الفصل الثاني عشر

36 3 0
                                    

أسرعت تفتح الباب خوفاً من أستيقاظ يزن بعد حرب طويلة من الأقناع و الغناء مع محب السهر و الحركة ... تفاجأة بسامر يقف هناك راسماً على شفتيه نصف أبتسامة .... نظرت سعاد حولها خوفاً من أن يكون والدها متواجداً خلفها :
_ ما الذي تفعله هنا بهذا الوقت المتأخر ؟؟ لقد تجاوزت العاشرة
نظر إليها يتأملها بالفستان الذهبي الذي لم تخلعه الى الأن ... مما جعل الدماء تدفق سريعاً الى وجهها .... مدّ يده لأحد خصل شعرها المتناثره حول وجهها قائلاً:
_ لازلت غاضبة سعاد ... ؟؟
قالت و هي تشيح وجهها بعيداً عنه :
_ لقد أخفتني حقاً يا سامر .... لقد خفت منكِ ذلك اليوم ... كم أخشى أن تكون هذه طبيعتك التي شكلتها سنين الفراق
_ رفقاً بي يا سعاد ... أنت ِ أثرتِ أعصابي بتصرفاتك الطفولية ... و ثم منذ متى ترتدين امام الرجال ثوباً ضيقاً يرسم تفاصيل جسدك هكذا ؟؟
نظرت إليهِ بغضب و هي تقول :
_ أرجوك أرحل الأن... الوقت متأخر ...سنتحدث غداً
_ من على الباب سعاد ؟؟
جاء صوت والدها من الخلف جاعلاً قلبها يخفق سريعاً .. بينما حافظ سامر على هدوءه و هو يتقدم للداخل :
_ هذا أنا عمي ..أعتذر عن حضوري هكذا ... لكن سعاد تركت هاتفها معي .. جئت لأحضره لها ...
أخرج هاتفها من جيبه تحت أنظار سعاد التي لم تتنبه لعدم وجوده قبلاً
قال والدها :
_ أدخل بني .... سعاد حضري له طعاماً .. هو لم يأكل شيء طوال الحفل ...
أشتعلت الغيظ بصدرها و هي تجبر نفسها على الأبتسام متجه الى المطبخ :
_ بالطبع أبي سأفعل
قال سامر و هو يجاهد لكتم ضحكاته :
_ شكراً لك عمي .. فعلاً أنا جائع للغاية
_ بالهناء و الشفاء بني ..أعذرني لدي بعض الأعمال علي أنجازها في غرفتي ..
_ بالطبع عمي .... تصبح على خير
كانت سعاد في المطبخ تجاهد للسيطره على رغبتها في الأنفجار بوجهه ... شهقت عندما سمعت صوت سامر داخل المطبخ قائلاً :
_ و أخيراً سأتناول طعاماً من صنع يديكِ
قالت ساخره و هي تتجاهل النظر إليه ِ :
_ لا تفرح كثيراً سوف أعيد تسخين طعام الأمس
قال سامر بهدوء زاد من استفزازها :
_لا يهم .. ما دمتِ أنت ِ من ستقدمهِ لي
أخذت تتحرك بعصبيه مما جعل يدها تصطدم بالقدر الساخن لتصدر صوت تأوه مكتوم أسرع سامر إليها قائلاً بقلق واضح :
_ هل أنت ِ بخير حبيبتي ؟؟
نظرت إليهِ بحزن و الدموع قد ملئت عينيها و هي تمسك يدها المحمره :
_ حبيبتي !!! أخيراً تذكرت يا سامر ...
قال و هو يهز رأسه ممسكاً بيدها المصابه و هو يدفعها نحو المغسله تاركاً المياه البارده تغسل حرقها :
_ سعاد ... أعلم أني تصرفت بقلت نضج في الفترة السابقة و عصبيه زائدة ... و لكن أنتِ تصرين على الأبتعاد عني ... يكفينا السنين التي ضاعت .... لقد تعبت من بعدك .. تعبت حقاً ...
قالت و هي تسحب يدها من تحت الماء :
_ هذا يكفي شكراً لك أنا الأن بخير
عاد سامر يمسك يدها المصابه و هو يتأملها :
_ هل تحتاجين لطبيب ؟؟
هزت رأسها بلا دون أن تنظر إليه ِ ... عندها أقدم سامر على عمل كان يجاهد لتجنبهِ طوال الفترة الماضية ... ضمها لصدره بقوة يحاول زرعها داخل اضلعه تاركاً أصابعه حرية التغلغل بشعرها .... شعرت بنبض قلبه المتسارع يلمسها بنغم لم تعرفه قبلاً ....تسارعت أنفاسها و هي تحاول أستيعاب المشاعر الجديدة التي تتدفق بصدرها .... لم تفهم شيئاً و لكنها أدركت بأنها تريد البقاء هكذا لأخر يوم في عمرها تعيش على نبض قلبه ِ ... أقترب سامر بشفتيه من أذها هامساً لها بصوتهِ الذي غمره الحنان الذي أعتادته و أشتاقت إليهِ :
_ يا محبوبة الروح أرحمي
الشوق أظنى قلب المتيمِ
الليلُ ببعدك أصبح نارٌ تحرقني
أقتربي مني ولا تبتعدي
أقتربي مني و لا تبتعدي
رفعت سعاد رأسها إليهِ و هي تبوح بعينيها بعشق حارب السنين و الفراق ....كم تمنت ان يبقى و تبقى في عالم لا يضموا سواى إيقاع نبض قلبيهما المتسارع .... أقترب سامر من شفتيها يتأمل عينيها و هو يشتاق لطعم العسل من شفتيها الذهبتين .... ترك نفسه يسكت عطش السنين الطويلة ... و هي تركته يرويها و يعلمها أبجدية عشق جديد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" على دروب الذكريات نسير .. الألم يعود .. و الحب الجديد يضيع .... في نفس المكان .. الصور القديمة تعود ... و الشبح بأنتقامهِ يزيد "
ما أن رأى زياد طوق الياسمين و قد تناثرت بتلاته و تهشمت .... صور الماضي أخذت تضرب رأسهُ كالمطارق ... جسد دلال مستكين بنبض ضعيف أسفل الدرج بجانب التمثال الحجري و الدماء تحيط بها
شعر بالهواء يختفي من حوله .... الأرض من تحته ِ أصبحت لينه يكاد يفقد توازنه ... قلبه يتفجر داخل صدره ِ ... الى متى ستبقى الدنيا تطيح به من كل جانب ؟؟ كم من الضربات يمكن أن يتحمل دون ان يهتز؟؟ في داخله ألم يكسر أقوى القلوب .... لكنه يتظاهر بصلابة كلما أقترب من أستعادتها تأتيهِ رصاصه غادره تحطمه من جديد .... أصبح يشعر بأنه يجذب الأذي لك ما يحيطه .... هل يجب أن يبتعد ... قد يجد من حوله الراحه و السكينه .... لقد أدخل ياسمين لعالمهِ ليحميها و إذ به يجذبها الى ناراً أكثر إستعاراً و فتكاً
عاد يقرأ تلك الرساله و هو يبتلع ألمه كأشواك حاده تجرح أينما مرت ...." على دروب الذكريات نسير " .. " في نفس المكان .. الصور القديمة تعود" لا بدّ أنه أخذها لمنزلهِ القديم الذي هجره هو و دلال بعد الحادثة .... تركاه و ذكرياته عسى ان تُشفى الجروح .... و كم كانا مخطئين
أسرع الى سيارته ينهش الطرقات و هو يدعو الله من كل قلبه ان تكون بخير ... لن يحتمل أن يصيبها مكروه .. هذهِ المره ستكون القاضية
وصل الى المنزل أخيراً ليجد الباب مفتوحاً .... مشى على طريق الذكريات .... نفس خطوات الماضي .... أرتعاشه سيطرت على كل جسده ... تمنى أن يموت لحظتها .... ياسمين بنفس المكان أسفل الدرج .... نفس إنحناءت الجسد ... نفس الأستكانه ... ممده هناك .... لا تتحرك ... و بطاقة الشبح ملقاه على صدرها ... شعر بروحه تنسحب من جسدهِ .... قلبه توقف عن الخفقان للحظات ..
وضع يده على نبض عنقها يستشعر الحياة في جسدها .... وجده هادئاً..طبيعياً أخذ يتفقد جسدها .... كانت سالمة ...لم يمسها سوء ... تبدو فاقدة للوعي فقط ... شعر بألم عودت الروح يخترق صدره المثقل بالهموم ... قلبه عاد ليخفق من جديد و بقوة هادرة
أخترق صوت ضحكة ساخرة أذنه كطلقة رصاص .... نظر الى الأعلى ليجده واقفاً أعلى الدرجات بقناعهِ الفضي و بدلته السوداء ... حاملاً مسدسه.... علم زياد المسار الذي يريده من أتجاه الفوهه ... يستهدف ياسمين .... أسرع يستل مسدسه من مكمنه محاولاً حجب جسد ياسمين خلفه
قال قصى بتهكم مغيراً طبيعة صوته ... محافظاً على مكانهِ :
_ لو رأيت ملامح الرعب التي أرتسمت على وجهك سيدي العقيد .... أنها لا تقدر بثمن .... هل ظننت أنني سأكرر نفسي و اعيد ما فعلته سابقاً .. لست من هذا النوع
ركز زياد نظره لصاحب القناع يحاول أن يخترقه ليصل الى عمق صاحبه.... زاد من أطباق يده على المسدس يريد أن يرديهِ قتيلاً في الحال
سمع صوت حفيف الرصاص الصامت يمر من جانبه ِمن فوهه مختلفه... متجه ناحية ياسمين .... نظر زياد خلفه برعب ليجد الرصاصه قد أستقرت في التمثال القريب من رأسها .... قال قصى ببرود :
_ هذه لتعرف مصيرها في حال حاولت الأقتراب أو التذاكي علي ... حاول قتلي و لكن في حال ان رصاصتك لم تصبني ...سأقتلها
جمد زياد مشاعره و هو ينظر إليه ببرود يماثل بروده :
_ رسالتك قد وصلت ... هل لي أن أعرف سبب زيارتك المتلاحقة
هز قصى رأسه ساخراً :
_ قلت لك من قبل .... أسأل والدك
ألتزم زياد الصمت و صوت الشكوك يتصاعد داخله بقوة .. يقترب من اليقين بخطى سريعة .... عاد قصى ليقول بسخرية لاذعه:
_ اعتبر هذه هدية زفافك الثاني .... أتمنى ان تجلب لك الحظ الجيد... و ان لا تكون كزوجتك الاولى .... تعيسة الحظ
سييطر الغضب على زياد و هو يقول من بين أسنانه :
_ لا تتحدث عنها أيها الوغد البائس
ضحك قصي بسخرية :
_ حسناً اعتذر عن ذلك.... والأن اخبرني كيف هي حياتك و أنت عاطل عن العمل ؟؟؟
ضحك زياد ساخراً :
_ جعلتني أكتشف أشياء لا أظنها ستعجبك ...
قال قصى و هو يزفر :
_ أتعلم كنت أود البقاء و الحديث معك .... لكن من الذكاء أن أنصرف الأن ... قد تبدو ياسمين سليمة ...لكن عليك أن تتوقع أي شئ
بدأ قصى يتراجع مبتسماً محافظاً على أتجاه فوهة المسدس مستمتع بحرب الأعصاب ...
لكن زياد قال و هو يقصد التشديد على كل حرف :
_ ما الأمر يا قصي .... هل مللت من رفقتي ....يا .... أخي .. ..
تجمد جسد قصى ... شعر بالشلل يغزر اطرافه .. كل الكلمات تجمدت على لسانه ....
علم زياد أنه أصابه ُ في مقتل .. لقد صدقت شكوكه هو أخاه الضائع ... أخذ يتقدم ببطء و هو يرصد تجهم قصى .. أعتقد أن أكتشافه لحقيقته هو ما جعله عاجزاً عن الحراك أو الرد ... و لكن كلمة أخي هي ما أثرت في نفسه ِ مشاعر لم يتصورها .... لأول مره يشعر بالأنتماء لقريب حقيقي... " أخي " .. لكن كل هذه المشاعر أستغرقته جزء من الثاني ....عاد ليسحب نفسه من حالة الضعف التي تمكنت منه
و هو يحول مسار المسدس لصدر زياد :
_ توقف مكانك ....
قال زياد و هو يستمر بتقدمهِ الهادئ :
_ ما الأمر ألست قصى أبن هاجر نسيم الذي أختفى بعد أنتحارها بسبب ....
كانت المرة الأولى التي يواجهه أحدهم بحقيقة نفسه ... ظن أن ذلك القصى ما عاد موجداً .... مجرد فتى أختفى .... نظر الى زياد الذي قطع كلماته عند هذا الحدّ
_ لما توقفت .... بسبب تخلي والدنا عنها ... غرر بها أبنة ستة عشر و تركها مع طفل دون مأوى أو سند ... بينما احاطك أنت بالرعاية و الحب و الدفئ ...
قال زياد و هو يقف بمواجهته ِ مباشرة مصوباً المسدس الى صدر قصى :
_ أعلم ... لقد أرتكب ذنباً لا يغتفر كما فعلت أنت تماماً ... لقد قتلت الكثيرين و ازهقت أرواحهم .... لقد دفعت زوجتي عن هذه الدرجات دون أن يكون لها أي ذنب و قتلت طفلي الذي لم يرى النور
قال قصى ببرود :
_ و ما كان الذنب الذي أرتكبته لأرى أمي غارقة بدمائها ... ما الذي فعلته لأستحق التشرد و سوء المعاملة ....
قال زياد بسرعة و حزم :
_ ذلك لا يخولك حق القتل و محاكمة الأشخاص
ألتزم الرجلان الصمت للحظات و كل منهما يوجه المسدس لصدر الأخر .... أطلق قصى ضحكة مجنونة جعلت زياد يتأهب لأطلاق النار عليه دون رحمة ..قال قصى و هو ينظر الى زياد بأعجاب لم يحاول إخفاءه :
_ كان علي أن أعلم أنك سوف تكتشف حقيقة ما يجمعنا ... أنت أخي من الصعب أن يفوتك شئ .... و صدقاً لا أشعر بالغضب أو الخوف ... جيد أن تعرف حقيقة والدك و تكتوي بالنار التي أحرقتني .... و حقيقة عدوك ..
أطلق قصى نفساً ساخناً و هو يقول :
_ و الأن أخي أظن أن لقائنا قد طال كثيراً ....
قام زياد عندها بركل يد قصى سريعاً ليسقط المسدس .. عندها قام قصي بالقبض على ذراع زياد التي تحمل المسدس ليلويها الى ظهره مسقطاً المسدس .. ركل زياد قصبة ساقه بقوة مما أجبره على تحرير ذراع زياد .... ليعود الرجلان الوقف متأهبين للعراك امام بعضهما ...
أبتسم قصى و هو يقول :
_هيا يا أخي الصغير دعني أرى مقدار قوتك ؟؟
بقى زياد واقفاً متأهباً للهجوم التالي .. أسرع قصى ليسدد لكمة لفك زياد الذي تفادها بمهارة ... موجهاً ضربة بركبته لمعدة قصى ... الذي تمالك نفسه سريعاً ضارباً فك زياد بمفصل ذراعه مما جعله يسقط أرضاً .. لكنه أسرع واقفاً على قدميهِ ... مواجهاً قبضته المكوره لوجه قصي الذي تلقها بقبضة يده و بنفس الوقت غرس مقدمة حقنه استلها بخفه من جيبه دافعاً السائل الشفاف في عنق زياد الذي تراجع و هو يسحبها بقوة
قائلً قصى بهمس ساخر :
_ لا يمكن أن أبقى أكثر مشكوفاً هنا .... كنت أتمنى الأستمرار حتى يقتل أحدانا الآخر ..أخي
حاول زياد معاودة الهجوم ولكن بدل ذلك أخذت خطواته تضطرب ليتراجع مجبراً الى الخلف ... أختل توازنه ... أطبق الدوار على رأسه ... كاد أن يسقط عن درجات منزله و هو يغيب عن الوعي ...
شعر بيد قصى تطبق على ذراعه ساحباً جسده ناحيته مثبتاً أياه مانعاً سقوطه أرضاً .... شعر زياد بالعجب لما فعله قصى .... غاب عن الوعي و هو يقول :
_ لماذا ؟؟
كانت الصدمة الكبرى من نصيب قصى ... لماذا أقدم على هكذا تصرف ... لم منع سقوطه ؟؟ ما كانت هذه السقطه لتقتله .... حدق بجسد زياد المستكين بين ذراعيه ... وضعه بهدوء على الأرضية وهو يجاهد لألتقاط أنفاسه ... أخذ يتأمل ملامح زياد المنهكه لثواني قليلة و هو يزيح خصلات شعره المتمرده على عينيه .... و من ثم خرج من المكان مسرعاً ... هارباً من نفسه التي لم يعد يعرفها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
خرجت بعد أن أخذت حماماً طويلاً تنفض فيه ِ تعب حفل الزفاف و الخطوبة .... كم سعدت للأرتباط أخيها أخيراً بفتاة أحلامه ... لم تره جذلاَ سعيداً كما اليوم .... لم يستطع رفع يديه ِ عنها للحظة كما لو كان يخشى أختفائها من حياته ....
