الفصل الثامن والعشرين

32 5 6
                                    

أومأ بلا مبالاة  قال:
-أخبره أن الإجازة ستطول.

وقبل أن يتحرك من موضعه لمح طيف آليا يدنو منه وعلى وجهها قسمات الفزع، وعندما وقفت أمامه قالت:
-مريم.. لم أجدها فوق، وقد تركت ورقة تقول فيها أنها ستسافر لباريس.

أخرج هاتفه وقال محاولًا تهدأتها:
-لا تخافي سأتصل بها، وهي ليست صغيرة لكل هذا الخوف.

في الجهة الأخرى عند مريم، كانت تجلس في إحدى مقاعد الطائرة رمادية اللون، تُراقب الأرض من تحتها، وعلى وجهها ابتِسامة حزينة، تتمنى لو لم تَكُن خضعت لأقوال أصدقائها وجاءت لمصر، فقد ضاع كل شيء.. الأهل والوظيفة والأصدقاء، والذكريات صارت متفرقة ومُشتتة بين البلدان..
فاقت من شرودها على صوت الهاتف ليُعن عن أتصال، فتفتح الخط وهي مُغمضة عينيها لتسمع إيدريان يقول بندفاع:
-كيف تسافرين دون علمنا هل جُننتي؟!

ليتبدل الصوت بصوت أنثوي يقول بلوم:
-لماذا لم تخبريني، أين أنتَ الأن؟

فتحت عينيها البنية وجالت بنظرها عبر النافذة وهي تقول:
-آليا فالتخبري إيدريان أن يهدأ، وأنا في الطائرة المتوجهة إلى باريس.

كادت آليا تتحدث ولكنها بين خيارين أقبح من بعضهما، إما أن تترك إيدريان لوحده هنا يعاني من كل الآهات، وإما تترك صديقتها وهي التي لم تتركها قط، فقالت بتردد:
-مريم سأتي لكِ.

ولكنها سمعت صوت مريم الحازم الذي يقول:
-لا.. أريد أن أُرتب أموري بمفردي، وأفهم ماذا أريد، وأُترجم مشاعري، وأُنظم حياتي، وهذا لن يحدث إلا لو كنتُ بمفردي، فلو كانت لي عندك لو مقدار شعرة من محبة فلا تُ هقيني في الجدال، ولا تأتي أنتِ ولا إيدريان، الوداع.

لم تنتظر ردها وأغلقت الخط
أستندت على نافذة الطائرة، هذه المرة الأولى التي تقول فيها الوداع وليس إلى اللقاء، ولأنها تشعر أن اللقاء لن يأتي، وأنه وإن أتى سيكون مُغَبرًا ومُسودًا فاقدًا للأمل.

عند إيدريان وآليا

قالت آليا بغضب:
-هذه المعتوهة لا تُريدني أن أذهب إليها، تريد أن تكون بمفردها.

ربت على كتفها وقال:
-هي بحاجة لبعض الراحة، فالتتركيها وشأنها فهي أدرى بحالها.

تنهدت بيائس وقالت:
-أخاف عليها من ذاتها.

تخطى ما تقول وقال:
-قد حان وقت العمل، ويجب أن أُسرع لكي نعود لمريم بأسرع وقت، ستبقين هنا وأنا سأنطلق.

قالت باعتراض:
-حجتك قد ذهبت، فمريم قد رحلت، وأنا لن أتركك..

ثم أظهرت تكشيرة صغيرة حزينة ورفرفت بأهدابها بسرعة وقالت بصوت خفيض:
-أرجوك.

قال بملل:
-لن أنتهي من صياحك، هيا.

فقالت بفضول:
-ولكن إلى أين؟
-إلى مختبر هنا سنُجري به بعض الفُحصات للخِرقة التي وجدتها في مرحاض منزل دكتور انس.

حفنة النرجس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن