأسها خجلة كعروس جديدة تلقت قبلتها الأولى و هي تهمس :
_ نحن في الشارع زياد
ضحك بقوة و هو يضمها لصدره قائلاً :
_ لا أهتم حبيبتي ... لا أهتم .. لنذهب سعاد و يزن سيسعدان بحضورك ... لقد أنجبت أختك توأم رائع ... سراج و سلسبيل
نظرت إليه بدهشة و هي تقول :
_ حقاً سعاد أنجبت توأماً ..هذا رائع ؟
فكرت بأن قصي لم يخبرها بهذا الأمر ..ربما لم يرد أن تحرقها الأشواق أكثر لعائلتها !!!!
دخلت حديقة المنزل ..ليلتقط سامر دخولها أولاً ... أمسك سراج من بين يدي سعاد و هو يقول بصوت مرتجف :
_ حبيبتي ..انظري هناك
حدقت حيث أشار لتجد ياسمين تدخل و زوجها يحيط بها ... شعرت بساقيها ينطلقان كالبرق ... تحتضن أختها تكاد تسقطها تصرخ باكية و هي تقول :
_ كنت أعلم أنك ستعودين حبيبتي ... كنت متأكدة ..أين كنتِ ؟؟ ما الذي حدث معكِ ؟؟
كانت ياسمين تشهق بالبكاء معقودة اللسان و يد زياد على ظهرها تهدئها و تبث الهدوء بنفسها ... و توالت العناقات و البكاء و يزن يقف بجانب دلال يمسك يدها و قد لاحظ شحوب وجهها ... جلست على الكرسي .. تحاول أن تتمالك مشاعرها المضطربة
_ خالة دلال ..هذه ماما ياسمين من الصورة ؟؟ هل عادت ؟؟قلتم إنها رحلت و ستعود !!!
ابتسمت له دلال و هي تحيط وجهه الصغير بين كفيها و هي تقول بثبات :
_ ياسمين هي أمك حبيبي .. ألم تسأل عنها كثيراً؟ هي عادت الأن ... اذهب إليها و عانقها
هز رأسه رافضاً و هو يتعلق بصدر دلال قائلاً :
_ لا أريد ..لقد تركتني فترة طويلة ..لا أريدها
قالت دلال بقوة و حزم :
_ إياك ان تعيد هذه الكلمات ... هي لم تتركك باختيارها ... لقد أجبرت على الأمر ... هل تفهم ؟؟ هي تحبك أكثر من أي شيء في الدنيا
حدق بها بعينيه العسليتين الواسعتين و هو يقول :
_ كما تحبيني أنتِ ؟؟
تساقطت الدموع من عينيها سريعاً و هي تضمه بحب :
_ و أكثر مني حبيبي ..هي أمك يزن
هز رأسه موافقاً و هو يقبلها على خدها ...يسرع محاولاً اختراق الجموع ليصل لأمه التي تبدو ضائعة و مشتتة ... شدها من قميصها لتنظر إليه نازلة لمستوى طوله و هي تقول بتوتر :
_ مرحباً يزن .... أنا
_ماما ياسمين
هزت رأسها بنعم و هي تكتم شهقات ألمها ..تفاجأت به يحتضنها و يقبلها و هو يقول:
_ أنتِ لن تغادري ثانية ..صحيح ؟؟
_ بالطبع لا ..لا
عاد ليطوقها و هي تحتضنه بحب و قد ظنت أنها ستحتاج لرحلة طويلة لتستعيد حق أمومتها له .. لكنها لم تعلم عن تلك التي زرعت حبها في قلبه منذ أن منحته هي حباً غير مشروط
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
دخلت منزلها تنظر في الأنحاء ..تشعر ببرود و غربة لا تفهم سببها ..لقد عادت أخيراً بعد أن عذبها الشوق و سقاها من كأسه مراً علقماً ...تشعر بالإنهاك من فيض المشاعر التي انتابتها.. تتمنى وجود قصي معها ..فقد استحق مكانه وسط العائلة لازلت كلمات رسالته النصية تداعب خيالها :
" لتكن السعادة رفيقة دربكما ... أوصيك بأخي ياسمين ....يستحق الهدوء و راحة البال بعد عذابه الذي طال "
تفاجأت بيدين قويتين تحيطان خصرها ..يشدها لصدره القوي ..يتنشق رائحة شعرها .... و هو يهمس بجانب أذنها بشغف ذوبها :
_ أحبك يا أميرة الياسمين
أدارت نفسها لتواجهه و هي تحدق بعينيه تسأله مرتجفة :
_ حقاً ؟؟ تحبني ؟؟
ابتسم بحنان و هو يمرر أصابعه بشعرها :
_ انظري لعيني و أخبريني ... ما اللون الذي ترينه فيهما ؟؟
ابتسمت و دموع ناعمة تنساب على خدودها :
_ أخضر ...فقط الأخضر ... لوني الخاص
ضمها لصدره و هو ينثر قبلاته على وجهها و رأسها ... نظرت إليه و هي تبتسم بشقاوة :
_ ألن تسألني عما حدث في السنتين و نصف الأخيرة .. أعلم أنك تتوق لبدأ التحقيق معي
قال و هو يشدها لتجلس إلى الأريكة بجانبه ...