لم تجد حمزة في غرفة النوم .... كان يبدو متعباً للغاية ... شاحباً متألماً ..... خرجت تبحث عنه ُ في أرجاء المنزل .... شعرت بالدماء تنسحب من جسدها .... توقفت عن أستنشاق الهواء .... أحتل الرعب نفسها .... جسد حمزة ممدد على أرض المطبخ لا يتحرك .... عيناه مغلقة .... شحوبه قد أزداد
أسرعت إليه مرتجفة تهز جسده ُ ليستيقظ .... لكنه لم يستجب لها .... حاولت أن تستحضر الممرضة داخلها بدلاً من أنعدام التفكير الذي سيطر عليها ... أسرعت لتحضر زجاجة عطر .... و ضعتها تحت أنفه ... تغضنت تعابير وجهه بانزعاج وجسده يرتجف قليلاً .... قال بصوت ضعيف و أماني تسند رأسه على قدميها :
_ ما الذي يحدث ؟؟
قالت أماني وهي تجاهد لألتقاط أنفاسها و كبح دموعها :
_ لقد أغمي عليك
أغمض عينيهِ بأجهاد و هو يقول :
_لقد باغتني صداع قوي لم أستطع الحفاظ على توازني و من ثم ... لا أدري
قال أماني و هي تمسد خده بنعومة :
_ حبيبي ....أرجوك ان تذهب لمراجعة الطبيب .. أنت متعب دائماً .... نوبات الصداع لا تفارقك .... وجهك شاحب للغاية .... تفقد وزنك بسرعه كبيرة
قال و هو يجلس بموضعهِ مدلكاً رأسه بقوة :
_ لا تضخمي الموضوع أماني أنا بخير
عندها قالت أماني وهي تنفجر بالبكاء ممسكه بيده :
_ أتوسل إليك ....أكاد اموت قلقاً عليك .... بجب أن تراجع الطبيب ...
أسرع حمزة يُحيطها بين ذراعيه يحاول تهدئتها
_ اماني صدقيني أنا بخير .... توقفي عن القلق
قالت و هي تتمسك بقميصه باكية :
_ ستذهب الى الطبيب يا حمزة .... سوف تذهب غداً الى الطبيب عدني بذلك ..عدني .... و إلا فأنني سوف أمتنع عن تناول الطعام والشراب حتى أموت ...أقسم لك بذلك
قال بسرعة مستسلماً :
_ حسناً حسناً ..سأذهب غداً و لكن اهدئي حبيبتي أهدأي
كلن يعلم بأن هناك تغير كبير طرأ عليهِ .. يعلم بأن هناك خطباً ما لكنه كان يكابر وسط ضغوط عملهِ و شركتهِ الجديدة و أعمال المنظمة .... يبدو أن عليهِ الأنصياع أخيراً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
فتح باب شقته ِ السرية المسجل بأسم مزور حيث كان يلتقي حيدر.... كان يشعر بنفسه يتخبط بالحيرة منذ لقاءه مع زياد ... أي أنسان أصبح عليهِ ... لما يشعر بالضعف و الهشاشة؟؟ .... يحتاج ان يعود كما كان ... بارد ...غير مبالي .... لن يقبل أن يكون الطرف الأضعف ... لا يمكن ان يكون ..
دفع الباب وتقدم خطوة لتتجمد حواسه للحظة و هو يغلق الباب .... أنفاس شخص أخر تترد خلفه داخل الشقة ...أنقض كالفهد يطبق على عنق الدخيل ... و لكن ما أن أستطدم بوجهها و هي تجاهد للتلفظ بكلمات جعلت رأسه ُ يدور في حلقة مفرغة :
_" زينة هي الموت و المنعوت و النجوي"
black widow
توسعت حدقتيهِ وهو يميز عبارة التعريف على أعضاء منظمة أكس .. قال بصوت أجش و هو يرفع يديه عن عنقها :
_ كريستينا !!!!!
أخذت ذات الشعر الأحمر تسعل بقوة و هي تمسد عنقها المحمر بشدة .... قال بصوت مختنق :
_ قصى ... لقد أوشكت على قتل كرستينا
ألقى قصى بنفسهِ على المقعد و كرستينا تلحق به ِ جالسه أمامه وهي تنظر إليه بشوق :
_ قصى .... هكذا تقابل حبيبتك بعد غياب
نظر إليها قصى بقسوه جعلتها ترتجف و تهرب من عيونه بعيداً
_ توقفي عن لعب هذا الدور لم يعد يليق بك ِ
_ عما تتحدث ؟؟
قال و هو يقف غاضباً مبتعداً عنها :
_ أتحدث عن دور الغبية العاشقة ... كيف لم أنتبه لخداعك
وقفت كرستينا لتقترب منه و هي تلقي بنفسها على ظهره :
_ قصى !!! .... اعترف أن الأمر أبتدأ بمهمة من المنظمة و لكن بعد كل لقاء كنت أقع بحبك أكثر
قال و هو يبتعد عنها ثانية ليواجهها بعيونه المشتعله :
_ و ما كان الهدف من هذهِ اللعبة السخيفة؟
قال كرستينا و هي تمشي ناحيته بدلال و غنج :
_ أرادت المنظمة ان تتأكد من اخلاصك و قدرتك على كتم حقيقتك أمام النساء .. و التي لم أعرفها إلا بعد تكليفي بمهمة أن أكون نقطة الربط بينك و بينهم ..لم أعلم بأنك الشبح الأسطورة
أحاطت عنقه بذراعيها و هي تنظر إليه بهيام :
_ حبيبي قصى .... ألن ترحب بي... كما كل مره
أمسك قصى ذراعيها بقسوه و هو يبعدها عنه بقوة قائلاً :
_ أن كنت تردين العمل معي عليك أن تحافظ على الحدود الحمراء بيني و بينكِ ... و الأن أظن أنه حان وقت مغادرتك
قال كريستين و هي تبتسم واضعة
يدها على صدره المفتول:
_ حسنا كما تشاء و اعدك عندما تهدأ سوف أجعلك تنسى غضبك علي ..لا تقلق حبيبي
أردت الخروج من الشقه بعد ان أخذت حقيبتها .... لكنها توقفت و هي تنظر إلى قصى :
_ بالمناسبة ...بعد فترة قصيرة سوف يتم ترتيب لقاء قريب لك مع x4
نظر قصى إليها متسائلاً :
_ من ؟؟؟
_ لا أعلم من هو بالضبط و لكن يبدو من الكبار في المنظمة .... أظن أنه سوف يتم تكليفك بمهمة كبيرة .... كن مستعداً
أرادت الخروج و لكن قصى أستوقفها :
_ أنتظري ... بأي صفة سوف تقيمين في هذه البلاد
_ أنا أعمل لدى الملحقية الثقافية في السفارة الإيطالية ... لا تقلق كل شئ تم ترتيبه
أشار لها بيده أن تخرج و تتركه... نظرت إليهِ و هي تبتسم كطفل صغير عثر على لعبة أضاعها بعد وقت طويل ...غرق قصى بأفكاره و هو يحاول ترتيبها .... لا يجب ان يخسر تركيزه الان ...ليس الان ... و قد عثر عن حب حياته .... يجب أن يعود ... يجب أن يتذوق طعم الدم .. عندها سيعود المسيطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
تقدم بضع خطوات يتأمل المكان حوله .. رأها تقف هناك على الشرفه العالية حافية القدميين ..السماء سوداء .. ملبدة بالغيوم الثقيلة ... الرعد يقصف مهدداً بصوته ِ المرعب .. البرق يخطف البصر ... الأمطار الثقيلة تتساقط بقوة وهي تحدث دوياً عالياً.. هي غير عابئه ... مرتديه ثوبها الأزرق عاري الأكتاف ... الهواء يطير شعرها القصير المبتل بعنف .... بقيت هناك جامده لا تتحرك ...
تقدم نحوها يناديها بصوت رجع له صداه :
_ دلال ..حبيبتي .. لما تقفين بالخارج ..سوف تمرضين
لكنه لم يلقى جواباً ... تقدم سريعاً يريد الخروج و لكن ما أن وصل حتى أنفصلت الشرفه لترتفع سريعاً في السماء السوداء ... و قف زياد على الحافه يناديها بصوتاً مرتعب :
_ دلااااااااااااااااااااال .... دلاااااااااااااااااااااال
لكن الشرفه مالت بشكل مرعب لتظهر دلال واقفه تمد يدها الى زياد و من خلفها كان يقف بقناعه مبتسم بسخرية و هو يمسك دلال من كتفيها .... صرخ زياد غاضباً:
_ أتركها ..قصى ... أتركها ..سأقتلك ..سأقتلك
عندها تردد ضحكة الشبح بالسماء الملبده ....دفع دلال لتسقط من الأعلى ليغيب جسده وصت سواد لا قرار له وصوت صراخ زياد الملتاع يشق عِنان السماء ينادي أسمها
جاءه صوت ياسمين من الخلف يناديه بانكسار و ألم ... كانت واقفه بثوبها الابيض و طوق الياسمين ملطخان بالدماء ...حاول أن يسرع إليها و لكن أرتفعت من الأرض قضبان حديدة حالت بينهما .... ظهر الشبح خلفها من العدم .... ممسكاً ياسمين من خصرها ..
عادت ياسمين تناديه بصوت مرتجف و خيط من الدم يسيل من مقدمة رأسها :
_ زياد ... زياد
شعر بجسده بهتز بخفه و صوت ياسمين الباكية يناديهِ من بعيد ...
_ زياد ..أستيقظ ..أرجوك ... لا تمت ....لا تمت بالله عليك
فتح زياد عينيه بقوة ليجد ياسمين جالسه على الأرض بجانبهِ ...شاحبه .... شعرها مشعث ...أنفاسها متسارعه ... دموعها تنسكب سريعاً .... حدق بها للحظة يحاول أستدراك ما حدث ... جلس سريعاً متجاهلاً الدوار الذي يعصف برأسه و حبات العرق التي غزت خلايا جسده.... قال بصوت مختنق :
_ انتِ بخير ...؟؟ هل أذاكِ ؟؟
هزت رأسها بلا و هي تغطي فمها تكتم شهقاتها ..زفر بأرتياح و هو يأخدها لصدره يطمئنها ... رفعت رأسها إليهِ قائلة بصوت متقطع :
_ اعتقدك ميتاً.... لقد ...أنا
عادت لتغرق بالبكاء الهستري و هو يزيد من قربها إليهِ .... أخذ ينثر قبلات سريعة على جبينها و خدها ليطمئنها و يطمئن نفسه قائلاً :
_ أنا بخير لا تخافي... و أنتِ بخير
رفعت عينيها الواسعة و التي اخذت تلمع مع خيوط الشمس الأولى تنظر إليهِ تحاول النفاذ إلى أعماقهِ ... وضع زياد يده على خدها المبتل بدموعها و هو يقول :
_ لا تخافي .... أخبرتك أنا بخير عزيزتي
قالت بهمس أخترق قلبهُ و روحه :
_ لن أحتمل وقوع مكروه لك زياد ... أنا أحبك .. أحبك و أعلم أنك قلبك لن يكون لي ....
_ ياسمين !!!
قالت وهي تجاهد لإخراج صوتها المتعب :
_ حاولت تجاهل مشاعري اتجاهك و لكن أجد نفسي أنجذب إليك مجبرة و لكن و عندما ظننته قتلك .... علمت بأني أحبك زياد .. أرجوك لا تتركني
تسارعت أنفاس زياد و هو يرى بريق الحب يلمع في عينيها... لما تصر على منحه مشاعر يتمنها من آخرى .... هي تحبه .. وقفت الى جانبهِ في أكثر لحظات حياتهِ تعقيداً ....لم تفارقهُ وقت رقوده في المشفى .... هي الأن زوجته .... أقترب منها ببطء .... اللتقط شفتها بشغف يستجيب لدعوتها .. غرق الأثنين بمشاعر أفتقدها منذ زمن ... سار بيديه يتلمس منحنيات جسدها و هو يشدها إليهِ أكثر و أكثر
أرتفع صوت هاتفهِ عالياً ليستيقظ من فورت المشاعر التي أشعلتها ياسمين في نفسه .... شعر بأن النيران تحرق جسده .... و جملة واحد تتردد في ذهنه ... هي ليست دلال ... أبتعد عنها سريعاً و هو يخرج الهاتف دون أن ينظر إليها .... كانت ريتاج ....ردّ سريعاً :
_ أهلاً ريتاج
_ كيف حالك زياد ؟؟
رصد زياد التردد في صوتها وهو يقول :
_ بخير ... هل هناك مشكلة ...؟؟
_ لا ..لا تقلق .... أتصلت فقط لأخبرك انها عادت لمنزلكم
تجمد يد زياد على هاتفهِ ... أرتفعت و تيرة دقات قلبه سريعاً
_ ماذا ؟؟ هل علمت بأمر زواجي
_ أتصلت أمك و أبلغتها بالأمر
أغمض زياد عينيه بقوه و هو يتخيل مقدار الألم الذي تحملهُ دلال الأن
_ كيف حالها ؟؟
_ صدقني لا أعلم ... ما أن سمعت الخبر حتى بدأت بتوضيب حقائبها .... أتصلت بأم السعيد و السائق وغادرت .... دون أن تبدي أي رد فعل .... لقد أخافتني ببرودها .... أذهب إليها ... لا أظنها بخير
_ سأفعل طبعاً .... شكراً لك على كل شيء
أغلق الخط و هو يغرق بالتفكير .. ناسياً تلك الذبيحة التي تنزف واقفه خلفهُ بألم .... ما كان يجب أن تفشي بحقيقة مشاعرها ... لقد صعبة الأمر عليهما ... هو لا يحبها .... لا يريد سوى زوجته .... حتى لو تجاوب معها للحظات ... يبقى رجلاً يقف امام زوجته
تنبه زياد لها و هي تقف كما المذنبة ... أقترب منها وهو يصارع نفسه ...
_ ياسمين .... أنا ...
قالت و هي تبتسم بألم يفضح نفسه :
_ لا تقل شيئاً لقد أخطأت كثيراً بكلامي هذا .... لكن الظروف جعلتني أبالغ قليلاً ... أنسى ما حدث .... و أذهب لزوجتك .... أذهب
وجد زياد نفسه عاجزاً عن الكلام امام أنوثتها المجروحة ... قالت ياسمين لتخرجه من هذا الموقف :
_ هل يمكن أن توصلني لمنزل أبي .... سأقل يزن بسيارتي و اعود لمنزلنا و أنت أذهب لزوجتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقف على شرفة المنزل متلفحه بشال الكشمير ..الشئ الوحيد الذي قبلت بأخده معها من باريس ... وشبح أبتسامه تزين شفتيها ...كان معتصم الجالس مع والديه يراقب التغير الذي طرأ عليها بعد رحلة باريس ... أصبحت تجلس معهم أكثر ..تشارك بالحديث بكلمات قليلة ما كانت لتقول نصفها قبلاً ... أصبحت الدماء تدفق بوجهها لتحل مكان الشحوب ... كان متردداً بفتح موضوع الزواج معها .. ذلك الغريب الغريب الذي جاء لمكتب عملهِ يطلب الزواج منها و هو يعلم ظروفها و قصتها مع حاتم .... لم يجد صعوبة في التحري عنه .. رجل دبلوماسي من عائلة غنية للغاية .... يشهد له بحسن الخلق و السيرة ..يتوقع له مستقبل زاهر في العمل السياسي... تقبل و الديه الأمر برحابة صدر .. لكن هي ؟؟؟
وقف الى جانبها و هو يحيط كتفها مبتسماً لها بحنان بالغ .. بادلته الابتسامه و هي تسند رأسها على صدره الحامي ..قال معتصم و هو يحسم تردده :
_ سلام .... أتعرفين شخصاً يدعى قصى ؟؟
أبتسمت و هي تهز رأسها بنعم ..
