الفصل السابع والعشرون

1.8K 105 28
                                    


مضاعفا سرعته.. دفع رائد نفسه بقوة أكبر أثناء ركضه قرب محطة الوقود البعيدة عن منزله عدة أميال لا غير.. شاتما من بين أنفاسه لدى سقوط إحدى سماعات أذنه اللاسلكية إذ ما كان لديه وقت للتباطؤ بينما يرفعها لأذنه ثانية.

رنيم وحدها في البيت مع الصغار كلهم والنظرة التي هربت من عينيها الذابلتين أثناء مغادرته.. لا زالت حتى اللحظة مدبوغة أمام عينيه.. تعذبه بالرسائل الخفية والمعاني الجلية.. أنها مرهقة جدا جدا.. لأسباب وجيهة طبعا.. وقد انتابها الهلع لاضطراره الذهاب للعمل بدءا من صبيحة الغد فقد استهلك جميع فرص تغيبه والواجب بات الآن ينادينه بمشاغله المكتبية المتراكمة للأسبوعين القادمين على الأقل قبل أن يتمكن من أخذ إجازة ما بعد المهام الميدانية.. ولا مهرب من مسؤولياته الوظيفية مهما تاق لذلك فرغم سماحة رئيسه معه وتفهمه لظروفه بيد أن للصبر حدودا.

انقبضت معدته وهو يذكر كل ما مرت به رنيم خلال الأسبوع الماضي.. بل الشهور الماضية بأسرها. لقد كان منغمسا في ذاته.. أسير وجعه ومعاناته الخاصة.. بحيث صار معميا بمشاعره عن غيره.. مهملا الإنسانة الوحيدة التي أحبته ودعمته وتحملته أكثر من والدته وأمه بالرضاعة.

ربااه! حين أراه ابراهيم مقطع فيديو رنيم قبيل الولادة.. كاد حقيقة أن يفقد وعيه. لقد كان فظيعا معها للغاية.. يعاملها كضيف ثقيل غير مرغوب به في حياته.. كما لو أنها ليست مهمة وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة بمراحل. ورغم كل أخطائه في حقها، لم تناد غيره. لقد احتاجته في أصعب لحظات حياتها وهو كان بعيدا في الشرق يتصرف كمغفل حقير. أجل، هو أحمق بالفعل. يا إلهي! حين أدرك أن يزن كان يطالب بالمارشميللو ولم يكن ينادي رنيم بماما.. تمنى لو أن الأرض انشقت وبلعته. إلا أن الوقت كان قد فات لتغيير الأمور إضافة إلى أنه ما كان بإمكانه إطلاع أحد على الخطر الذي كان يتربص به وزملاءه في تلك الفترة.. بأن هناك تهديدا مجهولا يتربص بقاعدته وقد حاولوا خطف ذرية أحد زملائه مما فرض عليهم حجرا أمنيا ريثما تتضح القضية. حمدا لله أن المشكلة حلت الآن ودفن الموضوع بمرمته مع بقية الأسرار المرتبطة بعمله.. مانعا إياه من مصارحة رنيم بالحقيقة التي ربما كانت لتكون حجة قوية تكسبه غفرانها.. بيد أنه لن يفعل ذلك حتى لو امتلك الإذن.. فراحتها النفسية أهم وأثمن وأولى عنده.

هناك أخطاء في الحياة لا يمكننا استصوابها.. إما خوفا من العواقب.. أو عجزا وقد فات أوان ذلك.

ابراهيم سأله كيف يظن أنه سيصحح أغلاطه أثناء ولادة لين.. والجواب هو أنه لا يستطيع، لا توجد طريقة لمحو الأذى الذي سببه لها أو تعويضها عنه.. لقد كان أكبر من أن يكفر عنه. فالألم الذي شوه وجهها لحظتها وهي تنتحب بوجع كان سبب كوابيسه لليال لاحقة.

نفض رائد رأسه من الأفكار السلبية بينما ينعطف في طريقه نحو منزله. قد يكون عاجزا عن تغيير ما مضى إلا أنه قطعا عازم على ألا يكون سوى من تحتاجه رنيم حاليا. يريد أن يحرص على طعامها وشرابها ونومها.. أن يصطحب الصبيان للخارج فيتسنى لها بعض الوقت مع نفسها وأن يعد الفطور بنفسه كي لا تضطر لمغادرة الفراش باكرا.

زواج على ورقWhere stories live. Discover now