_ هل كان قصي جزءاً من هذه الفترة ؟؟
_ كان متواجداً معي بكل خطوة يحميني و يرعاني .... هو من أعادني إليك
مشاعر متضاربة تعصف بصدره .... أصبح كرهه أمراً مستحيلاً .. كان جزءاً من بحثه المحموم عن ياسمين .. تمنى لقاءه و الإطمئنان عليه فقط
_ أخبريني بكل شيء ياسمين
بدأت تحكي له عن كل ما مرت به منذ لحظة اختطافها و حتى عودتها .. استمع لها بتركيز و اهتمام ... و هو يلتقط بلهفة كل ما يتعلق بقصي ...
قال زياد و هو يقف متوتراً :
_ و ماذا بعد كل هذا ؟؟ بعد انتهاء المنظمة ما الذي سيفعله ؟
وقفت ياسمين و قد عادت الدموع تحرق خديها :
_ قال بأن لا حياة له بعد سلام ...
قال بغضب و هو يضع يده على جرح عملية كبده شاعراً بأن الجرح يشتعل ناراً
_ وما الذي يعنيه هذا .؟؟ يريد الموت !!!!
اقتربت ياسمين منه سريعاً و هي تضع يدها على صدره :
_ لا تقلق .. سأراقب تحركاته من خلال وسائل اتصالاته و رسائله ... و أستعمل المعلومات التي أملكها عن أهدافه ...لقد وعدني بأنه في أخر مهمة سيترك بطاقة الشبح موقعة باسم سلام .... لن نتركه ... صحيح؟؟
أسرع يضمها لصدره و هو يقول بثقة :
_ لا ..لن نفعل ... سنجبره على العودة شاءأم أبى
دخلت دلال المنزل و قد تجمدت أمام منظر زياد و ياسمين ..أرادت الانسحاب و لكن زياد نادها و هو يمد يده لها قائلاً :
_ تعالي دلال ... لا ترحلي
قالت بتوتر و هي تتقدم منه :
_ لقد وصل العشاء .. أنا لم أقصد مقاطعتكما
أمسك زياد بكفها و هو يحيط ياسمين من كتفها و هو يقول بحنان :
_ أنتما أغلى ما أملك بهذه الحياة .. أريد أن تكونا أسعد امرأتين بالوجود .... أعدكما بأنني لن أظلم أي منكما .. أحبكما كلاً بطريقة مختلفة لا أستطيع تفسيرها ... أعلم أن الوضع يبدو غريباً و لكن صدقا الأمر ...
بقي الصمت مسيطراً عليهما ..تتجنبان النظر لبعضهما ...شعر زياد بتوتر حقيقي بينهما .. و لكن هذا واقعهم عليهم التأقلم معه ..قال ممازحاً محاولاً إذابة الجليد :
_ الأمر يقف على مدى تعقلكما .. لا أريد أي جنون أو أفعال غريبة بسبب الغيرة
شهقت دلال و هي تضع يدها على صدرها قائلة :
_ زياااد... لست طالبة في مدرستك لتتحدث هكذا معي ...