_ و هل تعلمين بأنه تقدم لطلب يدك ؟؟
_ أعلم أخي .. لقد تقابلنا في باريس و أخبرني عن رغبته بالزواج مني
أدار سلام ناحيته لتواجهه مباشرة و هو يقول :
_ لست مضطره للزواج الأن سلام .... لا أظن أن هذا الوقت المناسب
قالت سلام و هي تضع يدها على ذراعه و هي تقول له مطمئنة :
_ لا تقلق .... سأكون بخير معه .. صدقني
قال بقلق :
_ هل هذا يعني أنك موافقة ؟؟
هزت رأسها بنعم و قد توردت خدودها ... أبتلع معتصم ريقها بصعوبة و هو يقول :
_ الخيار لك سلام ..لكن يجب أن نتحدث للطبيبة النفسية ... نحن الثلاثة .. يجب أن يكون قصى واعياً لك شئ يتعلق بكِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الألم ........ هو الأحساس الذي يجتاحها و يسحقها .... هو الوجع الذي يبدو لا نهائي ...... مع كل نبضة ... يزرع في قلبها سهم مشتعل بنار الغيرة و القهر ... روحها تصارع لمغادرة جسدها البارد ...
هي من سعت بكل قوتها لهذا الزواج .. تحملت الفراق و البعد ....داست على قلبها .... سحقتهُ .... أخرسته ... تجاهلت حب حياتها في أكثر الأوقات سواداً ... تتبعت أخباره من بعيد .. بكت كل ليلة على وسادتها حزناً لحاله ... كانت تشعر بهِ ممزقاً ضائعاً .... زار أحلامها يناديها ... لكنها تماسكة من أجله حتى يحقق أمنياته .... كيف لها أن تنسى فرحتهُ يوم علم بحملها ؟؟ ... كيف لها أن تتجاهل المهد الذي صنعهُ بيده ِ و هو الأن قابع في ركن المنزل مغطى بطبقات الغبار؟؟ ... كيف تحرمه من تلك السعادة التي عاشها و هو يرافقها لجلسات التصوير عند الطبيبة النسائية يتأمل معجزة الله تتشكل داخلها ... ما كانت لتتحمل هذا الذنب .... هي تحبهُ و مستعدة لتضحي بروحها حتى تراهُ سعيداً ....
جلست في حديقة المنزل تفكر بشكل حياتها القادمة .... هل يمكن ان يسامحها ؟؟ أنه عنيد للغاية .... ليس من النوع الذي يتنازل ... لكنها لن تسمح بخسارته و إن تزوج آخرى .... فهى دلال ... حبيبته
سمعت صوته من خلف الأسوار يعطي تعلماته لرجال الأمن .... سمعته يتحدث عن نظام الحماية و جهاز الأنذار ... و بعدها غابت الكلمات ليبقى وقع صوتهِ يعزف على قلبها لحناً لا يتقنهُ غيره .... أرادت أن تركض إليهِ ... تلقي بنفسها على صدرهِ تستمع لنبضهِ الذي تشتاقهُ بجنون
جاءت أم السعيد مساعدتها الشخصية تخبرها بأن زياد قد جاء و هو يتفقد أنظمة الأمن و الحماية مع رجال الأمن ... لم تدرك دلال أن الدموع قد غمرتها تماماً إلا بعد أن سألتها مساعدتها عن سبب بكائها ... هل يمكن للألم أن يكون أكبر ؟؟هل يمكن أن تتمزق أكثر ؟؟
أسرعت لغرفتها تطلق الأنفاس الساخنة من صدرها .... تبكي دموعاً من نار ... قبضت على الفراش بيدها تمزق الأغطية بقوة لم تملكها سابقاً ... وهي تمنع نفسها من الغضب ..ليس من حقها أن تغضب و تثور و تعاتب ... ليس من حقها أن تصرخ بهِ ... " كيف لك أن تتزوج غيري " ... " كيف تجرئ على لمس أنثى آخرى .... تغمرها بفنون عشق لطالما كانت حصريه لي.... تهمس لها بكلمات رسمتها على شفتي
وقف يتفقد مع رجاله أجهزة الأنذار ...أعاد ضبط كلمة السر ... يبحث بعينيه عنها.. يريد ان يلمحها فقط ... لعله يطفىء لهيب الشوق بداخله ... كيف لها أن تتحمل البعد و الفراق .... كيف تمكنت من النوم بعيداً عن صدره و دقات قلبه ... الم تحترق كما هو في دروب الأيام الفائتة ... ألم تصبح ظلمات الليل عندها طريق للعذاب و لتقلب بدفاتر الذكريات ... روحه في كل ليلة ترحل محلقة حولها لتعود مخترقة جسده بألم ...
هي حتى الأن لم تأتي للقائهِ .. لمحها تسرع بالدخول لغرفتهما ... لم تخرج ... تستمر بلعبة التجاهل .... لم يعد يحتمل البقاء معها في منزل واحد و هي تتهرب منهُ هكذا .... مشاعر الغضب تسيطر على نفسهِ .... يريد أن يسرع إليها .... يصرخ فيها ... يعنفها ..... يلومها ... و يحتضنها .... تحدث لخادمتها ... تأكد من أستقرار الأمور و خرج من المنزل لا يعلم طريقاً يسلكهُ
أسرعت أم السعيد تخبرها بخروج زياد من المنزل :
_ يا أبنتي ...لا تسمحي لهُ بالرحيل .... سوف تخسرينه أن لم تمنعيه الأن ... لقد عذبتهِ كثيراً و حان الوقت لتداوي جراحه و تحملي منهُ كل شئ قد يقوله لقد جرحتي كبريائه بشدة
وقفت دلال و هي تقول بتوتر :
_ أنا خائفة ان يرفضني .... أخشى أن ..
قاطعتها بقوة :
_ سيدتي .... أذهبي الأن ... أره من النافذة يتحدث للحرس .... و سوف يرحل بأي لحظة ...أذهبي
أسرعت دلال تتلمس طريقها نحو زياد الواقف أمام باب سيارته يهم بالرحيل يلقي بتعليماتهِ الأخيرة .... كانت أم السعيد تحاول اللحاق بها لتساعدها و لكن الشوق كان يدفعها سريعاً .... و صلت لعتبة المنزل .... لا تعرف أي طريق تسلك .. سمعت صوت زياد يتحدث.. حاولت السير في ظلامها تتلمس طريق خطواتها متتبعة ترددات صوته .... لكنها تعثرت و اصطدمت بحوض الأزهار أمام المنزل ... سقطت بقوة على ركبتيها ....كتمت آهات الألم داخل صدرها .... جاءت أم السعيد خلفها تناديها قلقة بأعلى صوتها قاصدة أن يسمعها زياد الذي ألتفت سريعاً ليجد حبيبته تجثو أرضاً تحاول النهوض متكئة على أم السعيد متألمة .... أسرع إليها و قد ظهرت له ركبتيها الداميتين من خلف بنطالها الممزق من قوة السقطة .. قال بلهفة لم يحاول إخفائها :
_ هل أنت بخير دلال ؟؟
ما أن سمعت صوته القلق حتى غرق قلبها بدوامة مشاعر ممزوجة بين الفرح و الحزن .... الأمل و الخيبة ... الجرح و الشفاء
أخذ بيدها يساعدها على المشي وهو يعاتب أم السعيد على تركها تمشي وحيدة خارج المنزل .... أرتجف جسديهما على وقع لمسات الآخر بشوق و لوعة عذبتهما طويلاً .. دخل معها الى غرفة النوم.... ساعدها على الجلوس .... طلب من أم السعيد إحضار علبة الاسعافات الأولية ... جلس على ركبته أمامها يتفحص جرحها .... لم تقل كلمة ..أستمتعت بقربهِ و خوفهِ عليها .. حتى مع صوت أنفسهِ الهادره التي تفضح فرط غضبهِ ... بدأ بتطهير جرحها و تنظيفه .... وهو يتجنب النظر الى وجهها ...يعلم بأن دِفعاتهُ سوف تنهار أن رأى وجهها الذي يشتاقهُ بجنون ... لف جروحها بالشاش الطبي ... وقف هو يقول بصوت أجش مبتعداً عنها :
_ لقد أنتهيت .... ما كان عليكِ الخروج وحيدة
قالت و هي تقف مقتربه منه متجاهلة أوجاعها:
_ خشيت أن ترحل دون أن نتحدث معاً
قال وهو يبتسم بألم دون ان ينظر إليها :
_ و هل تهتمين حقاً ... سبع شهور قد مضت و أنتِ بعيدة... تركتني و أنا بأمسى الحاجة لوجودك لجانبي .. ما كان يوماً آخر لغير الأمور
حاولت أن تكبح مدامعها و لكن الأمر كان أقوى منها :
_ زياد .... أرجوك ... لقد كانت شهور صعبة ... تعذبنا كثيراً ... شعرت بروحي تغادرني تبحث عنك في كل ثانية .... بُعدك مزقني ... فقدت شعاع النور الوحيد في حياتي لكن كان علي أن أفتح لك الطريق حتى تعيش حياتك ... لأن أسمح لنفسي بأن تكون السبب بحرمانك من حقك الطبيعي بأن تكون أباً و أنا ...
قاطعها زياد غاضباً قابضاً على كتفيها بقوة جعلتها تتألم :
_ متى سوف تفهمين بأنني السبب فما حدث لكِ .... أنا المذنب و لستِ أنتِ .... أنا من يجب أن يتحمل تبعات الأمر و لستِ أنتِ ... بسببي حدث لك كل هذا .... بسببي خسرتُ حُبكِ و تعلقك بي .... أصبحت عباءاً يثقل كاهلك أنتِ ...
غلبتها الدموع ... أختنقت الكلمات في صدرها ... شعرت بهِ يسكب الملح على جروحها .... أشتعل الغضب أكثر في صدر زياد بسبب صمتها صرخ بها كما لم يفعل قبلاً
_ بالله عليك دلال ..أصرخي ... أغضبي .... قولي بأنني السبب .. بأنني أستحق العقاب و الموت بسبب ما حدث معكِ .... دافعي عن الحب الذي جمعنا ....
لم تعد قادره على الوقوف أنهارت على حافة السرير ....كلماتها المختنقة خرجت لتصيب زياد في مقتل :
_ الذنب زياد .. كم أخشى أن يكون سبب بقاءك معي ... ما الذي يبقك مع ظلال أنثى لم تعدّ تعرف في حياتها سوى الحزن و ندب الذات ... لم أعد قادرة على منحك شئ ... أنا لا أملك شيئاً سوى الدموع التي تذكرني بكوني حية .. لا شئ آخر
لو أنها رأت الحزن الذي تفجر من عينيه ليملئ العالم بشجنهِ و أنكسار قلبه ... لسحبت كل حرف قالته معلنه أنها تحبه فقط ... تركها و أبتعد قليلاً يحارب الضعف الذي قسم ظهره ... أستند بكفيه على إطار النافذة الكبيرة و هو يغلق عينيهِ بقوة .... متمزقاً على صوتِ بكاءها و شهقاتها ....
قال بعد عددت دقائق من الصمت الصاخب :
_ أحبك دلال ... و ليس حبي لك شفقه أو إحساس بالذنب .. فقط أحبك دون تعقيد ...لما لا تفهمين ؟؟ لم يعد لدي أي شئ آخر أقنعكِ به
ألتزمت الصمت أمام كلماته ... لم ترد ...أردت الصراخ بأنها تحبه و لكن بدل ذلك وجدت نفسها تقول :
_ ما أسمها ؟؟
قال زياد و هو يزفر غاضباً :
_ من هي ؟؟
_ زوجتك
نظر إليها بألم ... جلس إلى جانبها و هو يقول :
_ زوجتي ؟؟ ما أسهل الأمر عليكِ ... حسناً يا دلال ... أسمها ياسمين ... هل من سؤال آخرى يتعلق ... بزوجتي
شعرت بتفجر قلبها .. قالها بسلاسه و سهولة ... زوجتي ... أبتلعت ريقها بصعوبة كما لو كانت تبتلع سكاكين مشتعلة .... قالت بصوت متقطع :
_ هل .... هي ....جميلة ؟؟
سيطرت الدهشة على زياد .... ما هذا الحديث الذي تخوضه بعد كل هذا الغياب ... وقف و هو يذرع الغرفة ذهاباً وأياباً ...ليقف في النهاية أمامها قائلاً بسخرية :
_ أجل هي جميلة للغاية .... فاتنة .... تبدو كأميرة عربية متوجة على عرش الجمال ... هل أرتحتي الأن ؟؟؟
عادت الدموع تتفجر من عينيها الزرقاوين غير قادرة على إستيعاب خشونتهِ معها ... أخذ جسدها الرقيق يرتجف مع بكائها الصامت أمام زياد الذي وقف عاجزاً عن الأتيان بأي حركة ...
صدرت من دلال كلمات متقطعة لم يستطيع زياد فهمها .... كانت قد وصلت للحد الأقصى من الأنهيار ... كلمة واحدة أستطاع أن ينتشلها من الحروف المتشابكة و المعقدة وسط صخب بكاءها ... أحبك .... قالت أحبك أخيراً
جلس إلا جانبها ...أراد أن يحيطها بذراعيهِ .. حاولت التملص منه غاضبة ...لم يسمح لها .... ضمها بقوة .... أمسك رأسها يزرعها داخله .... أراد أن يعيد عليها درساً واحداً .. هي و هو ... للأبد .. قال وهو يهمس لها بشجن :
_ كل النساء ما عدت تعنيني بعد أن عرفتكِ ...أنت حبيبتي و الجمال هو أنتِ .. أعشق كل تفاصيلك ... جنتي بين يديكِ.... و النار في بعدِ عنكِ .... يقتلني التفكير بأن قلبك ِ لم يعد ملكي .... خسرت حبك دلال ... خسرت و انتِ تغرقين نفسك بأفكار تظلم قلبي و روحي .... لقد كسرتِ في قلبي شيئاً ببعدك و لا أعلم له طريقاً للشفاء
رفعت رأسها ..أحاطت وجهه بين كفيها تتلمس كل خلايا وجهه بشوق :
_ أنت حبيبي و عمري .... حبك من المسلمات لا جِدال في هكذا أمر ... كن واثقاً .. سوف أعمل جاهدة على مدواتي لجروحك و أستعادت نفسي القديمة...حتى أكون معك كما كنت.. أعدك ... أحبك ... أرجوك سامحني زياد ... عدّ إلي
لم يتمكن زياد من أرتداء عباءة القسوة أكثر امامها ... أنهال على شفتيها يزرع قبلاتهِ مأكداً على أن قلبهُ ملكية حصرية لأنثى واحدة ....لا مكان لآخرى مهما حاول .... لوجودهِ معها طعماً مختلف .. لا يمكن لأنثى أن تذيقهُ هذا الأحساس ... و أي محاولة ستكون ممزوجة بطعم الخيانة له و لها و لتلك التي تبكي حباً ليس لها ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
خرج حمزة من عيادة الطبيب بحاول استيعاب الواقع الجديد .... ليس لديه الوقت ...ليس الأن و قد أقترب من تحقيق هدفه .... لن يخضع لجراحة معقدة توقفه عن العمل وقتاً طويلاً و أحتمال النجاة منها 30% ... سقوط المنظة أكس له الأولوية ... ليس بعد أن علم مقدار الفضاعات التي يرتكبونها ..كل شئ على المحك الأن
جاءت أماني مسرعه تعاتب نفسها على تحديد موعد لحمزة وسط ضغط عملها في المشفى ..رافقتهُ وقت إجراء الفحوصات و التحاليل و صور الإشعه ..لكنها لم تمكن من الأنتظار معه عند الطبيب ...
_ أخبرني ما النتيجة ...
أبتسم لها بحنان و هو يقول :
_ لا تقلقي ....أنا بخير تماماً ..مجرد أراهق سوف تعالجهُ بعض الفيتامينات و المكملات الغذائية ...
أخرجت نفساً طويلاً يعبر عن أرتياحها
_ أنت تعمل كثيراً يجب أن لا تضغط على نفسك
_ لا تقلقي ... عودي الى عملك الأن سنلتقي في المنزل حبيبتي
لم تعلم أماني أن الطبيب في الداخل يحدق بصور الأشعة و القلق بداخلهِ يتضاعف مع رفض حمزة إجراء العملية سريعاً و طلبهِ إخفاء الأمر عن أماني التي وثقة بهِ و طلبت أستشارته .. لكن عليهِ أن يحافظ على حق حمزة بالسرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
منذ الحادثة الأخيرة أصبحت ياسمين تتجنب لقاء زياد ... في الأيام التي يحضر فيها للمنزل تتظاهر بالنوم لجانب يزن ... أما هو يتأخر بالعودة لأنشغالهِ بعمله .... أقتصرت لقائتهما على فترات الصباح المشحونة التي تسبق خروجهما الى العمل
في يوم عاد زياد الى المنزل باكراً قبل عودت ياسمين من العمل ....وجد يزن يركض في أنحاء غرفة الجلوس ضاحكاً و من خلفهِ المربية تلهث ترجوه التوقف ... وقف زياد امام يزن الذي تجمد أمامه ..نزل لمستواه ليقول له :
_ أنت تحب الحركة و القفز في كل مكان
أخذ يزن نفساً عميقاً ليقول:
_ سيارات .. ماما ... روح باي ... سيارات ...طيارات ...
