الفصل السابع عشر: عصيان

2.7K 93 29
                                    


فيما يعصر قبضته بإحباط، أجبر رائد نفسه على عدم الصراخ بوالده الروحي وهو يثرثر عبر الهاتف دون توقف. فرغم حبه العميق له، إلا أنه شعر بغضب عنيف لتجنبه تسليم الخط لرنيم. هذه ثالث مرة يتصل بها فيتم تمرير الهاتف للجميع عداها وقد بدأ يفقد أعصابه كليا.

رنيم اصطحبت الصغار للغرب أواخر العطلة الصيفية مع أنه لم يكن راضيا عن ذلك فرغم عشقهم لجو الريف المميز هناك ويقينه من تدليل عائلتيهما لصغاره حد الفساد، إنما اقترابها من نهاية حملها جعله فزعا حد الموت من سفرها بمفردها رفقة أربعة أطفال أشقياء. كيف لا وقد خسر زوجته وكاد أن يفقد ابنا في حادث سيارة وسط المدينة لا خارجها حتى!!

بيد أنه حين حدثها أخيرا بعد أقل من أسبوع على وصولهم، توقف تذمره وكتم انزعاجه. لم يكن يدر كم كانت تبدو مرهقة طوال الأشهر السابقة حتى رآها جالسة على طاولة المطبخ وسط أهلها.. متوردة الوجنتين وتبتسم بإشراق وقد زالت الهالات السوداء وفارق الشحوب والذبول ملامحها. لم يستطع لحظتها تجاهل التغير الكبير الذي طرأ عليها. فقد اكتسبت أخيرا ذاك التوهج المميز المصاحب للحمل والذي يجمل الحوامل بعد توقفهن عن التقيؤ ونيل قسط كاف من الراحة.

هذه الحقيقة فاجأته بشدة. ولكن رغم أنه لم يرها لأشهر طويلة، فقد تقربا من بعضهما خلالها أكثر من أي وقت مضى. والآن بعدما شارفت مهمته على الانتهاء، صار لا يطيق صبرا للعودة للديار ولها هي على وجه الخصوص. في مرحلة ما خلال هذه الفترة، تغيرت مشاعره من التشوش والذنب إلى شيء أقل غموضا وأكثر عذوبة. رنيم خفيفة الظل. صحيح أنها لا تحتمل هفواته لكنها نادرا ما تغضب أو تقابل أخطاءه بالسوء. بدلا من ذلك، كانت تلين أي جدال بينهما بسخرية لطيفة أو تغير الموضوع كليا وبسلاسة طالما جعلته يتخبط لمجاراتها. هي أذكى منه عاطفيا واجتماعيا، ويالله كم أن هذا كان يغريه ويثيره!

لطالما كانت رنيم جميلة. ولكن أثناء تبادلهما الأحاديث المختلفة والمزاح المتفاوت -مرارا وتكرارا-، شيئا فشيئا أخذت صورتها في عينيه تتجمل لتسحره.

كما لو أن تلك الشاشة الصغيرة والأميال الطويلة، أزالت الغشاوة عن عينيه فصار قادرا على رؤيتها بتقدير جديد ومختلف تماما.

حتى معالم أنوثتها التي لم تكن تناسب ذوقه سابقا، بدأت تسكره وكثيرا ما وجد نفسه يستيقظ متأثرا كمراهق عديم الخبرة.

رنيم 'الجديدة' صارت بطلة صحوه ومنامه بامتياز، وهذا إن دل على شيء؛ فهو أن الأمور بينهما بدأت تأخذ منحى مغايرا، بل إنها تغيرت منذ مدة دون إدراك منه.

لذا كان غاضبا جدا من عدم سماحهم له بمحادثتها. لقد ردت على رسائله خلال اليومين الماضيين إلا أنها رفضت الرد على مكالمته المرئية. وفي كل مرة يتصل بوالديها أو عمه وزوجته، لا يطلعه أحد على ما يحدث.

زواج على ورقWhere stories live. Discover now