ابتعدت ياسمين عنه تقف بجانب دلال و هي تضع يدها على خصرها قائلة :
_ لسنا أطفال لتتحدث معنا بهذه الطريقة ... عن أي جنون و غيرة تتحدث
أمسكت دلال بذراع ياسمين و هي تنسحب للخارج قائلة :
_ هيا ياسمين لنتناول الطعام قبل أن يبرد ...
لحقت بها ياسمين و هي تخرج لسانها لزياد بطفولية ... بقي واقفاً مكانه لثواني لينفجر ضاحكاً و هو يقول :
_ سأفقد ما بقي لدي من عقل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف متكئاً على جسر باريس للفنون بالقرب من قفلهما يقلب ذكرياته القديمة معها ... كل شيء في حياته تغير و تبدل ... حقيقة واحده ثابته .. أحبها ... أصبحت حياته تقتات على صورها التي تتراقص مداعبة خيالها ....
و الآن و بعد أن أصبحت المنظمة إكس ماضياً لا حاضر لها ... دمرها و سحق وجودها بسلسة من العمليات على مدار عامٍ كامل .. فهي لم تعد تشكل تهديداً لأخيه .. أصبح يشعر بالخواء ... ترك البطاقة التي وعد ياسمين بها معلناً انتهاء عمله ... خطوة واحده فقط بقيت ..أن يلحق بسلام .... لا يطيق الحياة بدونها .... لا هدف ... لا أمل .... كل شيءانتهى
شعر بشخصٍ يقف بجانبه ... تجاهل وجوده و هو يحدق بصفيحة النهر المتكسرة ..و الهواء البارد يلفح وجهه ....
_ ألن تلقي التحية على أخيك الأصغر ؟؟
استوى بوقفته ببطء و هو يبتسم بهدوء يخالف عواصف قلبه الذي دق هادراً مضطرباً ... دس يديه بجيبه و هو يقول :
_ ياسمين تمكنت من تحديد مكاني ؟؟
نصف ابتسامة تسللت لشفتي زياد و هو يستدير مستنداً على الجسر بظهره ..ليصبح بمواجهة مباشرة مع قصي داساً يده بجيبه .... لأول مره ينظر إليه بهذه الطريقة ... ينظر لقصي و ليس الشبح ... فقط قصي
_ و الآن قصي ... و ماذا بعد ؟؟
أشاح قصي بوجهه بعيداً يحدق بالمراكب التي تقطع النهر :
_ نقطة انتهى ...لا شيء ...نقطة .... انتهى
عض زياد على باطن شفته يحاول تمالك أعصابه دون أن ينقلب الأمر لعراك كما كل مره
_ للشبح ... أتفق معك ... و لكن قصي يجب أن يعود لبلاده
قال بأسى لم يحاول إخفاءه :
_ لا فرق بينهما زياد ... لا فرق
لم يتمالك زياد أعصابه و هو يمسك بذراعه يشد عليه بقسوة مجبراً إياه على النظر في عينيه مباشرة :
_بالنسبة لي يوجد فرق كبير ... الشبح طريد العدالة ... آذاني و عائلتي كثيراً ... أتمنى قتله ألف مرة ... و لن يطفئ ذلك النيران التي تأكل صدري
تمازجت الألوان في عيني قصى ليطل منهما حزن عميق يعكس روحه الحبيسة المعذبة ....تألم زياد على حاله و هو يقول بصوت لم يتمكن من السيطرة على ارتعاشه و هو يرخي قبضته عن ذراعه :
_ لكن قصي ... أخي ... أنقذ حياتي ... دماؤهاختلطت بدمائي .... و جزء من جسده يبقيني حياً بمشيئة الله ... هو ضحى بحياته ليحميني من انتقام المنظمة إكس .... قصي حافظ على زوجتي على مدار عامين و أعادها لأحضاني و أعاد الأمل لحياتي ....