ضحك زياد من قلبه على هذا الصغير النشيط .. رفعه عالياً وهو يقول :
_ هل تريد أن تركب الصاروخ ؟؟
أنطلق يحمله على كتفيه و هو يركض في أنحاء المنزل مصدراً أصوات محركات السيارات و الابواق و الصواريخ .. و من ثم دخل لغرفتهِ يلعب معهُ يتبادل معه حديثاً طفولياً ممتعاً ... أرهق يزن من كثرت اللعب و نام بين أحضان زياد .. منذ أن غادرهُ والده لم يجد شخصاً قادراً على مجراته ....
وضعه في سريره ... و هو يتذوق أحساس أن يكون أباً ... خرج بهدوء حتى لا يوقضه .... أراد الرحيل بعد أن أخذ الأغراض التي جاء من أجلها .. تفاجأه بياسمين تدخل المنزل ملقية حقيبتها أرضاً بغضب تخلع حذائها بطريقة انتقامية .. خلعت سترتها بقوة كادت معها أن تمزقها ..ظهرت أمامه ذراعيها الذهبيتن ... جلست على الأريكة و هي تنادي المربية لتسأل عن يزن تسند ذقنها على كفيها و عيناها تشتعلان غضباً .. لم تتنبه لوجود زياد باب مكتبه
أقترب منها واضعاً يده على كتفها قائلاً :
_ هل أنتِ بخير ... يزن نائم ؟؟
شهقت خوفاً من لمسته و صوته ... وقفت و هي تضع يدها على صدرها تحث قلبها على الهدوء و هي تقول بانفاس متقطعة :
_ زياد !!!
وقف واضعاً يديه بجيبهِ مقترباً منها :
_ كنا نلتقي أكثر قبل الزواج عزيزتي
ضمت نفسها تغطي ذراعيها و هي تتجنب النظر إليه .. كره طريقة التعامل الجديد بينهما ..كانا خير صديقين .. يتحدثان بلا خوف و لا حدود .. و ما أن دخل عقد الزواج بينهما حتى أرتفعت الأسوار عالية
جلس على الآريكة و هو يعقد ساعديه قائلاً بحزم :
_ ياسمين ... يمكنك أنت تتحدثي إلي كما كنا بالسابق ... هذا أنا ... كنت تكلمني عن كل شئ ... و كنت أفضى لك بكل مكنوناتي
تناولت سترتها .. قالت ببرود و هي ترتديها :
_ لا أريد أن أثقل عليك .. و أنت لم تعد تحتاجني بعد الأن ... أنتهت مهمتي بالنسبة إليك
لمع الغضب بعيني زياد ينذر بعاصفة توشك على الإطاحة بكل ما يعترض طريقها... قال و هو يشد على كفهِ محاولاً السيطر على أعصابه :
_ ياسمين ... أنا لا أعتبرك وسيلة لتحقيق أهدافي ... أحترمك بالقدر الذي يمنعني بالتفكير بك بهذه الطريقه
عضت ياسمين شفتها وهي تنزل رأسها سامحه لخصل شعرها الطويل بتغطيت ملامح وجهها المتألم ... ما وجب عليها أن تطلق كلماتها تلك .. هو لم يخطئ بشئ ...... كانت تعلم أنها دخلت معركة خاسرة ..ليس لهُ ذنب بتبدل مشاعرها أتجاهه .. لكن ما تفعل بألمها و غيرتها .. تحاول لجم قلبها ...لكنه لا يتوقف عن ذكر أسمه مع كل نبضة .. تجنبت لقائه ..هربت منه ... لكن تلك القبلة المسروقة جذرت مشاعرها نحوه أكثر و أكثر ....
شعرت بيديه تزح خصل شعرها عن وجهها رافعاً أياه ناحيته .. نظرت لعمق عينيه .. كيف لنفس العيون أن تجرحهها مرتين ..كم يتشابهان و يختلفان
قال زياد بحنان بالغ :
_ ما الأمر ياسمين ... لما أنت غاضبة ..؟؟
وقفت لتقطع سطوت عينيه على قلبها .. قالت و هي تسير ناحية شرفة المنزل تبحث عن بعض الهواء .....
_ بعض المشاكل في العمل
أتكئ زياد على إطار باب الشرفة عاقداً ساعديه .. قائلاً بقلق :
_ العقيد جمال؟؟
رفعت يديها للأعلى و هي تقول بغضب :
_ يحاول دفعي للأستقالة .. يريد التخلص مني .. يلمح بأنني أعمل جاسوسة لحسابك
_ لقد جن حتماً ذلك المعتوه ..يجب أن أتحدث إليه
هم بمغادرة المكان لكن ياسمين اسرعت إليه تمنعه و بقوة و حزم قالت :
_ أرجوك أن لا تتدخل هذه معركتي يجب أن أهتم بها بنفسي و اعتمد على ذاتي ... لن تبقى معي للأبد
نظر إليها مصدوماً من كلماتها ... لن تبقى معي للأبد.... لم يفكر يوماً بأن علاقاتهما هذه قد تنقطع و تنتهي
_ ما الذي تقصدينه من كلامك ؟
قالت و هي تقف بشموخ مجروح :
_ لن أثقل كاهلك بوجودي في حياتك بهذه الطريقة و لكن احتاج للوقت حتى أعتمد على نفسي ... سأبني لي و ليزن حياة جديدة بعيد عن والدي و حازم و ... عنك
قال زياد و هو يرمقها بنظرات محذرة
_ لقد فقدت عقلك ياسمين ... أنا لم أشتكي لك ... لن أمانع ...
قاطعته ياسمين وهي توليه ظهرها قائلة بقوة :
_ لا ...لا .. لن أبقى معك بدافع الشفقة ... زوجتك بعد طلاقنا ستعي أنا لا حياة لك مع غيرها .... و سوف تستقر أموركما ..لا تقلق
أمسك ذراعها بقوة مجبراً أياه على مواجهته ... حدق بعينيها يبحث عن سر هذا التبدل في موقفها ...قال زياد ببرود جعل خلاياه ترتعش
_ أياك أن تفتحي موضوع الطلاق ثانية ..لقد حذرتك ياسمين
خرج تاركاً ياسمين تتخبط في أفكارها .. لقد جن حتماً .. لما تدفع الرجال من حولها الى الجنون وعدم التعقل ..هل هي لعنة ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت تتأمل خواتم الخطوبة المصفوفة أمامها بعناية في أكبر محلات المجوهرات في البلاد ....أحتارت بينها ... كان قصى يراقبها بسعادة ..أخيراً سوف تصبح له .... ستكون عائلته ... تحدث مع طبيبتها منفرداً .... تمكن من أقناعها أن زواجهما سيكون طريق للشفاء ... هذه المره لم يخادع .... لم يرتدي قناعاً آخر ..كان هو فقط...قصى طارق ...
معتصم وقف بعيداً تاركاً المجال لهما بأختيار الخواتم .... كم يشعر بالقلق عليها ... يتمنى أن يحتويها لصدرهِ طوال العمر .. لكن هذا خيراها ... الهموم أثقلت قلبه ... قد تجد سلام الراحة مع ذلك الرجل العاشق ... نظراتهُ تفضح فرط هياميه و تعلقه بها .. يتعامل معها بحرص كما لو كانت كنزاً ثميناً
قاطع قصى صمتها و هو يختار خاتماً رائع مطعم بأحجار الألماس ... كان الأجمل بين الخواتم الآخرى ... أمسك كفها وضعه في إصبع يدها اليسرى و هو يقول:
_ لقد زدت الخاتم جمالاً و ألقاً
أبتسمت بتوتر خجول و هي تلمس الخاتم في إصبعها قائلة :
_ لكنت أخطأت اليد يجب أن يكون في يدي اليمنى
نظر لعمق عينيها و هو يقول :
_ لا أنا لم أخطأ ... أريدك زوجتي في أسرع وقت
أضطربت مشاعرها بقوة وهي تتأمل الخاتم... رفعت عينيها تنظر للقلائد المعروضة أمامها .. تجمد بصرها على إحداها ... كان على شكل قلب قفل ... أبتسمت لرأيته وهي تتذكر وقوفها معه على نهر السين ... قرأ قصى أفكارها و أبتسم سعيداً بتفاعلها معه
قالت سلام و هي تخلع الخاتم :
_ لقد أعجبني ... لنأخدهُ قصى
اشار للبائع ليقوم بلفه ... أراد الخروج من المحل ..أوقفته سلام وهي تقول :
_ و أنت ؟؟
_ أنا ؟؟
_ ألن تلبس خاتم الزواج ..تريد أن يظن الناس بأنك أعزب
ضحك قصى من قلبهِ و هو يعود للبائع ... أخذ الخاتم الذي أخترته سلام و هو يرسم الأحلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد فترة من الزمن ......
كان الرجال الثلاثه يجلسون بغرفة واسعة تم تجهيزها بنفس طريقة مكتب سامر و حمزة في شقة أختارها زياد مسجله بأسم مزيف يتناقشون حول الأسماء في القائمة ..يبحثون عن مدخل و منطلق يسرون فيه .. مضى على جلوسهم ثمان ساعات شد و جذب لا نهاية له ... لن تجد في العالم أكثر من حمزة و زياد أختلافاً و لولا وجود سامر لما توقف النقاش عند حدّ
قال حمزة منفعلاً :
_ المنظمة مكونه من شبكات معقدة يجب أن نضربها واحده تلو الآخرى حتى نتمكن من القضاء عليها نهائياً و لهذا يجب أن نوزع مهامنا و نعمل على أكثر من أتجاه منفصلين
قال زياد وهو يلقي القلم من يده :
_ بالطبع لن أسمح بذلك ... يجب أن يتم كل شئ بوجدي و معرفتي .. لن أسمح بتعريض أي شخص لخطر غير مبرر
وقف حمزة و هو يمرر أصابعهُ في شعرهِ بتوتر :
_ كلاً منا يعلم أن ما قوم به خطر و قد تطير رقاب في سبيل تحقيقه .. لا يمكن أن نختبئ دون أن ننجز أي عمل ..هذا الهدف من العمل دون قيود تعيقنا
قال زياد بهدوء :
_ أعلم ذلك و لكن يجب توخي الحذر ... لهذا سوف نسير بخطوات بطيئة و معاً .... ندعم بعضنا و نضربهم دون أن يشعروا بالجهة التي تقوم بذلك
قال سامر و هو يرفع يده :
_ أنا أتفق مع زياد .... يجب أن يتم الأمر بهذا الشكل ..و الأن دعونا نراجع الأمر بهدوء .. أتفقنا أنا المنظمة تتكون من شبكات لا يجمعها شئ ..حتى أن أعضائها لا يعلمون عن بعضهم .... كل شبكة ترتبط بمدير فرعي و نحن نملك بعض أسماء هؤلاء المدراء ... هدفنا ليس أسقاط شبكاتهم الفرعية ... نريد الوصول الى المدير الأعلى رتبة .. المدراء في الدرجة الثانية يجتمعون لترتيب الأمور بينهم مره كل عام .. على الأرجح هم خمسة أشخاص كل منهم مسؤول عن مجموعة من الشبكات ...
و لكن المشكلة تكمن بأن هؤلاء الخمسة لا يعرفون عن شخصية رئيس المنظمة .. علينا أن نصل لحلقة الوصل بينهم و بينه ... هذه هي النقطةالتي ستحسم الأمر
ساد الصمت و الجميع يقلب الأمر في رأسه يراجع المعلومات و الأهم نقاط الضعف ...قال حمزة بقليل من التردد :
_ ناجي قاسم
قال سامر :
_ صاحب بنك الاستثمار .. عبقري أقتصادي ... تمكن من أنشاء أمبراطوريته من لا شئ ... يمتلك نفوذاً واسعاً ..لا يمكن الوقوف بطريقه أبداً
_ هذا هو ....قبل ثلاث سنوات أعلن عن أستعداده لدفع مبلغ مليون دولار لمن يتمكن من تصميم نظام أمان للبنك و للخزن بشكل لا يمكن أختراقه أبداً ... و قد تردد بين اوساط المبرمجين أنه كان يطلب من كل مبرمج تصميم نظام لواحده من الخزن الضخمة في الطابق الموجود تحت الأرض يقوم بتدمير محتوياته تلقائياً في حال تم أختراقه
قال سامر و هو يستذكر هذا الخبر :
_ لم يكن الأمر رسمياً أو معلناً كانت مجرد إشاعات .. و بالنسبة لنظام الحماية في البنك لم يتمكن أي شخص من تلبية طلبه .. كان يجند الهكر ليحاول أختراق الأنظمة و في كل مرة كانوا ينجحون .... و قد أنتهت القصة
هز حمزة رأسه نافياً :
_ لم يعد يعلن الأمر على الملئ و لكنه يتوجه لكل مبرمج و يطلب خدماته و للأن لم يتمكن أحد من تحقيق مطلبه
قال زياد و هو ينظر الى حمزة :
_ و هل يمكنك أنت القيام بهكذا أمر ؟؟
_ لا .. لأنه عرض علي الأمر و رفضت و ثرتُ بوجهه و انا أحاضره عن خطورة فكرته .. و لكن أعرف من يمكنهما تحقيق الأمر
_ من ؟؟
_ياسمين تستطيع صياغة نظام غير قابل للأختراق هي عبقرية في هذا المجال .. لكن يمكنها أن تصممه و تبقي على ثغرة لا يمكن أكتشافها حتى نتمكن نحن من أختراق الخزنة التي يحاول حمايتها بهذا الشكل المجنون قد نجد غايتنا هناك
ظهر القلق على وجهه زياد الذي أخرج دخانه يحرق عقبه مفكراً ... سأله و هو يتوقع اجابته :
_ و بخصوص جزء التدمير الذاتي لمحتويات الخزنة
تبادل سامر وحمزة النظرات بتردد ليحسم سامر الأمر قائلاً :
_حازم ....
ظهرت علامات التفكير العميق على وجهه زياد الذي أحاط نفسهُ بحلقات الدخان الرمادي ... سأل حمزة و هو يتوقع اجابته :
_ و بخصوص جزء التدمير الذاتي لمحتويات الخزنة ؟؟
تبادل سامر وحمزة النظرات بتردد ليحسم سامر الأمر قائلاً :
_حازم ....
قال ببرود و هو يسحق العقب المشتعل في المنفضة التي أمامه :
_مستحيل ... أخشى أن يقوم بإيذاء ياسمين
قال حمزة بتوتر و عصبية :
_ إنها خطة مثالية سيدي العقيد ... ياسمين الآن زوجتك ... و لن يجرؤ على الإقتراب منها .... هي تعمل في شركة حازم لبعض الوقت ... و شخص بمثل كفائتها سيتم الإعلان عن تواجده في صفوف مبرمجي الشركة بالإسم .... و أنا على ثقة بأن ناجي القاسم سوف يطلب خدمات شركة حازم ما إن يعلم بانضمامها ....و لا بد أنه يتتبع أخبار كِبار المبرمجين ... و كون حازم مهندس تفجيرات سيزيد من فرصة اختيار ناجي لشركتهِ بالذات ... لأن شرط التدمير الذاتي هو الأصعب .... سيكون هذاالأجتماع الفرضة الذهبية لناجي و لن يتوانى عن أقتناصها
قال سامر مفكراً :
_ من الممكن أن يكون ناجي قد طلب خدمات ياسمين بالفعل .. و من ثم كيف لناجي أن يعلم بقدرات حازم في مجال االتفجيرات ؟؟
قال حمزة بنفاذ صبر :
_ لا أظن أنه طلب خدمات ياسمين من قبل ... في البداية عملت في رئاسة الوزراء .... و من ثم انتقلت للعمل مع حازم لفترة قصيرة .... و هي الآن تعمل لدى الانتربول .. عملها لدى جهات رسمية يدفع ناجي للابتعاد عنها.. أما الفترة التي عملت فيها مع حازم فيمكن أن نتحرى عنها بسهولة
قال سامر باقتضاب :
_ و حازم ؟؟
_ حازم رجل مشهور في عالم السياسة و الاقتصاد و صاحب شركة كبرى .... لا بد أن سيرته الذاتية معروفة لدى رجل كناجي
كان زياد يستمع لنقاشهما ... يبدو الوضع مثالياً بسيطاً... لكن خوفه على ياسمين يمنعه من الموافقة .. حازم قام بإيذائها و اختطافها و ضربها ... يجن بقربها .... وجودها في الشركة أمامه قد يفقده اعصابه ..حازم و ياسمين معاً !!! ... لا ... لا يمكن
قال حاسماً النقاش يقف مستعداً للمغادرة معلناً نهاية الاجتماع:
_ سأفكر بالأمر ....سنجتمع هنا بعد ثلاث أيام .. لا تنسيا اجراءات الأمن عند خروجكما ... لا تغادرا معاً
خرج زياد تاركاً حمزة يصارع قلقه ... ليس لديه وقت للتأجيل و التردد في حسم الأمور ..يجب أن تسير الأمور بسرعة أكبر... قال سامر و هو ينظر بقلق لحمزة :
_ تبدو متوتراً للغاية ... ما بالك ؟؟ لديك قدرة عالية على الإقناع بهدوء و منطق و لكن أجدك تقاتله و تريد فرض رأيك عليهِ بالقوة ..هذا ليس بطبعك ... و هو لن يلين بهذا الأسلوب
قال حمزة متجنباً النظر إليه :
_ يبدو لي متخاذلاً
قال سامر و هو يدقق بوجهه :
_ حمزة .... لما طلبت دخول ياسمين المجموعة ؟؟ .. كنت لتجد ألف طريقة لتقنع ناجي القاسم بتوظيفك ..ما الأمر ؟؟ أنا لا أفهم
_ سامر أرجوك ..
