الفصل التاسع والعشرون

4.3K 123 35
                                    


كم يمر الوقت سريعا حين نكون مشغولين للغاية.. لدرجة أننا بالكاد نستطيع الرؤية بوضوح أمامنا.

قبل أن تدرك حتى.. كان لدى رنيم طفلة في الصف الرابع.. طفل في الروضة.. واحد في الرابعة من العمر.. وآخر يبلغ السنتان.. ورضيعة لم تتجاوز الشهرين.

مرهق حد الانهاك.. إنما بأفضل طريقة ممكنة. البراءة.. النقاء.. الشقاوة.. الدلال.. الرقة.. الحلاوة.. زينة الدنيا التي ما بعدها زينة.. زينة أنارت أيامها وأبهجت مكانها.

أن تشقى لأجل من تحب.. كالعسل على قلوب المعطائين. أن تنفق من عمرك.. من صحتك.. من مالك.. من راحتك وأحلامك.. في تلك الكائنات الملائكية الصغيرة.. حتى وهي لا تنتمي لك.. ليست من صلبك ولا من رحمك.. استثمار لا يجيده إلا من فطر على العطاء الخالص؛ ورنيم.. بقلبها الكبير وعاطفتها الجياشة.. الموروثين من عائلة صالحة.. طيبة.. كانت تمتاز بقدرة هائلة على التحمل.. بحيث لا ينضب عطاؤها أبدا. تتعب طبعا.. وقد تحتاج الانفراد بنفسها أحيانا.. فلنفسها أيضا عليها حق.. وقدرات دنيوية محدودة.. إنما هي استراحة محارب يعود بعدها أقوى.. ليواصل معركة حياته مع الشريك الذي اختاره له القدر.

وهاهي ذي الآن.. كلما كبرت لين يوما.. تعود لطبيعتها أكثر فأكثر.. حتى أنها عادت للتواصل مع عملائها القدامى عبر البريد الالكتروني. صحيح أن رائد لا يقصر عليهم بشيء.. وهي بحكمتها قد ادخرت قليلا أثناء سفره.. إلا أنها ومنذ أن فرض عليها التزام الفراش.. أرسلت كل عملائها لزملاء موثوقين.. ولم تستطع العمل لأشهر الآن.. ورغم اقتصادها وحسن تسييرها.. ها هي ذي مدخراتها تتضاءل.

آخر شيء كانت رنيم تريده هو الاعتماد الكلي على رائد ماديا. تكفيها سيطرته عليها من خلال أبنائه ولا تريد مزيدا من القيود.. مزيدا من الضعف والخنوع.. هي بحاجة لشيء من الحرية والاستقلالية يغذيان كرامتها ويمنحاها بعض القوة. على الأقل لن تذلها الحاجة والعوز إن خذلها يوما.. وإن وفى بوعده فستكون له خير سند ومعين.

طالما أنها قادرة جسديا على العمل.. ووظيفتها غالبا ما تتم عبر شبكة الانترنت دون الحاجة لمغادرة المنزل إلا نادرا.. فمالمانع غير انشغالها جل النهار طبعا.. ما يجعلها متشككة من استعدادها للعودة إليه بعد.. إذ أنها هي ورائد لا زالا يتخبطان بحثا عن أرض صلبة يستندان عليها.. إنما موقنة أنهما في النهاية سيصلان لنظام يمنحها بعض الوقت مع نفسها.

بمزاج رائق.. دافئ كأشعة شمس الغروب المتسللة عبر الباب الزجاجي المشرع للمطبخ.. منتعش كالنسيم المعبق برائحة الورد الجوري القادم من الحديقة الخلفية.. وحلو كحلاوة صغيرتها المبتسمة ببراءة أذابت قلبها.. في تناغم روحي مع الحالة العجيبة التي تملكت والدتها.

انطلق صوت رنيم يشدو بأحب الأغاني لروحها حاليا.. بينما تهدهد لين بعد أن أرضعتها وبدلت ثيابها..

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jan 29 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

زواج على ورقWhere stories live. Discover now