ابتسم قصي و قد التمعت عيناه بدموع بقيت حبيسة مقلتيه ... و شعاع أمل سكنه و هو يزفر محاولاً التخفيف من حددت انفعالاته و مشاعره ... حاول الرد عليه ولكن الكلمات خذلته تماماً ليكتفي بابتسامة مجروحة
قال زياد و هو يمرر أصابعه بشعره قائلاً :
_ هل أبدأ بالإعداد لرحلة عودتك للبلاد ... يمكننا أن نرتب الأمر و نلفق قصة تبرر غيابك الطويل ...بعد حادثة القصر سجلت أقوالي بأنه تم اختطافك بعد مقتل زوجتك ... لم أذكر أي معلومة أخرى عنك ....
ضحك قصي بقوة و هو يقول :
_ سيدي حضرة اللواء زياد ..لقد بدأت تحيد عن مبادئك ...هذا ليس جيداً
قال زياد ساخراً :
_ لأخي الأكبر تأثير سيء علي ....
عاد قصي يقول بألم :
_ زياد أنا لا أستحق حياة طبيعية ... لا يحق لي ذلك
ضرب زياد كفاً بكف و هو يقول بعصبية :
_ و من قال أن أفعالك ستمر دون عقاب ... عليك أن تكفر عن ذنوبك و تطلب العفو من الله .. و لا تقلق سأستغلك بالكثير من الأعمال في سبيل تحقيق العدالة
نظر إليه قصي بذهول و هو يقول :
_ هل سأعمل معك في شعبة الإنتربول سيدي اللواء ؟؟
_ ليس بهذه الطريقة .... سترى قريباً ... رجلا مثلك و بمعرفتك لعالم الجريمة ..ستكون مفيداً و لكن بطريقتي أنا ...
ضحك قصي و هو يقول :
_ سأفكر
قال زياد و هو يحدق به بطريقة غريبة :
_ حسناً .. كما تشاء ... كنت أحتفظ لك بأمانة لحين أن تقرر العودة لبلادنا و لكن يبدو أنك لم تستحق الحصول عليها بعد
ضيق قصي عينيه و هو يحاول سبر أغواره و هو يقول بحذر :
_ عن أي أمانة تتحدث ؟؟!!
_ عليك أن تعدني بالعودة للبلاد بأقرب وقت ؟؟
_ زياد أنا ...
قاطعه زياد بحزم و هو يقول :
_ ليس من أجلك أنت ... من أجلي و من أجلها
هز قصي رأسه بعدم فهم و هو يقول :
_ تحدث بوضوح ... لم أعد أفهمك
تنهد زياد وهو يعود لوضع يديه بجيبه يقول بثبات يريد أن يلقي بالحمل الذي يثقل كاهله و ينتهي
_ قبل سنتين و نصف و قت حادثة القصر ..... بعد زوال مفعول الحقنة و تمكني من العودة للحركة .... تقدمت من سلام و قمت بإسعافها .... لم تكن قد ماتت أيها الأحمق ..للمرة الثانية تخطأ ..هل تتمنى موتها ؟؟
كان قصي يحدق به غير قادر على فهم ما يقوله و قد دخل قلبه بسباق سرعة مع تنفسه ..يشعر بدوار يعصف برأسه و ساقيه تقصفان تهددان بسقوطه .. أكمل زياد كلامه :
_ رجال ريكاردو أشعلوا النيران بالقصر بعد مغادرتكم .. أخرجتها بمساعدة مهاب الذي لحق بي ... أعلنّا عن موتها داخل أسوار القصر و أن جسدها احترق و قمنا بإدخالها برنامج حماية الشهود لحين زوال الخطر عنها
قبض قصي على قميص زياد يشده بقوة و هو يقول بلوعة :
_ ما الذي تقوله زياد !!! أنا لا أفهم شيئاً .... سلام ... سلام
أمسك زياد يدي قصي و هو يقول به برفق :
_ سلام على قيد الحياة ... تنتظر عودتك إليها ... هي تحبك و تشتاق لك
ارتجف جسد قصي بشده يوشك على السقوط و أنفاسه تختنق داخل صدره و قلبه يكاد أن ينفجر .. قام زياد سريعاً بمساندته يمنع سقوطه و هو يهمس له:
_ ليس قصي طارق من يسقط أمام الناس
حدق قصي بعيني أخيه و دموعه تجرأت على الإنكسار من عينيه و هو يقول مرتجفاً:
_ أين سلام ؟؟ أرجوك زياد خذني إليه ...لقد تعبت من بعدها ... ردّ سلام قلبي إلي
وضع زياد يده على كتف قصي و هو يقول بصوت غلب عليه التأثر :
_ سأفعل أخي .. هيا بنا... هي تنتظرك كل يوم .. سأمنحك أسبوعاً واحداً تقضيه معها هنا ... و من ثم ستعود أنت و هي مرغماً ... عائلتك تنتظرك
مسح قصي وجهه بكفيه يحاول تمالك نفسه و هو يقول مستسلماً :
_ سأعود زياد .... لقد انتهت غربتي أخيراً
_ أهلاً بك أخي ... و ستتعرف قريباً على ولي عهدي
_ ماذا ؟؟
ابتسم زياد بسعادة حقيقية و هو يقول :
_ ياسمين حامل ....أريدك ان تكون موجوداً لاستقبال إبني البكر ..إلى جانبي
أغلق قصي عينيه و هو يزفر بارتياح لم يعرفه طوال حياته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
وقف أمام المنازل البسيطة في ضواحي باريس ..ينظر لحديقة الزهور الصغيرة التي تُظهِرُ بكل وضوح أن روح سلام لمستها برقتها و عذوبتها ....