_ حمزة أحفظك جيداً ... أنت تخفي أمراً ما عني
أخذ حمزة يدلك رأسهُ بقوة..عسى أن يهدأ ذلك الصداع الذي هزم مسكنات الألم .. يكاد يفتك بهِ و يقوده للجنون... ما الذي يمكن أن يقول لمربيه و ابن عمه ... أنه قد لا يجد الوقت الكافي لإنجاز المهمة .... بأنه يخشى الفشل بسبب ضعف تركيزه و قدرته .. بأنه قد لا يكون فوق الأرض يتنفس هوائها ... يريد أن يصرع الزمن قبل أن يرديه ميتاً ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقامتهِ الطويلة الرياضية مرتدياً البدلة الرسمية الرمادية .. وقف أمام لوحة فنية تتمازج الألوان فيها بشكل غريب ....لايمكن أن تعلم بداية اللوحة من نهايتها ..الفن الحديث !!! لا يفهمه و لا رغبة له بخوض غماره ... كم يكره القيام بتلك الأعمال ... افتتاح المعارض و المصانع بالنيابة عن الوزراء الكسالى ... هذا العمل لا يناسبه أبداً .... نظر الى ساعته وهو يعد الدقائق لانتهاء الحدث
وقفت الى جانبهِ و هي تمسك بمسجلتها السوداء قديمة الطراز و عيناها تلمعان بفضول .. تجاهل وجودها .... آخر ما يريده الآن التحدث الى الصحافة ... و هي بشكل خاص مثيرة المتاعب
_ سيد قصى ... تعجبك اللوحة ؟؟
نظر إليها قصى ساخراً ...قائلا بصوتٍ جاف :
_ لا تعليق
ضحكت بخفوت و هي تقول :
_ أنا لا أجري معك لقاءً صحفياً سيد قصي
تجاهل وجودها تماماً و هو ينتقل للوحة ثانية ..تبعتهُ و عادت للوقوف الى جانبه قالت :
_ أكاد أجزم أن طفلاً بالثانية أمسك ببعض الألوان و نثرها على قطعة قماش ... و هذهِ هي النتيجة
تنهد قصى و قال دون أن ينظر إليها :
_ هل تريدين سؤالي عن شيءٍ محدد أستاذة ماجدة ؟؟
_ و هل ستجيبني ؟؟
قال باقتضاب :
_ لا ....
_ قد أتمكن من اقناعك
نظر إليها باستخفاف و هو يدس يديه بجيب بنطاله ينتظر ما تحمله بجعبتها
اقتربت منه و هي تقول بخبث :
_ الزمن بطيء جداً لمن ينتظر. سريع جداً لمن يخشى
لم يستطع قصي إخفاء دهشته ... هذه كلمة السر التي طُلب منه انتظارها عند لقائهِ بـ x4 ....لكن الشك في نفسه كان أقوى ... هذه ماجدة الخطاب ...الصحفية الشرسة ... كاتبة المقالات اللاذعة و التي تهاجم فيها المنظمة أكس .... لم ينسى تغطيتها لحادثة اخطاف الطائرة الفرنسية ... قوية شرسة ...هذه هي صفاتها .. لم ترحم مسؤولاً و لم تتوانى عن ذكر أسماء كبيرة تحملهم مسؤولية ما حدث على تلك الطائرة ...هي على استعداد بأن تتجاوز الحدود و تحطم أي عائق لتحصل على أخبارها الحصرية التي تمكنها في عالم الاخبار و الصحافة ... ليست نقية السيرة .... هي ذاتها تتعرض لهجوم زملائها بسبب اساليبها القذرة ... و تحررها الزائد ... قال وهو يواجهها بنظراته :
_ ليس للصدق عندي من منفذ
ابتسمت نصف ابتسامة ... هو يطالبها بعبارة تعرفية أخرى .. لم يقتنع بصدقها ... حقاً هو الشبح ...قالت و هي تطلق تنهيدة قصيرة :
_ من خلف النافذة السوداء نطل .... العالم مصيره بيد x
التزم قصي الصمت و هو يسمح لزاوية شفته بالارتفاع قليلاً ... شعار المنظمة الرسمي ... لأول مرة يسمعه منذ أن بُلغ به ... عاد ليكمل تنقلهُ بين اللوحات و هي تتبع خطواته ... ظن جميع المتواجدين أن ماجدة الخطاب تحاول الحصول على أخبار حصرية من السياسي الشاب اللعوب
قال قصي بهمس أقرب لتحريك الشفاه دون صوت و هو يتأملها بدهشة:
_ كنتُ أظنك عِبارة عن مشكلة متحركة للمنظمة ...توقعت أن أسمع خبر مقتلكِ بأبشع صورة
قالت بطريقة تماثل همسه و هي تعلم قدرته على قراءة كلماتها :
_ و أنت أيها السياسي الشاب ليست حقيقتك سهلة التوقع أيضاً
_ و الآن ماذا ؟؟
قالت و هي تقترب منه بدلال يفضح نفسه ...
_ ستأخذني الآن الى غرفة في فندق النجوم القريب من هنا...
وضعت يدها على صدرهِ بإغواء واضح و هي تلتصق بجسده ..
_ الكل يعلم بأنك زير نساء .. رغم أن مغامراتك قد قلت في الفترة الأخيرة لسبب مجهول أو ....
قاطعت كلماتها و هي تلمس خاتم خطوبته ....
_ أو أنك ستكون مخلصاً لزوجتك المستقبلية
ابتعد عنها و هو يمسك معصمها ..قال ببرود :
_ لنذهب الى الفندق ..أنت أعلم بأن هذا المكان لا يناسب طبيعة حديثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغضب يشتعل بصدرهِ أكثر و أكثر ... مع كل دقيقة تنقضي ترتفع درجة غليان الدم في شراينه .... كيف تجرئ على البقاء خارج المنزل حتى هذا الوقت المتأخر دون أن تخبره ؟؟ .... ترك لها مطلق الحرية... تدير حياتها كما تشاء ... لكن يبدو أنها لا تحترم اسمه الذي ارتبطت بهِ ... و هاتفها مغلق منذ ساعات .... أين ذهبت ؟؟ عاد ينظر الى ساعتهِ و هو يخرج أنفاساً هادرة ... ما إن سمع صوت القفل يدار في الباب حتى وقف يواجهها ... تجمدت عيناها عليهِ للحظة ... علمت بأنه يغلي من الداخل رغم البرود الذي يظهره ... تقدمت و هي تتجنب النظر إليه بشكل مباشر تتنكر بقناع القوة :
_ أنت هنا .... لم نرك منذ زمن سيدي العقيد
بادرته بهجومها المبطن ... لكنه لم يلتفت لكلماتها و هو يقول متمسكاً بآخر ذرات صبره :
_ لقد تجاوزت الساعة الثانية عشر من منتصف الليل .... أين كنت ياسمين؟؟
قالت و هي تجلس مستمرة بلعبة تجنب النظر إليه :
_ كنت أنجز بعض الأعمال
شد زياد على كفهِ يخمد بعض شرارات غضبهِ ..
_اعمال ؟؟ بهكذا وقت
التزمت الصمت وهي تخلع حذائها عن قدميها المتورمتين بشدة و هي تهمس بـ آه خافت .. .. و قد امتلأت جوربها الشفاف ببقع الدم الصغيرة و المنشرة على قدميها ... تنبه زياد لشحوبها الشديد و تلك الحلقات السوداء حول عينيها .. تبدو كزهرة ذابلة.... خمد غضبه دفعه واحده و قد أدرك بأن هناك خطب ما .. .
اقترب زياد منها .... جلس بجانبها تماماً ...قال بصوتٍ هاديء اخترق برود قلبها:
_ انظري إلي ياسمين..لا يعقل أنك لا تطيقين رؤية وجهي
رفعت رأسها ببطء لتلتقي بعينيه ليعاود أسرها بفلكه ... حدقت به ليذوب برودها سريعاً أمامه ... تسارعت أنفاسها و أخذ قلبها يدق بتلك النغمة الملعونة التي تتمنى كسرها.... قال زياد بحنان جعل دفاعاتها تنهار :
_ ما الأمر ياسمين .. توقفي عن اقصائي بهذا الشكل عن حياتك ... أخبريني أرجوكِ ما العمل الذي كنت تقومين به وحيدة حتى هذا الوقت المتأخر
ارتجفت حدقتا عينيها بقوة .... قالت بصوت خافت و هي تشيح بنظرهاعنه خوفاً من أن تضعف أكثر :
_ كنت أبحث عن منزل
قال زياد متسائلاً :
_ منزل ؟؟ لسعاد ؟؟
هزت رأسها نافية و هي تقف قائلة بحزم خجول :
_ منزلي أنا و يزن لقد حصلت على قرض سكني من البنك و يجب أن أعثر على مسكن مناسب في وقت قريب حتى أتمم الإجراءات
أمسك معصمها بقوة مجبراً أياها على الجلوس بجانبه لتصطدم بعينيه المشتعلة :
_ و ما حاجتك للمنزل ؟؟
حاولت التمسك بآخر خيوط قوتها و هي تقول :
_ أخبرتك ....أريد أن أبني حياتي مع يزن ...أريد أن أعتمد على نفسي دون خوف أو ضعف أو حاجة لأي شخص
حرقها نفسه الساخن الذي أطلقه من صدرهِ ... وقف مبتعداً عنها و هو يمرر يده بين خصلات شعرهِ ... واضعاً يده الاخرى على خصرهِ
نظرت إلى ظهره ..كم تمنت لو أن للأفكار سهام تخترقه ليستشعر ألمها :
_ أريد أن أبتعد عنك .... لم أعد أحتمل وجودك في حياتي ..قريب و بعيد.... الألم يكسر قلبي.. لم تعد روحي بقادرة على تحمل جروح جديدة ... لقد اكتفيت .... في كل مرة أراك أمامي تلقي علي بتعويذة عشقٍ تتملكني فيها ..لتنبذني بعدها في ظلمات تطعنني حتى الموت .... لتعود و تعيد علي تعويذتك و يعود الألم .... أخرجني من حياتك ... لا مكان لي ... لا مكان
لم تدرك أنها تذرف دموعها بسخاء و هي تصارع أفكارها الجارحة ... لم تشعر بزياد يتقدم ناحيتها .... تفاجأت به يمسكها من معصمها... يشدها واقفة ... أخذها لصدرهِ ...ضمها بقوة ..شعرت بقلبه يخفق هادراً أسفل خدها المبلل بالدموع.... أرادت أن تبتعد ... من مصلحتها أن تبتعد حتى لا تحترق بنار حبهِ أكثر ......لكنها اختارت النار .... لتغرق أكثر و أكثر دون أمل بالعثور على مرساة أو قارب نجاة ... قال زياد بصوته الأجش القوي ليزيد من عذابها :
_ لم أتصور أن أكون في يوم سبباً بانسكاب دموعكِ الغالية... أرجوكِ ...لما لا نعود كما كنا بالسابق ....أصدقاء ...نرتاح للحديث معاً ... أريدكِ أن تعتمدي علي ... أن تثقي بي من جديد .. كيف أصبحت عدوك ؟؟ .... لما هذا الجفاء ؟؟ .... سأقف الى جانبك لآخر العمر .. كوني متأكدة ... أن أردتِ سأكتب المنزل باسمكِ حتى ترتاحي
عند كلماتهِ الأخيرة سحبت جسدها مبتعدة عنه تمسح دموعها ... هو لا يفهم ... طعنة جديدة يوجهها لقلبها و هو يظن نفسه يحميها ...قالت بحسم :
_ أريد أن أعتمد على نفسي زياد ... لا تقف بطريقي إذا سمحت ... لن أسمح لك بتسير حياتي .... سوف ينتهي زواجنا قريباً زياد
اقترب منها زياد مسرعاً ... أحاط خصرها بقوة و هو يقول بغضب :
_ لقد حذرتك قبلاً ...لا تذكري الطلاق أمامي
ردت عليه بقوة محدقة بعينيه تبحث عن إجابة :.
_ لماذا زياد .... لماذا ؟؟
صمت زياد امام سؤالها .... هو نفسه لا يملك الإجابة.... ابتعد عنها .... وهو يبحث عن الحقيقة في داخله ... ارتفع صوت هاتفهِ بنغمة خاصة يعرف صاحبتها ... خرج الى الشرفة دون أن يلتفت لياسمين يهرب منها .... لكنها كانت في عالم آخرى .. تحدق بذلك الكائن المتربص بها في الركن البعيد .... لقد ظهر من جديد ... يشبه الذئب بأنياب حادة ملطخة بالدماء .... ينتصب واقفاً يحدق بها ... كم ترعبها تلك العيون الحمراء اللامعة ... رفع مخالبهُ الملوثة بدماء سوداء ناحيت صدرها المتسارع بأنفاسه و ضربات قلبه .. يقترب ببطءٍ مصدراً زمجرة مرعبة تجمد الدماء في شراينها...إنها المرة الأولى التي يبدو فيها بهذا الوضوح .... في السابق كان يبدو كخيال يختفى من أمامها سريعاً ... وقفت مكانها تتمنى اضمحلالهُ فقط غير قادرة على الحركة أو الصراخ فقط عيناها تتوسعان بشكلٍ مخيف فاقدة القدرة على إغلاقهما للحظة واحدة .... اقترب أكثر و أكثر ...انهارت قدماها أرضاً و حبات العرق الباردة تغزو جسدها المرتعش ....
أرادت أن تنادي زياد ... لكن الشلل وصل للسانها .... أصبح يقف أمامها تماماً بطولهِ الذي تجاوز الأمتار الأربعة ... رفعت بصرها للأعلى .. ليصبح التنفس مهمة مستحيلة ... اختنقت ... غابت عن الوعي و مخلب ذلك الكائن يخترق صدرها مباشرة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما إن لمست أقدامهما أرض غرفة الفندق حتى انطلقا للقيام بمسح شامل يتأكدان من أن الغرفة خالية من أجهزة التنصت أو التسجيل أو كاميرات المراقبة ... بعين خبيرة تم التأكد من نظافة الغرفة تماماً ....
القت ماجدة بنفسها على السرير غير عابئة بما انكشف من ساقيها أسفل التنورة الضيقة .... خلع قصي سترته .. القى بها على المقعد وضع يده بجيبه و هو ينظر إليها باستخفاف .. أما هي فلم تتوقف عن التهامهِ بنظراتها ..
_ و الآن أستاذة ماجدة... انتِ مديرة في المنظمة .؟؟
قالت و هي تضع قدماً على قدم :
_ في الصف الثالث فقط عزيزي ... أنا مسؤولة عن الشبكة التي تضمك أنت .... كم انا محظوظة بك ايها الشبح العظيم
قال ساخراً و هو يجلس على المقعد المقابل لها يرخي ربطة عنقه:
_لا أظن أنكِ خاطرتي بالكشف عن نفسكِ لتخبريني بذلك
استوت بجلستها لتتحول نظراتها للجد و هي تشير بسبابتها للأعلى :
_ أوامر من الأعلى عزيزي ... لو رجع الأمر لي ... لما أظهرت نفسي لك أبداً .. .. أوامر غير قابل للجدال ...
_ ما الأمر ...أخبريني ؟
وقفت متجهة للبار الفخم .. اختارت أحد زجاجات الكونياك الفاخرة و المصطفة بعناية ....
_ أتشرب ؟؟
هز رأسه رافضاً و هو يكاد يصرخ بها لتتكلم ...لا يشعر بالأرتياح لتواجده معها في مكان كهذا .. قالت و هي تعد لنفسها كأساً :
_ في البداية علي أن أنبهك لأكثر من أمر يزعج المدراء الخمسة و يثير قلقهم ....
