بقايا ارواح مبعثرة

439 69 3
                                    


عاد أرسلان إلى منزله وهو غير قادر حتى على هندمة شعره، رآى أن جدته قد ذهبت في سِبات عميق، وروح تجلس في النافذة أمام جهازها الإلكتروني.

_ مازلتِ مستيقظة!

ألقت عليه نظرة وهي تبتسم بهدوء.

_ لدى مناقشة رسالة الدكتوراه يا أستاذ، يجب أن أستعد، والرؤس سوف تتساوى وسيكون معي دكتوراه مثلك يا دكتور.

كانت تتحدث بحماس زائد، أصبح فخور بما وصلت إليه الآن بعد الفترة الصعبة التي وجهتها قبل سفره.

_ الله معك يا فتاتي، أنا موجود دائمًا اذا كنتِ بحاجة إلىٰ مساعدة.

تطلعت روح إليه باستخفاف

_ أنت من تحتاج إلىٰ مساعدة بشعرك المُشَعّٓث هذا.

اجابها بنفس الاستخفاف

_ سأخلد إلىٰ النوم أكرم لي من حديثك المعسول هذا

ذهب ليأخذ قسط من الراحة، وبداخله قد أدرك ما هي أول حكاية يجب عليه التحدث فيها غدا مع رحيل.

★*★*★*★

باليوم التالي في المصحة النفسية .

تحضر أرسلان، أو دعنا نقول أنه تخرب أرسلان وقام بتشعيث شعره وهو يتذكر سخرية روح منه أمس عندما رأت خصلاته بهذا المنظر٬ ثم ذهب إلى غرفة رحيل.

_مساء الخير ياچميلة، هل أنتِ على كامل الاستعداد لأول حكاية

أومت رأسها بخفوت، فقد أخبرها أنه سوف يحكي حكايات لتجارب الكثير والكثير من البشر أودت بهم الحياة، ولكنهم ظلوا متمسكين بآخر خط رفيع، ليزيح الظلام، ويشق طريق النور، لبداية جديدة مع أمل جديد.

ليجلس بجوارها ويتحدث بخفوت.

.......

كانت تسير هذه السيارة بهدوء في ذلك الجو الجميل وهذه العائلة الصغيرة المكونة من رجل ثلاثيني وزوجته وطفلة صغيرة لم تتجاوز الخمس أعوام.

كانت تجلس تلك الصغيرة بالخلف وهي تلعب بإحدى ألعابها، ووالدتها تتحدث في الهاتف في الخارج بأحد كبائن الاتصالات مع جدتها لكي تطمئن على ابنها الصغير الذي رفض الذهاب معاهم بسبب دراسته.

_ أنتبهِ عليه جيدًا يا أمي إلىٰ أن يحين موعد عودتنا، إلى اللقاء.

أغلقت والدتها الهاتف ثم صعدت إلىٰ السيارة ونظرة إليها تسألها.

_ نتمنى أن تكون أمرتنا سعيدة.

لتتحدث تلك الصغيرة بحماس

_ بالطبع يا أمي، سعيدة جدًا.

تحدث الأب بجدية.

_ لم أعلم إلىٰ متى سيظل ذلك الفتى جالس بغرفته ويرفض الخروج معنا هكذا.

_ أنت خير مَن يعلم أنه عندما تقترب الاختبارات يظل على حاله هكذا حتى الانتهاء، أنتبه يا موسى أنتبـ....

ولم ينتبه موسى إلى تلك الشاحنة التي كانت تسير في طريق مخالف بسرعة كبيرة ولم يستطيع تجاوزها.

توفى موسى وزوجته ولم يتبقى منهم سوى الصغيرة التي عاشت حياتها وهي تعاني من إعاقة في قدميها، وكان أخيها وجدتها هم من يعتنون بها، إلىٰ أن أصبحت في الثامنة عشر من عمرها وأصبح المعجبين بها في التزايد يوم بعد يوم، خصوصًا وأن إعاقتها لا تظهر حتى أثناء سيرها فالإعاقة في كاحل قدمها، ولكن كل من كان يعلم بحالتها كان يهرب منها وكأنها وباء قاتل، هذا المجتمع غابة، وهؤلاء البشر ذئاب افترست روحها لتصبح ضحية مزقت بينهم، اصابها رهاب اجتماعي واصبحت منعزلة وانطوائية، وصل بها الحال إلى أن فقدت أعصابها، ولكن ذات يوم جاء أحد الخُطاب عن طريق جدتها، ولم يرفضها بسبب إعاقتها و قال أنه شيء غير مهم بالنسبة إليه ولكن حين رأى قدميها.

_ أنا لم أتوقع أنها ستكون بهذا التقزز، حمدًلله أننا مازلنا على أول الطريق، ليذهب كُل شخص مِن في اتجاه هذا أفضل حل.

أين هو ضميرك وأنت تطعن فتاة في أنوثتها بهذه الطريقة الوقحة.

........

تأثرت رحيل بقصتها وتسألت

_ وماذا حدث بعد ذلك !؟

_كانت تتحدث معي، أن كل ما تريده في هذه الحياة مجرد ضحكة فقط، هى لم تكُن ضَعيفة من قبل، ولكن ذلك المجتمع وضعها تحت ضغط لم يكن مُلائم لسنها، ولكنها لم تستسلم؛ قامت بتجميع الاجزاء الباقية من روحها المحطمة وعادت من جديد.

:-ماذا فعلت وكيف عادت !؟

_ كانت تقف أمام الجميع إلىٰ أن استطاعت الوصول إلىٰ حلمها، توصلت مع هذه الشخصية منذ فترة قصير وعلمت أنها في طريقها لتحضير الماجستير، هذه الفتاة تُدعى روح وهى شقيقتي.

تأثرت رحيل كثيرًا بحكايته، لقد تناست جميع ما حدث لها، لا تعرف ما هذا الشعور الذي اجتاحها، هي لا تعرف شيء سوى أنها تريد المزيد، والمزيد، من الحكايات.

#يُتبع

مصائب قوم (مكتمله)✔️Where stories live. Discover now