يحاول طرق الباب لكن شيئاً ما يمنعه .... ماذا لو كان الأمر غير حقيقي ؟؟ ماذا لو لم تفتح له الباب ؟؟ ماذا لو كان لقاؤهبزياد على الجسر خيالياً ؟؟
ألف استفهام لا يجد الجواب ... أسند رأسه على الباب بضعف و هو يحاول أن يقدم على خطوة واحده ... طرقة على الباب و ينتهي الأمر .....
خرج زياد من السيارة التي كان ينتظر فيها بعد أن أوصل قصى ... كان من المفترض أن ينصرف فوراً و لكنه توقع أمراً كهذا ....
وصل لقصي و هو يقول بغيظ :
_ جبااااااااااان
طرق الباب بحركة سريعة و انسحب و قصي يقول من بين أسنانه :
_ تباً زياد
صوت خطوات سريعة من داخل المنزل جعله ينظر الى الباب ببلاهة و أنفاسه تتسارع و قلبه يقفز من مكانه يكاد يخترق صدره
فتحت الباب لتقف أمامه ذاهلة.. كحاله هو ... شعرها أصبح أقصر ... خسرت من وزنها الكثير ... و لكنها هي كما هي ... تمتلك سحرها الخاص الذي يدك حصونه .... عيونها تحملان زرقة البحر تأسره بنظرة ...و لشفتيها نغم يناديه بشوق ... دموعها من العين سالت و هي تشهق .. لتسرع إليه توجه ضربات ناعمة لصدره و هي تقول بخفوت و ضعف :
_ تأخرتَ كثيراً .... أين كنت ؟؟ .... تأخرت ... تأخرت
تركها تنهال عليه بلكماتها المتهالكة و هو ينظر لوجهها يتأكد من وجودها أمامه و دموعه تتفجر من عينيه يفرغ عذاب سنوات قد طالت ... و هي تهمس تأخرت .. تأخرت
ضمها لصدره بقوة يزرعها بجانب قلبه ... و هو يردد بألم :
_ آسف ... أسف حوريتي... سامحيني حبيبتي
رفعت عينيها الدامعة و هي تقول متعثرة بحروفها :
_ أنت لن تتركني ثانية ؟؟صحيح؟؟ لن تتركني
_ بالطبع لا .. لقد انتهى زمن الفراق .. سنعود لبلادنا و نعيش هناك بسلام
ضحكت من وسط دموعها و هي تقول :
_ نورا ستتزوج قريباً ... زياد أخبرني ...
قال و هو يمسح دموعها بكفه :
_ سنكون معها ... لا تقلقي سلامي
قفزت تطوق رقبته بحب و شوق و هو يضمها لصدره أكثر يرفعها و يدخل المنزل مغلقاً الباب خلفه ... يلتقط شفتيها ينهل منها أكسير حياته و وجوده ... و يكمل معها حديثاً خاصاً جداً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
تمت بحمد الله

الشبحWhere stories live. Discover now