قال قصى ساخراً :
_ حقاً ... و ما الذي يزعج فخامتهم ؟
نظرت إليهِ ماجدة محذرة :
_ لا تسخر من الأمر ... قتلك لحاتم و انتحار حيدر و حربك مع زياد .... كلها أمور كفيلة باصدار قرار لتصفيتك دون رحمة و لكنهم يحتاجونك .. و لكن هذه الحاجة قد تصبح ضئيلة امام خطورة أفعالك .... قد تكشف نفسك بتهورك و غرورك .... اهدأ حتى لا تقضي على نفسك...
وقف قصى أمام النافذة الزجاجية العملاقة يراقب أنوار المدينة المتراقصة بصخب لا يهدأ ...تابعت ماجدة كلامها و هي تتجرع كأسها بسرعة :
_ و الآن خطوبة من زوجة الرجل الذي قتلته !!!! هل أنت جاد ؟؟
قال بصوتٍ حازم و غاضب بث الرعب في نفسها :
_ أمر خطوبتي و زواجي لا يعني أحداً .. و ليفهموا ذلك جيداً .. لا دخل لهم بسلام ..
تجمدت حواسها للحظات .. لكنها عادت و تمالكت نفسها أمام غضبه ...
_ كما تشاء يا قصي ... كن حذراً عزيزي .. و الآن للنتقل للأمر المهم و الذي بسسبه تم توريطي بهذا اللقاء
التفت إليها و قد ظهرت ملامحه هادئة غير مبالية .. كما لو أن الشخص الذي ثار غاضباً غادر الغرفة .... تابعت و هي تذكر نفسها بأنها مديرته و هو من يعمل تحت أمرها :
_ في البداية يتوجب عليك تصفية أحد أعضاء المنظمة
عقد ساعديه و هو يستمع بكل حواسه يتشرب المعلومات
_ الدكتور مؤيد ...يعمل في مشفى الرحمة كطبيب جراح باطني .. يعمل بشبكة الاتجار بالاعضاء التابعة للمنظمة ..
قال قصى مستفسراً :
_ المنظمة أكس تتجر بالأعضاء البشرية ؟؟
قالت ماجدة و هي تسكب لنفسها كأساً ثانياً :
_ المنظمة تعمل بكل مجال يدر عليها الربح
_ و هذا الطبيب .... هل كان يقوم باستئصال الأعضاء من أجساد الضحايا ...؟؟
ضحكت ساخرة و هي تقول :
_ ضحايا ؟؟ تبدو لي رقيقاً في الفترة الأخيرة .... تماماً .. هو يعمل معنا منذ فترة طويلة .... كان علينا أن نلجأ لطبيب حتى نتأكد من ان تحافظ الأعضاء على سلامتها حتى تصل لأصحابها و نستحق المبالغ التي نقبضها منهم ....لكن في الفترة الأخيرة هناك من يلاحقه ويتحرى عنه بقوة ...لذلك يجب أن يختفي تماماً قبل أن يتوصلوا لشئ
قال ببساطة دون أي مشاعر :
_ أريد كافة المعلومات عنه و سوف تسمعون خبر مقتلهِ قريباً
_ سوف تسلمك كرستينا كافة المعلومات التي تحتاجها
نظر قصي بتدقيق شديد لماجدة التي تستمر بسكب الكؤوس و الشرب بشراهة
_ ألا تخشين أن تفضي بمعلومات أو اسرار خطيرة تحت تأثير الشراب ؟؟
ضحكة بصفاقة شديدة أثارت اشمئزاز قصي و هو المعتاد على التعامل مع كل اصناف النساء ...قالت و هي تقترب منه مترنحة :
_ حبيبي ..أنت أخطر أسراري ... لن تكون المعلومات الأخرى مهمة أمام كونك الشبح
قطب قصي جبينه و قد أدرك أن حياته و أخطر أسراره بين يدي سكيرة .....كيف تخطأ المنظمة بأمر كهذا ... يجب أن يسوي المسألة بأسرع وقت ....
قال ليسحب نفسهُ من أفكارهِ :
_ لا أظن أنكِ كشفت أمرك أمامي من أجل مهمة عادية ؟؟
قالت و هي تبتسم باعجاب واضح ملقية بنفسها على السرير :
_ أنت ذكي للغاية يا قصي .. معك حق .... المهمة الثانية هي السبب و في حال قمت بتنفيذها سوف تصبح أحد المدراء الخمسة ..
تجمدت حواس قصي عند هذه الكلمات الخطيرة و التي قد تغير الكثير و الكثير ..قال ببطء متعمد :
_ المدراء الخمسة ؟؟ ..... هم خمسة فعلاً ..
_ قصي ... لقد تمت تصفية أحدهم و هم بحاجة لبديل قوي لا يسبب المشاكل
أخذ قصى يقلب الأمر داخل خلايا دماغه ... هو يعرف شخصياتهم واحداً واحداً و و يتتبع أخبارهم .... لم يسمع عن نبأ مقتل أو موت أحدهم ..... هل تقوم المنظمة بلعبة ما ضده ؟؟ هل يشكون بأمر معرفتهِ بشخصيات المدراء الخمسة ؟؟ هل يعلمون بأمر التسجيل لاجتماعهم السنوي الأخير؟؟
عاد ليستمع لماجدة التي بدأت تنتشي أكثر و أكثر :
_ قصي لو نجحت بتنفيذ المهمة سوف تصبح بين الكِبار .. لك أن تتخيل وضعك و القدرة التي ستملكها .. و الأموال التي سوف تصبح من نصيبك أنت وحدك ... وعندها لن تعود للقيام بالمهمات القذرة و يمكنك الزواج و انت مرتاح البال .. لا خطر يتربص بك بسبب أعمالك
قال قصي ببرود متسائلاً :
_ يتوقعون رفضي القيام بالمهمة .. لهذا تقومين بتقديم هذا العرض المغري ؟؟
عادت لتضحك بمياعة جعلت قصي يزفر قرفاً منها :
_ قصي هذه المهمة ليست من النوع الذي يمكنك قبوله أو رفضه
قال بصوت يماثل حفيف الأفعى :
_ هل أعتبر هذا تهديداً منهم ؟؟
وقفت ماجدة و هي تقول بهمس خبيث :
_ قصي ...لا تفسر الأمر بهذه الطريقة و لكنك .. تعرفهم
رفع حاجبهُ و هو يقول :
_ المهمة أستاذة ماجدة
قالت و هي تأخذ نفساً طويلاً ترتب أفكارها التي تبعثرت من السم الذي سرى في دمها :
_ لوكاس آل هسن
ضرب قلبه بعنف داخل صدره .... قال بهدوء ينافي الحقيقة :
_ مبعوث سلام الاتحاد الأوربي للشرق الأوسط ؟؟
قالت ماجدة و هي تهز رأسها :
_ هو بالضبط ... يريدون أن تقوم بإغتيالهِ في اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة القادم بعد أربع شهور و بالتحديد بعد الجلسة الثالثة المقررة في ذلك اليوم
قال قصي و الحيرة تسيطر عليهِ و لأول مرة في حياته...
_ الجلسة التي سوف يتقدم فيها بخطته التي تهدف لإحلال السلام بين الفلسطينين والاسرائيلين و يحي فيها فكرة تدويل القدس
_ هذه هيا أيها السياسي المخضرم .. بالإضافة لتفجير صغير داخل المبنى أثناء انعقاد الاجتماع ..
صمت قصي ...حالياً الفراغ يسكن ذهنه ... لا أفكار و لا مشاعر .. تابعت ماجدة:
_ هذه المهمة ليست لشخص واحد ....لك مطلق الحرية بتوظيف من تريد .. و لكن وبعد انتهاء المهمة عليك أن تتخلص منهم تماماً ... ستكون الموارد المالية مفتوحة أمامك ..لا حدود
استمر قصي بصمته المطبق و ماجدة تستمر بطرح المعلومات :
_ كما يمكنك الاستعانة بكرستينا ... هي مدربة على أعلى درجة .. محترفة و متميزة للغاية ... كان المفترض أن تعمل مستقلة و لكن سوف يفيدها العمل معك لبعض الوقت ... و هناك أمر آخر عليك التنبه له ..
نظر قصى إليها متسائلاً معتصماً بصمته
_ لا تترك بطاقة الشبح ....لا نريد أن يرتبط اسمك أو اسم المنظمة بالأمر
عندها قال من بين أسنانه :
_ تريدون الصاق الاغتيال و التفجير بجهة أخرى ؟؟
رفعت يديها بحركة الاستسلام و هي تقول :
_ إلى هنا تنتهي حدود معلوماتي ... و كما قلت لك هذه المهمة إما أن ترفعك أو تقضي عليك .. انتهى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينيها ببطء و حبات العرق تتسلل على جبينها ... جسدها المنهك يرتجف ... قلبها يكاد ينفجر ... الضباب أحاط بها .... هزت رأسها بضعف حتى تزيح تلك الغشاوة عن عينيها .. صورة ذلك الكائن المخيف عادت تهاجم ذاكرتها نهضت سريعاً تنظر حولها برعب.... أسرع زياد يجلس جانبها قائلاً :
_ ياسمين أهدأي أنتِ بخير الآن ..
نظرت لزياد و هي تنكمش على نفسها أكثر و رجل غريب يقترب منها .. تسألت في نفسها أن كان موجداً فعلاً أمامها ... قال:
_ سيدة ياسمين .. أنا الدكتور رأفت ...جئت هنا بناءاً على اتصال زوجك ... لقد عثر عليكِ بحالة غريبة .. كنت على الأرض ترتجفين و اسنانك تصطك بشدة ... شاحبة للغاية .. ضغط دمك مرتفع .. و قلبك يدق بسرعة مخيفة .... كل هذه علامات تدل على أنكِ تعرضت لصدمة عصبية ... هل تلقيت خبراً ما أو رأيت شيئاً أثار الخوف في نفسك ؟؟
نظرت إليهما بتوجس ... يبدو أنها الوحيدة التي ترى ذلك الوحش ...لكن لماذا؟ ..هل تفقد عقلها ....؟؟ قالت بصوت خافت متقطع :
_ أنا بخير ... ربما بسبب قلة النوم و الطعام حدث ماحدث
تبادل الطبيب النظرات مع زياد بتوتر :
_سيدتي .. يجب أن نقوم بنقلك الى المشفى لإجراء بعض الفحوصات حتى نطمئن فقط
نظرت إلى ساعتها لتقف بتوتر قائلة :
_ لا لا ... بعد بضع ساعات سيحين موعد الذهاب الى العمل
أمسك زياد كتفيها برقة قائلاً بهدوء :
_ عزيزتي ..سوف أتصل بالشعبة و أعتذر عن ذهابك اليوم عليكِ أن ترتاحي الآن
هزت رأسها رافضة و هي تقول بعصبية :
_ لقد استقلت منذ ثلاث أسابيع .... لقد بدأت عملي الجديد منذ أيام ..لا يمكن أن أتغيب عنهم منذ البداية
كتم زياد غضبهُ من نفسهِ و منها ..كيف تستقيل من عملها و تبدأ بعمل جديد دون علمه .... .... تبحث عن منزل ... و فكرت الطلاق أصبحت لديها واقعاً .. لقد أهملها حقاً ... نسي واجباته ناحيتها .. عادت دلال وظن أن حياته القديمة قد عادت معها ..نسي ارتباطهُ بأخرى تحتاجهُ ... لقد تصرف بأنانية مطلقة
طلب من الطبيب أن ينتظر خارجاً و ما أن أصبحا منفردين ساعدها على الجلوس ليضم جسدها المرتجف لصدره و هو يقول :
_ ياسمين ما الذي يحدث معكِ ... أخبريني أرجوكِ ...
انتزعت نفسها من بين ذراعيه بقوة لتبتعد قليلاً و هي تقول :
_ أنا بخير ... بخير .... أرجوك أن ترحل الآن
أمسك زياد كفها مانعاً إباها من الهروب قائلاً :
_ أخبريني عن سبب استقالتك أولاً
قالت باستسلام غير قادرة على المقاومة :
_ لقد أصبح العقيد جمال وغداً للغاية .. يضغط علي و يطلب مني البقاء في العمل لوقت متأخر ..أصبحت أستمر بالعمل لأيام متواصلة دون أنقطاع.... بالإضافة لتلميحاتهِ التي تثير أعصابي
_ أي تلمحيات ؟؟
_ انسى الأمر زياد أرجوك
قال و الغضب يلمع بعينيه :
_ يتهمني بالخيانة ؟؟
هزت رأسها موافقة بضعف .. و هي تقول:
- في المرة الأخيرة وقفت بوجهه و صرخت بهِ كان على وشك تحويلي للتحقيق .... لا أعلم ما الذي منعه
وقف زياد و هو يقول غاضباً :
_ كان عليكِ إبلاغي بكل هذا ... يجب أن بفهم حدوده ذلك المتعجرف
قالت ببرود :
_ لم أرد أن أزعجك
كم تمنى لحظتها أن يصفعها لتفيق و تعود لطبيعتها لكنه تمالك نفسه و هو يقول :
_ و العمل الجديد ؟؟
_ قبلت بأول وظيفة توافرت لي حتى أتمم إجراءات البنك ... هي شركة صغيرة للبرمجيات
_ هل جننتِ ؟؟ ..شخص بقدراتك يجب أن لا يقبل العمل مع أيٍ كان
التزمت الصمت ...لقد أتعبها الحديث و النقاش معه .... نظر إليها زياد بحزن ممزوج بالغضب :
_ و ما سبب الحالة التي أصابتك ...لما هذا الخوف و الرعب ؟؟
توسعت حدقتا عينيها بشدة وهي تتجنب النظر لزياد الذي رصد توترها :
_ لا شيء ...قلت لك لا شيء ...
شد زياد على كفه و هو يخرج انفاسه الغاضبة من صدره ....
_ يجب أن تذهبي إلى المشفى
_لا
_ ياسمين!!!
_ لن أذهب زياد ...لن أذهب .... يجب أن أذهب لعملي الجديد
قال و هو يقبض على ذراعها قائلاً بحزم و شدة :
_ لن تذهبي لذلك العمل اليوم أو غداً ...عودي الى فراشكِ و ارتاحي ..
ترك يدها و خرج ينادي الطبيب الذي بادر القول وهو يدخل للغرفة :
_ إن كنت سيدتي ترفضين الذهاب الى المشفى ..اسمحي لي بسحب عينة من دمك لنفحصها و نتأكد من وضعك
جلست على حافة الفراش مستسلمة تدعو أن لا يعود ذلك الكائن للظهور جلس الطبيب أمامها و هو يخرج الحقنة و الانابيب المخبرية من حقيبتهِ الطبية لأخذ عينات الدم ..تركته يتصرف بالطريقة التي يريدها و هي تنظر بعيداً تخشى منظر الدم .... تدفقت الدم في الأنبوبة ...لونه الازرق و المائل للسواد أثار القلق و الخوف و الحيرة في نفس الطبيب الذي اسرع بإخراج الابرة و إخفاء العينة عن عيني ياسمين
تنبه زياد للون الدم الغريب و رد فعل الطبيب الذي أخافه حتى النخاع.... وقف الطبيب وهو يقول حقنتك بنوع من المهدأ لترتاحي سوف تنامين لفترة طويلة ...يجب أن تسترخي ....
