الفصل السادس والعشرون:

3.1K 121 42
                                    


بعدما ودعت والديها وشقيقيها في الرابعة فجرا، كانت رنيم رفقة رائد في طريقهم نحو الشرق. لحسن الحظ فقد حضرت خالتها فدوى وزوجها وابنهما علي عشاء البارحة فاستطاعوا المغادرة دون التوقف عند منزلهم لوداعهم.

الأطفال كانوا نزقين نكدي المزاج وقد حشروا جميعا في السيارة المستأجرة الجديدة كالسردين وكانت تعلم أن لين ستبدأ في الصراخ في أي وقت قريب. بالكاد مضت ساعة على انطلاقهم وها هي ذي مرعوبة من اليومين القادمين للسفر.

لحسن الحظ أن السيارة مزودة بنظام DVD مدمج من شأنه تشتيت انتباه الأطفال لبعض الوقت رغم يقينها أن ذلك لن يدوم طويلا فبالنسبة لأطفال كثيري الحركة والنشاط كصغارها، يعد الجلوس في السيارة لمدة يومين تقريبا بمثابة تعذيب مشدد خاصة حين يكونون قد سافروا قبل أقل من أسبوع فقط. هي لا تفهم كيف تمكن آدم من إحضارهم دون أن يفقد عقله في الطريق.

"كيف تشعرين؟" سألها رائد بنعومة رغم أن الأطفال جميعا يضعون سماعات الرأس.

"بخير" ردت باختصار وهي تحدق عبر النافذة تتأمل شروق الشمس دون اهتمام فقد تملكها الملل وغلبها التوتر فيما تنتظر الصغيرة لتستيقظ في أي لحظة.

"من أذن في أذنها؟" قال فجأة مقاطعا شرودها.

التفتت تنظر إليه.. يداه كانتا مشدودتين حول عجلة القيادة لكنه ظل يلقي نظرة خاطفة عليها كل ثانية منتظرا ردها.. وحين لاحظ صمتها أردف مفسرا بصوت مخنوق:

"لقد كبرت في آذان جميع أبنائي لدى ولادتهم.. وقد فعلت مع لين أيضا إنما مع الأسف كان ذلك متأخرا.. هناك من سبقني، أليس كذلك؟ أهو والدك؟"

لم يكن بحاجة للشرح فرنيم أدرى الناس بحرصه على اتباع السنة في أن يؤذن في أذن المولود اليمنى ويقيم الصلاة في اليسرى ثم يسميه عقب ولادته مباشرة.. فقد كانت هي من اتصل به من هاتف لميس وحملته لها عندما تعذر عليه حضور ولادة رواد ثم راقبت من بعيد حديثه مع ابنه الذي لم تمض ساعة على خروجه للدنيا ليكون صوت والده أول صوت يسمعه.

هذه اللفتة الأبوية الحانية.. على بساطتها.. إلا أن حرمان صغيرتها منها جعل قلبها يتمزق وجعا.. إذ أنها الآن فقط تنبهت للفروقات بين ابنتها وإخوتها.. والعذاب المصبوغ به صوت رائد أخبرها أن ذات المشاعر تختلجه.

"لا" نفت بهدوء "عمك كبر في أذنها وسماها"

أومأ برأسه محدقا أمامه وهو يرمش بعينيه ليبعد الدموع عنهما ثم ازدرد ريقه هامسا "جزاه الله خيرا"

"سميتها لين لميس الصياد"

"خيار جيد.. لميس كانت لتحبه" رد بنبرة عادية فيما يفرك لحيته التي بدأت تنمو.

"ربما لا.. نظرا لأني عاشرت زوجها" قالت رنيم بتهور "لا أظنها كانت لتُسر بهذا"

سعل رائد بصدمة ونظر إليها كما لو أنها فقدت عقلها "لقد واجهت وقتا عصيبا مع ذلك في البداية" ثم هز رأسه وقال بينما يواصل القيادة منعطفا نحو الطريق السريع "رباه.. الشعور بالذنب كان خانقا وطاغيا على كياني كله!"

زواج على ورقWhere stories live. Discover now