الفصل الثامن: عطر حنان

2.7K 72 8
                                    


ظلت رنيم في المشفى بضع ساعات أعادوا فيها ترطيب جسدها عبر المغذي قبل أن يسمحوا لها بالمغادرة مع وصفة طبية لمضادات الغثيان وفيتامينات الحمل.

رباه! هي حامل حقا وستصبح أما أم أنها كذلك بالفعل؟! الأكيد أنها تشعر بحمائية غريزية تجاه العلقة المتكورة في رحمها.

استقلت سيارة أجرة باهضة الثمن نحو شقتها ممتنة لرائد الذي دفع تكاليف المشفى ولم ينس جلب حقيبتها رغم انشغاله بها ثم صعدت السلالم وهي تبحث عن المفتاح الإضافي الذي خبأته في محفتظها بعدما اعتادت تضييع النسخة الأصلية العديد من المرات وما إن ولجت شعرت بأمر غريب استغرقها ثانية لتدرك أنه رائحة الليمون المنعشة المنتشرة في المكان. ماذا يحدث؟ يالله، رائد نظف الحمام!!

جلست بتثاقل على كرسي المرحاض النظيف واللامع توبخ نفسها حتى هدأت الدموع التي طفرت في عينيها. هذه لفتة لطيفة منه لكنها لن تسمح لنفسها بالانجراف في تفسير دوافعه التي يغلبها إحساسه بالذنب، نعم الشعور بالذنب هو السبب.

التقطت هاتفها من الحقيبة تريد الاتصال به بيد أنها توقفت عندما رأت أن والدتها تتصل بهاتفها الصامت. يالله! لا شك أن لارا فتحت فمها الكبير.

"Hi mum!"

ردت بمرح بينما تخلع خمارها متجهة نحو السرير لتزحف بين أغطيته. مهلا، هل غسل رائد فراشها؟

"أهلا صغيرتي، ماذا تفعلين؟"

"لا شيء مهم، مجرد التجول في المنزل"

"حقا؟"

"نعم"

كانت واثقة من أن والدتها تعلم بحملها، لكنها لن تسأل. فهكذا هي وخالتها دائما، تجيدان أسلوب 'أنا أعلم ما تخفيه ولكني سأنتظر حتى تخبرني بنفسك طالما أنك ستفعل ذلك الآن وإلا..'. لقد شهدت بنفسها أثناء نشأتها نجاح هذه الطريقة مع العديد من الصغار الذين كانتا تعتنيان بهم لكفالتهم. أطفال منغلقون على أنفسهم فيستحيل فهمهم ويعانون من عدم الثقة في الآخرين.

خالتها فدوى خسرت رحمها مع طفلها في أول حمل لها. ولأنها هي وزوجها شخصان رائعان قررا فورا أنهما يريدان فتح منزلهما وحياتهما لرعاية الأطفال اليتامى. ورغم أن هذا لم يكن سهلا أبدا، وهي خير شاهد على ذلك، إلا أنهما لم يترددا مطلقا في تنفيذ ما أخبرتها خالتها لاحقا أنهما شعرا بكونه واجبا لزم عليهما فعله.

وهكذا نشأت رنيم منذ نعومة أظافرها بين أقارب صغار ذوي شخصيات مختلفة؛ الهادئ، الصاخب، العنيف، الحزين والغاضب....بعضهم -بل معظمهم- لم يبق طويلا إلا أن خالتها وزوجها استطاعا الاحتفاظ باثنين، عمر وعلي، اللذين صارا يحبانهما بجنون؛ إضافة إلى رائد الذي كان أكبر من مكث معهم، وقد كفلاه كابن لهما بالرضاعة أولا وكوصيين عليه ثانيا.

زواج على ورقWhere stories live. Discover now