كانت ياسمين بالفعل قد استسلمت للنوم .... شد زياد الغطاء على جسدها ..أزاح خصلات الشعر عن عينيها و لحق بالطبيب الذي بادره بالقول :
_ عليك أن تقنعها بدخول المشفى ..كنت أظن أن ما حدث معها عائد لسبب نفسي .. و لكن بعد أن رأيت لون الدم ...يبدو الأمر أخطر بكثير .. سوف أخذ هذه العينات لفحصها سريعاً
_ شكراً لك دكتور رأفت .... سوف أحاول اقناعها
من خلفه سمع المربية تناديه بصوت خافت و مضطرب قالت بعربية متكسرة :
_ سيدي .. يجب أن أخبرك و الطبيب بشيء
قال زياد و هو يدقق النظر بملامحها المتوترة :
_ تكلمي
_ السيدة ياسمين منذ فترة تتصرف بغرابة
_ كيف ؟؟
_ في البداية كانت تسألني إن كنت أرى شيئاً في زوايا المنزل.. و كانت تبدو خائفة ....وبعد فترة توقفت عن السؤال ...لكن كنت أراها تحدق بالفراغ و هي خائفة تضم يزن لصدرها كما لو كانت تحميهِ من شيء ما
قال الطبيب مفكراً :
_ يبدو أنها تعاني من الهلوسات و الاوهام ... ولكن السبب ليس نفسياً .. هناك شيءٌ آخر ... هل تعرضت لنوع من المواد أو الأدوية في الفترة الماضية أو هل تتعامل مع مواد كميائية بحكم عملها
هز زياد رأسه نافياً و هو ينظر للمربية التي أكدت عدم حدوث أي من الأحتمالات التي ذكرها الطبيب ... كلمات الشبح ضربت أدراكه بعنف زلزله كيانة ... " تبدو سليمة و لكن عليك توقع كل شيء " :
_ دكتور رأفت ... لقد اختطفت منذ شهر تقريباً على يد شخص حقير تصرفاته بعيدة عن الأنسانية .... قد يكون أدخل مادة ما على جسدها ... شيء ما يسبب كل هذه الأعراض
_ هل ظهر على جسدها علامة ما ؟؟
لم يستطع زياد الاجابة و لكن المربية أنقذته و هي تقول :
_ على كتفها ظهرت بقعة زرقاء كبيرة و لكنها اختفت الآن
قال زياد مردفاً :
_ بعد الحادثة قام الفريق الطبي بفحصها و لكن لم يظهر لهم شيء
قال الطبيب و هو يحمل حقيبته :
_ قد تكون مادة راكدة ... تعمل بعد فترة زمنية معينة ... الفحص المخبري سيحسم الأمور .. سأتصل بك فور ظهور النتائج الى اللقاء
خرج الطبيب .. ترك زياد متخبطاً .... يبدو أن الأمر لم يكن مجرد لعب بالأعصاب ... لقد ألحق بتلك المسكينة ضرراً .... وهو غافل عنها و عن تدهور حياتها .... أخوه يسير بطريق انتقامه .... يدمر كل من حوله دون رحمة ....فتح باب غرفتها قليلاً يراقب نومها المضطرب ... ما الذي فعلته بكِ أيتها الأميرة .. زدت من عذاباتك و ألمك ...أصبحت أسوء من حازم ...أفق يا زياد ... أفق و توقف عن ارتكاب الأخطاء ... لا تظلمها و تخذلها .. هي وثقت بك و الأسوء ...أحبتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس قصي على مائدة الإفطار بعد أن قبل جبين والدته ... حمل الصحيفة يقلب أوراقها بخمول .... كانت تنظر إليه بتردد رصده سريعاً و هو يقول :
_ أمي .. تكلمي ....ما الأمر ؟
_ قصي ...هل اتفقت أنت و سلام على موعد الزفاف ؟؟
_ لا أمي ....لم نفعل بعد و لكنه ليس ببعيد
_ بني أنا .... هل
وضع الصحيفة من يده و هو يقول :
_ ما الأمر حبيبتي ... ؟؟ تكلمي
قالت و هي تأخذ نفساً عميقاً :
_ لماذا اخترت هذه الفتاة ؟؟
قال ببساطة :
_ أحبها ....فقط
_ و من بين كل الفتيات اللواتي التقيتهن... أحببت فتاة معطوبة
قال بغضب لم تتعوده منه :
_ أمي .... لا تتحدثي عنها بهذه الطريقة
أمسك الصحيفة ... أخذت تقلب صفحاتها بسرعة حتى توقفت عند مقال أشارت إليه قائلة :
_ هذا ليس كلامي ..... كلام الصحافة الذي سوف تقرأه البلاد كلها
أمسك الصحيفة يطالع مقال ماجدة الخطاب :
" السياسي الشاب قصي الـ.. و الذي يتوقع له الصعود في عالم السياسة .... يعلن خطوبته على زوجة الضحية الأخيرة للشبح حاتم ....امرأة تعرضت للكثير و لكن من المتوقع أن يقتل هذا الزواج حياته السياسية كونها معاقة اجتماعياً و معطوبة عاطفياً ..... و هذه صور تم تسريبها من محاضر الشرطة تظهر مدى سوء الوضع الذي عاشته .... "
القى الصحيفة من يده بقوة و هو يقف غاضباً مرتجفاً يذرع الغرفة ذهاباً و اياباً .. لقد تجاوزت الحد هذه الماجدة ... ما هدفها من هكذا مقال تريد ابعاده عن هذا الزواج .... هذا ما تريده المنظمة ؟؟
رن هاتفه... معتصم يتصل به مؤكداً مخاوفه ..لا بد أن سلام قرأت المقال .. ما حالها الآن .. لا بد انها انهارت من جديد ....
_ أهلا معتصم ... أجل لقد قرأته الآن ... لا ..لا تقلق .. سوف أحضر حالاً ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت تشعر بثقل رأسها ... لم تفلح بفتح عينيها ... تحاول رفع نفسها عن الفراش لكنها تشعر بيد صارمة تجبرها على الاستلقاء ... و بعد عناء فتحت عينيها لتجد ذلك الكائن جاثماً على صدرها يحدق بها ....عينان من نار .... لا يتعدى طوله النصف متر ..مغطى بجلد أسود دبق ... اسنانه مسننة ....يسيل لعابه عليها ... حاولت النهوض لكن الشلل قيدها ..حاولت الصراخ .... شعرت بتيبس لسانها ... بدأ ذلك الكائن بلمس وجهها ...و المادة الدبقة تغطيها .... أغمضت عينها بقوة عاودت محاولة الصراخ ..تحرر لسانها ليتردد صدى صوتها :
_ ساعدوني ... ابعدوه عني ....زياااااااااااااد
شعرت بيدين تطبقان على كتفيها بقوة ...صرخت و هي تقاوم ....ابتعد ..ابتعد .... اتركني .... جاء صوت زياد قوياً صارماً :
_ ياسمين ...هذا أنا زياد ..افتحي عينيك .. انظري إلي
استكانت مقاومتتها ... فتحت عينيها ... وجدته جالساً بجانبها ... أنفاسها متسارعة كقلبها ... جسدها يرتجف بشدة .... ألقت بنفسها على صدرهِ تبحث عن الأمان و هي تبكي بشدة .. تمسكت به كطفلة تخاف من خيلاتها ... ضمها بقوة لصدره و هو يمسح على رأسها بنعومة :
_ لا داعي للخوف .. أنا هنا بجانبك .... لن أتركك أبداً ...
تمسكت به أكثر و أكثر و هي تحاول إبعاد تلك الصور عن مخيلتها ...قال بصوت متقتطع:
_ ما الذي يحدث معي ...لما تهاجمني تلك الأحلام الغريبة ....؟
قبلها على جبينها و هو يقول :
_ سوف تكون الأمور بخير ....لا تقلقي عزيزتي
قالت و هي تخرج من صدرها نفساً مثقلاً بالهموم و الألم :
_ سأكون بخير .... ستبقى معي ...ستبقى معي
مر الوقت طويلاً و هما على هذا الوضع ..صامتين ... غارقه هي بدفئه .... و هو يغرق فيها أكثر و أكثر .... سمعت ياسمين صوت يزن يناديها من الخارج أسرعت بالوقوف ... اختل توازنها ..لكن يد زياد كانت خير سند ..ساعدها على الخروج .... كان يزن يصارع المربية ليدخل الى غرفتها ... طلبت منها ياسمين أن تتركه ... أسرع إليها يحتضنها ....حاولت حمله ولكنها لم تستطع ... جسدها خذلها تماماً ... حمله زياد سريعاً و وضعه بين أحضانها بعد جلوسها ... أخذ يراقب عبثه الطفولي .. و لكن ياسمين لم تستطع التجاوب معه كما اعتادت .. لقد بدت ضعيفة للغاية .... ناداه زياد .. جلس يزن بجانبه كرجل صغير و أخذ يتحدث إليه بطفولية أصبح يدمنها ... لذلك الصبى روح مميزة تأسر القلب ... نظر لياسمين ....وجدها قد غفت مكانها ترتعش قليلاً ..طلب من المربية أن تصطحب يزن لغرفته حتى لا تستيقظ ياسمين ... أحضر غطاءً صغيراً وضعه عليها و هو يساعدها على الاستلقاء مكانها ... جلس امامها يراقبها كالصقر يريد أن يبعد كوابيسها و يحرسها من أشباحها
مر الوقت طويلاً و هو يجالسها .. يرافقها بين الصحوة و الغفلة ... لم يعلم بأن هناك أخرى بدأت تحرق بنار الغيرة ... تحارب أنانيتها بتملكه ..منذ ان عادت للمنزل لم يغب عنها كل هذا الوقت ... كانت هي عروسه الجديدة ... تمسك هاتفها ...تموت شوقاً للإتصال به ... قد تبدو يائسة ..لكنهُ لها و تلك مجرد دخيلة .. تفكر و تفكر ...كيف تجعل طلب حضوره إليها ضرورياً ...لن تحتمل وجوده في ذلك المنزل أكثر .. أفكار تتقاذفها ... لم تعد تحتمل .. صورت زياد تهاجمها و هو يلمس أخرى بشغف و عشق ....يرسم على أنثى ثانية فنون حب يتقنها .... تذوب بين يديهِ .... تنادى اسمه بهمس على صدره العاري....
ما الأمر يا دلال ... أنت التي اشعلت النار ... ما الذي توقعته أن يتزوجها و يهجرها ..... هي زوجته ..... لكن لا ...لا قد أمضى وقتاً طويلاً عندها هذه المرة ..... سوف أجن ...
خرجت لشرفة المنزل أغلقته بالمفتاح .... بدأت بمحاولة فتح الباب عنوة .... دفعت الباب بكتفها بطريقة ألمتها للغاية حتى أنها جرحت من شضية خشبية ناتئه .... انطلق صوت الإنذار .... أسرعت بالدخول لغرفتها تجلس على سريرها و هي تشعر بالصدمة من نفسها .... يبدو أنها ستجيد لعبة كيد النساء .. تحرك رجال الأمن حول المنزل يبحثون عن الدخيل
وصلت رسالة نصية لهاتف زياد تفيد بانطلاق أجهزة الإنذار في منزله ... اتصل سريعاً برجال الأمن و هو يأمرهم بتطويق المنزل من كل جهة و أن يبقى أحدهم مع دلال داخل المنزل ..استيقظت ياسمين على صوته و هي ترى قلقه .... ينظر إليها ...... فهمت أنه يصارع نفسه .... يريد الذهاب و لكنه يخشى تركها
_ زياد اذهب قد يكون الأمر خطيراً
جلس زياد الى جانبها و هو يمسك كفها :
_ لن أتركك الآن ... أخشى أن يصيبك مكروه
ابتسمت ياسمين بخفوت و هي تسحب يدها من بين كفيه :
_ اذهب و اطلب من رجال الأمن أن يحرسوا المنزل
نظر زياد إليها باشفاق جرح قلبها قالت وهي تعاود إغماض عينيها بضعف:
_ اذهب ...سوف تحضر سعاد بعد قليل لا تقلق
_ ياسمين !!!
_ زياد ...اذهب أنا بخير ...أشعر بتحسن صدقني ...فقط اذهب
شعرت بأنفاسه الساخنة تلفح وجهها و عطره الرجولي يتغلغل في مسامها .... شعرت بخشونة شفتيه على شفتيها و هو يأسر وجهها بين كفيه ... بضع ثواني سرقها من الزمن ... أراد أن يودع جزء من روحه لديها ... غادر مسرعاً قائلاً بصوت أجش:
_ استعجلي سعاد بالحضور
وضعت يدها المرتجفة على شفتها و هي تهمس :
_ لماذا ؟؟ لماذا تصر على أن أغرق أكثر في حبك .... لماذا تزرع في نفسي أملاً كاذباً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
دخلت نورا مكتب المدير بعد أن طلبها ... قال سريعاً :
_ نورا لدينا زبون جديد يريد أن نهتم بالأمور المالية و المحاسبة لمحلاته التجارية ... لديه سلسة من متاجر الألبسة .... لقد طلبك بالاسم .. اهتمي بهِ جيداً
_ بالطبع سيدي لا تقلق
_ هو الآن في غرفة الإجتماعات اذهبي إليه
دخلت الى غرفة الإجتماعات تلقي السلام ... كان يقف مولياً اياها ظهره ....أراد أن يفرغ شحنات الشوق من صدره قبل مواجهتها ... لصوتها تأثيرٌ غريب على قلبه ...ظن أن غضبه أطفأ مشاعر حبه و كم كان مخطئاً ... التفت إليها و هو يرد السلام .... ارتسمت الدهشة على وجهها ممزوجة بالخوف من المواجهة و الشوق لرؤيته
ساد الصمت بينهما و كل منهما يروي شوقه من الآخر ... استحالت نظرات أمجد للقسوة كما لو أن كلماتها الأخيرة عادت لتضربه من جديد
جلس وهو يقول :
_ آنسة نورا هذه هي دفاتر محلاتي التجارية .. أتمنى أن يتم تنظيمها بالشكل المناسب حتى يتم تقديمها للمؤسسة الضريبية
لم تستطع الرد .... بقيت تنظر إليهِ ببلاهة غير قادرة على استيعاب وجوده امامها
قال أمجد بقسوة جعلتها ترتجف قليلاً :
_ آنسة نورا لم أحضر هنا لأضيع وقتي و أنتِ تحدقين بي
قالت بصوت خافت و هي تبتلع ريقها :
_ أعتذر منك .... بالطبع سوف اعمل على دفاترك التجارية
_ متى سوف تكون جاهزة ؟
_ سوف أطلع عليها و أبلغك بالمدة التي نحتاجها
قال بخشونة جعلت قلب نورا ينبض بعنف :
_ لا أملك الكثير من الوقت ... يجب أن تكون كل الأمور منظمة خلال أسبوع واحد ...آنسة نورا
وقفت نورا لتقول بغضب :
_ سيد أمجد .... لا يمكن هذا لمحلاتكم ستة فروع ...لا يمكن أن أسوي الأمر بهذه البساطة
وقف أمجد و هو يقترب منها ببطء :
_ آنسة نورا ... أسبوع واحد .... فقط أسبوع
قالت بصوت خافت :
_ أمجد .... تريد أن تنتقم مني
ابتسم ساخراً :
_ إنتقام ؟؟ قد يكون هذا هدفي أريد أن أراك تتعذبين و سط الدفاتر التجارية ..غبية و مخادعة
قالت نورا و هي تحارب دموعها :
_ أنا لم أخدعك ...أخبرتك مئة مرة بأني لا أصلح لك ... لكنك لم تستمع و قلت أن ماضيّ لا يعنيك
قال أمجد و هو يدقق النظر في عينيها بألم :
_ لم أتصور أن تكوني قادرة على الإتيان بفعل بشع كهذا .. أشعر بالغثيان منك .. ظننت أن غيابي عنك لفترة قد يبرد النار في صدري و لكن كم كنت مخطئاً ...
خرج غاضباً و تركها مكانها تحاول استجماع قوتها ... هو محق ..هي تثير الغثيان ... لكن سوف تنجز العمل حتى لو قتلها ذلك ... و سوف تحارب من أجله ... سوف تستعيده ..هي تحبه ....فحبه من أصدق المشاعر التي عاشتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل قصي منزل سلام، ليجد أمها منهارة على الأريكة تبكي بحرقة، و والدها ينظر للأرض بشرود تام ... و وجه معتصم يماثل الموتى بشحوبه ...
_ أين سلام ..؟
قال معتصم بصوتٍ مختنق :
_ في غرفتها ترفض دخول أي شخص .. دمرت الغرفة .... قلبتها رأساً على عقب .... لم تسمح للطبيبة بالدخول لتعطيها حقنة مهدئة ...
اسرع لباب غرفتها يطرقه بهدوء ...
_ سلام ... افتحي الباب حبيبتي
لم يتلقى جواباً ..شعر بالخوف عليها، قد تكون أذت نفسها
_ سلام أتوسل إليكِ ... افتحي الباب
صرخت بغضب من وسط دموعها الحارقة و هي تكويها :
_ ارحل قصي ... اتركني ... أنا لا أريدك لقد انتهينا .. ارحل
شعر بقلبه ينشطر لألف قطعة مع كلماتها ... لا أريدك .... لا يمكن أن يتركها .. هي له ... حوريته و مليكة قلبه ... .قال بحنان دافق :
_ افتحي الباب سلام .. لنتحدث قليلاً ..
