الفصل الرابع و الأربعون (لن أريحكِ)

122K 4.9K 2.2K
                                    

"رواية تَعَافَيْتُ بِكَ"
"الفصل الرابع و الأربعون"
___________

"من يصنع السعادة بداخلك هو من يستحقك."

(جبران خليل جبران)
____________

إذا كنت تظن أن العيش في الغربة شعورٌ قاسي الآن اقدم لك شعور أكثر صعوبة، ألا وهو شعور أن تعيش الغربة بك، هذا الشعور هو أقسى ما يمر به المرء على الإطلاق، أن تقف أمام المرآة لا تعرف الشخص الظاهر بها شعورٌ قاسي، أن تعيش وسط أشخاص لا يعرفونك شعورٌ قاسي، أن تجهل قيمة ذاتك شعورٌ قاسي،أن  ترى نفسك غير محبوب و غير مرحب بك شعورٌ قاسي، حتى وإن كانت الغربة هي البعد عن الأوطان ولكن بها وجدت ذاتك هنيئًا لك انت لم تفقد نَفسكَ بعد.

إتسعت مقلتيها بدهشة وفرغ فاهها، بينما «نوال» سألتها بنبرة متعجبة:

"روحتي فين يا جميلة؟ يا بنتي متوجعيش قلبي بقى"

حاولت البحث عن صوتها، وها هي وجدته، لكنه كان مبحوحًا بشدة، فقالت بنبرة جاهدت حتى تخرج منها:
"معاكِ...أنتِ قولتي أمي إسمها إيه؟"

تنفست «نوال» الصعداء ثم قالت بنبرة حزينة:
"أمك إسمها مشيرة فايز الرشيد، وقبل ما تسألي أنا معرفتكيش ليه قبل كدا، علشان مكنتش عاوزاكِ تتعشمي خصوصًا إن حسان كان معترض على رجوعكم القاهرة"

فرت دموعها رغمًا عنها من بين أهدابها، وقالت ببكاء:
"يعني عيلة ماما إسمهم عيلة فايز الرشيد، وكدا طارق و وليد اللي ظهروا بتوع الدعاية والإعلان قرايبها، ماهو مش طبيعي يكون تشابه أسماء، دول قرايبي ومن ريحتها صح؟"

ردت عليها «نوال» بضيق ولكنها تدري أنه لا مفرٍ من إجابتها، فقالت:
"وارد يكونوا هما يا جميلة، اللي حسان قالي عليه إنك كنتِ علطول مع طارق و خديجة، وطارق من ساعة ما اتولدتي وأنتِ مكنتيش بتسبيه، علشان كدا لما جيتوا من القاهرة فضلتي تطلبي في دول"

مسحت دموعها وهي تقول ببكاء:
"شكرًا يا تيتة، بس أنا عاوزة أسأل بابا علشان يجاوبني على كل حاجة"

عقبت عليها «نوال» بنبرة حزينة:
"حسان كان خايف يا جميلة، خاف حد منهم ياخدك منه وهو ملوش غيرك، أعذريه يا حبيبتي، والأحسن متسأليهوش دلوقتي، علشان طارق و وليد ممكن حسان يمنعك منهم"

ردت عليها بسرعة وبنرةٍ باكية:
"لأ خلاص أنا مش هقوله، كفاية أني اشوفهم قصادي وهما من ريحتها، بس أنا كنت عاوزة اتأكد إن إحساسي صح، حسيت أني أعرفهم من زمان، وحسيت إنهم مش مجرد ناس عادية"

ردت عليها «نوال» بصوتٍ باكٍ:
"متزعليش نفسك يا جميلة، كل حاجة بتحصلنا نصيب، أنتِ لما جيتي كنتِ عيلة صغيرة في سن دخول المدرسة وساعتها حسان كان مش عارف يتصرف، ساعتها قالك إنك مش هتشوفيهم تاني، وأنتِ مع الوقت نستيهم وبطلتي تطلبيهم، بس ربنا كتبلك نصيب تشوفيهم من تاني"

تَعَافَيْتُ بِكَحيث تعيش القصص. اكتشف الآن