_ ارحل ... ارحل
قال معتصم و هو يجلس بإنهاك و قد قصمت الهموم ظهره :
_ لا فائدة ... لم أصدق عيني عند قراءة المقال...كيف حصلت تلك الملعونة على تقارير الشرطة .. كيف طاوعها ضميرها بأن تنشرها و هي تحتوي على تفاصيل ما حدث معها في ذلك اليوم الأسود .... لماذا ؟؟
نظر قصي حوله و هو يسأل .. عن أقرب نافذة لشرفة سلام .. أشار معتصم لغرفة نوم والديه ... أسرع قصي ليفتحها ..خلع سترته و صعد على الحافة ..قال معتصم بتوتر :
_ انتبه بالله عليك
مشى قصي بخفة عنكبوت على حافة النافذة... و بقفزة واحدة كان داخل شرفة سلام .... فتحها سريعاً ليدخل الى الغرفة المدمرة تماماً ...لم يصدق بأن سلام قادرة على إحداث هذا الدمار ... نظرت إليهِ من وسط دموعها و ارتجافها و أنفاسها المتسارعة ... وقفت تواجهه و هي تقول بغضب :
_ قلت لك ارحل .... أنا لا أصلح لك قصي ارحل
إقترب منها ببطء شديد ... لكنها ابتعدت عنه سريعاً ... خلعت خاتم الخطوبة و ألقته أرضاً وهي تستمر بصراخها المجنون :
_ لا شيء بيننا ... لا شيء يجمعنا .. ارحل لقد انتهينا .. لن أكون السبب في تدمير مستقبلك .... أنا آسفة ..آسفة
انحنى قصى يلتقط الخاتم و الألم يصيبه بسهامه المشتعلة .... عاد ليقترب منها بهدوء ... حاولت الهرب من مواجهته و لكنه أطبق على جسدها هذه المرة ....ضمها لصدره بقوة و هي تحاول الهروب من مصيدته ....لكنه لم يسمح لها ... ضمها بقوة يتمنى أن يحبسها بين ضلوعهِ
_ اتركني قصي اتركني .. أريد أن أموت ... لا أريد هذه الحياة .. أنا لا أستطيع التحمل أكثر .... ارحل
تركها تصرخ و تضرب صدره و هو يمتص شحنات غضبها .... أستمع لصراخها و هي تذكر تفاصيل ذلك اليوم .. صرخت و بكت و شتمت حاتم و نفسها ...
_ لقد قتلني ..قتلني .. لم يترك للحياة في نفسي من مكان ...لماذ ؟؟ لماذا ؟؟ أي ذنب ارتكبته في حقهِ لينتهك كل شئ جميل في حياتي ... لماذا لم يقتلني ذلك الشبح ؟؟ لما تركني حية .. أريد أن أموت قصى ... أريد أن أموت
انهارت تذرف الدموع، و شهقات تكسر القلب تطلقها على صدره ....انهارت قدميها تلقاها و رفعها خوفاً عليها من الزجاج المتحطم و المتناثر على أرض الغرفة .... ساعدهاعلى الجلوس .... رفع وجهها و هو يمسح دموعها بظاهر كفه ....قالت سلام بصوت خافت مبحوح :
_ قصي أرجوك أنا سوف أعيقك و أدمر مستقبلك
وضع يده على شفتيها و هو يقول بحزم :
_ شششش .. و لا كلمة .. ؟؟
نظرت لعينيه تبحث عن قشة تتمسك بها و لكنها غرقت بدوامة الضياع ... ظنت بأن دخوله لحياتها و بمشاعره الدافئة سينتشلها من الظلام ... لم تدرك مدى انانيتها حتى اليوم ...هي لا تسير نحو نوره ... هي تجره نحو ظلامها
ضمت قدميها لصدرها و هي تحيطهما بذراعها ... لتعود دموعها الجريان تحفر عميقاً في قلب قصى .. شعر بأنه يفقدها .. انها تضيع من جديد ... قالت سلام بهمس مؤلم :
_ ياليتك لم تظهر في باريس ... لقد قتلتُ في نفسي معنى الأحساس .. لكنك أعدت النبض و المشاعر في نفسي و هي مؤلمة .. مؤلمة للغاية قصى
يصغى إليها صامتاً ... فهي أيضاً أعادت لنفسه الأحساس و معها حق الأمر مؤلم للغاية ... عاد لينظر لسلام المنهارة
ياسمين .... ظهر وجهها أمامه في تلك اللحظة ببرائتها و طهرها ....تصفعه بواقعه الجديد .... لقد أصبح ضعيفاً ... يراها الآن يوم أخبرها بأن لا زواج سيجمعهما .... لقد كسرها و دمر الطيبة في نفسها ... لم تبكي لكنه رأى الدموع تلمع في عينيها ..... لقد كانت حبه الأول لكنه انتزعها من قلبه انتزاعاً ... لم يتوانى عن استعمالها كأداة للأنتقام من حازم و من زياد .... القدر وضعها في طريقه دائماً .... ستكون السبب في سقوطه .. لطالما شعر بذلك ... لا بد أن مفعول المادة التي حقنها بها قد وصل للذروة .... لماذا تهاجمه الآن ؟؟ هل ضعف سلام يذكره بها ... هل يُعاقب بسلام عن أفعاله معها ...قد تكون ميتة الآن بسببه !!!! هل يشعر بالندم ؟؟ لا ... لا ... يستحق زياد الألم الذي سوف يتجرعه
عادت عينيه لتقسو أكثر .... أبعد سلام عنه و هو يسير ناحية خزانة ملابسها اختار أحد الأثواب المصطفة بعناية ..كان فستاناً أبيض طويل .... مطعم بخيوط فضية لامعه بمنطقة الصدر و ناحية الاكمام ... قدمه لها و هو يقول بصرامة :
_ ارتديه ... سنخرج
حدقت بهِ و صورة آخرى من ذلك اليوم تعود .... هي تشد الغطاء الأبيض على جسدها المستباح و ذلك الغريب يقدم لها ثوبا لتستر جسدها غاضباً ... قالوا أنه قاتل بارد .... ولكنه كان مشتعلاً ساخطاً .... أمسك يدها ليخرجها من ذلك الوكر ... لمساته كانت حامية .... و عيونه و هو يغلق الباب كانت مشفقة ....كيف لم تفكر بالأمر من قبل ؟؟ كيف تجاهلت كل هذه الإشارات
أجفلها صوت قصى و هو يقول بلهجة أمره لم تكن بغريب عنها :
_ أسرعي
أمسكت الثوب بيد مرتجفة تضمه إليها تصارع أفكارها ... خرج من الغرفة ... لم تدرك مدى تشابه نظراتهما و خوفهما عليها و محاولة حمايتها حتى الأن ... مهما قالوا عن ذلك الرجل الذي كان معها في شقة .... هو كان يهتم بها ..لقد قتل حاتم لأجلها
لبست ثيابها بسرعة ،خافت أن يرحل و يتركها ... حبست أنفاسها و هي تفتح الباب ... كان يجلس بجانب والدتها يواسيها بابتسامته المهدءه... . استأذن الجميع و هو يمسك بكفها .... جلست إلى جانبه في سيارته الفخمة ... و هي تعقد المقارنات بين قاتل قاتلها و بين منقذها
لاحظ تبدل حالها من الغضب و الإحباط لحيرة لم يفهم سببها ... بقي الصمت سيد الموقف .... و بعد دقائق طويلة ....توقفت السيارة لتخرج سلام من شرودها .... اصدمت عينيها بالجسر البحري الذي كان سيشهد موتها لولا وجوده ... تسمرت مكانها لم تشعر به يخرج من السيارة ....لم تدرك بأنه يفتح بابها وهو يقول بهدوء ...
_ سلام ..هيا أخرجي
خرجت بتردد و هي تحدق بالبحر .... أمسك يدها لتمشي معه .... سارت خلفه كما لو أنها دمية مربوطة بخيط يتحكم فيها كيفما شاء .... تماماً كذلك الشبح و قفت على الجسر البحري صامتة و هو إلى جانبها يكبح جماح غضبه .... قالت بتردد :
_ لمَ أحضرتني إلى هنا ؟؟
قال قصى دون أن يلتفت إليها :
_ مكان لقائنا الأول ....
_ لقد كنت أهم بإلقاء نفسي في البحر
_ أذكر جيداً ....
أمسكها من خصرها و هو يرفعها على الحاجز البحري حيث كان واقفه تريد إلقاء نفسها ... شهقت خوفاً مما فعل و هي تتمسك بكتفيه قائلة :
_ ما الذي تفعله اتركني سأسقط
ابتسم لها و هو يحكم قبضته على خصرها ... مستمتعاً بتشبثها به :
_ متى سوف تثقين بي .؟؟
قالت بصوت مرتجف :
_ أنا أثق بك ...أرجوك أنزلني
قال وهو يقرب جسده منها :
_ هل شعرت بالحب اتجاهي في يوم ...؟؟
توقف ارتعاش جسدها عن سؤاله .... نظرت لعمق عينيه دون أن تنطق ....تابع قصى و هو يشد على خصرها أكثر :
_ سلام .... ان كنت فقط أشعرك بالأمن و الراحة فهذا ليس بحب ... يمكن ان أبقى الى جانبك طوال عمري دون زواج لن أتركك....
خفضت سلام بصرها بعيداً عن عينيه و كلماته تعصف في نفسها
_ سلام لن أحتمل أن أكون زوجك و أنتِ لا تحملين ذات المشاعر في قلبك ...لن أحتمل
لأول مره تواجهه حقيقة مشاعرها هي ترتاح بوجده ... تشعر بأنها ستكون بخير .... تريده أن يبقى معها كل لحظه .... لمساته تنعش قلبها ....لا تخشى قربه .... و لكنها تخشى بعده .... يخفق قلبها بقوة عند ذكر اسمه ... ألم تهرب إليهِ في أكثر لحظات حياتها ألماً ؟؟ هذا هو الحب .. هو الحب
قاطع صوت قصي أفكارها و هو يقول بنعومة ذوبة قلبها :
_سلام .... انظري إلي ....
رفعت عيناها لتغرق في بحور عينيه الغريبة ....و هي تنقل يدها لتتشبث بعنقه قائلة بهمس خجول :
_ قصى .... أنا أحبك
شعر بقلبه بخفق بقوة هادرة لم يعرفها قبلاً .... صوتها و هي تهمس له برقتها داعبت مشاعره و رجولته التي اشتاقت لوصالها .... أنزلها بخفة عن الحاجز البحري ...أخرج خاتم الخطوبة من جيب معطفه ليعيدها لإصبعها و هو يقول بحزم :
_ إياك يا سلام أن تخلعيه مرة ثانية من يدك ... إياكِ .... لن أسمح لك بذلك ...أنا فقط ... أنا سوف أنقله لمرة واحدة ليدك الثانية في يوم زفافنا ..هل تفهمين ؟؟
هزت رأسها موافقه و هي تحرك الخاتم بإصبعها، قالت بتردد :
_ قصي ... لقد قالت أنك سوف تخسر مستقبلك بسببي
قال بغضب وعيناه تشتعلان ...ارتددت الى الخلف قليلاً ليس خوفاً و لكنها ترى تلك العينان ثانية :
_ سلام .... أنا سياسي و الصحافة تبحث عن أي معلومة تتعلق بي لتقوم بنشرها .. لا تهتمي بهم ..هذا عملي .. وأحذرك يا سلام ... لا تفكري بالإنفصال عني مجدداً ... هذا أكثر ما سيؤذيني ...أنتِ لي ....
أطلقت سلام نفساً ساخناً حرق قصي .... قالت وهي تقطب جبينها بغضب طفولي:
_لقد قالت بأنك زير نساء
ضحك قصي و هو يقول :
_ سلام ....لا تفكري بهذا الكلام ... أنا الآن ملكية حصرية لحوريتي الرقيقة ...
ضحكت بخفة و هي تمسك بكفه قائلة بخجل :
_ هل وقعت بالحب قبلاً ؟؟
ابتسم و هو يبلل شفتيه باضطراب :
_ إن كنت تريدين الصدق ... لقد وقعت بالحب مرة واحدة قبلاً .. لكن أوقفته في البداية لم أسمح لنفسي بالغرق فيه أكثر .... ابتعدتُ عنها و جرحتها و قد آذيتها ... و أخشى أن أكون قد دمرتها بشكل نهائي
نظرت إليه سلام ..كان يحدث نفسه ...هو لا يخاطبها ... يتذكر حبيبته الأولى .. قرصته بيده مما جعله ينظر إليها باستغراب ....قالت بغضب :
_ لا تفكر بها كثيراً .. أنت ملكي قصي
قال قصي و هو يبتسم كطفل صغير :
_ بالطبع أنا لكِ فقط .... و أنت لي ....
نظرت إليه بتردد يقترب من الخوف .... فتحت فمها تريد الكلام لكنها تراجعت .... قال قصى و هو يدقق النظر فيها
_ ما الأمر سلام ....تكلمي معي بصراحة
ابتلعت ريقها بصعوبة ... وقفت تواجه البحر و هي تقول :
_ هناك أمرُ آخر ..ذلك المقال أعاد إلي مشاعر دفنتها عميقاً ... في ذلك اليوم ....ذلك الشبح ... إنه ...إنه يذكرني بك ... نفس النظرات .... نفس اللمسات ... لقد كان يحميني من حاتم و من نفسه ... في بعض الأحيان أحلم بكما معاً كما لو كنتما نفس الشخص هل أنت .... أنت هو ؟؟ أنت قتلت حاتم من أجلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راقبت يزن وهو يلعب بسيارته .. تلقت رسالة من سعاد بأنها سوف تتأخر قليلاً .. هي لا تعلم مدى سوء حال ياسمين التي تزداد ضعفاً و ذبولاً ... حاولت ان تعود الى النوم .... لكن الألم سيطر على جسدها كاملاً ... حاولت النهوض .. نادها يزن نظرت ناحيته ... استحالت الغرفة للون الأحمر و الأسود و النيران تحيط بيزن و وحوش مختلفة تقترب منه هو مصدرة زمجرة مرعبة و الدماء تسيل من مخالبها ... لأول مرة يقتربون منه .... صرخت بأعلى صوتها :
_ يزن ابتعدوا عنه ..ابتعدوا
أسرعت تخترق جدار النار ... شعرت بالنار تحرقها ... صرخت ألماً و خوفاً ... أحاطت يزن بذراعيها .... انطفأت النيران من حولها و تراجعت الوحوش لزوايا المنزل تنظر إليها بتهديد مخيف ... تنبهت للمربية التي تبكي و هي تقول :
_ سيدتي اهدئي أرجوكِ ...أنتِ تخيفين يزن
كان يزن يبكي بشدة و هو يحاول الهرب من ذراعيها المطبقتان عليه .. تركته يسرع للمربية باكياً ... مالذي تفعله ... لقد جنت .. فقدت عقلها تماماً ....
قالت و هي تنهض عن الأرض ترصد الوحوش التي تحيط بها متأهبة للإنقضاض:
_ أخرجي من هنا ... خذي يزن .... خذيه لحازم حتى يهتم به
_ سيدتي
قالت بحزم و شدة جعلت المربية تجمع أغراض يزن و ترحل :
_ الآن ...ارحلي ... ارحلي بسرعة
ما إن أقفلت المربية الباب خلفها حتى عادت النيران تشتعل في أرجاء المنزل....
تراجعت ياسمين و هي تنظر برعب حولها و الوحوش تقترب منها .. الذئب المنتصب و الكائن اللزج و أفعى تنفث النيران و الدم ...و مخلوق يشبه السمكة باسنان نافرة و حادة بعيون جاحظة حمراء
كلمة الرعب تعتبر ضئيلة أمام ما تشعر به .... هي تحلم .. و سوف تستيقظ .. كابوس و سوف ينجلي ... أغمضت عينيها بقوة غير قادرة على التنفس ... فتحت عينيها لتجد أن تلك الكائنات تقف فوق رأسها بزمجرات مهددة .... أسرعت تركض لغرفتها هلعة... أغلقت الباب كان يقف هناك ... نادته بصوت مرتجف :
_ زياد .. تلك الوحوش بالخارج يريدون قتلي ....ساعدني
ببطء التفت ناحيتها .... لكن ذلك ليس بوجهه .... تحول لأفعى لزجة هاجمتها بكل قوة ...صرخت و هي تلقي بزهرية ناحيتها .. تحطمت على مرآتها دون أن تتأثر ... أغمضت عينيها بقوة تغطي رأسها و هي تصرخ :
_ أريد أن أموت .. أريد أن أرتاح ... هذا يكفي ...أتركوني و شأني
جاءها صوت زياد بحنانه ...فتحت عينيها لتجده ينحني أمامها و بيده قطعة زجاج حادة ..
_ خذي هذه و ارتاحي ياسمين أخرجي من حياتي و حياة يزن و سعاد و حازم أن تفسدين الأمور
بيد مرتجفة أمسكت قطعة الزجاج .... هي تفسد حياتهم جميعاً ... تلك الكائنات دخلت الغرفة من خلال الباب المغلق .. و النار اشتعلت من حولها و الاصوات ارتفعت و وجه زياد عاد للتحول .. عندها و بيد قوية رغم أرتجافها مررت قطعة الزجاج على معصمها لتسيل الدماء و بنفس العزم شقت معصم اليد الثانية .... الدماء الزرقاء سالت لزجة .. فقدت الوعي أخيراً ... و أنفاسها الأخيرة تغادر صدرها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشبحWhere stories live. Discover now